كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 8141 - 2024 / 10 / 25 - 14:58
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس الحكماء من أهل الأديان و المذاهب فحسب بل من أهل العلم أيضا.
بعد أعوام قليلة من قيام ʺإسرائيلʺ على أرض فلسطين، عُرض على ʺاينشتاينʺ العالِم الفيزيائي الشهير رئاسة ʺإسرائيلʺ مع مغريات أخرى كثيرة و مع وعده بترك المجال له في صورة القبول، لمواصلة عمله في مجال البحث و الاستكشاف...
المهم، بالنسبة لهم، أن يَقْبَلَ فقط و يقرن اسمه اللامع مع اسم الدولة الجديدة.
رفض العالِم الصّادق ذلك المقترح الخبيث متعلّلا بأنّه غير قادر على الرّئاسة بسبب الشيخوخة و كان وقتها في الثالثة و السبعين!! و لكنّه ساق في المقابل أسبابا للرّفض جدّ وجيهة لا يقدر على الاعتراف بها إلاّ أصحاب المواهب الحقيقيّة في كلّ زمان و مكان و من كلّ المذاهب و الأديان.
لقد قال لهم أنّه لا يملك المهارة اللازمة للتعامل مع الأشخاص و بأنّه يكره... السياسة.
إنّه تواضع الناس الصّادقة مع نفسها و مع النّاس... و المخلصة أبدا لعِلمها و عملها.
لقد قال لهم قبل ذلك أنّ نجاح الإنسان في عمل ما لا يعني وجوبا نجاحه في عمل آخر و أنّ نجاحه في مجال الفيزياء لا يعني أنه سيحقّق نفس النّجاح لو مارس وظيفة مختلفة في ظروف مختلفة...و مع ذلك فقد أصرّوا على أن يستغلّوا أصله اليهودي و تفوّقه العلمي لتثبيت أركان دولتهم المسقطة في أرض ليست لها و لن تكون يوما لها.
سيبقى ʺاينشتاينʺ عالِما فذّا لا شك في ذلك... لكن و هذا الأهم بالنسبة لنا سيبقى إنسانا حكيما مهما كانت معتقداته و سواء كان متدينا أم لم يكن أو كان من ملّتنا أم لم يكن.
لقد كان ممّن يتكلّم بالحكمة و يعمل بها و ليس من أولئك المنافقين الذين يُشبعوننا دروسا في الاستقامة و بمجرد أن يُلقى لهم عظم في شكل منصب أو مال ينطلقون كالكلاب وراءه غير آبهين بما قالوا من قبل و ما سمع النّاس منهم.
أتذكّر هنا الدكتور مصطفى محمود صاحب برنامج ʺالعلم و الإيمانʺ في تواضعه و أدبه الجم.
يُحكى أن الرئيس أنور السادات عرض عليه ذات مرّة منصبا حكوميا فاعتذر له معترفا غير خجلان: يا سيدي الرئيس، أنا رجل مطلّق لم أنجح في إدارة زواج فكيف أنجح في إدارة وزارة؟!!
إنه كلام العقلاء المحترمين الذين لا يخجلون من الاعتراف بأخطائهم و عيوبهم و يعرفون جيدا حدود مجالهم الذي برعوا فيه و لا يتجاوزونها مهما كانت المغريات، فأين هم من أولئك المتهافتين دوما على كلّ شيء و أي شيء بكل الأشكال و الطرق و أكثرها، للأسف، بالغصب و إن لزم الأمر بالحرب!
رحم الله مصطفى محمود الذي تعلّمنا منه أنه لا فصل بين العلم و الإيمان و لا انفصال مهما تشكّكنا في الأمر و كثر بيننا الجدال.
رحم الله ذلك الفيزيائي الكبير الذي اطّلع على بعض أسرار الكون العظيمة فقال مقولته المأثورة: ʺ شيئان لا حدود لهما: الكون... و غباء الإنسانʺ.
صَدَقْتَ يا أيها العالِم الحكيم،
فلولا عِلمك، و إن يبقى محدود، لقبلتَ يومها بكرسي الرئاسة...
و لولا غباؤهم، اللامحدود، لما أقاموا على ظهر فلسطين دولة الشّؤم و لما سمّوها خطأً باسم إسرائيل!!!
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟