أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد العمراوي - طريق طويل جدا مسار مهاجرين أجانب للمغرب















المزيد.....



طريق طويل جدا مسار مهاجرين أجانب للمغرب


أحمد العمراوي

الحوار المتمدن-العدد: 8234 - 2025 / 1 / 26 - 16:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المنفى لا يهتم بالمفاهيم الجغرافية، يهتم بالأسئلة التي تختص الجانب النفسي الداخلي.
نتحدث عن " مغادرة الوطن الأم " لقصد بلد المنفى للبحث عن مكان آخر غير بلد المولد
جليل بناني، الجسد المتهم، مفترق الطرق، 2014، ص: 148
كلنا مهاجرون:
الهجرة واللجوء. الترحال والاستقرار. طلب الإقامة والإقامة. الغربة والأنس. هي ثنائيات قد لا تُحد بتأشيرات زمنية أو مكانية ما دام التاريخ الإنساني ليس سوى تاريخ هجرات طوعية أو اضطرارية أو بالإكراه. فما الذي سيشكله لفظ "الأجنبي" والغريب " بالنسبة لي ولك؟
لعل المتأمل للوضع الإنساني عالميا حاليا عربيا ودوليا سيلاحظ هذا الانتقال المتزايد للمهاجرين من وإلى بلدان أخرى، جنوبا نحو الشمال، وشرقا نحو الغرب. قد يكون العكس هو ما حصل في الأزمنة السابقة، ولكنها الأيام، هكذا تدور. مسافات قد تحتاج إلى جهد بدني ومالي لتحقيقها، وقبل ذلك ستحتاج إلى مغامرة نفسية وجسدية.
قبل أزيد من سنة من كتابتنا لهذا المقال، مات أزيد من خمسة آلاف مهاجر في البحر. عم كان يبحث هؤلاء. من الشرق نحو الغرب ، زمن الجنوب نحو الشمال. هروب من الحروب ولكن أيضا من الديكتاتوريات في إفريقيا خاصة، وهروب من المجاعات وسوء المعيشة.
سيخصص يوم للمهاجر، ستخصص منافسات خاصة بالمهاجرين. ولكن عن أية هجرة نتحدث الآن ؟ نحن في المغرب 2016. أينما وليت وجهك ستلاقي هذه الأمواج المختلفة من الناس. هم مختلفو الشكل واللغة. سُمْرٌ في أغلبيتهم، أي أفارقة. فكيف يستقبل المقيمُ المهاجرَ؟ وكيف ستتعامل الجهات الرسمية وغير الرسمية مع هؤلاء المهاجرين؟ وكيف وصلوا للمغرب وعبر أي طريق؟ وما أقوالهم في الهجرة والحنين والغربة وغيرها؟
هذا ما يدور حوله الكتاب الجديد لجليل بناني:" طريق طويل جدا (1)، مسار مهاجرين أجانب نحو المغرب. ونحن لسنا أمام مؤلَّف عادي في حقيقة الأمر، بل أمام دراسة معمقة لحالات متشابكة ومتباينة رابطها البحث عن الذات بتغيير المكان. حالات نفسية، اجتماعية، ثقافية، إنسانية باختصار.
طريقة التأليف تمثلت في : الإنصات العميق لكل حالة ثم تصنيفها والتعليق عليها. والهدف هو الإخراج. إخراج البوح والإفراج عنه . طريقة متميزة ومثيرة شكلا وضمونا تصلح أن تتحول سيناريو لشريط سينمائي مميز.
عبر 200 صفحة من القطع الكبير، وبطبعة أنيقة جدا تأتي هذه الحوارات والتعليقات المكتوبة بطريقة فنية تمزج بين التحليل والتأمل، بين المكتوب والصورة. هي ضرورةُ أن يدخل المكتوبُ لهذا العالم، فمنذ سنوات ونحن نشاهد عبر الشاشة صورا لمآسي الهجرة ولا نفعل شيئا. يقول الناشر محمد الرتناني عن الكتاب، وقد أتى هذا المنتوج - يضيفف - بعد كتاب آخر أصدرناه قبله عقب أحداث شارل إبدو.
" حين يعجز الكلام تأتي الكتابة" هكذا عبر جليل بناني عن فكرة الكتاب في لقاء من اللقاءات التي عقدت على هامش إصداره. كتابة مَنْ؟ وعَمّن؟ ولمن؟ وهل تنوب الكتابة عن الكلام؟
جليل بناني هو محلل نفساني يحسن الإنصات، ولكن هؤلاء ليسو مرضى ، إنهم مهاجرون مختلفو اللغة والدين والهوية. وقد سبق له أن اشتغل على موضوع الهجرة في كتابات متعددة من أهمها : " الجسد المتهم" الذي صدر سنة 1980 عن دار غاليلي بباريس (2)، وأعيد طبعه سنة 2014 عن دار مفترق الطرق بالبيضاء (3). إلا أن الأمر سيختلف هنا، فالكتاب الجديد " طريق طويل جدا" هو رصد حي لحالات متعددة لمهاجرين أجانب أتوا إلى المغرب من بلدان مختلفة ولأسباب مختلفة أيضا، بينما "الجسد المتهم" هو دراسة نفسية لحالات مهاجرين مغاربين وعرب لهولاندا .
بغلاف أسود مؤثت بصور فوتوغرافية لأزيد من اثنتى عشر وجها لامرأة ورجل. هي صور لمهاجرين التقطت بعدسة المصور امحمد كليطو، وعن دار نشر هي مفترق الطرق، ستصدر الطبعة الأولى من هذا الكتاب" طريق طويل جدا، مسار مهاجرين أجانب للمغرب Un si Long chemin Parcoures de réfugiés au Maroc . على ظهر الغلاف نقرأ ما يلي: " بالمئات والآلاف يتخذ رجال ونساء طريق المنفى، هربا من العنف والاضطهاد والعنصرية والحروب. مخاطرة الموت ومواجهته ذلك هو تحدي المهاجرين.
إن الأقوال التي يتضمنها هذا المؤلف هي شهادات صادمة ومؤثرة ل 30 مهاجرا نحو المغرب، ينتمون ل 16 بلدا. أشخاص لم يحالفهم الحظ للعيش في بلدان مستقرة ، بلدان تتجه للمجهول. من هم هؤلاء الرجال والنساء؟ ما هو مسارهم؟
لقد قدموا بتاريخهم الشخصي وماضيهم الخاص للبلد المستقبل. هؤلاء الأشخاص يسائلون انفتاحنا على العالم . ما هو حظنا من هذه الأرض؟ ما الذي سنقتسمه؟ ما الذي يقدمه لنا هؤلاء " الأجانب" ؟
لقد قبِل هؤلاء اللاجئون أن يكونوا شاهدين على المسار الذي قطعوه. مسار ممزوج بالأشواك والمخاطر. نحو الإنسانية.
هندسة الكلام
على الجسر في بلد آخر، قال لي
يعرف الغرباء من النظر المتقطع في الماء
أو يعرفون من الانطواء وتأتأة المشي
فابن البلاد يسير إلى هدف واضح
مستقيم الخطى، والغريب يدور على نفسه حائرا
محمود درويش ، لزهر اللوز أو أبعد، رياض الريس، ص: 135

يتكون الكتاب من ثلاث مقدمات لكل من : السيد أنيس بيرو الوزير المكلف بمغاربة الخارج وشؤون الهجرة ، وإدريس اليزمي رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وجان بول كافلييري Jean Paul Cavaliéri رئيس : UNHCR ، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
تقديمات أجمعت على أهمية الكتاب (البحث والدراسة) ، " نحن نعول كثيرا على الإرادة الحقيقية للمعنيين بهذه السياسة أنفسهم، من أجل تحسين أوضاعهم وإدماجهم في المغرب" يقول أنيس بيرو في مقدته ( ص: 10 ) ، والتي سماها" مسألة ثقة. تقديم إدريس اليزمي سيتجه نحو التجربة الشخصية في مساءلته لواقع اللاجئ في بلاد المغرب " مغالق العالم" هكذا سمى مقدته، " أفكر في هذا " المشرد المجهول" والذي سيبقى هكذا إلى الأبد، ( من كان؟ ما الذي حمله معه من أحلام وما المشاريع التي لازمته بشكل أبدي؟) ، وأقول: في مكان ما من المغرب، من اللازم على أُمّ أن تنتظر أخبارا عن هذا الخيط الذي ذهب وأخذ معه أحلامها هي أيضا" ( ص: 14 ). ويعنون كفالييري مقدمته ب :" إشراقة حياة" ومما جاء فيها: حوالي 6200 لاجئا ومهاجرا سيفقدون في البحر الأبيض المتوسط منذ يناير 2015. وكم من المفقودين نجهلهم ضاعوا في الصحراء أو في طريق الهجرة ؟ هل المهاجرون هم مثلنا حقا؟ أكيد، ولكنهم يتفوقون علينا في قوة التشبث بالحياة رغم الفقد .(4)
لقد أضافت هذه المقدمات الثلاث ( ثمان صفحات) بعدا معرفيا للكتاب، باعتبارها صادرة عن خبراء في مجال الهجرة، بل وينتمون لزمرة من يتخذ القرار. هي إضاءة لفتح شهية القارئ للتقدم في هذا الطريق. طريق جد طويل.
يقدم جليل بناني لمؤلفه بصفحتين مركزتين يشير فيهما إلى أنه لكل شخص الحق في مغادرة بلده والعودة إليه كما تنص على ذلك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هنا، إلا أن المهاجر هنا سيغادر من أجل ألا يعود . الذهاب هو الأمل. هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه.الذهاب هو محاولة العيش(5). بتكليف من الهيئة العليا لللاجئين بالأمم المتحدة لم أتردد في قبول الدعوة في إنجاز هذا العمل أنا الذي شغلت بقضايا الهجرة منذ مدة طويلة، يقول جليل بناني، ّ في هذا السرد، يتجلى كل ما يتعلق بالأحداث بشكل أشد حيوية: المنفى، الاستقبال بكل أشكاله، الإقصاء والتهميش، الاضطهاد بكل أنواعه، المعتقد وكل ما يرتبط بما هو ديني.. (6).
يتضمن هذا البوح الشاهد على العصر لثلاثين شخصا: 20 رجلا، و10 نساء، والذي أنجز بين شهر شتنبر 2015 و شهر مارس 2016، شهادات حارقة لمهاجرين من أصول جد متنوعة من: أفغانستان، بروندي، الكامرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، الصين ( تركستان الشرقية) ، الكونغو، الكوت ديفوار، إيريتيريا، العراق، غينيا كوناكري، مالي، فلسطين، السودان، سوريا، تشاد، واليمن. هي رحلة إنسانية وطريق جد طويل للبحث عن الكرامة.
هندس جليل بناني بناني عمله الهام هذا على الشكل التالي: ثلاثة تقديمات غيرية، وتقديم المؤلف، ثم أربعة فصول هي : - الذهاب نحو بيتي الآخر – ألم وحنين – الاعتقاد وخلق المستقبل – الإبداع والنجاح في المنفى. وخاتمة : تفكير في المنفى.

الفصل الأول : الذهاب إلى بيتي الآخر.
العمال الذين يهاجرون من بلدان فقيرة إلى بلدان غنية يبدلون في الواقع نموذجا اجتماعيا بآخر، ونتيجة لذلك فإن إنتاجاتهم تنطلق إلى الأعلى
بول كولير، الهجرة : كيف تؤثر في عالمنا، عالم المعرفة، غشت 2016، ص: 43
مروان، ديان، سليمان، طارق، باسل، ريم، جميل هم مؤثثو فضاء الفصل الأول. بين مروان السوري الذي سيتحول إلى رجل أعمال يستقر بالدار البيضاء، وديان القادمة من الكوت ديفوار التي تشتغل بالصليب الأحمر ثم طبيبة اختصاصية في الأطفال ،حكاية تفوق وانتصار على المنفى. من جهة أخرى ما يجمع سليمان الذي يطلق على نفسه لقب " المغربي القادم من السودان، طالب نال حق اللجوء للمغرب منذ مدة وبين طارق السوري ( 53 سنة) والذي قدم للمغرب منذ 2007، وهو مختص في حفر الآبار العميقة اختلاف في رؤية الآخر ( المقيم الأصلي المغربي ) لكل منهما، السوري أكثر قبولا نظرا لمشترك اللغة والدين خاصة. من شخصيات الفصل الأول أيضا نجد باسل السوري المقيم مع طارق زوج أمه: خجول ومؤدب يقول عن علاقته بالمغرب: " الإسلام يجمعنا. والسوريون يتواجدون في كل بقاع العالم حاليا، وهنا (في المغرب) نشعر بالحرية والأمن" (7). ثم اليمنية ريم ( 39 سنة) ، لقد قدمت للمغرب كطالبة رفقة زوجها، اشتغلت مدرسة للرياضيات، إلا أنها ستواجه صعوبات لكونها تجهل اللغة الفرنسية المعتمَدة غالبا في المغرب بالنسبة للمواد العلمية. تقول: " إذا وجدت عملا قارا في المغرب فسأقيم به" (8). وعلاقتي جيدة مع المغاربة الذين يعتقدون في الغالب بأنني مغربية ، تضيف ريم. جميل يمني آخر هو زوج ريم قدم لدراسة العلوم السياسية بالمغرب، من وجدة ثم سيقيم قريبا من الرباط. عن اختياره للمغرب يصرح بأن ذلك تم بناء على نصائح من أصدقاء يمنيين قدموا قبله للمغرب، "هنا نجد الحرية والديموقراطية. المغرب بلد جميل " (ص: 56).
كعادته في كل فصل يختم جليل بنان هندسته للمؤلَّف بخاتمة: من صفحتين . في الخاتمة الأولى (ص: 58- 59 )، يعلق الكاتب على حواراته باستنتاج من أهم ما ورد فيه: - الروابط الاجتماعية ستتغير في المنفى – اللغة ، الدين العادات ستتأثر وستؤثر في وبالبلد المستقبِل - للعامل السياسي تأثير أكثر من غيره على المهاجر – يعتبر المغرب دائما كصلة وصل بين الشرق والغرب، بين الشمال والحنوب – حالة المهاجر ستشهد على التحولات التي يعرفها المغرب على عدة مستويات.
الفصل الثاني: ألم وحنين.
لم أعد أعرف كيف أمشي
بهذا الحذاء الحديدي المحشو بالمسامير،
الحذاء الذي تشارك في صنعه المطاعم والمتاجر
لم أعد أعرف أعرف كيف أمشي
غابات القتلى، تلك التي تختفي وراء الأبواب،
وأنت أخفيتٍ، إذن، جراثيمك،
أيتها الأبدية القاتلة
أدونيس تببأ أيها الأعمى، دار الساقي، ص: 157
الزهور الذابلة: هذا ما تطلق على نفسها هذه اليمنية التي قدمت للمغرب سنة 2014، وقد حصلت على صفة لاجئة سنة 2005، من أسرة تتكون من سبعة إخوة بنات وأخ ذكر مشتتون في بلدان عربية عدة. زارت المغرب عدة مرات قبل أن تستقر به هربا من الحرب كما تقول. 99 ٪ من اليمنيين في المغرب هم طلبة " لم نشعر باختلاف في المغرب باعتبارنا يمنيين" (9) تقول الزهور. " العرب لا يفكرون إلا في الماديات...كما هو الشأن في العالم الثالث، وفي اليمن نولي اهتماما بالغا للتعليم الابتدائي لأنه هو أساس كل شيء" (ص: 92) تضيف معلقة على عدم تمكينها من أجرة جيدة حين تبحث عن عمل كمدرّسة في مؤسسات ابتدائية هي حاملة الدكتوراه في الأدب.
عبد القادر القادم من إريتيريا ( 54 سنة )، قدم أول مرة للمغرب سنة 2012. كاتب ومؤلف باحث يهتم بالقضايا السياسية . قدم من سوريا هربا من الحرب. " ثلاثون سنة من الحروب ، بلا كفاءات علمية وبلا ثقافة ... الجهل هو عدو التقدم...الأصعب ليس هو نيل الاستقلال بل بناء الوطن" (ص: 88) يقول عبد القادر. فالمغرب بلد استقبال جيد إلا أنه خلافا للدول الأوروبية لا يواكب حسن استقباله بالخدمات الضرورية كالصحة والتعليم والسكن. لقد أثرت مخلفات الحرب نفسيا على عبد القادر.
مونيكا ( 28 سنة من جمهورية إفريقيا الوسطى). حزينة ومبتسمة رغم ذلك ، حاصلة على الإجازة في علم الاجتماع، بعد رحلة لعدة دول إفريقية ستستقر في المغرب ببطاقة لجوء حصلت عليها سنة 2015، فمنذ الانقلاب الذي حصل لم يعد هناك أمان للمسلين في جمهورية إفريقيا الوسطى، لقد دمر منزلها ومات أغلب أفراد عائلتها. " قبل الأحداث، لم يكن هناك فرق بين المسلمين والمسحيين. إن السياسيين هم من خلقوا هذا" تقول بحسرة شديدة (ص:82). الحنين والحسة هو الغالب على حديث مونيكا.
مانويلا ( 30 سنة من الكوت ديفوار). قدمت إلى المغرب سنة 2011 وحصلت على بطاقة اللجوء سنة 2012. حديثها مفعم بالحنين وتتذكر بمرارة ما حصل لها حين غادرت الدراسة للعمل بعد الزواج " ليس كل شيء على ما يرام هناك... كل شخص يهتم بشؤونه الخاصة ، وتبقى في مواجهة نفسك وإمكانياتك الذاتية فقط" ( ص: 75) تقول مانويلا. وما حدث لها في المغرب مع مشغلتها أثر عليها كثيرا " أرى المغرب وأرى الكوت ديفوار، لا شيء يروق" (ص:78). لقد ضيعوا جواز سفري ولم أتمكن من العودة إلى بلدي ،تضيف. لقد فقدت الثقة في كل شيء وأصيبت بإحباط. ولعل تعاون جهات مختصة من نفسانيين واجتماعين يساعدها في الخروج من حالتها هذه.
إبراهيم ( 35 سنة: الكوت ديفوار). متعب ومريض وشبه يائس هو أيضا. يكاد يكون بلا عمل. رحل الكوت ديفوار سنة 2001 . لينتقل إلى مالي ثم الجزائر فوجدة ثم الرباط سنة 2004. وبعد المطاردات التي عرفها مهاجرو جنوب الصحراء سيرحل إلى الصحراء ثم سيعود إلى البيضاء سنة 2006. سيعود إلى الجزائر للبحث عن عمل بيم 2007 و2009. يعاني من أمراض متعددة منذ 2011. حين عاد إلى المغرب. وحيدٌ ولكنه يعترف بأن هناك تغييرا في المغرب " منذ سنتين وقع تغيير كبير، الحالة هادئة، وقبل هذا كنا نخاف دائما... كنا نخرج جماعات لتجنب الانفراد. وحتى مع حصولك على شهادة الحق في اللجوء فإنه كان يزج بنا في سيارات الشرطة ولا يطلق سراحنا إلا مساء" (10). حزنه الكبير يتأتى من الفراق الكبير الذي يفصله عن زوجته وأبنائه منذ 11سنة، ولا يتواصل معهم إلا عبر الأنترنيت أو الهاتف. حالته تلخص حالة الكثير من أمثاله .
أباكار ( 48 سنة : تشاد) . يستوطن المغرب منذ 1999. وقد حصل على حق اللجوء سنة 2001. " لا أحد يختار هجرته ومنفاه، الظروف التي يعيشها البلد هي ما يدفع للرحيل" ( ص: 65) يقول أباكار. وفي تشاد ، يضيف، " في إفريقيا، إذا كا هناك شخص ينتمي لجهة معينة سياسيا، فإن جميع العائلة ستسانده بالانتماء للجهة نفسها. الكل يجتمع على نفس الأهداف" (ص: 63). قاوم كثيرا إلى أن حصل على مهمة متعاون في الاتصال لمؤسسة شرق-غرب لشؤون اللاجئين. يتخصص الآن في السهر على الجانب الطبي والتعليمي للمهاجرين، ويقوم باستطلاعات في هذا المجال.
تعليق الباحث:
الصدمات والماضي والإحباط هو ما يعمق عزلة المهاجر ويضاعف من معاناته – الذين عانوا ويلات الحروب وفقدوا آباءهم وهم صغارا يتضاعف لديهم الاكتئاب والقلق – الحنين لا يفارق المهاجر فهو يسكنه باستمرار – قد يشعر بعض المهاجرين بالذنب متأسفين عن مغادرتهم لبلدانهم – العودة شبه مستحيلة والإقامة الجديدة محفوفة بالأخطار دائما .
" الحصول على بطاقة اللجوء شكل من أشكال الاعتراف بحق الآخر يجعل المنفي في أمن. وهنا يبتدئ العمل في الإدماج. وبدون اعتراف فإن الإقصاء هو ما يسود" ( ص: 95 ) يختم جليل بناني الفصل الثاني من رحلته.
الفصل الثالث : الإيمان الراسخ بالحياة وخلق المستقبل.
وبعد سفر عشرين ساعة مضاعفة تبلغا بقليل من الزاد
وبعد ثلاثين ساعة مضاعفة، توقفا ليمضيا الليل،
ثم انطلقا سائرين خمسين ساهة مضاعفة، في أثناء النهار،
وقطعا مدى سفر شهر ونصف الشهر، في ثلاثة أيام
ملحمة جلجاميش، ترجمة طه باقر، كتاب الدوحة، شتنبر 1016،ص: 58.
ستيفان ( 49 سنة ، الكوت ديفوار). عراف يقول أنه توارث ذلك عن أجداده. العيش بالمغرب هو تحدّ، يقول ستيفان. تعرض لاعتداءات ولكنه لا يخاف من ذلك بل يدافع عن نفسه، وهو يرجع الأمر إلى طيش الشباب ، فالمغاربة ليسوا عنصريين حسب قوله.ولكن" على المغاربة أن يبدلوا مزيدا من الجهد للتعايش معنا" ( ص: 101). " والمغربي لا يقبل أن تهان امرأة حتى ولو كانت من إفريقيا جنوب الصحراء، فالنساء محترمات أكثر منا" (ص: 102).
كلوريا ( 47 سنة: الكونكو). مقيمة في المغرب منذ 2014. متزوجة وأم لطفلين.تشتغل بالمغرب حلاقة، وأيضا مساعدة في أشغال البيت وحضانة الأطفال. تشعر بالوحدة غالبا، ولذلك لم تستطع حضور حفل زفاف دعيت له من طرف عائلة مغربية واعتذرت. هي تحب البقاء في المغرب لأنه يوفر لها الحماية لبنتيها، عكس ما يمكن أن تتعرضن له من اغتصاب أو تعنيف. المغرب بلد مضياف ولكن يلزم المزيد من الجهد في مجال التعليم، وهو ما ينقص المهاجرين الأفارقة حسب قولها ( ص: 107.)
نادية ( 51 سنة : بروندي). اشتغلت سكرتيرة ومحاسبة وحصلت على شواهد في ذلك. تعتبر روندا جنة بهدوئها، ولكنها قدمت للمغرب مع عائلة كان رب البيت فيها يشتغل تابعا للأمم المتحدة. تشعر ببعض الأمان في المغرب إلا أنها تتعرض كغيرها لبعض المضايقات. ذات 51 سنة. اكتسبت صديقات مغربيات. ولم تعد لروندا بسبب سوء الأحوال. وهي تتعجب من المغاربة الذي ينعتون المهاجرين بالأفارقة رغم كونهم هم أيضا أفارقة ( ص: 111).
مينزي ( 18 سنة : غينيا-كوناكري). قدم للمغرب سنة 2012 عبر مالي. فقد أبويه وهو في سنة الرابعة في حرب ليبيريا. يزور معالجا نفسانيا باستمرار، ويحس أن الآخرون لا يفهمون المهاجر بشكل جيد فحين يضايقني أحدهم أفتح معه نقاشا فيكف عن ذلك ( ص: 114). هوايته الموسيقى وكتابة الشعر، ومما كتبه أغنية: اقترب مما يقول فيها : اقترب يا صغيري / لا أفكر إلا فيك يا صغيري / ثق بي يا صديقي / أنت كل ما لدي يا صغيري / أنا هنا من أجلك فاقترب يا صغيري / أنت لي صدقتي لا أريد تعذيبك فثق بي. (ص: 114 ). اشتغل في الحلاقة قبل أن يحاول التفرغ للموسيقى. أمنيته هي أن يساعد المغاربة الأفارقة على تحقيق أمنياتهم حين لا يمتلكون مالا.
سارة ( 16 سنة: كونغو-كنشاسا). هي معاناة قاصر، أصغر المهاجرين والمهاجرات، خجولة وقليلة الابتسام. كانت في وضعية صعبة جراء فقدانها لأبويها في الحرب وفرارها. بعد وفاة عمها ستضطر للمغادرة لبرازفيل تم بينين ثم النيجر فالجزائر. ستتكفل بها إحدى السيدات وتهيئ لها جواز سفر مالي مزور وترغمها على ممارسة الدعارة." إذا لم تفعلي هذا فسأتركك في الطريق، فليس لنا مال لنستمر " كانت تقول لها" (11). في المغرب ستغادرها سيدتها، ستقضي أياما بالشارع قبل أن تتكفل بها سيدة أخرى. في البيضاء ستتصل ب HCR محاولة الحصول على بطاقة اللجوء. ستقيم مع سبعة من القاصرات. " أريد أن أدرس، أريد تربية، أريد مستقبلا...ليس لدي أبا ولا أما ولا أخا...الحرب تدمر كل شيء" .(12) إذا تلقيت تربية وتعليما سأبقى في المغرب تضيف بحسرة.
أمينة ( 41 سنة : سوريا )، سورية من حلب دخلت المغرب سنة 2015، عمتها متزوجة من مغربي لذلك فهي تعرف المغرب الذي زارته عدة مرات. تشتغل في الخياطة. هاجرت بتأشيرة وبقي زوجها عالقا بالحدود اللبنانية. هي متفائلة تتلقى مساعدات مالية من أسرتها في سوريا وتقول أن السوريين الذين يتسولون ليسوا سوريين حقيقيين، فهذا غير موجود لدينا تقول.(ص: 124). المغرب بلد جميل وسياحي ولكن المعيشة به مرتفعة تضيف أمينة. وما تتمناه هو أن يلتحق بها زوجها.
أبوبكر ( 18 سنة : مالي)، قدم للمغرب سنة 2012، قتل والده من طرف الجهاديين حين تحول إلى راهب مسيحي وأمه ستموت أثناء الوضع سنة 2007. سيفر مع جماعة من معتقل وسيتوجه نحو المغرب." ليس لدي مشكل مع أغلب المغاربة" يقول أبو بكر ( ص: 129). يحب القراءة ويحمل معه الجريدة دائما. هو متتبع للأخبار السياسية عبر الوسائط الاجتماعية. أمنيته أن يكون رئيسا لبلده. " نحن لم نستطع بعد الاندماج في المجتمع المغربي. في مالي توجد 63 إثنية مختلفة. عرب، توارك، بمبارة...التنوع يضيف الكثير للبلد، على مستوى المهارات وعلى مستوى فن العيش. من غير ذلك فالعلاقة هي علاقة نفاق ( ص: 129 ) . " المغرب يتقدم سريعا، ويظهر ذلك من البنية التحتية، مالي بلد غني بفلاحته ولكن للمغرب استقلالية أكثر. ( ص: 129).
سيرين ( 62 سنة : فلسطين). حصلت على بطاقة اللجوء وعلى بطاقة إقامة لمدة عشر سنوات. من أبوين مهاجرين بالعراق ستعايش حربي 1987مع إيران، و 1991 مع الكويت. كانت تملك محلا للحلاقة ببغداد، فقدت الكثير من أهلها في الحروب، " المغاربة يحملوننا فوق أعينهم رؤوسهم"(ص:134) أمنيتها الكبيرة هي الحصول على الجنسية المغربية. يقدم له المغاربة أضحية العيد كل سنة. هي اختارت اسمها. وهي متفائلة تحب الأشجار والطبيعة. " نعم، تنام الأشجار، ولكنها تستيقظ، منتظرة أن فعل بها ما نشاء. سيرين مثال للمقاومة الذاتية العالية لفلسطينية من القدس.
تعليق الكاتب:
اختلاف المعتقد لم يكن يشكل عائقا للتواصل بين شعوب الشرق الأوسط وكذا بالنسبة لأفارقة جنوب الصحراء. حدثت الفرقة بعد نشوب الحروب داخل هذه الشعوب. المعتقدات التقليدية تسبق الديانات التوحيدية. والمهاجر الأكبر سنا يحمل معه هذه المعتقدات أينما اتجه. والمهاجرون يتواجدون في منفى جسد أكثر من تواجدهم في منفى داخلي. وبالنسبة للشباب فإن ضياع الهوية هو أكبر خسارة بالنسبة لهم. هم يعتقدون في المستقبل ويتخلصون شيئا فشيئا من ماضيهم أو يحاولون ذلك على الأقل. الإيمان بالمستقبل هو علاج بالنسبة لهم من أجل فتح باب للمستحيل ( ص: 137 ).
لعلنا نلاحظ بوضوح في تعليق جليل بناني هنا عودة المحلل ولو بشكل عام، وهو أمر حاول التخلص منه باللجوء إلى منهج البحث والاستقصاء عوض التحليل النفسي.
الفصل الرابع: الإبداع هو النجاح في المنفى.
منذ منذ غاب عنا ذلك الغريب
أضحت خرائب قاتمة
تصفر فيه الريح
تعصف فيها الغربان
محمد الماغوط، الأعمال الكاملة، دار المدى، ص: 103.
نوفي ( 32 سنة: الكمرون): متفائل وحيوي، يقيم في المغرب منذ 2010. شاعر يعتز بقوة شخصية والدته، ويتحدث عنها بهذا المقطع الشعري: " يحسن الاختباء في الغابة ليسكب دموعه حين تكون له الرغبة في ذلك" ( ص: 141). أبوه خياط بالكاد يعيل عائلته. نوفي حاصل على الماستر في القانون. هو مؤلف لعدة كتب: دواوين شعرية، كتابات حور الزنوجة مستوحاة من كتابات ليونيل سيدار سانغور وإيمي سيزار. الألم والحسرة والصدمة حاضرة في أشعاره. كتب أول أشعاره نتيجة وفاة عمته بسبب تعنيف زوجها لها. صعوبات وآلام يحملها معه منذ اغتيال جديه أمام أعين والديه" والحروب التي تمر هي امتداد للعهد الاستعماري حسب قوله ( ص: 142). سيشتغل إسكافيا بالمغرب. ثم بناء . ثم مدرسا للغة الفرنسية بإحدى المؤسسات الخاصة. سينتقل بعدها لدروس خصوصية قبل أن يؤسس سنة 2014 مقاولة إعلامية. سينجح في عمله لكنه لا يستطيع مغادرة المغرب لعدم توفره على الوثائق اللازمة . بالنسبة للمغاربة فهم لا يستطيعون إدماج الغرباء" يقول نوفي ( ص: 143). ثم يضيف " علينا التحر من الماديات لمعانقة حياة أخرى ( ص: 143). الأمل والقوة والتفاؤل يبقى سيد الموقف بالنسبة لنوفي.
كريستيان ( 36 سنة: الكوت ديفوار): أب لثلاثة أطفال يعيش مع زوجته بحي اليوسفية بالرباط. دخل المغرب سنة 2011. كان تشيطا في العمل الجمعوي والسياسي بالكوت ديفوار. سيُحرق منزله ويتابع من طرف السلطات قبل أن يختبئ مع الأطفال والنساء في مخبئ. اختار المغرب بعيدا عن الدول المجاورة التي لا تسلم من صراعات وحروب. نحن نشعر بحرية التنقل في المغرب يقول كريستيان، فبإمكانك أخذ طاكسي دون أن تتهم بسواد بشرتك عكس ما يحصل في الجزائر ( ص: 148 ). يحلم بأوروبا كغيره ولكن بشكل أقل . ولكنه يشعر بالظلم أحيانا بما أن الكسالى الذين لا يشتغلون ويكذبون يحصلون على مساعدات دولية وهو يكافح لوحده. يشتغل بالسيليغرافيا في بيته. حين يتعرف عليك المغاربة فالأمر جيد يقول والعنصرية موجودة في كل مكان حتى في أوروبا وهي مقنعة في المغرب بحيث لا تضطهد أو تعنيف علنيا في الشارع الآن ( ص: 149 ). اعتنق الإسلام بالمغرب وأحس أنه مرحب به في البلد أكثر خاصة حين يعلم الناس بأنك تصلي. كريستيا طموح ومقاوم ويتمتع بمعنويات عالية قد تؤهله للنجاح في بلد كالمغرب.
موسى ( 37 سنة: الكوت ديفوار): تاجر لمواد ومنتوجات إفريقية وحلاق. قتل والداه في الحرب وهو متألم لكونه لو يستطع دفنهما. "كنا جماعات، كل جماعة تتكون من ثلاثين فردا، هاجرنا أولا نحو غينيا ثم مالي فالجزائر ثم المغرب ( ص: 154 ). في طريق شاق على الأقدام ليلا كانوا يسيرون، في المغرب لا نخرج جماعات لآن المغاربة لا يحبذون ذلك فيخبرون الشرطة أحيانا، يقول موسى. سيشتغل مصورا للحفلات ثم سيفتح دكانا لمواد التجميل. محب للموسيقى وبواسطتها استطاع أن يقيم علاقات جيدة مع المغاربة. موسى مثال للمكافحة والاعتماد على الذات، فلم يسبق له أن مد يده للاستجداء. بالصبر والمثابرة يمكن للمهاجر مرغما أن يحقق ذاته في بلاد المهجر.
أحمد ( 29 سنة : أفغانستان): من عائلة غنية. يتابع دراسته بالمغرب بمساعدة من والديه ولكنه يعتبر لاجئا سياسيا.الأفغان قلة بالمغرب، وحلمه أن ينجح في دراسة الطب." لا أشعر بأي ميز من طرف المغاربة باعتباري مسلما ولا حتى الأفغان غير المسلمين يشعرون بذلك" (ص: 159 ). مشكلته الوحيدة هي ابتعاده عن أمه التي يحبها كثيرا لدرجة أنه وضع اسمها في عنوان بريده الإلكتروني. يواجه صعوبة مع المرضى لعدم معرفته بالدارجة المغربية. أحمد طالب بدون تاريخ، هكذا يبدو، لكونه يرفض الحديث عن ماضيه. أحمد هو مثال لمن نجح في الهجرة. حلمه النجاح في دراسته وملاقاة والديه.
مصطفى ( 38 سنة: العراق) : صحافي يقطن بالمغرب منذ عشر سنوات. كان يشتغل في قناة الجزيرة الرقمية للأطفال في العراق. تعرض لتعذيب إبان الحرب في العراق . ليس هناك بلاد لا يوجد عراق منذ داعش والحرب السورية، يقول مصطفى ( ص: 163 ). اختار المغرب بنصيحة من أصدقائه الذين سبقوه قائلين: " إذا حضرت للمغرب فلن تغادره أبدا " ( ص: 163 ). اشتغل مراسلا للجزيرة قبل أن يتم إيقافها في المغرب، ثم سيشتغل حارسا عاما بإحدى المؤسسات الخاصة، ثم أسس مع زميل له شركة لتربية الدواجن، لينتقل بعدها للمتاجرة في كراء السيارات. ما يزعجه هو التقدم كل سنة لتجديد طلب اللجوء السياسي بالمغرب. حائر وخائف على مستقبل أطفاله الذين يدرسون بالمغرب، ويعرفون الدارجة المغربية جيدا. مصطفى واحد ممن نجحوا أيضا في المهجر بإصرار ومثابرة.
فتحي ( 41 سنة : سوريا) : تلقى رصاصة في كتفه في مظاهرات طلابية في بلده. سجن لمدة ستة أشهر، ثم سيهاجر للأردن أولا، ثم الجزائر، فالمغرب. سيستقر بالقنيطرة، لا يفضل دول الخليج فالسوريون غير مرحب بهم هناك، والمغرب بلد جميل به حرية كبيرة. فتحي يشتغل ويعتبر العمل عبادة. ويعتز بسوريته متأسفا على ما آلت إليه الأوضاع في بلاده. يقول عن العرب بأنهم اتقفوا على ألا يتفقوا ، ويتمنى لو يتمكن من تجديد جواز سفره، مؤكدا على تعلقه بالمغرب والمغاربة.
نزار ( 30 سنة : سوريا ) : يشتغل مع ابن عمه فتحي في محل للألمينيوم بالقنيطرة. عن مغادرته للأردن يقول: " عدد سكان الأردن ثلاثة ملايين ونصف، وعدد المهاجرين السوريين ثلاثة ملايين، لقد أصبح الأمر جد صعب بالنسبة لنا جميعا" ( ص: 172). يفضل البقاء في المغرب على الذهاب إلى أوروبا بسبب الدين وبسبب علاقاته الجيدة مع المغاربة. يتذكر ويفكر بحسرة كيف هاجر من سوريا بعد أن تمكن من إنشاء ثلاثة معامل للألمينيوم هناك. لكنه دليل آخر على النجاح والعمل رغم كل المصاعب. العمل هو فخره ومستقبله ووسيلة إدماجه في المغرب.
يلماز ( 44 سنة: تركستان الشرقية) : قدم إلى المغرب سنة 1999، متزوج من مغربية وله منها أربعة أطفال يتقنون الدارجة. كان يشتغل جمركيا في بلده حين اتهم بمساعدة المتمردين على تسهيل مرور بضاعتهم. كان البلد مقسما إلى جهتين الأولى تابعة لروسيا والثانية للصين. سيهاجر لباكستان أولا، ثم سيؤدي متاجرين في أمور الهجرة طالبا الذهاب إلى كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية، ليجد نفسه على شواطئ الناظور أو طنجة معتقدا أنه وصل كندا، سيسأل سائقا عن عاصمة البلد الذي هو فيه ليخبره إنها الرباط. غير متأسف سيقاوم ويذهب لأحد الأسواق يشتري بضاعة ويعاود البيع على الطريق أولا. سيتزوج بعد سنة، سينشئ بعدها مقاولة صغيرة في مواد البناء التي يستوردها من تركيا. يقول إن المغرب أجمل بلد في العالم " ( ص: 177 ). لقد استطاع أن يشغل معه الكثير من العائلات المغربية. ولا ينقصه إلا الجنسية وجواز السفر. نموذج آخر للتحدي والنجاح ولو في الغربة.
معاوية ( 30 سنة: سوريا) : مسلم سني من أب يشتغل مدرسا للرياضة البدنية. من لبنان إلى الجزائر ثم المغرب. سيموت أبوه في سوريا جراء عدم تمكنه من دواء خاص بالرئتين بسبب الحرب. في تمارة سيستفبله بعض الأشخاص بمساعدة على الإقامة ببيت مع بعض الأثات، سيتمكن بعدها من الاشتغال كناذل في إحدى المطاعم السورية. يجدد أوراق الإقامة سنويا دون اعتراض. يقول معاوية: "المغرب بلد نظيف، إذا كان لديك 10 دراهم يمكنك أن تأكل، الخضر والفواكه تباع على الطرقات وبأبخس الأثمان، أين يمكنك الحصول على مثل هذا في العالم" (13) . معاوية مصر على الحياة رغو الحروب والدمار والقتلى. مع اللائنسنية توجد إنسانية.ولكن طريق طويل لتحقيق ذلك طريق جد طويل.
تعليق الباحث:
اللجوء حتمية بالنسبة للمهاجر، ولذلك فهو يحتاج لتجديد ذاته بالتلاؤم مع البلد المستقبِل. البحث عن وسيلة للتعايش بعمل مشرف كالتجارة والنجارة والحلاقة وأعمال البناء هو هاجس للتطلع نحو المستقبل. وتغيير المهنة والحرفة أمر تقتضيه ظروف المهاجر. وتبقى محاولة الاستقرار المادي والاجتماعي أهم محفز للنجاح، وعلينا مواكبتها بالتشجيع والمواكبة، يقول جليل بناني. ولعل قبول المهاجرين في الفضاءات العامة دون مضايقة خير وسيلة لمساعدتهم. " العيش المشترك يمكن تحقيقه في البلد" (14)
الخاتمة : تفكير المنفى.
إذن تعدد الاعتبارات المشتركة، والثقة وردود الأفعال الرادعة ضد أولئك الذين يسيئون التصرف من الدعائم الأساسية لمجتمع تسود فيه العدالة والتعاون. كيف تون لهذا علاقة بالهجرة؟ المهاجرون لا يأتون فقط برأس المال البشري الذي تولد لديهم في مجتمعاتهم الخاصة، وإنما يأتون أيضا بقواعد أخلاقية من تلك المجتمعات.
بول كولير،الهجرة كيف تؤثر في مجتمعنا، س: 73
في ختام رحلته الممتعة للهجرة داخل وخارج الذات بمختلف تلويناتها، يضع المحلل النفساني والاجتماعي هنا رأيه في الظاهرة متحللا شيئا ما من قيود ضوابط الإنصات النفسي الفرويدي واللاكاني. ويلخص رحلته هذه رابطا إياها بما كان قد اشتغل عليه سواء أثناء إقامته بفرنسا وبأوروبا عامة من خلال الاشتغال على وضعية المهاجر المغاربي مع تحديات الاختلاف، أو من خلال اهتماماته بمسألة الاختلافات بكل أبعادها الثقافية، ليخلص إلى أن ما استنتجه، يتلخص في خمس نقط أساسية: الصدمات، الهويات، الديانات، القطيعة، والضيافة أو الاستقبال.
يخصص خمس صفحات كاملة لتوضيح رأيه. رأي المحل النفساني ورأي الباحث الاجتماعي. فبسب الصراعات والحروب يلجأ المرء إما إلى الانحياز لجهة ضد أخرى، وإما إلى الخروج والهجرة من البلد. خروج سيكون متبوعا بصدمات جسدية ونفسية خاصة.
الصدمة قد تكون قاسما مشتركا بين هؤلاء اللاجئين.خاصة بالنسبة للذين عايشوا القتل والفقد لذويهم أمام أعينهم، أو للذين هُجّروا فسرا من بلدانهم كالسوريين مثلا. ليس لكل الناس قدرة على التحمل، فالأطفال هم أول ضحايا الحروب والصراعات. ولكن هذا قد يدفع لقوة مضادة لتحمل الحياة، وقد يدفع أيضا للتطرف من أجل البحث عن هوية ضائعة ففي الشرق الأوسط كما في نيجيريا ومالي وباكستان وسوريا يظهر تأثير الصدمات بجلاء على اللاجئين.
بالنسبة للهوية فالمهاجر يخضع لثقافة أخرى مغايرة، وعادات مختلفة وتصرفات ترتبط بالبلد المستقبل. ثقافة اللاجئ ترتبط بجذوره، بأبويه، بل بأجداده خاصة. وهناك من يستطيع التأقلم مع الوضع الجديد وهناك من يجد صعوبة، وكل ذلك يرتبط بتركيبة الفرد النفسية وتاريخه الشخصي. وما قد يسهل الأمر على هؤلاء هو ما يعرفه المغربي من تأثير ثقافي لما هو عربي وأمازيغي وصحراوي حساني وكذا أندلسي ومتوسطي وإفريقي وعبراني. فالعربي قد يجد هوية متقاربة وكذا الفركفوني. وتواجد العربية والفرنسية والأمازيغية تؤثر على لاوعي المغربي وتجعله أكثر انفتاحا.
يمثل الدين بالنسبة للمهاجر سندا للاندماج في بلد الاستقبال. فبالنسبة للاجئ المسلم للمغرب فالأمر سهل بما أن المشترك الديني يساهم في الاندماج بسهولة. وخلافا للمتطرفين فإن اللاجئين لا يتخذون من الدين مطية لبلوغ أهدافهم، فهم في غالب الأحيان قد فروا من ويلات الصراعات الطائفية والدينية والسياسية المتطرفة.
يشعر اللاجئ بقطيعة بينه وبين أصوله التي نشأ فيها، لذلك فهو يعيش يومه مضطربا منتظرا ، وهجرته هي رفض للحروب والإقصاء والتضييق. لذلك فهو يبدع ويجتهد للمحافظة على وضعه الجديد، والقطيعة تساهم في الإبداع. فبعد رحلة طويلة في الصحراء مع العزلة والوحدة يشعر المنفي بالمسؤولية. ثم هو يقطع مع الجماعات القديمة ليدخل في أخرى جديدة. الهجرة والمنفى عنوان كل لاجئ، والسفر منذ التاريخ القديم كان إضافة للشخص وللتاريخ سواء بالإقامة الدائمة أم المؤقتة، أليس هذا ما نكتشفه منذ هوميروس وأفلاطون وابن بطوطة؟
الضيافة أو حسن الاستقبال صفة تميز المغاربة منذ القديم، إلا أن الأمر سيختلف حسب نوع الضيف. فإذا كان المهاجر عربيا أو مسلما فهو أخ مرحب به بدون شروط، ونظرة المغربي للأفارقة تختلف حسب الأشخاص. الاستقبال يرتبط بجذور عميقة في الناس والأشياء والقوانين، والناس تستجيب عادة لضمائرها قبل القوانين.
مع اللجوء والهجرة تتغير رؤيتنا للعالم. فهل سيقود ذلك إلى تغيير مجتمعي؟ ( ص: 191). وقضية المهاجرين واللاجئين هي قضية كونية لا تخص المغرب وحده. هي تقتضي العيش داخل المجموع للتغلب على العنف والتطرف والإرهاب. وهذا أمر يخص المؤسسات السياسية كما الأفراد.
***
هوامش:

1) Jalil Bennani Un si long chemin La croisée des chemins casablanca, 2016.
2) Le corps suspect le corps du migrant face à l’institution médicale Gallilèe, Paris, 1980 .
3) Le corps suspect le corps du migrant face à l’institution médicale La croisée des chemins casablanca 2014.
4) Ibid p : 17.
5) المرجع نفسه ، ص: 20.
6) Ibid p : 21
7) المرجع نفسه ، ص: 48.
8) نفسه: ص: 53.
9) Un si long chemin Ibid : p 92.
10) المرجع نفسه، ص: .71
11) Ibid p : 118.
12) Ibid p : 119
13) Ibid p : 181.
14) Ibid. p : 185.



#أحمد_العمراوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيروز: الإجماع الهائل
- محترفات كتابية1: القراءة والذكاءات المتعددة
- المثقف وخطابات التصوف بين -نعم- و-لا-: سؤال الحيرة وجواب الن ...
- التّرجمة والخيانة المزدوجة، الرّغبة والتحويل


المزيد.....




- وزير خارجية مصر لنظيره الإيراني: -خسائرنا كبيرة- بسبب الوضع ...
- الجزائر.. 20 دقيقة محاكمة تكشف خفايا قضية بوعلام صنصال
- مؤيدون لفلسطين ينغصون فرحة غال غادوت بوضع نجمة لها على ممر ا ...
- انتصار جديد في قلب الخرطوم.. الجيش السوداني يرفع العلم فوق م ...
- -سي إن إن-: تنافس -خفي- بين ويتكوف وروبيو على الدور الرائد ف ...
- الولايات المتحدة تبيع ألف إقامة ذهبية خلال 24 ساعة مقابل 5 م ...
- وزير خارجية إيران خلال مكالمة مع نظيره السعودي: يجب اتخاذ إج ...
- قطر تدين القصف على لبنان وتؤكد على ضرورة انسحاب إسرائيل
- عمدة إسطنبول المحتجز يواجه يوما ثانيا من الاستجواب وسط احتجا ...
- Asus تعلن عن واحد من أصغر الحواسب


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد العمراوي - طريق طويل جدا مسار مهاجرين أجانب للمغرب