|
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب 2/3
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8234 - 2025 / 1 / 26 - 08:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل هذه التحولات، يبدو أن التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة وأوروبا يشكل ملامح جديدة للنظام العالمي، خاصة مع تصاعد هيمنة الشركات التكنولوجية العملاقة، التي تؤثر بشكل متزايد على اقتصادات جميع الأطراف، بما في ذلك الطرف المهيمن، الولايات المتحدة. هذا التأثير يتسع ليشمل حتى مجريات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي دفعت إدارة ترامب، تحت ضغط الدولة العميقة العصرية، إلى تقليص الدعم المادي والعسكري لأوكرانيا، ويعد هذا الضغط بحد ذاته تحديًا كبيرًا للقارة الأوروبية، التي تُرهبها فكرة مواجهة روسيا بمفردها، إلى جانب تقليص المساعدات لأوكرانيا، هددت الولايات المتحدة الدول الأوروبية من خلال الناتو بزيادة نسبة مشاركتها في ميزانية الحلف إلى 5% من دخلها الوطني، مما يمثل وسيلة ترهيب لدفع أوروبا إلى قبول الشروط الأمريكية في مجالات الاستيراد والتصدير، وفتح أسواقها أمام الشركات التكنولوجية الأمريكية كبديل منافس للشركات الأوروبية. ومع توجه البشرية نحو هيمنة الشركات التكنولوجية العملاقة، التي لا تحدها الجغرافيا وتتشعب جذورها في معظم أنحاء العالم، تبرز قيود جديدة على فعالية استراتيجية ترامب. رفع الاقتصاد الأمريكي من خلال التعريفات الجمركية والضغوط الاقتصادية على أوروبا والدول المنافسة قد يثبت أنه تكتيك محدود التأثير، خاصة إذا كان محصورًا في إطار الصراعات الجيوسياسية. فالولايات المتحدة، مهما بلغت هيمنتها، ستظل بحاجة إلى التعاون مع أوروبا، الصين، وغيرها من القوى المنافسة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي. وبالنظر إلى الأفق الأوسع، فإن صعود أقطاب التنافس التكنولوجي والاقتصادي يدفع الإمبراطورية الأمريكية إلى الرضوخ لمصالح الدولة العميقة العصرية، على حساب الأجندة العسكرية التقليدية. إزالة أو تقليص الرسوم الجمركية قد يصبح ضرورة استراتيجية، ليس فقط لتطوير العلاقات الاقتصادية الدولية، ولكن أيضًا لدفع عجلة الابتكار والتعاون العالمي. بعكس الصراع العسكري، فإن التعاون التكنولوجي يحمل في طياته أبعادًا إنسانية، حتى وإن كان مدفوعًا بجني الأرباح. ومع ذلك، لا يمكن للدولة العميقة العصرية أن تحقق الهيمنة في ظل التصاعد المستمر للتعريفات الجمركية، دون أن تتبنى سياسات تقوم على المشاركة والتعاون الحر مع القوى الاقتصادية العالمية المماثلة، مثل أوروبا والصين بشكل خاص. تصريحات ترامب في الأيام الأولى من ولايته الثانية، التي بررها بحجة استنزاف أوروبا للاقتصاد الأمريكي، واتهامه للإدارة السابقة بالجهل تجاه هذه الخسائر، تعكس دعمًا واضحًا للاستراتيجية الجديدة التي تتبناها الدولة العميقة العصرية في الولايات المتحدة من جهة وإسعاد منتخبيه من الشعب الأمريكي. ولإدراك الدول الأوروبية أن العالم لن يزدهر دون تجاوز القيود الجمركية وتعزيز التنسيق العالمي بين الشركات الرأسمالية الكبرى، ومع الانتباه إلى أن ترامب يفضل مصالح أمريكا الآنية على حساب التطور العالمي المتكامل، وهو نهج يتعارض إلى حد ما مع أهداف الدولة العميقة العصرية، جاءت ردود فعل الاتحاد الأوروبي سريعة ومباشرة. أبرز هذه الردود كانت من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي تحدثت في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في اليوم الأول بعد تنصيب ترامب، ورغم أن تصريحاتها بدأت بعبارات دبلوماسية، إلا أنها حملت رسائل حازمة وواضحة، قائلة: "يجب التواصل معه كمحاولة لتجنب التداعيات الاقتصادية المدمرة." لكنها أضافت بوضوح أن أوروبا ليست مبنية على الضعف أو الرضوخ للشروط الأمريكية، وأكدت أن الاقتصاد الأوروبي لا يزال الأكثر تكاملًا عالميًا، وأن سلاسل التوريد عبر الأطلسي تجعل المصالح المشتركة كبيرة بين الجانبين، كما حذرت من خطر "السباق نحو القاع"، في إشارة إلى السياسات الحمائية التي تبناها ترامب، مشيرة إلى أن النظام العالمي التعاوني الذي كانت أوروبا تأمله لم يتحقق، وفشله سيكون وبالا على الجميع. تصريحات أورسولا تضمنت تحذيرًا صريحًا بأن أوروبا مستعدة للحياة بدون أمريكا إذا لزم الأمر، قائلة بإننا لن نتسول، مؤكدة انفتاحها على تعزيز العلاقات التجارية مع دول مثل الصين والمكسيك، هذه التصريحات جاءت ردًا على سياسات ترامب، الذي وضع نفسه في مسار تصادمي مع العديد من الدول، بما في ذلك الحلفاء التقليديون، وفي الواقع هنا يأخذ مسارا مختلفا عن إستراتيجية الدولة العميقة العصرية. على الرغم من هذه الردود الحادة، من غير المتوقع أن يتراجع ترامب، أملا الدعم اللا محدود من الدولة العميقة العصرية، لفرض شروطه الاقتصادية على أوروبا، وهنا يظهر مدى محدودية استيعاب ترامب لأبعاد الدولة العميقة، تحت جموح الحصول على الأرباح السريعة لأمريكا. من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى خلق شرخ بين الولايات المتحدة وأوروبا، مما قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل، وبالتالي تدخل أوسع للدولة العميقة في استراتيجية إدارة ترامب، رغم أن سياسات ترامب قد تكون مناسبة لشركات رأس المال العالمية، إلا أنها لا تتماشى مع رؤية أمريكا كإمبراطورية اقتصادية شاملة يجب أن تحوي الجميع، ما يعني أن استمرار فرض التعريفات الجمركية والحصار على الاستيراد والتصدير العالميين قد يُضعف الهيمنة الأمريكية مع مرور الوقت. في ظل هذه السياسات، وإذا لم تحتضن الدولة العميقة سياسة ترامب الاقتصادية وتشديده على التعاريف الجمركية وغيرها، قد تبرز أوروبا كقطب اقتصادي منافس بدلاً من أن تبقى حليفًا استراتيجيًا، هذا قد يعمق الخلافات بين إدارة ترامب والدولة العميقة العصرية كما ذكرنا، مماثلة للخلافات السابقة بين ترامب والدولة العميقة العسكرية التقليدية، السبب وراء ذلك هو أن الاستراتيجية الحمائية ستُفقد أمريكا أسواقًا عالمية، وستُضعف قدرتها على التوسع الاقتصادي، خاصة مع توجه الدول الأوروبية نحو أسواق بديلة مثل الهند، والصين، وأمريكا الجنوبية. د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية 22/1/2025
#محمود_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب- 2/3
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب - 1/3
-
تداعيات الصراع التركي الأمريكي على مستقبل القضية الكوردية
-
(بافي طيار) رمز الحب والحياة في ذاكرة الكورد وكوردستان
-
الكورد ما بين الثقة والاستراتيجية
-
سوريا الجديدة بين إرث الماضي وخطر التطرف القادم
-
لماذا لا نتفق نحن الكورد إلا بالإذعان لقوة خارجية؟
-
ازدواجية الخطاب العربي وحقوق الكورد
-
سوريا تنحدر إلى مستنقع الظلام الفكري
-
تركيا بين تعزيز النفوذ ومواجهة التحديات في الساحة السورية
-
ترامب والصراع الكوردي-التركي
-
تصريحات هاقان فيدان وزير خارجية تركيا من دمشق، قراءة في الأب
...
-
رقصة الحراك الكوردي في سوريا على حافة الهاوية
-
سوريا بين الثورة والظلام، هل تنتصر الحرية على التطرف؟
-
نيران التغيير، وربما التقسيم تقترب من تركيا، هل ستنقذها الفي
...
-
سوريا لن تُبنى بالإملاءات
-
الكورد والمحتل
-
سوريا ولادة من رماد الطغيان إلى صراع على هوية المستقبل
-
حين يتصارع التطرف والشرعية في تشكيل هوية سوريا كوطن
-
نار الكراهية وأمل التعددية في وطن ممزق
المزيد.....
-
كيف يمكن الاستدلال على صحة الجسم عن طريق مُخاط الأنف؟
-
البرازيل تستدعي القائم بالأعمال الأميركي بعد إعلان ترامب دعم
...
-
تعرّف على الجانب الأجمل من إيطاليا الذي يجهله السياح
-
اجتماع -سرّي- في واشنطن بشأن غزة.. وحماس توافق على إطلاق سرا
...
-
فيديو إسرائيلي يوثق كمين القسام المركب في بيت حانون
-
خبراء: ترامب سينتزع موافقة نتنياهو على وقف إطلاق النار في غز
...
-
الشعبويّة تستمرّ في تدمير المرفق الصحّي العمومي
-
“صحة حرية كرامة وطنية”.. الأطباء الشبان ينتفضون ضدّ سياسات ا
...
-
مقاومة التّطبيع مع الكيان الصهيوني على رأس مهامّ المرحلة الق
...
-
شبح العطش يخيّم على تونس.. أزمة هيكلية أم أزمة مناخية؟
المزيد.....
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
صندوق الأبنوس
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|