|
ملاحظات عن الوضع في سوريا
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 14:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أولًا كل من يتحدث اليوم بالشأن السوري من المؤكد تقريبًا أنه لن يعود للاستقرار في سوريا و أن أغراضه تختلف تمامًا عن أغراض السوريين الذين يعيشون في سوريا و الذين يشكل الاستقرار و الأمان و الوضع الاقتصادي أكبر هواجسهم … ثانيًا لا يدور الحديث في سوريا اليوم بالفعل لا عن الحرية و لا العدالة و لا شيء من ذلك ، إنه انتقال للسلطة ، و الوضع الجديد يريد و يحاول بكل قوة تثبيت سيطرته ثم بناء أو إعادة بناء المجتمع و مراكز القوى فيه و معها مؤسسات الدولة بتناسبات و توازنات و حصص و أسماء جديدة ، و المهمة المباشرة اليوم أمام النظام الجديد هو تأمين سيطرته و بناء شبكة علاقات الهيمنة الخاصة به داخل المجتمع و سلاحه في هذا لن تكون لا الحرية و لا العدالة بل الاستزلام و المحسوبية و الولاءات و مزيج من القمع الجسدي و الفكري و الأخلاقي الذي تتقنه القوى الإسلامية إضافة إلى إغراءات السلطة و امتيازاتها … ثالثًا يجب الاعتراف أن انتقال السلطة من نظام ، أو شبه نظام ، الأسد إلى نظام ، أو شبه نظام ، الجولاني تم بأقل الخسائر الممكنة ، مثل هذا الانتقال كان مرشحًا ليكون دمويًا بامتياز و عدم حدوث هذا يكشف الكثير عن طبيعة النظام الجديد و أهدافه القريبة على الأقل ، إن كل ما جرى منذ دخول مقاتلي النصرة سابقًا و مقاتلي المعارضة الذين جاؤوا من مناطق المصالحات إلى حمص و دمشق و الساحل تم خلافًا لكل السرديات و الخطابات الإسلامية السورية السنية منذ الستينيات ، لم يكن القضاء على الكفار و المرتدين هو هاجس الحكم الجديد بقدر ما كان خلق حالة توازن و استقرار هش و لكنه صامد حتى اليوم بين غلبة المظاهر الإسلامية المتطرفة عند الحكام و الحراس الجدد و بين قبول المحكومين أو رضوخهم للسلطة الجديدة دون مقاومة تذكر عبر تجاوز الحكام الجدد أو تغاضيهم عن الجزء الأكبر من خطابهم التاريخي لصالح علاقة أكثر استقرارًا بين حكام ذات خلفية إسلامية متشددة و بين محكومين غير متزمتين دينيًا أو ليسوا مسلمين من الأساس و هذا لا يعجب الكثيرين ممن انتظروا حمامات الدماء … أيضًا يجب فهم صعوبة وضع الرجل أي الجولاني ، فالرجل رغم قبضته القوية على تنظيمه باستخدام مزيج معروف و مجرب من البروباغندا الجهادية و الاغراءات المادية و القمع العنيف في بعض الأحيان لا يسيطر على العديد من القوى داخل قاعدته في ادلب أو تلك التي انشقت عنه في وقت سابق و لا الفصائل سواء تلك التي احتفظت بسلاحها في مناطق المصالحات و تعاون بعضها مع النظام السابق أو الروس أو العمشات و الحمزات التابعين لتركيا مباشرة لكن الخطر الأكبر على الرجل يأتي من داخل بيته من الجهاديين الأكثر تشددًا الذين لن يعجبهم تردد الرجل في فرض حكم إسلامي داعشي على السوريين … الحقيقة أننا هنا أمام تناقض ، فبراغماتية الرجل هي نتيجة لرغبته بالوصول و البقاء في السلطة و أي شخص آخر منحاز لدوغماه كان سيحول سوريا إلى بركة من الدماء و يغرقها في دوامة حروب مدمرة ، بالمقابل نحن أمام مشهد ولادة نظام سلطوي جديد ، صحيح أنه قد يتمكن إذا امتلك سادته ما يكفي من الحصافة من تحسين أوضاع السوريين بالفعل ، أقلها الاقتصادية ، و لكن الذي يحمل في داخله أيضًا مخاطر كبيرة للانحطاط إلى حالة تشبه حالة بشار الأسد أو إلى نموذج داعش خاصةً أننا أمام نظام فردي يعتمد أساسًا على القوة العسكرية في وجوده مما يجعل إمكانية تأثير المجتمع عليه محدودة و يعيد المجتمع إلى حالة الخنوع و الانتظار الصامت و انعدام الفعالية … أيضًا كلمة بحق الشبيحة الجدد ، شبيحة الثورة الذين يحاولون أن يحصلوا على امتيازات ما بفضل تشبيحهم للثورة أو للجولاني ، أولًا كشفت الأحداث أن الكثير مما ردده هؤلاء لا وجود له على الأرض : مثلًا لم نشاهد على الأرض تلك الآلاف من الميلشيات الشيعية العراقية و الأفغانية الخ التي كان يجري الحديث عنها في السابق ، هذا جزء من الفجوات التي طالما وصمت سردية غالبية المعارضين عن الثورة و الحرب حيث الأمور بسيطة و واضحة لدرجة السذاجة … لا شك أن هذا هو جزء فقط من تلك الصورة التي اتضحت اليوم سذاجتها أو غباءها أو تغابيها و ذلك حسب نوايا من كان يطلق تلك القصص و الحكايات ، لكن الأكثر خطورة اليوم هو رغبة كثير من هؤلاء بالتحول الى جيش من المخبرين عند السلطة الجديدة و محاولتهم ربط أية امتيازات بل و أية حقوق للسوريين "بالانحياز للثورة" و تحديدًا وفق تصورهم الساذج أو الغبي أو المتغابي لها ، أية ثورة و أية حرية تلك التي يجب عليك أن تنحاز لها قسرًا و إلا فقدت حقوقك و ربما وجودك كإنسان … دعوات هؤلاء الثأرية مربكة للوضع الحالي و لا تسهل على السوريين الخروج منها بدون حمامات دماء … من الواضح أن الجولاني جاء إلى دمشق ليحكمها و من الواضح أيضًا أنه سيرفق محاولاته لتثبيت حكمه و بناء قاعدة هذا الحكم بالحصول على شرعية ما لكن هذا لن يعني أنه سيتنازل عن الحكم لصالح حكومة منتخبة ، هذه طوباوية و سذاجة سياسية تضاف لما سبق و على هذا تعني دعوات القوى السياسية و غيرها للرجل محاولات لتقاسم شيءٍ من السلطة معه أكثر من أن تكون دعوات جدية لبناء نظام ديمقراطي يبدو من الواضح استحالته اليوم بحكم طبيعة القوى المسيطرة و كيفية وصولها الى السلطة و حالة المجتمع السوري و قدرات السوريين التنظيمية و الحوارية و هامش المناورة أمامهم للتأثير في هذه القوى
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطيون السوريون لا يريدون الديمقراطية
-
سوريا : مات الملك ، عاش الملك
-
سوريا و القطيع و الهبل
-
ما يحدث اليوم في سوريا
-
البشرية كقمة التطور الطبيعي المأساوية
-
ترامب كعنوان لأزمة العالم
-
عن إعلان عواصم الشرق ، أي شرق جديد
-
نعي حركة التحرر الوطني العربية
-
عن قلة شعور السوريين بالذنب
-
أن الحياة لا تتوافق مع الضعف و أن قانون البقاء للأفضل ما زال
...
-
فلا نامت أعين الجبناء
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
-
إعدام الطاغية لمارات 1793
-
هل المقاومة ممكنة
-
هل تجوز الشماتة أو الترحم على المعارضة السورية
-
عن الشماتة بحزب الله
-
تحية إلى المعارضة السورية
-
و سن الإسلاميون السوريون سنةً حسنة
-
و ماذا بعد
-
عن النبي محمد
المزيد.....
-
فيديو متداول لـ-فرار شخصيات إيرانية بارزة- بعد النزاع مع إسر
...
-
مقتل رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني
-
حادثة تحطم منطادين سياحيين في أكسراي تودي بحياة شخص وإصابة 3
...
-
-واشنطن بوست-: مسؤول سوري كبير سابق يعترف بأن الأسد شخصيا أم
...
-
-نشوة البداية وخيبة النهاية-.. لواء إسرائيلي يكشف عن شلل ستع
...
-
مصادر عبرية: هجوم إيراني يمني وشيك على إسرائيل
-
تطورات الحرب الإسرائيلية الإيرانية في مرآة الصحافة الفارسية
...
-
روسيا تسلم أوكرانيا جثث 1200 من قتلى الحرب
-
لماذا يستولي جيش الاحتلال على منازل الفلسطينيين في الضفة؟
-
ما وراء -طوارئ ترامب- الزائفة
المزيد.....
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|