أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - الفوضى الخلاقة: معارك عربية بين الانهيار والصمود














المزيد.....

الفوضى الخلاقة: معارك عربية بين الانهيار والصمود


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8191 - 2024 / 12 / 14 - 11:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في حوار بيني وبين أخي الأصغر أحمد العبيدي – هو صديقي أيضا - طلب مني أن أكتب عن الفوضى الخلاقة فكان هذا المقال:


في ظل عالم يموج بالأزمات والتحولات السياسية، طُرحت نظرية الفوضى الخلاقة كأداة استراتيجية استخدمتها القوى الكبرى لإعادة صياغة المنطقة العربية وفق مصالحها الخاصة. ورغم الجدل الذي أثارته، فإن آثارها المباشرة كانت واضحة في عدد من الدول العربية التي عصفت بها رياح هذه النظرية، والتي لم تكن مجرد أفكار نظرية بل تطبيقات عملية هدفت إلى تفكيك المجتمعات وإعادة تشكيلها وفق قوالب جديدة.

ترجع جذور مصطلح الفوضى الخلاقة إلى الفيلسوف اليهودي برنارد لويس، الذي رأى في الفوضى وسيلة لإعادة بناء المجتمعات بما يخدم المصالح الكبرى للقوى العالمية. وقدمت هذه النظرية نفسها كحالة من الاضطراب المتعمد الذي يُحدث تغييرات جذرية في بنية المجتمعات. وبالنسبة للشرق الأوسط، كان الهدف المعلن من هذه الفوضى نشر الديمقراطية كوسيلة لمواجهة “التطرف الديني”، إلا أن التطبيق العملي للنظرية أدى إلى انهيار دول واندلاع صراعات دموية تركت شعوب المنطقة في حالة من التمزق.

كانت ليبيا أحد أبرز مسارح الفوضى الخلاقة، حيث أدى التدخل الدولي للإطاحة بنظام معمر القذافي إلى انهيار الدولة. ومع غياب مؤسسات قوية تحمي البنية الاجتماعية والسياسية، تحولت البلاد إلى ساحة صراع بين الميليشيات المسلحة، وأصبحت مسرحًا لتدخلات إقليمية ودولية.

لم يكن العراق بعيدًا عن تطبيق هذه النظرية. فبعد الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003، تفككت مؤسسات الدولة، وسادت حالة من الفوضى. اتسعت الصراعات الطائفية، وأصبح العراق نموذجًا مأساويًا لفقدان الأمن والاستقرار، حيث فشلت كل محاولات إعادة البناء في ظل التجاذبات الإقليمية والصراعات الداخلية.

وشهد اليمن أيضًا موجة عارمة من الاضطرابات، حيث استغلت نظرية الفوضى الخلاقة الخلافات الداخلية لتحويل البلاد إلى ساحة حرب متعددة الأطراف. انهيار الدولة المركزية، تصاعد الصراعات القبلية والطائفية، وتحول اليمن إلى أزمة إنسانية مستمرة، كانت كلها نتائج مباشرة لهذه السياسة.

أما في السودان، فقد أظهرت الأحداث الأخيرة كيف يمكن للفوضى السياسية أن تتطور إلى صراعات دموية. فبعد عقود من الانقسام والاضطرابات، دخل السودان في حلقة مفرغة من النزاعات، حيث ساهم غياب الرؤية السياسية الموحدة وضعف المؤسسات الوطنية في تحويله إلى نموذج آخر للفوضى الخلاقة.

ولقد وصلت الفوضى الخلاقة إلى ذروتها في سوريا، حيث تحولت انتفاضة شعبية إلى حرب شاملة تعددت أطرافها. التدخلات الدولية، وانقسام المعارضة، وصراع المصالح الإقليمية، كل ذلك ساهم في تحويل البلاد إلى ساحة حرب كارثية. ومع تدمير المدن، وتشريد الملايين، وتحول سوريا إلى ملعب لقوى إقليمية ودولية، أصبحت البلاد شهادة حية على الكلفة الباهظة للفوضى الخلاقة.

وسط هذا المشهد المضطرب، برزت التجربة المصرية كحالة مغايرة أثبتت أن الوعي الشعبي والتحام مؤسسات الدولة يمكن أن يكونا حصنًا منيعًا أمام مخططات الفوضى. فمع اندلاع ثورة 30 يونيو 2013، لعب الجيش المصري دورًا محوريًا في الحفاظ على الدولة ومنعها من الانزلاق نحو الفوضى. ولم يكن الجيش وحده العامل الحاسم، بل كان المثقفون والمفكرون المصريون في طليعة المواجهة الفكرية، حيث ساهموا في توعية الشعب بمخاطر انهيار الدولة.

لقد قدمت مصر نموذجًا متكاملًا في مواجهة الفوضى الخلاقة، حيث تعاونت القيادة السياسية مع الجيش ومؤسسات الدولة لحماية البلاد من الانهيار. هذا التحالف بين الشعب والمؤسسات الوطنية أثبت أن الوقوف صفًا واحدًا أمام محاولات زعزعة الاستقرار كفيل بإفشال أي مخططات تهدف إلى نشر الفوضى.

ولإجهاض مخططات الفوضى الخلاقة هذه، يجب أن تدرك الشعوب والدول العربية أن الوقاية خير من العلاج، وأن بناء الحصانة الوطنية يتطلب رؤية شاملة تعتمد على عدة ركائز. أولًا، يجب تعزيز المؤسسات الوطنية لتكون قادرة على مواجهة الأزمات، عبر تطوير البنية الإدارية والأمنية للدولة وإبعادها عن الاستقطابات السياسية أو الأيديولوجية. ثانيًا، يجب ترسيخ ثقافة الحوار والاعتدال داخل المجتمعات، والتأكيد على قيم المواطنة التي تضمن أن تكون الولاءات للوطن وليس للطوائف أو الجماعات. ثالثًا، يلعب التعليم دورًا رئيسيًا في بناء وعي الأجيال الجديدة، لذا يجب التركيز على تطوير المناهج التي تغرس قيم التفكير النقدي والوحدة الوطنية. رابعًا، لا بد من وجود إعلام واعٍ يكون قادرًا على كشف المؤامرات وتقديم خطاب يرفع الوعي العام بمخاطر الانزلاق إلى الفوضى. كما أن التعاون الإقليمي بين الدول العربية يعد ضروريًا لتشكيل جبهة موحدة ضد التدخلات الخارجية التي تستغل نقاط الضعف. وأخيرًا، فإن الاستثمار في الشباب باعتبارهم طاقة المستقبل، عبر توفير فرص العمل وتشجيعهم على المشاركة السياسية، هو الضمانة الحقيقية لحماية المجتمعات من أي محاولة لزعزعة استقرارها.

إذا تمكنت الشعوب والدول العربية من العمل وفق هذه الركائز، فإنها لن تكتفي بإفشال خطط الفوضى الخلاقة فحسب، بل ستفتح أبوابًا جديدة لبناء مستقبل مستقر ومزدهر للأجيال القادمة.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الوفاء نكتب: قيمة إنسانية لا تموت
- التاريخ بين الحقيقة والتحريف: دعوة لدراسته بمنهج علمي موضوعي
- الحب.. بوابة العروج إلى السماء
- حرية العقل وبوصلة الفكر: التعليم في مواجهة الفوضى الكبرى
- قراءة في قرارات القيادة العامة السورية: رؤية شاملة لمستقبل ج ...
- سوريا بعد سقوط الأسد: تحديات ومطامع
- سوريا بعد سقوط النظام: تحديات المرحلة المقبلة بين مطامع الخا ...
- وهم هاتف تسلا الرخيص ومعاناة الفقراء
- اهتمامات الشعوب بين العالم العربي والغرب: قراءة في أولويات ث ...
- في أسر الأسطورة: العقل العربي والإسلامي بين الماضي وتحديات ا ...
- في العالم المتقدم: الحسد خرافة تم تفكيك أسطورتها
- العقول التي صنعت المجد: العلماء والفلاسفة والأدباء قادة الحض ...
- إنترنت الأشياء: عصر جديد من الترابط الذكي في حياتنا اليومية
- ابن خلدون: أعجوبة مازال تأثيرها حاضرا
- المطبعة التي لم تصل: انغلاق رجال الدين يعيق تقدم المجتمع
- في الحب نكتب: سر الحياة وملاذ القلوب
- التعليم في مصر والعالم العربي: يجب نسف أسلوب التلقين
- كهف أفلاطون ومأساة المستنير في كل العصور
- في الحداثة .. مساهمة شرقية قديمة
- لا أوْلويّة تسبق أولوية التعليم والبحث العلمي


المزيد.....




- بدء هجوم صاروخي إيراني واسع على إسرائيل الآن وصفارات الإنذار ...
- لقطات فيديو لسقوط صواريخ إيرانية على مناطق متفرقة في إسرائيل ...
- يديعوت أحرنوت: هجوم إيراني جديد بالطائرات المسيرة من المناطق ...
- مباشر: موجات متتالية من القصف والصواريخ بين إسرائيل وإيران ت ...
- التصعيد الإيراني الإسرائيلي يسيطر على أجواء قمة مجموعة السبع ...
- كيف رد ترامب على سؤال حول ما إذا كان سيتدخل في نزاع إسرائيل ...
- وزراء خارجية الخليج يبحثون الهجمات الإسرائيلية على إيران
- الصحة الإيرانية تعلن ارتفاع عدد القتلى جراء الهجمات الإسرائي ...
- ترامب يتوجه إلى قمة مجموعة السبع في كندا مع توقعاته بتوقيع ا ...
- -القناة 14- العبرية: انتشال جثمانين آخرين من تحت الأنقاض في ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - الفوضى الخلاقة: معارك عربية بين الانهيار والصمود