أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - الأنساق الدلالية (للمخرج المؤلف) في الخطاب المسرحي (مسرحية نساء في الحرب إنموذجاً )















المزيد.....



الأنساق الدلالية (للمخرج المؤلف) في الخطاب المسرحي (مسرحية نساء في الحرب إنموذجاً )


صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)


الحوار المتمدن-العدد: 4674 - 2014 / 12 / 27 - 23:45
المحور: الادب والفن
    


مقدمة
لم يعد العرض المسرحي مستنداً الى مرجعيات عابرة في أنظمة التداول الفني، بل تحول من خلال عناصره الجمالية والفكرية الى خطاب مفتوح على عدد من الانساق الدلالية التي تحركه بشكل بصري، ويعود ذلك الى ان تطور نظام العلامات السيميائي واستثماره في حقل العرض المسرحي ،من خلال تقسيم العلامات وتوظيفها دلالياً عبر أنساق تركيبية عدة إشتمل كل منها على عدد من المفاهيم المعرفية والجمالية.
وقد كان لتطور مفهوم (المخرج –المؤلف) تأثيره في العرض المسرحي الحديث، على الرغم من أن تلك الثنائية القائمة بين (المخرج والمؤلف و المؤلف المخرج) ليست حديثة العهد بالفن المسرحي بل أنها رافقت العرض المسرحي منذ نشأته الاغريقية التي كانت دينية في الاصل وكان المؤلف فيها يقوم على تصميم الحركات، وإعطاء التوجيهات لعناصر الجوقة التي تشاركه العرض بصفته الممثل الوحيد ، والامر ذاته في مسرح العصور الوسطى وعصر النهضة ، إلا أن حركة المسرح قد تغيرت بظهور فرقة " الدوق ساكس ماننغن عام 1781 وعلى مسرح الكورت الذي أفتتح لاحقاً ، وقد حققت الفرقة إنجازاتها بعد أن تعهدها الدوق جورج الثاني (1826 – 1914)"( ).
وابتداءً من تلك المرحلة تحولت مهمة المؤلف من قائد للعرض المسرحي الى عنصر من العناصر التي تسهم في إنتاج العرض المسرحي الذي إمتلك المخرج فيه سلطة القيادة ، وتم اختزال دوره (اي المؤلف) الى الكتابة فحسب، لتبدأ من جهة اخرى حركات واكتشافات مسرحية أسهمت في تطوير عمل المخرج قادها مخرجون من امثال (ستانسلافسكي، مايرهولد،غوردن كريغ،آبيا ..وآخرون).
إن البحث في ظاهرة (المخرج المؤلف) لا يدخل ضمن منظومة الكشف عن المخرج صاحب الرؤية في تفسير النص المسرحي، بل ان الرؤية من منظور المخرج المؤلف تكون ضمن بنية النص ذاته فالكتابة المسرحية تكون على شكل فعل، وحركة، وصورة ولا يقتصر الامر على كتابة حوار درامي يستطيع من خلاله أي مخرج أن يتعاطى معه على وفق رؤية إخراجية مقترحة ، وإنما يعود القصد في ان تكون للمخرج قدرة على كتابة نص مسرحي يمتلك خصوصيته الدرامية والفنية بعيداً عن سلطة المؤلف التقليدية.
النسق التركيبي في العرض المسرحي:
إن العلاقات التي يكونها العرض المسرحي من خلال عدد كبير من العلامات التي تضفي معانٍ عدة في الفن المسرحي ، هي ما دعت الحاجة الى تطوير عدد غير قليل من المفاهيم التي قد تكون بدورها ذات مرجعيات مختلفة الا ان الدراسات الحديثة التي خصصت لتطوير منظومة العرض قد أسهمت في التقارب بين تلك المفاهيم وقد ظهر مفهوم (النسق) في العرض المسرحي لأهمية اشتغاله على عناصر العرض ، وذلك لفك الاشتباك الحاصل بين العناصر التي تنتمي الى أنظمة عدة ، وقد عنيت الدراسات السيميائية بتفكيك المنظومة العلامية للعرض المسرحي الى وحدات (سمعية وبصرية ) من أجل اعادة قراءة العرض على وفق تلك التصنيفات وتحديد علاقاتها السياقية ضمن فضاء العرض المسرحي ، ومن أجل ذلك فان اللجوء الى (النسق التركيبي) كان من أهم الخصائص التي أسهمت في دراسة العلامة في العرض المسرحي، ذلك ان " العرض يتألف من رسائل متعددة تستخدم في آن واحد من أجل إنشائها.. بشكل جمالي"( ) ويمكن للمتلقي أن يتقبل تلك العلامات عبر انساق متعددة ضمن نسق العرض العام ، ومن خلال ترجمة المتلقي للرسائل الواضحة منها والمشفرة وإحالة دلالاتها على وفق كيفيات مادية لطبيعة تلك العلامات والاشارات ؛ ويمكن أن يدخل النسق التركيبي في صناعة العرض المسرحي وذلك لاحتواء العرض على عدد من الانساق التي تتبع وظيفتها التي حددها (عواد علي) في" انساق ثنائية وثلاثية"( ) وعلى مستويات (سمعية وبصرية) كما في التقسيم الذي وضعه (كفزان) من اجل التعرف على الانساق العلامية في العرض المسرحي ذلك أنه عمل على تقسيم نظم العلامة الى ثلاثة عشر نظاماً هي " الكلمة ، والنغمة ، والمحاكاة ، والإيماءة ، والحركة ، والماكياج ، وتصفيف الشعر ، والملابس ، والإكسسوار ، والمناظر ، والإضاءة ، والموسيقى ، والمؤثرات الصوتية"( ) .
يعمد (كافزان) إلى وضع الممثل خارج تقسيماته العلامية على الرغم من كونه علامة دالة كبرى تعطي شكلاً لجميع الانظمة العلاماتية حتى وان كان بعض تلك الانظمة لا يرتبط بالممثل ارتباطاً مباشراً ، إلا ان ذلك لاينفي اهمية الممثل في إنظمة(كافزان) من حيث ان جميع الانساق العلامية التي انتجها تعود إلى الممثل على نحو مباشر كما هو الحال مع(والإيماءة ، والحركة ، والماكياج ، وتصفيف الشعر ، والملابس ، والإكسسوار) او غير مباشر كما في (والمناظر ، والإضاءة ، والموسيقى ، والمؤثرات الصوتية.. وغيرها).
أما (لالاند) فقد صنف العلامات الى طبيعية ومصطنعة، ذلك " ان العلامات الطبيعية هي التي لا تكون علاقتها بالشيء المدلول ناتجة الا عن قوانين الطبيعة كمثال الدخان الذي هو علامة النار ، والعلامات المصطنعة هي تلك التي تكون علاقتها بالشيء المدلول ناتجة عن قرار ارادي واعٍ وغالباً جماعي "( ) ، ويشير (كفزان) الى ما يمكن ان يحققه العرض المسرحي من اصطناع للعلامات وخلق نوع من التحول في السمات الدلالية لها ضمن نسق العرض المسرحي الذي "يحّول العلامات الطبيعية الى علامات مصطنعة ، ويستطيع من ذلك ان يصطنع العلامات التي قد تكون مجرد افعال لا ارادية في الحياة بالرغم من ذلك ، فان المسرح يحولها الى علامات ارادية"( ).
ولم يقتصر إشتغال الدراسات السيميائية على تقسيمات (كافزان و لالاند) بل إن التنوع في دراسة المصطلح السيميائي سرعان ما انتج (النسق التركيبي) الذي يعد " مجموعة العلامات التي تستنتج فيما بينها شبكة من العلاقات الاختلافية والتعارضية حتى تضطلع بتأدية وظائف دلالية متميزة بين المرسل والمتلقي"( ) ويعتقد الباحث ان للنسق التركيبي بما يحتوي من دلالات اهمية في العرض المسرحي بوصفه نظاماً جامعاً للعلاقات على خشبة المسرح ، وقد أشار (ايزر) الى" ان النص لا يتموقع بالنسبة الى واقعه الخارجي الخام ، بل يتموقع بالنسبة الى الانساق السائدة في عصره بوصفها نماذج فكرية لفهم وتأويل هذا الواقع ، وكل نسق دلالي بوصفه تفسيراً اختزالياً وانتقائياً لتجربة العالم"( ) ومن جهة اخرى فإن النص لا يعيد انتاج الانساق بل يعمل على تفعيل العناصر التركيبية داخل النسق المتوالد في بنية العرض المسرحي .
ان الشكل الدرامي للعرض المسرحي يكشف عن فضاءات محددة على وفق نسق معين ويسمح للمخرج بإعادة بناء ما كان متشكلاً ضمن تلك البنية النصية من خلال نسق تركيبي جديد يرتبط هو الآخر بوظيفة تحولية مع المتلقي الذي تقع على عاتقه فرضية تفسير ذلك النسق بكل ما يحمل من دلالات سمعية وبصرية ، وعلى الرغم من ان السيمياء حددت الانساق التركيبية للعرض استناداً الى تقسيم (كفزان) التي " جرى تجاهل الانساق البصرية كالإضاءة وتصميم الديكور من قبل السيميائيين"( ) فيها الا ان ذلك لاينفي اهمية تلك العناصر البصرية في تشكيل نسق دلالي خاص يكون مهيمناً على باقي انظمة ( كفزان) العلاماتية كما هو الحال في العروض المسرحية التي تعتمد الشكل البصري مرجعا لمنظومتها، كما في عروض (كانتور، وشاينا، وروربت ويلسون، وصلاح القصب.. وغيرهم) إذ إن الممثل في هذه العروض لا يكون علامة كبرى بحد ذاته ، انما هو أحد العناصر البصرية المساعدة في تركيب الصورة ، التي يتخلى فيها المخرجون عن الكثير من التقسيمات العلاماتية .
وقد حدد ( بويسانس ) الانساق التركيبية بوصفها "انساق للدلالة تكون نظامية حينما تتحول الرسائل الى علامات ثابتة ومستقرة كما هو الحال في إشارة المرور بأسطواناتها ومستطيلاتها ومثلثاتها لتؤلف بذلك عائلات من العلامات المحددة؛ لكن ثمة انساق لا نظامية ، على العكس تماماً : كحال الملصق الاعلاني الذي يستعمل الشكل واللون مستهدفاً اثارة الانتباه الى صنف منظف الغسيل ـ أو بالأحرى سلسلة الإعلانات المختلفة التي استخدمت بالتتالي للإشارة الى هذا الصنف من الغسيل"( ) ويشير الباحث الى وجود مقارنة بين الانساق النظامية والانساق اللانظامية وأهمية تطبيقها في العرض المسرحي وعناصره ( سمعية ، وبصرية ، وحركية ) ذلك ان كلا النموذجين موجود في العرض المسرحي فالنسق النظامي لا يحتاج الى توضيح كونه خاضعاً لمنظومة العرض اما النسق اللانظامي فأنه يتدرج في العرض المسرحي ضمن الفوضى المنظمة على خشبة المسرح ، كما يؤكد (غيرو) على ان" اللانظام الموجود في الملصق الاعلاني محكوم هو الآخر بنظام ولكن من نوع آخر يتمثل باختيار الالوان والقامة والخطية ، تخضع لحتمية أشد صرامة مما يخيل للناظر من الوهلة الاولى ، واحدى مهمات السيمياء الاساسية هي ايجاد الانساق في انماط الدلالة اللانظامية ـفي الظاهر"( ) ، معنى ذلك ان النسق التركيبي في العرض المسرحي ليس ظاهرة ثابتة بل هو متحول بتحول الفعل المسرحي الذي يشكل بدوره نسقاً جديداً يتبع الشكل الجديد والعلاقات التي نتجت عن حركة الممثل أولاً ومن ثم حركة العناصر الاخرى ، ويذكر (زياد جلال) إن من " أهم خصائص العلامة في المسرح هي قدرتها على التحول ، والمقصود بها حرية تنقلها بين المنظومات السيميائية المختلفة فهي قد تكون سمعية أو بصرية ، وقد يكون مصدرها الممثل أو الديكور او الغرض او الزِّي ، فالعلامة قد تتحول من عنصر الى آخر وقد تشترك جميع العناصر في ارسال علامة مركبة "( ) ومن خلال هذا التنوع في العلامات التي تشكل مستوى دلالي متواطئ مع المتلقي يظهر لدينا علاقات تواصلية منفردة في العرض المسرحي وفي مقدمتها النسق التواصلي الاول بين المؤلف والمخرج او المخرج بوصفه مؤلفاً من حيث أن الاخراج إعادة إنتاج للنص المسرحي .. وهناك النسق التواصلي الثاني الذي يتشكل من علاقة المخرج بالممثل لندخل الى نسق آخر يفرضه الممثل على الشخصية وهذا النسق هو نسق دلالي تخيلي يقع بين الشخصية بوصفها كائن من افتراض المؤلف والممثل بوصفه العلامة الكبرى في العرض المسرحي، وقد أشار (سوسير) الى " ان اللسان (اللغة) عبارة عن نسق من العلامات التي تعبر عن الافكار ، ومن هنا يمكن مقارنته بالكتابة وبالأحرف الابجدية عند المصابين بالصم والبكم ، وكذلك مقارنته بالطقوس الرمزية وبأشكال الآداب وسلوكها وبالإشارات المتعارف عليها عند الجنود "( ) ، حيث يعد النسق التركيبي في العرض المسرحي مولداً جديداً للعلامة الموجودة على المسرح وذلك من خلال عملية تركيب العلامات ضمن انساق دلالية متعددة ، (فالإنسان / الممثل) المنتج للدلالات ، هو الوحيد الذي يحول الاصوات الى اشكال حاملة للمعاني ليضعها ضمن انساق تواصلية تنتج علامات اخرى مضافة الى كل ما تم طرحه من علامات مستقلة بذاتها على الخشبة المسرحية " وهذه الانساق التواصلية مرتبطة بالمقام الاول بالحواس ، أي انها تحدد الحالات الاولى للإدراك الحسي المبني على الالتقاط المباشر لما يوجد خارج الجسد الانساني "( ) .

المخرج المؤلف في المسرح الحديث
تعد خطوات (الدوق ساكس ماننغن) الفيصل في تطوير عمل المخرج المسرحي ، والتي إستطاع من خلالها(ستانسلافسكي) وغيره من المخرجين تطوير أساليبهم الاخراجية، التي إتسمت بالتنوع ، حيث كان المخرج الالماني (ماكس رانيهادت ) يؤكد على ان المخرج هو العنصر الاساسي في العرض المسرحي ، اما المخرج الفرنسي ( جاك كوبو) فقد جعل براعة المخرج ترتبط بقدرته على تجسيد أفكار المؤلف وتفسيرها ، على العكس من وجهة نظر المخرج الروسي( مايرهولد) الذي إعتبر المخرج مؤلفاً ثانياً للعرض المسرحي ، بينما كان المعلم الروسي (ستانسلافسكي) يعد المخرج منفذاً للنص( ) .
وقد كان لهذه التصنيفات الأثر الواضح في بناء العرض المسرحي الحديث على الرغم من الاختلاف والتباين في الاساليب الاخراجية الا أن ما يهمنا من كل ذلك هو الوصول الى بدايات المخرج المؤلف التي يرجعها الباحث الى مراحل سبقت ظهور المخرج وتحديداً الى القرنين السادس عشر والسابع عشر حينما ظهرت (الكوميديا ديلارته)(-;---;--) ، إذ إن هذا النوع من الكوميديا التي كانت تعتمد بشكل اساسي على الفكرة التي يتم رسم الشخصيات على اساسها وغالبا ما تكون شخصياتها نمطية ومحددة سلفاً ، ويمكن ان تتطور الفكرة داخل العرض ، ويعد هذا الشكل الدرامي نوعاً من انواع التأليف ذلك أن الفكرة تعد العمود الفقري للنص المسرحي إذ يتم تأليفها بشكل جماعي نظراً لكون الملامح النهائية للمخرج لم تكن قد اتضحت في المسرح، لذلك فإن الباحث يعود بفكرة المخرج المؤلف الى تلك المرحلة المبكرة من تاريخ المسرح التي لم يزل المخرج في المسرح الحديث يستمد تجاربه الاخراجية منها ، ويعد (داريوفو) (-;---;---;---;--) من المخرجين الذين أفادوا من تجارب (الكوميديا ديلارته) ، حتى انه قام بتأليف وتمثيل واخراج مسرحية تحمل اسم شخصية من شخصياتها النمطية الا انه اضفى عليها بعض التغيرات لتتماشى مع المرحلة التي عرضت فيها وكان اسم المسرحية "هارليكان ،آرليكان، آرلكينو التي يقوم فيها بإلغاء تام للشخصية المعروفة بوصفها النمط الواضح للبهلوان ذي الرأس الناعم "( ) ، ومن جهة اخرى فإن داريوفو قد اعتمد على الاسلوب الملحمي في الاداء لأنه كان يمنحه حرية أكبر في التعبير عن الشخصيات التي كتبها ويقوم بإخراجها على خشبة المسرح وكان يعرف "بالنسبة للكثيرين في اميركا بوصفه هجاءً سياسياً الا ان هذه الصفة تبدو تبسيطاً كبيراً لتهريج داريوفو الملحمي الواسع والممتد الابعاد "( ) ، وقد كان يستعين في عروضه بمصادر من العصور الوسطى لاعتقاده بأنها لاتزال ذات تأثير على المتفرج ويشير دائماً "الى مسرح برتولد بريخت الملحمي الا ان مصادره المهمة ترجع الى ابعد من ذلك بكثير الى عصر النهضة الاوروبية والى تقاليد العصور الوسطى"( ) ومع كل تلك العروض التي تتسم بالتهريج ومحاولة المزج بين التقاليد القديمة والحديثة الا ان داريوفو كان يقوم بأداء نماذج مختلفة تتسم بالعبث فقد كان للعروض التي قام بكتابتها وتمثيلها واخراجها كما هي عادته؛ أثره الواضح في هذا الاتجاه الذي كان يطمح الى التعمق فيه حيث استخدم في عروضه عدداً من الوسائل لكسر ذلك البعد بين خشبة المسرح والجمهور ... فشخصياته توجه خطابها مباشرة الى الجمهور وكأنها في حالة اعتراف، وكثيراً ما كان يوقف العرض لكي يؤدي ارتجالات معينة غرضها الاشارة الى حوادث تجري وقتئذ في المسرح .
ان كتابة النص المسرحي لدى داريوفو والقيام بإخراجه تمنحه حرية التغيير في بنية النص وتغيير الافكار حسب مقتضيات العرض ، ويعود ذلك الى طريقة تلقي الجمهور لأعماله ولذلك فإن داريوفو يشير الى عملية التفاعل بينه ككاتب ومخرج وممثل من جهة، وبين الجمهور المختلف اجتماعيا وفكريا من جهة اخرى، والتي تكاد تكون عملية متباينة ومتقاربة في الوقت ذاته، ذلك أنه يعد الجمهور شريكاً في المؤامرة بمعنى ان الجمهور يبعث بإشارات متنوعة يتلقفها داريوفو وهو على خشبة المسرح وهذه الاشارات تكون عبارة عن ضحكات توضح الرضا الكامل عن المشهد الذي يعرض أمامهم او ان الصمت يخيم على قاعة العرض في اشارة إلى عدم رضا الجماهير عما يقدم اليه فيسارع الى التغيير في بناء النص والعرض معا وبشكل ارتجالي ،وبحسب (المنيعي) فإن الإرتجال يعني " التركيب والانجاز أو القيام اللحظي والآني بشيء لا متوقع وغير جاهز على اعتبار ان هذا الغياب للاعداد يستطيع بطبيعة الحال ان يكون نفسه جاهزاً ومتعمداً "( ) ومن هنا يعد الارتجال في مسرح داريوفو المساحة الاوسع في بناء (النص – العرض) المشترك والمتحول بطبيعة الحال بحسب تطور افكار (المخرج المؤلف)، وعلى الرغم من اهتمامه بالملحمية التي اتخذها (بريخت) طريقاً له الا ان بريخت في محاولاته الاولى في المسرح بدأ بكتابة النص الدرامي او اعداد نصوص درامية لكتاب آخرين تكون منسجمة مع رؤيته الاخراجية، كما هو الحال مع مسرحية (ادوارد الثاني) التي كتبها(كريستوفر مارلو) وعمل (بريخت) على إعادة كتابتها بما يتناسب مع طروحاته الفنية حتى ان عنوان المسرحية لم يسلم من مقترحات (بريخت) الذي عمد إلى تغييره إلى (حياة ادوارد الثاني)( ) .
بدأت تجارب (بريخت) تتوالى من حيث الاخراج والتأليف وبما ينسجم مع (نظرية المسرح الملحمي) التي كان (ارفين بسكاتور)(-;---;--) يدعو إليها من قبل، إلا ان (بريخت) عمل على تطويرها،إذ " كان لزيارة بريخت الى مسرح مايرهولد الاثر الكبير في تطوير اسلوبه الاخراجي ،فقد شاهد بريخت مسرحية (زئير الصين) وكانت من اخراج فرقة مايرهولد واعتقد بريخت ان هذه المسرحية من أهم المسرحيات التي خلقت تأثيرا فيه وأسهمت بشكل كبيرفي تطوير نظرية المسرح السياسي الاجتماعي"( ) ان هذه التلاقحات الثقافية التي مر بها بريخت جعلته يصل الى تكوين (المسرح الملحمي) بصورته البريختية ، حيث قامت هذه النظرية على مرحلتين : الاولى هي ان يرسم لها أطاراً نظرياً وفلسفياً يعتمد في مضمونه على الفلسفة الماركسية التي يقدم لها في مسرحه اهم تقنياتها التي يمكن للمسرح ان يستفيد منها والثانية هي ايجاد نصوص مسرحية تنسجم مع التفكير الذي يتلائم مع فكره الإخراجي ، الأمر الذي دفعه إلى كتابة نصوص درامية تعتمد على تقنيات ملحمية ، كما في (التغريب) الذي " يعني قبل كل شيء هو ان تفقد الحادثة أو الشخصية كل ماهو بديهي ، ومألوف وواضح فضلا عن إثارة الدهشة والفضول كما يرى (بريخت) ان التغريب لا يكون بذاته وانما يعتمد في تكوينه على مجموعة من التقنيات ويكون الراوي بضمنها وهو الشخصية التي لاتحكي ماجرى في الماضي وإنما شرح الحاضر والمستقبل( ).
إن تغيير وظيفة النص السردية في مسرح بريخت لها اهمية خاصة، ذلك ان النص في مسرحه لا ينطلق من بنية تقليدية ولا حاجة به الى الاسهاب في حوارات لاضرورة لها وانما الغاية التي يرتجيها من نصوصه هي الافكار التي تتضمنها النصوص لكي يعتمد عليها في تغيير بنية العرض.
ولا ينطبق ذلك على تجارب غيره من المخرجين ، ذلك ان تجربة المخرج (بيتر بروك) تعتمد على تبني التراث الأسطوري والعمل على إعادة إنتاجه على نحو معاصر ، فضلا عن ذلك فإن تجربة (بيتر بروك) في الإخراج دفعته إلى التعاطي مع ظاهرة (المخرج المؤلف) التي عمد إلى تجسديها في مسرحية ( نحن والولايات المتحدة) التي كتبها واخرجها ؛ ويعود ذلك إلى أن فكرة هذه المسرحية ترتبط بالحرب في فيتنام ، من جهته فإن (بيتر بروك) يؤكد ان هذه التجربة قد إعتمدت على " تجارب جون ليتوود في التأليف الجماعي ،وتجارب المسرح الحي ، ومسرح الواقعة وتجارب غروتوفسكي ومعمله المسرحي وتجارب بيتر فايس ومسرحه التسجيلي لكن بروك كان يأخذ من هذا كله ما يحقق تصوره نحو مسرح المواجهة"( ) .

المخرج المؤلف في المسرح العراقي :
إستطاعت التجارب المسرحية العالمية على إختلاف أساليبها ان تلقي بظلالها على المسرح العراقي ،لاسيما تجربة (ستانسلافسكي ) التي تأثر المخرج (جاسم العبودي ) بها من خلال دراسته للمسرح ، والعمل على نقل التجربة إلى العراق، ومن جهة اخرى فأن تجربة المخرج الالماني (برتولد بريخت) لها دور في صناعة العرض المسرحي العراقي ، وقد تصدى لنقل تجربته عدد من المخرجين كان أبرزهم (ابراهيم جلال ) ، ومن هذين المفصلين الاساسيين بدأ العرض المسرحي يأخذ طريقه نحو الاشتغال على النص العالمي بعد ان كانت مسؤولية العرض تقع على عاتق المؤلف (المحلي) الذي كان يتعامل مع العرض بشكل بسيط يتمثل بنقل جميع ملاحظات المؤلف على خشبة المسرح ، الأمر الذي جعل من المخرج المسرحي في مراحل لاحقة يتجه إلى كتابة النص المسرحي والعمل على تقديمه على خشبة المسرح "ويتضح عمق هذا اللون في المسرح من خلال الأفكار الإخراجية أكثر من المادة الدرامية ، فالمخرج هنا يحاول الاقتراب من التأليف المسرحي الملائم لأفكاره"( ) وقد تنوعت إشتغالات المخرج المؤلف على النص المسرحي فقد لجأ بعضهم الى التراث في محاولة لإستنباط الأفكار كما هو الحال مع المخرج (قاسم محمد) الذي تأثرت تجربته المسرحية بتجارب عدد من المسرحيين العرب ومن بينهم المخرج المسرحي المغربي(الطيب الصديقي ) وتجارب المخرج اللبناني (روجيه عساف) في مسرح الحكواتي ، وغيرها من العروض المسرحية التي إعتمدت التراث مصدرا لأفكارها الادبية ( ) ، وتعود فكرة التأليف في عروض (قاسم محمد) الى سعيه المتواصل في "تحقيق التناغم بين الفعل، وبين الكلمة المنطوقة ، وتطابق رؤيته الاخراجية كمؤلف ومخرج "( ) ، ان تخلي قاسم محمد عن المؤلف يرجع الى ان اسلوبه في التأليف لم يكن يتم بمعزل عن الرؤية الاخراجية فكلاهما يسير بخطوط متوازية ،فالتأليف صيغة من صيغ المعالجة الاخراجية لحدث معين ، وعلى الرغم من التعقيدات التي تكتنف تأليف النص الدرامي التي يدركها (قاسم محمد) مؤكداً على " أن التأليف المسرحي مسألة في غاية التعقيد ولا أدعي اني قادر على القيام بها ولكني أسعى الى كتابة الإخراج على وفق معطيات النص الذي أحلم بإنجازه، ولا احتاج الى أن أخوض تجربة التأليف بمعزل عن الاخراج ، ذلك ان تجربة التأليف غالباً ما تحبط عندما يخرجها غيري لأن (60%) من المطلوب يبقى مخزوناً في رأسي ، وتبقى (40%) على الورق"( ) ، ويدل ذلك على ان بنية النص في عروض قاسم محمد تبقى غير مكتملة ، ذلك ان النص يكون محملاً بالشفرات والعلامات التي يشتغل عليها المخرج، ذلك أن العرض عند ( قاسم محمد) يعد عملية تركيبية لعدد من العناصر بضمنها تقع مصادر النصوص التراثية التي يستنبط منها نصوصه المسرحية ويعيد تشكيلها بناءً على تركيب باقي العناصر في نسق متجانس داخل بنية العرض ، وغالبا ما يلجأ (قاسم محمد) الى التأليف والاقتباس والاعداد باحثاً عن مشاهد تتلاءم ورؤيته الحلمية ، ويتم كل ذلك في ورشته الخاصة بكتابة العرض والنص ( ).
وقد أفرزت تجارب المخرج المؤلف في المسرح العراقي أنموذجاً مسرحياً يرتبط بتجارب المسرح العالمي وعلى وجه الخصوص تلك التي تطورت بعد الحرب العالمية الثانية التي برزت تحت مسميات عدة منها (مسرح الخبز والدمى ، مسرح الشارع ،وغيرها ) حيث استطاع المخرج (سعدي يونس ) الإفادة من مشاهدته لتلك التجارب والتأثر بها ومن ثم نقلها الى العراق؛ لتكون ظاهرة في تقديم العروض المسرحية في الاماكن العامة حيث "إعتمدت تجربته في مسرح المقهى والشارع على الاقتصاد في وسائل العرض من إكسسوارات وديكور، وإضاءة، وأزياء ، لكي لا يرهق فرقته في تنقلاتها السريعة ،فضلا عن إعتماده عنصر الابتكار لدى الممثل من خلال النقاش والحوار مع الجمهور "( ) وتعد هذه التجربة التي يعتمد فيها المخرج على إمكانياته في التمثيل والتأليف واحدة من التجارب البارزة في تطوير إشتغال المخرج المؤلف في العرض ، فضلا عن كونها ترتبط بتجارب عالمية مثل تجارب (الكوميديا ديللارته) وتجارب المخرج والمؤلف الايطالي (داريوفو) ، ذلك ان تجربة (سعدي يونس) تعتمد على المفردات اللغوية وتحولاتها داخل العرض عن طريق الإفادة من طاقة الممثل من جهة وقدرته على تفعيل دور التلقي من جهة اخرى ، فاللغة في عروض (سعدي يونس ) تحاكي الطبقات الاجتماعية التي تقدم لها العروض المسرحية ، وعلى الرغم من فقر عروضه من الناحية التقنية إلا انها تسعى الى تطوير مفهوم التشاركية في العرض المسرحي الذي إشتغل عليه (غروتوفسكي ) وغيره ، فالمقهى الذي يمثل مسرح (سعدي يونس) هو البيئة التي تدور فيها الاحداث التي يكتبها لتكون ملائمة للمكان ، مستفيدا من معطيات المكان ذاته في تطوير النص ، فقد اعتمد في الكثير من عروضه على فكرة الدائرة التي يحيط بها المتلقي بحثاً عن الإحالات الفكرية والجمالية لهذا الشكل الذي يرتبط بالتراث والمعاصرة على السواء ( ) .
كما ان المخرج (عقيل مهدي) إختار أن يقدم عدداً من العروض المسرحية تأليفاً وإخراجاً من خلال كتابته (للمسرحية/ السيرة )، التي بدأ يؤسس لها منذ ثمانينات القرن الماضي حينما قدم (يوسف العاني يغني و من يهوى القصائد ..وغيرها) ، ليتخذ لنفسه أسلوباً في التأليف والاخراج يحاول فيه المزج بين الشخصية التي يستعيرها من الواقع او التراث ويمزجها برؤية اخراجية معاصرة ، وبذلك فإن النص الدرامي لديه يمر بتحولات عدة وصولاً الى العرض ،ويؤكد (عقيل مهدي) "عندما اكتب النص أضع بعض الحرية النسبية لجو العرض "( ) وبذلك فإنه يمنح النص قدرة على تركيبات سينوغرافية تتمثل في العرض، ولا يتمسك بحدود النص بل يسعى الى تطوير فرضياته الجمالية والفكرية التي تتولد بفعل العناصر المكملة للنص الدرامي، التي غالباً ماتدفع بالمخرج الى تغيير بعض المفاهيم الواردة في النص او اعادة كتابتها لصالح العرض من اجل تحقيق التناسب والانسجام( ) .

مسرحية : (نساء في الحرب) (-;---;--)

أولا ً : المستوى النصي :
تحكي هذه المسرحية قصة ، ثلاث نساء قذفت بهن المنافي، الى ملجأ في ألمانيا ولكل واحدة منهن حياة مختلفة عن غيرها، الا أن المؤلف أستطاع أن يوحد هذه الشخصيات عبر مفصلين أحدهما إرتبط بالماضي المليء بالوجع في بلادهن ، والآخر مرتبط بالأمل الذي كنّ يبحثن عنه في عيون المحقق الألماني ، ومن جهة اخرى ، إختار المؤلف شخصياته المسرحية من الطبقة المثقفة في إشارة الى أن أغلب المهاجرين يمثلون هذه الشريحة المهمة في المجتمع العراقي ، فالشخصية الاولى (أمينة) والتي جسدتها الفنانة (شذى سالم) ،هي ممثلة مسرحية رمت بها الخشبة بعد انهيارات متعددة لوضع سياسي يهدد بالانفجار، الأمر الذي دفعها للتحول من كائن أنثوي شفاف الى مرجل بخاري يهدد بالانفجار بين لحظة وأخرى ، في تحولات أدائية واستعارات لطبقات صوتية متعددة ،ممثلة حالمة بفنٍ نبيل ومسرح حر يمجد الإبداع ويحترم المبدعين، انهارت أمام عينيها أجمل اللحظات فما كان منها إلا أن تهجر الوطن(المسرح)، وباتت تستعيد الذكريات في الملجأ لعلها تخفف عنها وجع الغربة.
أماالشخصية الثانية (مديحه) فقد جسدتها الفنانة ( آسيا كمال)، وهي طبيبة نفسية.. لم تعد تجد علاجا في كل النظريات التي تعرفها وتعالج الآخرين بها.. ولكنها عجزت تماما عن علاج نفسها فلجأت الى السخرية من كل شيء..إلا ان ذلك لم يمنع نوبات الإنهيار الهستيري المستمرة في غزوها بين حين وآخر ، الأمر الذي يجعلها ترفض معرفتها بالبلاد التي ولدت فيها، إنها شخصية جحيمية دائمة الإنهيار.
اما الشخصية الثالثة (مريم) فقد جسدتها الفنانة (سهى سالم) التي اختار المؤلف أن تكون من بسطاء المجتمع الذين كثيراً ماكانوا يتعرضون لقسوة السلطة وهجماتها ، الامر الذي جعلها تتعرض لهجمات رجال الأمن الذين ضربوها على صدرها، لتبدأ هواجس الالم بالسيطرة عليها حتى انها باتت تحّْس بوجود ورمٍ كبير يمزق صدرها.
في ظل هذه المعاناة التي تمر بها الشخصيات الثلاثة يبدأ زحف التهجير من جديد فقد كان ناقوس الخطر يدق بشكل مستمر إيذاناً بالطرد، وعدم الموافقة على قبولهن لاجئات في المانيا .
ان الخطر الدائم كان يتمثل في شخصية (المحقق) التي جسدّها الفنان الراحل (صاحب نعمة) ، الذي لم يكن موجوداً في النص الاصلي وانما كان عبارة عن ملاحظة وردت في خيال احدى الشخصيات، الا ان المخرج حوله في العرض الى شخصية واضحة الملامح وكان على الشخصيات الاخرى التعامل معه بكل حذر؛ لأنه يمثل السلطة التي تقبض الارواح .
لقد كانت التحولات التي عمل عليها المخرج أشبه بمفاتيح سرية للنص المغلق على نفسه بسبب اللغة الشعرية التي كان النص يمتاز بها ، مما جعلنا نعتقد ان المخرج لن يتنازل عن تلك الجمل التي لها وقع عاطفي لدى المتلقي الا ان العرض جاء مغايرا فقد هشم المخرج النص ولم يتمسك بمفرداته اللغوية في كثير من الاحيان ، حتى ان نهاية العرض اختلفت بشكل كبير عن تلك النهاية التي كتبها (جواد الاسدي)، الا انه حقق النتيجة ذاتها التي كان يطلبها بوصفه مؤلفاً للنص ولكن بأسلوب المخرج الذي كان اكثر حرية من المؤلف في الكشف عن خبايا هذا النص من خلال تغييره للمشاهد وحذف وإضافة العديد منها بما يتناسب مع طبيعة المكان والزمان الذي قدم فيه العرض.

ثانياً : المستوى التمثيلي :
إمتاز العرض المسرحي بالتنوع الادائي ، ويعود ذلك الى إشتغال الممثلات، لا سيما وأن المخرج استعان بقدرات تمثيلية إحترافية من أجل تجسيد هذه الشخصيات المركبة، التي تعتمد على بناء سلوك نفسي ، يبتعد كثيرا عن الأداء الارتجالي او النمطي على حد سواء.
وقد استطاعت الممثلات الدخول في فضاء النص والإفادة من الطاقة التي يحملها وتحويلها الى فعل تعبيري على خشبة المسرح، سواء عن طريق الكلمات المكتوبة أم السلوك الذي تبنت كل واحدة منهن سلوكا يتناسب وابعاد الشخصية التي تجسدها ، الا ان ذلك لم يكن يمنع عن وجود مشتركات في الاداء بين الشخصيات وقد اتفق المخرج والمؤلف على هذه النقطة في الاداء ، ذلك ان حالات الانهيار النفسي لدى الشخصيات جاءت بشكل متتابع ولم تنفصل عن الصرخات التي تدفع (الممثلة /الشخصية) للتعبير عن أقصى مراحل الالم .
تعد العزلة احد أبرز الحالات التي إعتمدتها ممثلات العرض في التعاطي مع إسلوب ادائي يتنوع بين حين وآخر، حتى أن السلوك التقليدي المتمثل بالضحك أوالبكاء بات خاضعاً لمنطق العزلة التي إصطبغت بها شخصيات العرض، حتى صارت الرغبة الوحيدة للشخصيات هي الموت في مقابر اوطانهن ولم تعد بهن رغبة في الحياةفي أوطان المهجر، ولم ينس المخرج في نهاية العرض المسرحي ان يصل بشخصياته الى النهاية الحتمية التي جاءت برفض طلبات اللجوء التي كانت الشخصيات قد تقدمت بها ، وقد كان اسلوب الاداء متباين بين تلك الشخصيات في التعبير عن فاجعة الرفض على الرغم من ان النتيجة كانت متشابهة لهن على حدٍ سواء، الا أن سلوك كل شخصية قادها الى رفض هذا القرار تبعا لأسلوبها الادائي الذي ابتدأت به العرض لتنتهي جميع الشخصيات متلفعة ببياض الاكفان التي عمد المخرج فيها إلى مغادرة الدلالات التقليدية التي يعبر اللون الأبيض ، ذلك أن المخرج أراد الإطاحة بالأمل عند نساء الملجأ الألماني .

ثالثاً : المستوى السينوغرافي :
لم تكن فرضية المكان واضحة المعالم في بنية النص ذلك أن المؤلف ترك هذا الخيار لرؤيا المخرج الذي بدا مدركاً لصياغة مكان العرض السينوغرافي فعلى الرغم من ان النص لم يكن يعبر عن البيئة الا أن المخرج ومن خلال السينوغرافيا التي اختارها للعرض استطاع أن ينقل البيئة العراقية الى داخل الملجأ الالماني من خلال استخدامه لعدد من المفردات الاكسسوارية والعمل على تركيبها داخل بنية العرض لتتحول الى علامات دالة ، ونذكر منها استخدامه (لأواني المطبخ) التي هيمن عليها اللون الرمادي كما هيمن على جميع المفردات ، فقد عمد المخرج الى الابتعاد عن الالوان البراقة حتى في اختياره لأزياء الشخصيات الداكنة ، الامر الذي يحيل المتلقي الى قراءة أحاسيس الشخصيات من خلال قراءة البيئة التي تكشفت عن الحزن وغياب الامل، والامر ذاته ينطبق على الاضاءة التي عمل المخرج على توظيف بعض الاواني المنزلية وتحويلها الى أجهزة اضاءة لتكون ملائمة للبيئة ، حتى ان الضوء الاصفر الذي إعتمده المخرج من اجل التعبير عن المرض النفسي المستشري داخل ارواح هذه الشخصيات التي غالبا ما تعبر عنه بالبوح بماضيها المليء بالأوجاع ، فقد بدا واضحا الاختلاف بين النص والعرض من خلال السينوغرافيا التي استخدمها المخرج عبر اختزاله للكثير من المشاهد السردية وتحويلها الى صور بصرية كان لها تأثير في تطوير الجو النفسي للعرض ، كما ان استخدام المخرج للعديد من المفردات الإكسسوارية التي أسهمت في التعبير عن الشخصيات والعرض بشكل عام كان لها اثر عميق في تقريب الصورة العامة حول حياة تلك الشخصيات في المهجر ، فقد حول المخرج مكان العرض من ملجأ هربت الشخصيات اليه، الى سجن تريد الشخصيات الهروب منه والعودة الى الجحيم/ البلاد التي ترزح تحت الحكم الدكتاتوري الذي كان السبب في هروبهن الى ملاجئ الهجرة وجحيمها.

النتائج:
1- إن التغيرات التي اجراها (المخرج جواد الاسدي )على النص المسرحي (نساء في الحرب) كانت ضرورية من حيث تكثيف اللغة الشعرية التي كان المؤلف يعزز فيها من مكانة النص الادبية .
2- اعتمد المخرج المؤلف على اختزال الحوار اللفظي والعمل على إيجاد بديل عنه يتحدد بالصور التعبيرية، ولغة الصمت والاشارات التي كان للمثل دور فاعل في تجسديها.
3- إن عملية تفكيك المشهد واعادة بنائه كانت سمة من سمات الاختلاف بين النص والعرض.
4- إن الحرية التي منحها المخرج لنفسه في هذا النص بوصفه مؤلفاً، درامياً، اسهمت في نقل العرض المسرحي من الأجواء المغلقة للشخصيات الى اجواء مفتوحة عن طريق تطوير الافكار التعبيرية التي منحت فرصة أكبر للمتلقي في التواصل مع منظومة العرض المسرحي.
5- إن ظاهرة المخرج المؤلف باتت تعد ضرورة إخراجية تسهم في التعاطي مع الافكار بعيداً عن الإلتزام بطروحات النص سواء كانت سردية أو شعرية ، الامر الذي انتج نوعاً ثالثاً من النصوص المسرحية تنتمي إلى العرض المسرحي بما تمتلك من إختزال مشهدي.
6- تخلص المخرج من القيود التي يفرضها عليه المؤلف والابتعاد بالنص الى مناطق جديدة يكون هو المتحكم فيها.
7- بدأ المخرج المؤلف بصياغة افكار جديدة وبمعالجات اخراجية متعددة ووسائل مختلفة للتعبير ومنها (الكوميديا ديلارتة – المسرح الحركي – البانتومايم ) وغيرها وكل هذه تعد بدائل للتخلص من الجانب الأدبي الذي يؤكده المؤلف المسرحي الذي قد لا يكون مرتبطاً بالعملية الاخراجية وفرضيات المخرج التي غالباً ما تكون دائمة التحول سواء في مرحلة البروفات المسرحية أو في العرض المسرحي المنجز.
الهوامش:
( ) ينظر:أردش ، سعد :المخرج في المسرح المعاصر ، سلسلة عالم المعرفة (ع 19 )، الكويت ( المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ) ،1979 ، ص42.
( ) إيلام ، كير : سيمياء المسرح والدراما ، تر رئيف كرم ، ط1 ، بيروت ( المركز الثقافي العربي) ، 1992 ، ص 61 .
( ) علي، عواد : غواية المتخيل المسرحي ، ط1 ، الدار البيضاء (المركز الثقافي العربي) ، 1997 ، ص 89 .
( ) أستون ،إلين، جورج ،سافونا :المسرح والعلامات ، تر سباعي السيد ، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي (8)، القاهرة (مطابع المجلس الاعلى للآثار)، 1996 ، ص148 .
( ) جلال ، زياد : مدخل الى السيمياء في المسرح ، عمان (منشورات وزارة الثقافة )، 1992 ، ص29 .
( ) المصدر السابق ، ص 34 .
( ) شرفي ،عبد الكريم : من فلسفات التأويل الى نظريات القراءة ، ط1 ، الجزائر ( الدار العربية للعلوم ناشرون) ، 2007 ،ص 194 .
( ) المصدر نفسه .
( ) إيلام ، كير ، مصدر سابق ، ص223 .
( ) غيرو ، بيار : مصدر سابق ، ص40 .
( ) المصدر السابق ، ص 41 .
( ) جلال ، زياد ، مصدر سابق ، ص 39 .
( ) غيرو ، مصدر سابق ، ص 44
( ) بنكراد، سعيد: السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها ، ط2، بيروت (المركز العربي الثقافي) 2003 ، ص 77 .
( ) ينظر : فريد ، بدري حسون - سامي عبد الحميد : مبادئ الاخراج المسرحي ، العراق (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- جامعة الموصل) ،(طبع في مطابع مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر) 1980،ص ص 17-2 .
(-;-) شكل من الملهاة الشعبية الايطالية راجت في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، تعتمد على الفكرة والاداء المرتجل للممثل .ينظر: رسل تايلر ، جون : الموسوعة المسرحية ، ترسمير عبد الرحيم الجلبي ،ج1 ، ط 1 ، بغداد (سلسلة المأمون – دائرة الاعلام ) ، 1990 ، ص 132 .
(-;--;-)مخرج مسرحي وكاتب وممثل ايطالي ولد عام (1926 ) واسس مع زوجته الممثلة فرانكا راما (المسرح الجمعي) وهو حائز على جائزة نوبل .ينظر: داريوفو : موت فوضوي صدفة ، ترتوفيق الاسدي ، ط2 ، سوريا ( دار المدى للثقافة والنشر) ،1999 ،ص 23 .
( ) المصدر السابق ، ص 8 .
( ) المصدر السابق ، ص 11 .
( ) المصدر السابق .
( ) المنيعي ، حسن : المسرح والارتجال ، ط1 ، الدار البيضاء ( دار عيون للنشر) 1992 ،ص 24 .
( ) ينظر : ونوس ، سعد الله – نبيل حفار: بريشت في ذكرى ميلاده الثمانين ،مجلة الحياة المسرحية (ع 4-5)، سوريا (وزارة الثقافة والارشاد القومي) 1978،ص 134 .
(-;-) مخرج مسرحي الماني، ولد عام (1883 -1965 ) صاحب فكرة المسرح الملحمي ومؤسس المسرح السياسي.
ينظر : مهدي ، عقيل : نظرات في فن التمثيل ، بغداد (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي – كلية الفنون الجملية ، جامعة الموصل) دار الكتب للطباعة والنشر، 1988 ، ص 192 .
( ) ينظر : بليزانوف ، كاترين : مسرح مايرخولد وبرخت ، ترفايز قزق ، دمشق ( وزارة الثقافة –المعهد العالي للفنون المسرحية ) 1997 ، ص 29 .
( ) ينظر : مهدي ، عقيل : مصدر سابق ، ص 209 .
( ) بروك ، بيتر : مسرحية نحن والولايات المتحدة ،ترفاروق عبد القادر ، سلسلة روايات الهلال (ع 266) ، القاهرة (دار الهلال) 1971 ، ص9 .
( ) النصير ،ياسين : بقعة ضوء بقعة ظل ، ط1 ، بغداد ( دار الشؤون الثقافية العامة ) ، 1989 ،ص 13 .
( ) ينظر : يحيى ، حسب الله : المسرح قضايا ومواقف ، ط1 ، سلسلة الموسوعة الصغيرة(ع 461)، بغداد (وزارة الثقافة – دار الشؤون الثقافية العامة) ، 2002 ، ص 102 .
( ) عطية ، احمد سلمان : دور المخرج في المسرح العراقي ، رسالة ماجستير غير منشورة ،بغداد (جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة) ، 1988 ، ص111.
( ) بوشليبي ، ماجد : مع الفنان قاسم محمد ، مجلة الرولة ، (ع 2) السنة الثانية ، الإمارات ( يصدرها مسرح الشارقة الوطني)،صيف 1985 ،ص 7 .
( ) محمد ، قاسم : المخرج الدراماتورج – ورشتي في الكتابة ، بغداد ( جريدة التآخي - ملحق أبعاد ثقافية ) (ع 6040 ) التاريخ 17/2/2011 .
( ) علي ، عواد :مدخل الى التجريب في المسرح العراقي ، مجلة المسرح المصرية (ع 106 )،القاهرة ( تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب) ، 1997 ، ص51
( ) برشيد ، عبد الكريم : حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي ،ط 1 ، سلسلة دراسات نقدية (3) ، الدار البيضاء ( دار الثقافة) 1985 ، ص 107 .
( ) مهدي ، عقيل : نظرية العرض المسرحي العراقي الحديث ، ط1 ، سلسلة الابداع المسرحي (3) ، بغداد – دار الشؤون الثقافية العامة ، 2010 ، ص128 .
( ) ينظر : عطية ، احمد سلمان: مصدر سابق ، ص 116 .
(-;-) الأسدي، جواد: نساء في الحرب ، ط (1) ، دمشق : (دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية) ، 2003. قدمت هذه المسرحية في العديد من المدن العربية والعالمية ، إلا ان الباحث إعتمد على العرض المسرحي الذي قدم في بغداد ، كليلة الفنون الجميلة ، 2004 .



#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)       Samem_Hassaballa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة - المقهى- الموجعة ..الشكل البصري وهيمنة الملفوظ النصي
- مسرحية (أهريمان) : جماليات الأسطورة بين حرية الحركة وغياب ال ...
- المستشار الدراماتورجي لمسرحية “السقيفة “الناقد العراقي صميم ...
- -إعْزَيّزَة- عرض مسرحي يشاكس الخرافة
- -مابعد الحداثة والفنون الادائية - في تجارب المسرح المعاصر
- -فوبيا- المستقبل.. في ذاكرة أتعبتها الحرب !
- -التكامل الفني في العرض المسرحي - المفاهيم الجمالية في المسر ...
- مسرحية (إستيلاء) هيمنة ذكورية غائبة .. وحضور أنثوي مستلب !
- العرض المسرحي (فوبيا .. تكرار) .. مستقبلنا المخيف !
- -موت مواطن عنيد- .. تأريخ من الخوف
- ثنائية المعمار المكاني والإشتغال النصي في مسرحية( سفر .. طاس ...
- مسرحية -مراحيل- ... العودة إلى الكهف في أنظمة -الربيع العربي ...
- -أنا الحكاية- في مقبرة جماعية
- الحداثة ومابعد الحداثة .. تناقضات من التمثيل إلى العرض
- جماليات الرقص الدرامي في -بيت برناردا ألبا-
- مفهوم التشاركية في -مسرح المخرجين-
- -المسرح والتقنيات - التقنيات الرقمية وفرضيات الهيمنة على الم ...
- مجتمعات ومسارح
- تحولات البنية الفكرية في مسرح الربيع العربي
- مسرحية - عزف نسائي - بين التطرف الديني .. والانهيار الاخلاقي ...


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - الأنساق الدلالية (للمخرج المؤلف) في الخطاب المسرحي (مسرحية نساء في الحرب إنموذجاً )