لماذا نحن هنا؟ #مسرح_اللقطة_العبثي

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

الحوار المتمدن-العدد: 8143 - 2024 / 10 / 27 - 15:56
المحور: قضايا ثقافية
    

[حديقة غريبة. أشجار معدنية وأزهار من كرتون . في يمين المسرح شجرة يقف عليها عصفور. تحتها يجلس صياد متكئاً على بندقيته. مقاعد في المنتصف يجلس عليها شخص يرتدي ثوباً دينياً ، قربه شخص يرتدي ثوب عمل في المختبر، وقربهما شخص يحمل دفتراً قديماً يكتب فيه باستمرار. يدخل الجنرال من اليسار ببزته العسكرية المزركشة بالأوسمة]

العصفور : ( يغرد بحزن)
أتعرفون لماذا نحن هنا؟
( صمت طويل، يواصل) سأخبركم قصتي... كنت فرخاً عندما سقطت من عشي. لم تنتبه لي أمي، رأيتها تطير بعيداً ولم تعد. لكنني لم أستسلم ، تعلمت الطيران وحدي. في كل صباح، أرى الشمس تشرق وأغرد لها. في كل مساء، أودع النجوم. نحن هنا لنغني للحياة، لنطير حتى نتعب، ثم نطير مرة أخرى.

المؤرخ: (يكتب في دفتره بسرعة)
عجيب! عصفور يسقط من عشه ويتعلم الطيران وحده... سأكتب: "وفي ذلك اليوم المجيد، ولد أشجع طير في التاريخ، معلماً البشرية درساً في الإرادة والتحدي..."

الصياد(يضحك بسخرية)
هه! قصة جميلة يا صديقي الصغير. لكن دعني أخبرك قصتي... منذ أربعين عاماً وأنا أطارد الطرائد في هذه الغابة. أصطاد لأعيش، وأعيش لأصطاد. في يوم من الأيام، أصبت غزالة. وبينما كانت تحتضر، نظرت في عينيها. كانت تسألني نفس السؤال: لماذا نحن هنا؟ نحن هنا لأننا جزء من دائرة لا تنتهي. الصياد والفريسة، الحياة والموت.

المؤرخ: (يكتب بسرعة)
"وهكذا قام الإنسان النبيل بتنظيم الطبيعة وحفظ توازنها... لولا الصيادون لغرقنا في فوضى الحيوانات..."

رجل الدين: (يقف متحمساً)
كلكم مخطئون! نحن هنا لسبب أعظم... مرضت في مراهقتي مرضاً شديداً. كنت على فراش الموت حين رأيت نوراً فشفيت. منذ ذلك اليوم، أدركت أننا هنا لنعبد، لنصلي، لنتأمل في عظمة الخالق. نحن هنا لنستعد لما بعد هنا.

المؤرخ: (يكتب بحماس)
"وشهدت البشرية أعظم قصص الإيمان... رجل يتحدى الموت بقوة إيمانه..." ( يتوقف)لكن هل أذكر أنه كان ربما يهذي بسبب الحمى؟ لا، هذا سيفسد جمال القصة.

العالم (يخرج دفتراً ويتحدث بحماس): “سؤالكم خاطئ؛ ليس “لماذا نحن هنا؟” بل “كيف أصبحنا هنا؟”. درستُ التطور الجزيئي عشرين عاماً، وتابعتُ كيف تتغير الجينات والطفرات لتخلق هذا التنوع في الحياة. لكن، الأمر أعمق من مجرد جينات؛ كل عنصر في أجسامنا نشأ من انفجارات النجوم في الفضاء، حيث تتحد الجزيئات في رقص كوني، فتتشكل النجوم، تنفجر، تخلق عناصر جديدة، ثم في ظروف دقيقة على كوكب صغير، وُلدت الحياة. وجودنا نتيجة مسار طويل من التفاعلات الكونية التي سمحت بظهور الحياة كما نعرفها.”

المؤرخ: (يحك رأسه بحيرة)
كلام معقد... سأكتب ببساطة: "وظهر العلماء ليبحثوا ، ويعلنوا " كلام الليل يمحوه النهار"

الجنرال:(يضحك بصوت عالٍ)
يا لكم من حمقى رومانسيين! تريدون أن تعرفوا لماذا نحن هنا؟ سأخبركم... في حربي الأولى، أحرقت مدينة كاملة بقنبلة واحدة . كانت جميلة! أقصد الحرائق كانت جميلة ( يقهقه بعصبية) . في الحرب الثانية، احتللت ثلاث دول. كانت متعة لا توصف. نحن هنا لنسيطر، لنحكم، لنفرض إرادتنا. البقاء للأقوى!

المؤرخ: (يكتب بحماسة شديدة)
"وهكذا قاد القائد العظيم شعبه نحو المجد والحرية! حرر الشعوب المضطهدة وجلب السلام..."

(يخرج الجنرال مسدسه ويطلق النار على العصفور. يسقط العصفور)

الصياد: (يقف مصدوماً) لا! هذا ليس صيداً، هذا...
(يطلق الجنرال النار على الصياد. يسقط الصياد)

رجل الدين :(يركع ويصلي) يا رب...
(يطلق الجنرال النار عليه. يسقط)

الجنرال): (يلتفت إلى العالم والمؤرخ) وأنتما... أنتما ستعيشان. لديّ مهمة لكما.

العالم: (بصوت مرتجف) ما هي؟

الجنرال: أنت ستصنع لي أسلحة جديدة. أسلحة لم يرها العالم من قبل.

المؤرخ: (بتملق) وأنا سيدي؟

الجنرال: وأنت... ستكتب كيف أنقذتُ العالم بهذه الأسلحة.

المؤرخ: (يكتب بسرعة)
"وفي ذلك اليوم المجيد، أنقذ القائد العظيم البشرية من نفسها..."

إعتام تدريجي

(صوت العصفور يأتي من بعيد، كصدى)
ربما لا يهم لماذا نحن هنا... المهم من سيروي قصة وجودنا...

#حسان_الجودي (هاشتاغ)       Hassan_Al_Joudi#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل