أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كلّم - غوَّار الطُّوشة: أَيقُونةُ الخداعِ والتّلوّن














المزيد.....

غوَّار الطُّوشة: أَيقُونةُ الخداعِ والتّلوّن


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 15:37
المحور: الادب والفن
    


حين تُذكَرُ الكوميديا السورية، يتصدَّرُ اسمُ دُريد لحام الواجهةَ بلا منازع، أو كما يحلو للبعض أن ينادوه: غوَّار الطُّوشة. شخصيَّةٌ تبدو على السطحِ كبطلٍ شعبيٍّ يسكنُ ذاكرةَ الجماهيرِ، لكنها في جوهرها مرآةٌ لمجتمعٍ مثقلٍ بالهزائمِ والأكاذيبِ.
غوَّار، الذي يتقنُ لعبةَ الأقنعةِ، هو مثالٌ حيٌّ على فنِّ الخداعِ الذي يرتدي ثوبَ الطرافةِ، حيث تقبعُ الأنانيةُ في قلبه كعقربٍ سامٍ يلدغُ أقربَ المقربينَ إليه.

هو "حكواتيٌّ" بارعٌ، لا يبالي إن كانت حكاياته منسوجةً بخيوطِ الكذبِ. تتراقصُ على لسانه الكلماتُ كالنسيمِ الرقيقِ، لكنها تحملُ سماً قاتلاً تحتها.
فهو كالسرابِ في الصحراءِ؛ يوهمك أنك اقتربتَ من الواحةِ، ثم تكتشفُ أنك كنتَ تلهثُ وراءَ وهمٍ.
غريبٌ أن يتمجَّدَ بالكذبِ من يدَّعي أنه صورةٌ عن المواطنِ البسيطِ؛ فغوَّار يمارسُ الكذبَ كطائرٍ يطيرُ، إنه موهبةٌ فطريةٌ تتجلى في كلِّ خطوةٍ يخطوها، وكلِّ حيلةٍ ينسجها.

كم من مرَّةٍ وقفَ غوَّار أمامَ الجمهورِ كملاكٍ مظلومٍ، لكنه في الخفاءِ يعقدُ الصفقاتِ مع الشيطانِ؟ إنه رمزٌ للخيانةِ، يغدرُ بمن وثقوا به ليحصدَ ما يراه نصيبهُ.

في غوَّار، تجتمعُ النقيضاتُ: هو من يصرخُ بالشرفِ، وهو ذاته من يبيعُ ضميره بأبخسِ الأثمانِ.

غوَّار يستغلُّ الصديقَ، يخدعُ الحبيبَ، ويتلاعبُ بكلِّ من يجرؤ على الاقترابِ منه.
هو أشبهُ بشجرةٍ تتظاهرُ بالظلالِ الوارفةِ، لكنها لا تُثمرُ إلا أشواكاً تمزِّقُ كلَّ من يبحثُ عن الراحةِ تحتها.

وفاءُ غوَّار هو كالريشةِ في مهبِّ الريحِ؛ لا قرارَ لها ولا قيمةَ.
يُقسمُ على الإخلاصِ في لحظةٍ، ثم في اللحظةِ التي تليها يبيعُ قسمه بثمنٍ بخسٍ.
صداقاته وهميةٌ، ووعوده كلماتٌ جوفاءُ تتطايرُ في الهواءِ كما الرمادُ من نارٍ خمدت.
غوَّار يتقنُ تمثيلَ الوفاءِ، لكنه في الحقيقةِ مجردُ ممثلٍ يؤدي دوره ثم يغادرُ المسرحَ بلا أدنى شعورٍ بالمسؤوليةِ.

هو سيدُ الدموعِ الزائفةِ، ومهندسُ الابتساماتِ المغشوشةِ.
يتلاعبُ بعواطفِ الناسِ كما يتلاعبُ العازفُ بمفاتيحِ البيانو؛ يجعلهم يضحكونَ حين يريدُ، ويبكونَ حين يشاءُ، لكنه لا يفعلُ ذلك حباً بالفنِّ، بل رغبةً في السيطرةِ عليهم. الحقدُ الذي يغلي داخله هو الوقودُ الذي يدفعه لممارسةِ هذه اللعبةِ القذرةِ.
هو أشبهُ بعاصفةٍ تتظاهرُ بأنها نسماتُ ربيعٍ، لكنها في الحقيقةِ تدمرُ كلَّ شيءٍ في طريقها.

غوَّار لا ينسى، ولا يغفرُ. يحقدُ على الجميعِ بلا سببٍ واضحٍ، كأن الحقدَ هو طعامه اليومي الذي لا يستطيعُ العيشَ بدونه.
يحفرُ في ذاكرتهِ كلَّ كلمةٍ سمعها، وكلَّ نظرةٍ وُجِّهت إليه، ليعيدَ إنتاجها في وقتٍ لاحقٍ كسهمٍ مسمومٍ يطلقه نحو خصومهِ وأصدقائهِ على حدٍ سواء.
هو بركانٌ خامدٌ في ظاهرهِ، لكنه ينفجرُ على حين غرةٍ، ليحرقَ الجميعَ بنيرانِ حقدهِ.

غوَّار، هذا الاسمُ الذي يُجمعُ بين جرسٍ موسيقيٍّ لطيفٍ ودلالةٍ مدمرةٍ، هو استعارةٌ حيةٌ لكلِّ ما هو معوجٌ في النفسِ البشريةِ.
كأنه "غرابٌ يتزيَّنُ بريشِ الطاووسِ"، أو "زهرةٌ تخفي تحتَ بتلاتها شوكاً ساماً". فيه من الجناسِ ما يجعله يغوي السامعينَ؛ يخلطُ الحقائقَ بالأكاذيبِ كما يخلطُ العطارُ أعشابهُ. وفيه من الطباقِ ما يكشفُ عن تناقضاتهِ الصارخةِ: الوفاءُ والخيانةُ، الضحكُ والبكاءُ، الحبُّ والحقدُ.

غوَّار الطُّوشة ليس مجردَ شخصيةٍ فكاهيةٍ عابرةٍ، بل هو أيقونةٌ معقدةٌ تحملُ في طيَّاتها كلاً من المأساةِ والمهزلةِ.
هو بطلٌ شكسبيريٌّ بامتيازٍ؛ يمشي على الحبالِ الرفيعةِ بين الخيرِ والشرِّ، لكنه دائماً ما يميلُ نحو الهاويةِ.
ربما أحبَّه الناسُ لأنه يعكسُ ما فيهم من ضعفٍ وخداعٍ، لكنه يظلُّ مرآةً مشروخةً تعكسُ بشاعةَ النفسِ البشريةِ بكلِّ تناقضاتها.

كنتُ أعشقُ تمثيله يوم كنتُ طفلاً، وكانت ضحكاته وحركاته تملأُ حياتي بالفرحِ والسعادةِ.
كانت شخصيته بالنسبة لي صورةً للمواطنِ البسيطِ الذي يعاني من ظلمِ الحياةِ، ويكافحُ من أجلِ البقاءِ وسطَ الهمومِ والمشاكلِ.
كنتُ أراهُ بطلاً شعبياً يواجهُ تحدياتِ الحياةِ بكلِّ حيلةٍ وذكاءٍ.

اليوم، أشعرُ أنني خُدعتُ وأنني كنتُ أسيراً لأوهامٍ كانت ترتدي ثوبَ البراءةِ. بعد كلِّ ما اكتشفته عن حقيقةِ غوَّار، أصبحتُ أكرهُ نفسي لأنني يوماً ما أحببتُ شخصيةَ غوَّار.
لم أكن أرى فيه إلا تلك الأبعادِ المضيئةِ، بينما كان في جوهره حكايةً كاذبةً مليئةً بالخداعِ.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صُلحُ الحُديبيةِ: اتفاقيَّةُ الهدنةِ التي مهَّدت لفتحِ مكَّة
- أَطفالُ غزَّة: شهادةُ حُزنٍ على خيانةِ العالمِ!
- الفلسطينيُّون: أُسطُورةُ الصُّمُود وأَيقُونةُ التَّحرير!
- أطفالُ غزّةَ: بينَ الألمِ والصَّمتِ العالميِّ!
- رحلةٌ في عتمةِ اللَّيل
- في عتمةِ الانتظارِ: حكايةُ ليلٍ لا ينتهي!
- الإعصارُ الناريُّ في لوس أنجلوس: كارثةٌ بيئيةٌ ودعوةٌ للتفكّ ...
- الأرقامُ الهنديَّةُ والعربيَّةُ في تاريخِ الرِّيَاضِيَّاتِ
- الرِّياضيات في الحضارة الإِسلامِيَّة: من الجبر إلى الفلك!
- سليمان فرنجية: زعيمُ الوفاءِ ورمزُ الشجاعةِ والثباتِ!
- أم ناظم: دموعُ الانتظارِ وحلمٌ ماتَ في أحضانِ الغيابِ!
- ناقةُ صالح: معجزةٌ ربانيةٌ وعبرةٌ أبديةٌ
- تاريخُ اكتشافِ الرَّقمِ صفرٍ: من الحضاراتِ القديمةِ إلى الثّ ...
- الريَّاضياتُ والاكتشافاتُ العلميَّةُ: السَّرِقاتُ الفِكرِيَّ ...
- كيف تجدُ الطُّيُورُ طريقها أَثناء الهجرةِ: أَسرارُ الملاحةِ ...
- غزّة: صمودٌ في وجهِ ظلمٍ عالميٍّ وخذلانٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ
- الوساطةُ المصريةُ القطريةُ: فشلٌ في إنهاءِ معاناةِ غزة!
- دورُ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ في تحديدِ الأَهدافِ العسكريَّةِ: ...
- نظرية فيثاغورس(Pythagorean Theorem): أصولها البابلية وتطورها ...
- تطوُّرُ علمِ المثلَّثاتِ (Trigonometry) في الرِّياضياتِ عبرَ ...


المزيد.....




- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”
- اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال ...
- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...
- يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي
- رحيل الممثل الأميركي جيمس رانسون منتحرا عن 46 عاما
- نجم مسلسل -ذا واير- الممثل جيمس رانسون ينتحر عن عمر يناهز 46 ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كلّم - غوَّار الطُّوشة: أَيقُونةُ الخداعِ والتّلوّن