بهجت العبيدي البيبة
الحوار المتمدن-العدد: 8190 - 2024 / 12 / 13 - 14:03
المحور:
الادب والفن
الوفاء هو أحد أعظم القيم التي تعكس عمق الإخلاص والالتزام في النفس البشرية. إنه الصفة التي تتجلى في الأفعال قبل الأقوال، والتي تجعل العلاقات أكثر قوة واستمرارية. الوفاء ليس مجرد فكرة مثالية، بل هو جوهر إنساني نعيشه من خلال مواقف الحياة التي تثبت فيها صدق المشاعر ونبل الأخلاق.
من بين القصص التي تُبرز هذا المعنى العميق للوفاء، تبرز قصة الكلب الياباني "هاتشيكو"، التي أصبحت رمزًا عالميًا للوفاء. في عشرينيات القرن الماضي، كان "هاتشيكو" كلبًا من سلالة أكيتا اقتناه الأستاذ الجامعي "هيديسابورو أوينو" في طوكيو. نشأت علاقة خاصة بينهما، حيث اعتاد الكلب مرافقة صاحبه إلى محطة القطار يوميًا في طريقه إلى العمل، ثم ينتظره عند عودته.
لكن في أحد الأيام، توفي الأستاذ فجأة أثناء العمل، ولم يعد إلى المحطة. وعلى الرغم من غيابه، استمر هاتشيكو في الذهاب يوميًا إلى المحطة، منتظرًا عودة صاحبه. لم يتوقف الكلب عن هذا الروتين اليومي لمدة تسع سنوات كاملة، حتى وافته المنية. أصبحت قصة "هاتشيكو" أسطورة في اليابان والعالم، وتم نصب تمثال له في محطة شيبويا بطوكيو تخليدًا لوفائه.
الوفاء الذي أظهره هاتشيكو يُلهمنا كأفراد للتأمل في علاقاتنا اليومية. في الحياة، نرى نماذج بشرية للوفاء تستحق الإشادة. كالأم التي تبقى بجانب أبنائها في أصعب الظروف، أو الصديق الذي لا يتخلى عن صديقه وقت المحن، أو العامل الذي يظل مخلصًا لعمله رغم التحديات. الوفاء يتجلى في الأفعال الصغيرة، في التضحيات التي نقدمها دون انتظار مقابل، وفي التزامنا تجاه من نحب ومن وضعوا ثقتهم فينا.
لكن الوفاء لا يقتصر فقط على الآخرين، بل يمتد ليشمل وفاءنا لأنفسنا. أن نكون أوفياء لأهدافنا وأحلامنا، أن نحافظ على القيم التي نؤمن بها، وألا نسمح للظروف أن تغير مبادئنا. فالوفاء للذات هو ما يجعلنا أكثر قدرة على العطاء والصدق مع من حولنا.
في زمن تسوده المادية والتغيرات السريعة، يبدو الوفاء كأنه قيمة مهددة بالاندثار. ومع ذلك، فإنه يظل الصفة التي تمنح الحياة معناها الحقيقي. الوفاء ليس مجرد ذكرى أو قصة تُروى، بل هو درس نعيشه كل يوم.
فلنتعلم من قصة "هاتشيكو" وغيرها من مواقف الحياة أن الوفاء ليس كلمة، بل فعل. هو إرث نتركه خلفنا، وأثر يبقى خالدًا في قلوب من حولنا. الوفاء هو عنوان إنسانيتنا، وهو القيمة التي تجعلنا نستحق الاحترام والثقة والمحبة.
#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟