أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادم عربي - قرصة برغوث!














المزيد.....

قرصة برغوث!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 20:16
المحور: الادب والفن
    


قرصةُ برغوث !
قصة قصيرة
بقلم : د .ادم عربي
١ غُبار!

رفعَ عبدُ التوّابِ يدَهُ، وَحكَّ شَارِبَيهِ. كَانَ يَجلِسُ عَلَى الأَرضِ، وَيَفتحُ بَينَ سَاقَيهِ، وَأَمَامَهُ صُورَةٌ لِمَارلِين مُونرُو شبهَ عَارِيةٍ. وَكَانَ عَبدُ التوّابِ يرخِي مِنْ قُوَّةِ الشَّبقِ عَليهِ حَنَكَهُ، وَيدلي مِثلَ الكَلبِ لِسَانَهُ، وَهُوَ يحنِي رَأسَهُ الضَّخمَ المجزوزَ الشَّعرَ. رَاحَ عَبدُ التوّابِ يلقِي بِنَظَرَاتِهِ السَّقِيمَةِ عَلَى الفَخذَينِ البَيضَاوَينِ، وَتَسرِي فِي عُرُوقِهِ كَهرَبَةٌ لَذِيذَةٌ مِنْ حَرِيرٍ: يُرِيدُ أَنْ يَغرِفَ، أَينَ يَجرِفَ، أَنْ يَذبَحَ عَليهِمَا الأَصابِعَ.

وَعَلَى صَندَلِهِ المُرَقَّعِ كَانَ يَرتَقِي بُرغوثٌ أَشقَرُ، وَصَلَ قِمَّةَ إِبهَامِ القَدَمِ، وَاستَقَرَّ دَاخِلَ شَقٍّ فِيهِ، وَرَاحَ يَعَضُّ الجِلدَ التَعِبَ. كَانَ عَبدُ التوّابِ قَدْ زَحَفَ فِي خَيَالِهِ بِشَفَتَيهِ عَلَى النَّهدَينِ الأَبيَضَينِ، وَذَبَحَهُمَا لَثمًا وَغَرَامًا، وَمَا انفَكَّتْ يَدُهُ تُدَاعبُ الجسدَ عَلَى الوَرَقِ المصقُّولِ إِلَى أَنْ أَصبَحَتِ الكَهرَبَةُ الَّتِي تَسرِي فِي عُروقِهِ مِنَ القُوَّةِ وَالحُبِّ بِحَيثُ أَنَّ جَسَدَهُ كُلَّهُ صَارَ يَضرِبُ، وَيَهتَزُّ.

وَكَانَ عَبدُ التوّابِ قَدْ تَرَكَ البَغلَةَ تَدُورُ بِالطَّاحُونِ دُونَ مُرَاقَبَةٍ، فَانتَثَرَ دَقِيقُ القَمحِ عَلَى الأَرضِ، وَصَنَعَ تلَالًا صِغَارًا. وَالبُرغُوثُ لَمْ يَزَلْ يَعَضُّ الجِلدَ التَعِبَ، وَمَارلِين مُونرُو لَمْ تَزَلْ سَاحِرَةً، آمِرَةً، نَاهِيَةً، إِلَهَةً، عَارِيَةً أَوْ شبهَ عَارِيَةً.

فَجأَةً، أَطلَقَ عَبدُ التوابِ صِيحَةَ أَلَمٍ لَاطِمًا قَدَمَهُ، وَلَوَى إِبهامَهُ. وَهُوَ يَخدشُهُ بِأَظفَارِهِ، رَأَى عَلَى قِمَّةِ الإِصبَعِ لَسعَةً مِثلَ رَأسِ الدَّبوسِ، وَفِي كَفِّهِ قَدْ انسَحَقَ جَسَدُ الْبُرغُوثِ الحَقِيرِ. وَعِندَمَا نَظَرَ إِلَى مَا بَينَ سَاقَيهِ مِنْ جَدِيدٍ، وَجَدَ مَارلِين مُونرُو لَمْ تَزَلْ سَاحِرَةً، آمِرَةً، نَاهِيَةً، إِلَهَةً، عَارِيَةً، عَارِيَةً، تَحتَفِظُ بِإِبدَاعِ الْجَسَدِ ذَاتِهِ، وَسُلطَةِ الإِغرَاءِ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا، تُدغدِغُهُ فِي العُنُقِ، وَفِي أَعلَى السَّاقِ، وَعَبدُ التوّابِ يَلتَهِمُ بِعَينَيهِ الجَسَدَ بِوَجَعٍ وَجُمُوحٍ.

عِندَمَا عَادَ صَاحِبُ المَطحَنَةِ مِنْ سُوقِ القَريَةِ، لَمْ يَجِد البَغَلَةَ وَلَا عَبدَ التوّابِ. كَانَ دَقِيقُ القَمحِ قَدْ ثَارَ، وَمَلَأَ الأَجوَاءَ بِالغُبارِ.

٢ رَصَاص

بَعدَ يَومَينِ، أَتَى بَعضُ الإِسرَائِيلِيِّينَ مِنَ الجُنُودِ، وَصَادَرُوا مِنْ بَينِ مَا صَادَرُوا البَغَلَةَ، فَأَخَذَ عَبدُ التوّابِ يَتَرَبَّصُ بِهِمْ، كُلَّ لَيلَةٍ، طَوَالَ اللَّيلِ، عَلَى الطَّرِيقِ البرِّيَّةِ، إِلَى أَنْ أَوقَعَ فِي قَبضَتِهِ أَحَدَهُمْ. نَزَعَ سِلَاحَهُ، وَدَفَعَهُ مِنْ أَمَامِهِ إِلَى المَطحَنَةِ، وَجَعَلَهُ يَدُورُ بِالطَّاحُونِ بَدَلَ البَغَلَةِ، وَالقَمحُ ذَهَبٌ يَهدِرُ، وَعَبدُ التوّابِ يُفكِرُ أَنَّهُ بِفِعلَتِهِ هَذِهِ سَيَقضُ مَضَاجِعَ بَاقِي الجُنُودِ وَصَاحِبِ المَطحَنَةِ وَكُلِّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ خُبزًا! صَارَ سَعِيدًا، وَذَهَبَ فِي حُلمِهِ بَعِيدًا، وَقَالَ: فِي اللَّحظَةِ الَّتِي أَشعُرُ فِيهَا بِالخَطَرِ، سَأَستَعمِلُ السِّلَاحَ، وَإِذَا بِدَوِيّ سِلسِلَةٌ مِنَ الطَّلَقَاتِ يَأْتِيهِ، وَصَوتٌ مِنْ مُكَبِّرٍ يُنذِرُهُ بِتَسليمِ نَفسِهِ.

لَمْ يُسَلِّمْ عَبدُ التوَّابِ نَفسَهُ، كَيفَ يُسَلِّمُ نَفسَهُ وَفِي قَبضَتِهِ سِلَاحٌ، وَالقَمحُ يَهدِرُ كَأَنَّهُ القَدَرُ؟ وَلَمْ يَحلمْ أَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ سَيَسمَعُ ذَاتَ يَومٍ غِنَاءً آخرَ غَيرَ غِنَاءِ البُلبُلِ، إِذْ رَاحَ رَصَاصُهُ يُغنِي، وَاشتَعَلَتْ بِالقَمحِ نَارٌ حَمرَاءُ، رَاحَتْ هِيَ الأُخرَى تُغَنِي. قَامَ عَبدُ التوّابِ بِهُجُومٍ مُضَادٍ إِلَى أَنْ استَنفَذَ كُلَّ الرَّصَاصِ، وَعِندَ ذَلِكَ، أَحَبَّتهُ كُلُّ بَنَاتِ القَريَةِ.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في المنظمات اللاحكومية!
- هطل الثلج!
- بعض من فلسفة التاريخ !
- انهيار النجم على نفسه!
- حرب القضاء على الوجود العربي!
- الصين وما أدراك ما الصين!
- تعالي!
- على خاصرة الريح!
- اللِيبِرَالِيَّةُ فِي بِلَادِنَا مَيِّتَةٌ، بَينَمَا اللِيبِ ...
- أحاورُ الأفعى!
- هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
- الأعمى!
- ماذا يحدث في سوريا؟ ولماذا الآن؟
- في الثورة السورية !
- تناقضات الذات!
- تعارض النتائج مع التوقعات!
- الفسادُ الطبيُّ!
- العبثُ!
- الطائفية في فكر مهدي عامل!
- مشاكل تربوية وأخلاقية!


المزيد.....




- مصطفى محمد غريب: هواجس معبأة بالأسى
- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...
- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...
- رغم الحرب والدمار.. رسائل أمل في ختام مهرجان غزة السينمائي ل ...
- سمية الألفي: من -رحلة المليون- إلى ذاكرة الشاشة، وفاة الفنان ...
- جنازة الفنانة المصرية سمية الألفي.. حضور فني وإعلامي ورسائل ...
- من بينها السعودية ومصر.. فيلم -صوت هند رجب- يُعرض في عدة دول ...
- وفاة الفنان وليد العلايلي.. لبنان يفقد أحد أبرز وجوهه الدرام ...
- وفاق الممثلة سمية الألفي عن عمر ناهز 72 عاما


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادم عربي - قرصة برغوث!