أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - نبوءة الدم.. وخرافة اليقين في مسرحية (مكبث)















المزيد.....

نبوءة الدم.. وخرافة اليقين في مسرحية (مكبث)


صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)


الحوار المتمدن-العدد: 6294 - 2019 / 7 / 18 - 17:04
المحور: الادب والفن
    


وضع المترجم (صلاح نيازي) تساؤلاً في مفتتح تقديمه لترجمة مسرحية (مكبث) حول الجدوى من إعادة ترجمة هذا النص المسرحي
بالرغم من توافر المكتبة العربية على ترجمات عدة ، لكنه إستطاع إيجاد مايبرر ذلك ، بالمقارنة مع الطبعات الأنكليزية المتعددة لنص المسرحية .
وقد دفعني ذلك التساؤل إلى إعادة قراءة النص الشكسبيري والبحث في ثناياه ، قراءة جديدة ليست بعيدة عن الدرس الأكاديمي ولكنها أقرب إلى محاولة لإيجاد حلول لنص مسرحي أحسبه من النصوص (المستحيلة) ، فهو مستحيل لأن المؤلف إختار الولوج إلى فكرة تقوم على علاقة الإنسان ورغباته في الحصول على السلطة ، وهي فكرة لاتبدو جديدة على تراث المسرح العالمي ، إبتداءً من المسرح الإغريقي ، ووصولاً إلى ماذهب إليه شكسبير الذي إرتبطت نصوصه بأحداث تأريخية عمل على تحويلها إلى نصوص مسرحية شكلت حضورها في المسرح العالمي ، وبالعودة إلى نص مسرحية (مكبث) فإن شكسبير قد إعتمد في صياغة بنيته الدرامية على عدد من التقنيات التي عمل على توظيفها في نصوص مسرحية سابقة ، منها مايعد محركاً للأحداث الدرامية كما هو الحال في حضور شخصيات ليست واقعية مثل (الساحرات ، الطيف ، الأشباح) وقد وردت في مواضع مختلفة داخل النص ، إبتداءً من المشهد الأول للمسرحية الذي حملت معه الساحرات أخبار النبوءة بما ستؤول إليه أحداث هذه المسرحية ، وقد إختار المؤلف أن تلعب (الساحرات) في مفتتح المسرحية دور (الراوي ) الذي يعد حضوره تعبيراً عن الأحداث المستقبلية، وهي تقنية مغايرة لما كانت عليه وظيفة الراوي إذ إرتبط حضوره بسرد الأحداث الماضية ، فضلاً عن ذلك فإن فكرة (القدر الحتمي للبطل) التي كانت مهيمنة على المسرح الإغريقي ، بدت حاضرة في نص (مكبث) ، ذلك إن فعل الساحرات إرتبط بحضور اليقين الذي سيطر على سلوك (مكبث) ودفع به إلى تبني نبوءة الساحرات وتحويلها إلى ثوابت لايقف عند تحقيقها سوى حركة الزمن ، "إذا كان للقدر أن يجعلني ملكاً، فقد يتوجني دون سعيي" ، إلا أن تلك الثوابت سرعان مايدخل الشك إليها ، مايدفع بمكبث إلى السعي لتحقيقها عن طريق التخطيط للخلاص من الملك (دنكن) الذي أعلن أمام الجميع عن تنصيب ولده ولياً للعهد وأميراً على (كمبرلاند )، وهو تحول في مسار النبوءة التي كان مكبث مطمئنا بأنها سوف تتحقق بوصفها قدراً حتمياً وحقاً مكتسباً لن يسمح لأحد أن يغتصبه منه " هذه عتبة في طريقي إما أن أعثر بها فأكبو ، أو أثب فوقها لأنها رابضة أمامي، أيتها النجوم أحجبي أنوارك لاتجعلي النور يرى رغباتي السود والدفينة ؛ دعي العين لاترى ماتفعل اليد.. ليقع ماتخشاه العين ولاتراه، إلا بعد إنجازه" وفي ذلك تعبير عن حالة الشك وغياب اليقين في نبوءة لن تتحق إلا بالقتل وسفك الدم.
وما أن بدأ (مكبث) بالتفكير في خياطة ثياب الموت للملك ( دنكن) حتى نراه يلجأ إلى زوجته (الليدي مكبث) مستفيداً من طموحها الجامح في تعزيز رغبته وشحذ همته وسيفه للقضاء على الملك ، وهي تحرضه قائلة : " تظاهر بصفاء المحيّا؛ إن تغيّر ملامح الوجه علامة الخوف دائما، وأترك لي كل الامور الباقية" .
ولم ينته (شكسبير) من لعبة الشك واليقين بعد مقتل الملك (دنكان) بل راح يحفر في أعماق شخصية مكبث الذي صارت نبوءة الساحرات تحاصره وتبعد النوم عن جفينه ، ذلك أن نبوءة الساحرات لم تقنصر على مكبث فحسب ، بل إنها منحت (بانكو) جزءاً منها ، بأن يكون (أبناؤه ملوكاً) وهي نبوءة لم يكن (مكبث) مهتماً لها حين تم النطق بها ، ولكنه الآن وبعد أن صار ملكاً ، بات يخشى على العرش ، من خصومه الجدد (أبناء بانكو) ، وكأن (شكسبير) أراد بهذه النبوءة الكشف عن عقدة مختبئة تحت عباءة (مكبث ) تتمثل في عدم قدرته على الإنجاب " وضعت على رأسي تاجاً عاقراً وفي قبضتي وضعت صولجاناً عقيماً لتنزعه يدٌ ليست من صلبي، فلا أبن لي سيخلفني ، فإذا كان الأمر كذلك فإنما من أجل ذرّية بانكو، دمّرت طمأنينة عقلي ، من أجلهم قتلت دنكان الرؤوف" ، وفي الوقت الذي يعترف فيه بإرتكاب جريمة القتل بحق ملك رؤوف ، يكشف عن رغبته في الخلاص من أبناء بانكو سعياً وراء نبوءة خالصة لاتمنح لغيره حق القتل .
وقد أفاد (شكسبير ) من فكرة (الشبح) الذي سبق أن كان حاضراً في مسرحية (هاملت) وهو يظهر في هذه المسرحية على مستويين تمثل الأول في حضور(شبح بانكو) بعد مقتله في الغابة ، وحضوره داخل القصر، وفيه تعبير عن شعور( مكبث) بالذنب جراء جريمة القتل التي إرتكبها، اما المستوى الثاني فقد جاء على شكل (طيف) تقوم الساحرات بتحضريه من أجل أن يتعرف (مكبث) على مستقبله ، وعن طريقه يتعرف مكبث على نبوءة جديدة يعبر عنها (الطيف) بقوله " كن سفْاكاً، وجرئياً ووطيد العزم : إضحك واحتقر قوة أي رجل، فما من احدٍ ولدته أمّ سيؤذي مكبث" وهي نبوءة دفعت به إلى أقصى البطش والجنون حتى صار يتخيل نفسه رجلاً خالداً وان القدر يقف معه ضد خصومه ، فإذا كان قاتله رجل لم تولده امراة فمن يكون سوى المستحيل ؟ ولم يقف (الطيف) عند تلك النبوءة ، بل تجاوزها إلى نبوءة اخرى أكثر طموحاً " فمكبث لن يندحر أبداً ، إلى أن تأتي غابة (برنام) العظيمة إلى قلعة (دنسينان) العالية لتحاربه" وهي نبوءة مستحيلة أخرى ، لايمكن أن تتحقق إلا بوجود معجزة .
لجأ شكسبير إلى فكرة مستحيلة من أجل تحقيق التوازن بين طموح (مكبث) وشغفه بالسلطة والدم ، وبين النبوءات المستحيلة التي لا تترك مكاناً للعقل ، بل تدفع القارئ إلى تخيل مقترحات تنتمي إلى الخرافة من أجل إيجاد الحلول الدرامية لهذا النص الذي يحتكم على عقدة تبدو عصية على الحل، إذ إشترط (شكسبير) أن يتربط حضور البطل الضد بقدرته على أن لايكون خاضعاً للحضور الطبيعي للجنس البشري .
ولم يركن (شكسبير) إلى توظيف فكرة الأشباح فحسب ، بل إعتمد أيضاً على توظيف ثنائية الإستعارة والإحالة ، بمعنى ان المؤلف كثيراً ماكان يلجأ إلى إستعارة بعض المفردات اللغوية والعمل على توظيفها داخل النص الدرامي عن طريق إحالتها إلى معانٍ أخرى لها مرجعياتها التأريخية أو الدينية ، بعيداً على اللغة المباشرة ، وقد ورد ذلك كثيراً في النص وقد أشار المترجم إليها في مواضع مختلفة ، كما أن المؤلف لم يتخلَ عن حضور فكرة (الترويح الكوميدي) الذي كان حاضراً في مسرحياته المأساوية ، ويراد به التخفيف من وقع المأساة على جمهور ، وقد تمثل ذلك في مسرحية (مكبث ) عن طريقة شخصية ( البواب) الذي هو مشابه من حيث الحضور والأسلوب والنسق اللغوي بشخصيات ( البهلول في مسرحية الملك لير ، حفار القبور في مسرحية هاملت).
ونتفق تماماً مع إشارة المترجم النابهة حول تعدد الأصوات في اللغة الشكسبيرية " وبالإضافة إلى لغته الإليزابيثية البعيدة نوعاً ما عن اللغة المتداولة اليوم ، فإنها لغات في اللغة الواحدة ، أي أن أبطال مسرحياته يتحدثون كل بمستواه الفكري والمهني والاقتصادي، إنه لغات عدة داخل الشخص الواحد، فهو يتكلم لأعلى نمط واحد من التفكير، بل أنماط مزاجية متباينة".
وفي الختام وليس من باب المقارنة بين التراجم، أجدني غير متفاعل مع ترجمة الأستاذ (صلاح نيازي) بوصفها تميل إلى ترجمة النص المسرحي بأسلوب أدبي ، بينما يحتاج النص المسرحي إلى لغة درامية يتحسس فيها القارئ والمشتغل بالمسرح إلى إيقاع الكلمة ، وهو كان حاضراً في ترجمة الأستاذ (جبرا إبراهيم جبرا) الذي إستطاع أن يكشف لنا إيقاع كل شخصية ، وهذا مايجعل ترجمة جبرا الأقرب إلى فضاء المسرح من ترجمة نيازي التي يمكن لقراء الأدب أن يتقبلوها أكثر .



#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)       Samem_Hassaballa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية (فُلانة): الهيمنة الذكورية في منتدى المسرح
- تقاسيم -جواد الاسدي- في منتدى المسرح ( قراءة من داخل التجربة ...
- ثنائية (الوعي – العزلة) في تجربة المخرج المسرحي فاضل خليل
- الخطاب المعرفي في المسرح إنتاج أم إستهلاك؟
- مسرحية ( رائحة حرب) الهيمنة التقنية وجماليات الإطاحة بالرؤية ...
- -سينما- الفضاء الميت !
- -وقت ضايع- في رحلة البحث عن المدهش البصري!
- حوار مع المخرج المسرحي : د.جواد الأسدي البروفة مع الممثلات ا ...
- -حلم الغفيلة - لم ينضج بعد !
- مسرحية - سرداب- الزمن ذاكرة المستقبل
- مسرحية -يا رب- : المقدس بين سلطة الدين وسلطة العقل !
- مسرحية -مكاشفات- : تمثلات السلطة بين دراماتورجيا النص .. وسي ...
- مسرحية( العنف) السلوك الجمعي وسلطة الثوابت الإجتماعية
- التجريب في (مسرح الشباب) تحولات الوظيفة وحدود المصطلح
- سلطة الأشكال البصرية في -سجادة حمراء- جماليات الشكل وفرضيات ...
- -بقعة زيت- في مونودراما المشهد الأخير!
- التناقضات الفكرية والجمالية في مسرحية -مَن السما -!
- مسرحية -السقيفة - تأريخ الصراع على السلطة
- الأنساق الدلالية (للمخرج المؤلف) في الخطاب المسرحي (مسرحية ن ...
- ذاكرة - المقهى- الموجعة ..الشكل البصري وهيمنة الملفوظ النصي


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - نبوءة الدم.. وخرافة اليقين في مسرحية (مكبث)