أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - موت الشخصية في (صمت)!!















المزيد.....


موت الشخصية في (صمت)!!


صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)


الحوار المتمدن-العدد: 8189 - 2024 / 12 / 12 - 22:14
المحور: الادب والفن
    


أي فاجعة تلك التي نواجهها بالصمت؟
وأي خطاب يعبر عن إنكساراتنا المهشمة؟
أسئلة كثيرة أثارها العرض المسرحي (صمت) للمخرج الكويتي (سليمان البسام)، الحاضر ضمن عروض المسابقة الدولية في فعاليات مهرجان بغداد الدولي للمسرح في دورته الخامسة، والذي عرض على خشبة مسرح المنصور في بغداد.
إختار المخرج وضع مسارات محددة للقراءة والتلقي عبر منطوقه الافتتاحي الذي أراد فيه التعبير عن فكرة العرض الرئيسة، شارحاً وواصفاً صورة الفجيعة التي تشكلت بسبب (إنفجار مرفأ بيروت)؛ مستعيناً بما يمكن أن نسميه (الراوي/الوثيقة) معتمداً في ذلك على خبراء في توصيف حالة الأنفجار وتأثيراته، فضلا عن تأكيده على وصف العرض الذي تخلى فيه عن (الأحداث، السرد، الشخصيات) وإكتفى بالصمت للتعبير عن المقاومة.
ولكن أي صمت ذلك الذي إختاره المخرج للتعبير عن فاجعة المرفأ، إنه صمت مليء بالصخب والضجيج والعنف اللفظي، صمت قادت صرخاته الفنانة (حلا عمران) على مستوى الأداء اللفظي، والفنان (عبد قبيسي) والفنان (علي حوت) على مستوى الأداء الموسيقي، في تجسيد متنوع لطروحات (مسرح ما بعد الدراما) بحسب مفهوم (هانس ليمان).
وبالعودة إلى مقدمة المخرج وبالافتراض جدلاً أنه لم يعتمدها مدخلاً مفاهيمياً لقراءة العرض ووصفاً لمضمونه ومرجعاً لمتبنيات أفكاره؟ ترى هل كان الصمت سيشكل حضوراً فاعلا كما هو الآن؟
ربما تكون تلك المقدمة التي تبناها المخرج أسلوباً أراد فيه تكسير العلاقة التقليدية بين الخشبة والصالة، سيما وأنه بادر إلى وضع مقاعد الجلوس على خشبة المسرح مستدرجاً المتلقي إلى غواية الحضور على الخشبة ليكون شريكاً في ذلك الصمت الذي هو ليس ذكراً أو أنثى بحسب مفهوم المخرج، إنه صمت يراد به النظر بعيداً في ظلام الصدمة التي أحدثها الانفجار.
لم تكن الرؤية الإخراجية التي إختارها المخرج في هذا العرض تنتمي إلى تلك التصورات الاخراجية ذات المرجعيات التي غادرها المسرح منذ زمن؛ على الرغم من أن المخرج أفاد من بعض تقاناتها، لاسيما ما تعلق منها بمسرح (بريخت) والتي تمثلت في هذا العرض وعلى نحو واضح بحضور (الراوي/الوثيقة) الذي أعاد فيه المخرج التصورات إلى توظيف الوثائق في مسرح (بسكاتور وبريخت)، وإن كان في هذا العرض قد إقتصر حضورها على الجانب السمعي متمثلة بأصوات الخبراء (الأميركي واللبناني) وقد إستعان المخرج بهما لتوصيف حالة المرفأ قبل وفي لحظة الإنفجار وما بعدها، فضلا عن توظيف العلاقة مع المتلقي الذي صار جزءاً منه مشاركاً في صمت المرفأ المهجور، إلا أن المخرج سرعان ما يغادر تلك التقنيات مستفيداً من تقانات أخرى جاءت على نحو متباين تكشفت في مسرح ما بعد الدراما، تمثل بعضها في توظيف (الميكروفون) بما فيه من إحالات صوتية لا تدفع بالمتلقي إلى التعاطف مع الحالة، بقدر ما تدفعه إلى التواصل والتفكر بتحولات الصوت وتنغيماته المنتجة والتي تبنتها المؤدية (حلا عمران) في حلات مختلفة إرتبط بعضها بالغناء الذي لا يشبه الغناء أو بإلقاء الشعر الذي لا يرتبط بإشعال جذوة الشعر بقدر ما يحطم التقليد ويغادر المستكين.
إعتمد المخرج في تأسيس فضاء العرض على فكرة تجريده من العلامات الدالة على بيئة المرفأ أو محيطه الذي تشرحه وثائق (الراوي/الخبير) وإكتفى بحضور المنصات التي تبتعد بالمكان إلى تلك الصالات المغلقة التي لا تنتمي إلى مكان دال بعينه، وهي مقاربة أخرى يؤكد المخرج فيها على طروحات (مسرح ما بعد الدراما)، مع وجود إستثناء علامي تمثل بحضور (البالونات) بألوانها القاتمة التي دفعت بنا للتفكير بعيداً عن مدلولها الاحتفالي، وصولاً إلى قصدية المخرج في توظيفها داخل المكان، فـ(البالون) في هذا العرض لا يسهم في إنتاج شكل بصري، والعلامة التي ينتجها لا تتعلق بشكله أساساً، بل تتعلق بما يحتويه فهو إحالة إلى حضور (الغاز) الذي يعود إلى توصيفات (الخبراء) الذين أشاروا إلى وجود الغاز المضغوط داخل المرفأ والذي أدى إلى الإنفجار القاتل، نجد أن توظيف البالون الذي إتخذ حجماً واحداً وشكلا بلون الإسمنت، هو العلامة الدالة الوحيدة على أن فضاء العرض هو فضاء المرفأ أو هو فضاء المدينة التي كانت تجاور المرفأ قبل إنهيارها.
عمل المخرج على تأسيس نصه المحايث لما ذهب إليه في مقدمة العرض، متخلياً عن متبنيات المسرح الرئيسة ( الاحداث، السرد، الشخصيات) مستفيداً من عديد القصائد التي ينتمي بعضها إلى شعر (سميح القاسم) وبخاصة قصيدة (منتصب القامة أمشي) التي وضع لها مارسيل خليفة الألحان وغناها بصوته الثوري ذو الدلالات العميقة التي انسجمت مع ما أراد المخرج التعبير عنه بصوت المؤدية (حلا عمران) التي إستطاعت خلق التفاعل مع الجمهور، فضلا عن توظيف المخرج لما يعرف بشعر (البشتون) في قصيدة ( أنا أحب ولا أخفي حتى لو قطعوا بسكين شاماتي) التي إختتم العرض بها .
لم يكن نص (الصمت) ينتمي إلى الدراما بأشكالها التقليدية أو التقديمية، ولم تكن البنية الدرامية حاضرة كما في الواقعية أو اللامعقول أو التعبيرية، إنتهى زمن السرد، وماتت الشخصية الدرامية، كما تقول (ألينورا فيوز): " إذا كانت الشخصية ميتة فما الفكرة التي يعكسها المسرح علينا كمتفرجين؟ ربما نحن في الطريق لإستيعاب ذاتنا كشظايا من الفكر والرؤية والحدث" وهو ما ذهب المخرج إليه في تأسيس نص يعتمد الأداء في التعبير عن الأفكار ولا يعتمد الأفكار أو المضامين، فالنص هنا بما فيه من ملفوظ هو نص أخرس، لأنه لم يستطع أن يواجه صدمة الإنفجار، بل ذهب إلى البحث في الأسباب التي أسهمت في حصول الإنفجار، وإختار تكسير اللغة الشعرية باداءات متنوعة، لا تنتمي إلى التجسيد أو التشخيص، بل تنتمي إلى إحداث الصدمة في المنطوق الشعري، وقد نتساءل ونبحث عن إجابة.. هل ثمة نص في هذا الصمت؟ نعم ثمة نص هجين لا نتعرف فيه على شخصية أو حدث أو سرد، كما أراد المخرج ذلك، فالمؤدية لا تمثل دور الأنثى وهي ليست ذكراً، لكنها تمارس علينا أفعال الخطاب العابر للنوع/ الجندر، الساخط على متبنيات الثقافة العربية الباردة، بالمقارنة مع ضحايا المرفأ البيروتي وشظايا الموت الحار. فالمؤدية تلعب دور الأنا /الآخر، الأنا تلك الضحية الصامتة التي تعتمد في توصيفها على شخصيات دالة في الثقافة المعارضة متمثلة بإنموذج نصفه متخيل (إبراموفيتش العرب) في إحالة إلى تلك المؤدية التي تقطع جسدها للتعبير عن سخطها ورفضها لثقافة المجتمع الأوربي بما فيه من هيمنة ذكورية، والآخر ذلك المتحكم بموجهات التفجير الصاخب والقادر على إحداث الصمت في أي لحظة.
لم يكن مقترح الأداء الذي تبنته الفنانة (حلا عمران) صامتاً، ذلك أن نيران المرفأ لم تطفئ في روحها بعد، ولم يكن المرفأ مجرد إحالة مكانية لفاجعة وقعت في زمن حقوق الإنسان المنتهكة، بل هي حياة كاملة تضج بالألم والإنكسار؛ إلا انه أداء لا ينتمي لشخصية درامية، أو لأحداث درامية، بل ينتمي لمدينة أكلتها الحرب، فلم يتبقى منها سوى ما هو متخيل في صياغات شعرية (أنا أجمع الحطب، وأنت تتأملين الشجر)، لذلك نجد المؤدية قد زاوجت بين الأداء الحركي والشعر المغنى الممزوج بحركات تحيل في بعضها إلى شكل الفجيعة أو صور التعبير عنها، والتي بدت حاضرة في أفعال ضرب الجسد (اللطم) التي تعمدت المؤدية فيها مغادرة الطقس الديني وصولاً إلى صمت الفاجعة.
تعامل المخرج مع مفهوم الزمن على نحو متباين ففي اللحظة التي يثبت لنا فيها ساعة تشير إلى زمن سابق على لحظة الإنفجار (6:55) وهو زمن إبتداء العرض، يكشف لنا في نهاية العرض عن زمن آخر هو (6:07) هو زمن الأنفجار في المرفأ، وكأن كل البوح والألم هو تنبؤ بحالة الإنفجار التي إنتهى العرض بها، تاركاً بالونات الغاز تجوب فضاء المدينة بحثاً عن مرافئ أخرى وانفجارات أخرى وموت آخر.. وصمت وسكون.



#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)       Samem_Hassaballa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة بسكين مثلوم!! تقانة الميتامسرح في -سيرك- الاسدي
- فرضيات الاشتغال الدراماتورجي في العرض المسرحي (خوف سائل)
- التجريب لم يـــكن اخـــــــتيارا..!
- العرض المسرحي ( GPS) تقانة الإخراج في مسرح الممثل
- مسرحية(خلاف) المهيمن السردي في فرضيات المخرج المؤلف
- -حرب العشر دقائق- التباس المضامين في الازمنة
- فرانكفونية الخطاب في مسرحية (YES GODOT)
- مسرح الكارثة .. أو ما بعدها؟
- مسرحية -حنين حار-: ذاكرة حاضرة ومستقبل ملتبس ؟
- نبوءة الدم.. وخرافة اليقين في مسرحية (مكبث)
- مسرحية (فُلانة): الهيمنة الذكورية في منتدى المسرح
- تقاسيم -جواد الاسدي- في منتدى المسرح ( قراءة من داخل التجربة ...
- ثنائية (الوعي – العزلة) في تجربة المخرج المسرحي فاضل خليل
- الخطاب المعرفي في المسرح إنتاج أم إستهلاك؟
- مسرحية ( رائحة حرب) الهيمنة التقنية وجماليات الإطاحة بالرؤية ...
- -سينما- الفضاء الميت !
- -وقت ضايع- في رحلة البحث عن المدهش البصري!
- حوار مع المخرج المسرحي : د.جواد الأسدي البروفة مع الممثلات ا ...
- -حلم الغفيلة - لم ينضج بعد !
- مسرحية - سرداب- الزمن ذاكرة المستقبل


المزيد.....




- ممثلة أمريكية تكشف تضرّر بشرتها بسبب فيلم -The Substance-
- أحوال الناشر العربي.. بين حتمية الإبداع ودروب الضياع
- أنباء بشأن تسريب امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي ف ...
- الشيخ قاسم:البهلوانيات في ابراز ابعادنا عن المسرح هي فقاعات ...
- الشاعر والكاتب وفائي ليلا ضيف برنامج حكايتي مع السويد
- بعيدا عن الأفلام.. كاميرون دياز تتحدث عن أفضل فترات حياتها
- عاجل..وفاة الفنان فكري صادق وموعد صلاة الجنازة عليه اليوم
- وفاة الفنان المصري الكبير فكري صادق (صورة)
- وفاة عرّاب السينما الأميركيّة ديفيد لينش
- أغنية -Sigma Boy- الروسية تدخل قائمة Billboard الشهيرة


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - موت الشخصية في (صمت)!!