أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد غانم عبد الجليل - صورة بوجه آخر... باب الغرفة














المزيد.....

صورة بوجه آخر... باب الغرفة


أحمد غانم عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 8187 - 2024 / 12 / 10 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


صوَرٌ بوجهٍ آخر
(باب الغرفة)

شقَ شعاع الضوء المنبعث من مصباح الشارع ظلام الغرفة في إستطالةٍ تنكسر عند أطراف أسِرتنا المتقاربة، وكعادتي كل ليلة، رحت أنتظر أن يتوسط ظل رأس رجل تلك المساحة الفضية المرتسمة على الأرض، يطل علينا من خلف السياج، يرقب كل حركة نأتي بها، ولعله أيضا يحاول التلصص على أحلامنا التي يخشى كلٌ منا سردها أمام الآخرين في النهار المشحون بالخوف من أبسط الأمور منذ أن حلت بنا الكارثة وبتنا ننام في أوسع غرفة في الدار، نتلمس بعض الأمان من وجودنا معا، وربما لأن أمي فكرت إننا بهذه الطريقة سوف نواجه نفس المصير وفي ذات الوقت، إن شاؤوا تصفيتنا نحن أيضًا، أو أنها ودت التدثر بأحضاننا المرتعشة لآخر ثانية قبل أن ينتزعوها من بيننا ليجرجروها بجلبابها نحو إحدى سياراتهم ذوات الزجاج المظلل والسريعة دومًا، كالتي كانت تقف أمام باب بيتنا تلك الليلة.
سبقتُ أنا الجميع نحو الباب، فتحته وكماشة التشنج تقبض على جسدى بقوةٍ متعاظمة، وقد أدرك معدتي ألمٌ مفاجئ، ثم أحسست إن عيني أوشكتا على الخروج من المحجرين، تسابقان تلعثماتي في سؤال الرجل المتأنق المبتسم عما يريد، دون الالتفات لتحيته، طلب محادثة والدتي، وقبل أن أستجمع شجاعتي لأسئله عما يريد منها هي الأخرى فاجأتني بوضع يدها على كتفي، تدعوني لأن أنتظارها مع بقية أخوتي في الداخل، لكني تخلفت عنهم وبقيت مختبئًا وراء الباب أتنصت على حديثهما الذي لم أفهم منه شيئًا سوى إنه كان يدور حول أبي، وكانه ما يزال على قيد الحياة ولم يلقوا لنا بجثمانه في صمت الليل.
فكرتُ أنه يريد وآخرون دخول البيت لتفتيشه من جديد وبعثرة كل أغراضنا هنا وهناك، ونحن نرقبهم بعيونٍ مصروعة بالرعب، كدت أشد أمي من ثيابها لأسألها إن كانوا سوف يعبثون بكل شيء حتى لعبي كما حصل من قبل، لكن البلل الذي داخل سروالي ألزمني الصمت، فاستسلمت للبكاء الحار وبدأ جسدي بالارتجاف.
كنت أغمض عينيَ وافتعل النوم، وربما هي أيضا كانت تفعل ذات الشيء، يتمتم لساني بكل الأدعية التي تتبادر إلى ذهني والسوَر القصار التي حفظتها في المدرسة، عسى أن تمر الليلة أيضًا بسلام، رغم ما ينقر أذني من همسات وهمهمات تصدر من خلف الباب الموصدة، وكأن مجموعةً من الأفراد يتأهبون لاقتحام الغرفة، أم إنهم يتأكدون من فاعلية كل لاقطة وزعوها هنا وهناك، والتي لم أستطع أنا وأخوتي العثور على أيٍ منها.
كنا نبدو في بعض الأحيان مثل المحققين السريين في الأفلام الأجنبية، حتى أننا صرنا نرتاب في أمر أكثر رفاقنا ومعلمينا في المدرسة، الجيران وربما بعض الأقارب أيضًا، وإن بالغوا في إبداء الحب والتعاطف نحونا، وأصحاب السيارات المظللة الزجاج يواصلون زياراتهم المفاجئة لنا من فترةٍ لأخرى، بابتساماتهم الباردة وأسئلتهم الغريبة المستفزة، ونظراتهم الجامدة كاميراتٌ سرية تنغرز فينا دون أن ترضى مفارقتنا أبدًا.
انتفضتُ الصبي المذهول وصرخت بصورةٍ لا أرادية ما أن سمعت رنين جرس الباب، فسقط من بين يديَ دفتر مذكرات والدي، غادرتُ غرفة المكتب التي أعدنا ترتيبها بمشقة من بعد آخر اقتحام، ثم هرولت نحو الباب الخارجي، والطرقات تتوالى عليه، مستبقًا خطى أمه وأخويْ المرتعبة، التشنج يستنزف قوايََ، حتى كدت أقع أكثر من مرة، فيما الظلام من حولي لجة بحر مخيف تصيبني بالغثيان.



#أحمد_غانم_عبد_الجليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويبقى لي معكِ حلم
- سادة الحروب
- مجنون الثورات
- إلى أقصى حد
- رواية باولا... السيرة الذاتية المرَكَبة والبعد الإنساني ما ب ...
- دلالات السخرية في رواية -اعترافات كاتم صوت-
- عيون مستورَدة
- حبكة هوليودية
- صوَر بوجهٍ آخر (باب الغرفة)
- صورة بوجهٍ آخر (التلويح الأخير)
- راقص الجبهات
- رواية -لفائف كيسليف-... ما بين تعدد ووحدة الهوية
- مسافات حلم
- صور بوجه آخر (أولى سنوات العصف)


المزيد.....




- فيديو.. مريضة تعزف الموسيقى أثناء خضوعها لجراحة في الدماغ
- بيت المدى يستذكر الشاعر القتيل محمود البريكان
- -سرقتُ منهم كل أسرارهم-.. كتاب يكشف خفايا 20 مخرجاً عالمياً ...
- الرئيس يستقبل رئيس مكتب الممثلية الكندية لدى فلسطين
- كتاب -عربية القرآن-: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النص ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
- إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب
- وفاة الممثل المغربي عبد القادر مطاع عن سن ناهزت 85 سنة
- الرئيس الإسرائيلي لنائب ترامب: يجب أن نقدم الأمل للمنطقة ولإ ...
- إسبانيا تصدر طابعًا بريديًا تكريمًا لأول مصارع ثيران عربي في ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد غانم عبد الجليل - صورة بوجه آخر... باب الغرفة