|
هواجس ثقافية ــ 322 ــ
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8136 - 2024 / 10 / 20 - 00:11
المحور:
الادب والفن
اعتقد أن جوهر الديمقراطية، هو العمل على تحييد المجتمع عن الصراع الدائر على السلطة. الصراع كان ولا يزال، صراع بين النخب على المكانة والثروة، لمن ستكون الغلبة، لمن ستكون السلطة، أو القبض عليها. هل الديمقراطية هي تسوية أيديولوجية بين النخب، أن يتقاسموا النفوذ والمكانة والثروة، هذا سؤال جائز ومنطقي؟ لا يوجد ديمقراطية في الفراغ، أو تولد في الفراغ، دون مصالح وغايات وحاجات. الديمقراطية أقل الشرور عندما يصل الصراع إلى عنق الزجاجة، فتبدأ التسوية، لكنها لا تستطيع أن تمنع وصول هتلر إلى السلطة أو مثل ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند أو بايدن أو ترامب. كيف استطاع الغرب الموائمة بين الديمقراطية والسلطة، نقيضين جمعا أو ربطا في تسوية واحدة، ومن خلالها استطاع من تبنى الديمقراطية أن يقود حروب قاتلة على مستوى العالم كله؟ ما العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة والحرب والنهب على المستوى العالمي، وكيف أمكن تسويق هذه الايديولوجية وجعلها حقيقة في ذهن قطاع هائل من الناس على مستوى الكرة الأرضية كلها؟ الأمر يحتاج إلى وضع المفاهيم في مكانها بعد تفكيكها، وإعادة إنتاج مفاهيم تأخذ مكانها الصحيح.
هؤلاء الذين يتمنون الشهادة، الانتحار، السنوار على سبيل المثال، في سبيل الله، اذهبوا إلى مكان أخر بعيدًا عن التجمع المدني. الناس في المدن يحبون الحياة، اذهب وحدك، هناك من يحب الحياة، بل يعشقها، لا يريدون وصاياك المريضة، وأنت لست وصيًا على غيرك. لعبة الموت الكريهة، يعشقها العابث، المريض، الاستعراضي الذي يحب تصفيق الجمهور له، حتى لو كانت نهايته. لغة السياسة هي لغة العقل والحسابات الدقيقة، ومن يعمل في السياسة عليه أن يتعقل، ويمتلك الحكمة والتدبير، أن لا يذهب إلى الموت ويجر وراءه آلاف الناس، أطفال ونساء وشيوخ دون ذنب، ومعه الدمار والخراب. جاء الناس إلى الحياة ليعيشوا، ليستمتعوا بها، ليبنوا ويعمروا، لم يأتوا ليموتوا وفق حسابات خاطئة. لماذا لا ينتحر عرب إسرائيل، لماذا هم صامتون، أليس هذا السؤال مشروعًا، بينما من عاش في البلدان الاستبدادية، الموتى، يجعرون ليلا نهارًا، يطالبون بالموت انتحارا؟ إسرائيل دولة حرب وتوسع، وأعرف أن اغتيال رابين جاء من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لأن السلام يهدم الاساس الذي قامت عليها هذه الدولة. لولا اغتيال اسرائيل لرابين لما ذهبنا إلى سجن تدمر، وكان من شروط السلام أن تفتح السجون أيام وارن كريستوفر وبيل كلنتون، ونشر الديمقراطية وتعميم السلام بين العرب وإسرائيل. اسرائيل لم تكن جاهزة، أنا متابع ممل لهذا الوضع، وأعرف أن وجود اسرائيل يعني وجود الاستبداد العربي والتخلف والجوع والقهر والهزيمة وقضم الارض. قصدي من كل هذا أن لا نلعب بالملعب الإسرائيلي، أن نطرح السلام مهما كان الثمن، بالسلاح نحن خاسرون في كل النزالات، وهذا الذي يحدث، في طرح السلام السياسي مهما كان الثمن سنكسب حتى لو خسرنا. وجود حزب الله ايران وحماس حاجة إسرائيلية ليظهرنا بمظهر المتعطش للدم، وهذا المطلوب، أن نظهر اسرائيل بمظهر الحمل الوديع ونظهر نحن بمظهر المجرم. الخطاب يجب أن يكرس للسلام لو كان كاذبًا، حتى لا نعط للعدو المبرر الأخلاق لسوقنا إلى المذبحة. منطق القوة هو منطق السياسة، وفي هذا المنطق نحن خاسرون، لهذا علينا أن نبحث عن خيارات مختلفة عم هو عليه الان
في الدول العربية ممكن الكلمة تكلف صاحبها السجن سنوات طويلة. هولاء الذين يزاودن على اللاعب الدولي محمد صلاح يعلمون جيدًا أنه مقيد بقوانين النادي الذي يلعب فيه. منذ متى كنتم أبطال يا جماعتنا، رأيناكم سابقًا ونراكم اليوم، لا تكذبوا على أنفسكم، وليدافع كل إنسان عن موقفه كما يريد. قضينا أعمارنا وراء القضبان، ثم خرجنا مكسرين مهمشين، وعشنا الفقر والجوع والحرمان، وانفض من حولنا جميع الناس في بلدنا. وإلى اليوم هناك ناس يخافون من التحدث إلينا. كل إنسان له ظروفه، واعتقد أن محمد صلاح لا يقل وطنية عن أي إنسان ولا يحتاج إلى تذكيره بموقفه. خالد مشعل وهنية، وعبد الباري عطوان ماذا يفعلون في خارج غزة، ليعودوا ويقاتلوا مع شعبهم، ودون مزاودة، وفي جيب كل واحد منهم ملايين الدولارات، وليتبرعوا بتلك الأموال بدلا من اللكاسة الفارغة. نحن في أوروبا مقيدين، صفحاتنا مراقبة، ومهددين بالطرد يوميًا، فرجاءًا التزموا حدودكم وكونوا مسؤولين عن أنفسكم ودعوا الناس في همومها.
الديمقراطية مفهوم سياسي بامتياز، لا علاقة للقيم الإنسانية بها، وجودها مرتبط بالدولة وصرعاتها وتناقضات القوى الداخلة فيها. أنا أرى يجب أن يتحقق شرط اساسي للديمقراطية لتكون ديمقراطية صحيحة، أن يكون كل فرد في الدولة هو دولة، شريك كامل الشراكة في القرارات المصيرية، كالحرب والسلام وتوزيع الثروة على الجميع بالانصاف التام والا هي تسوية بين النافذين الخاصين جدا في المراكز العليا من الدولة. هل يعكس بادين أو شولتز مصالح المجتمع كله أم هما ممثلا مصالح فئة ضيقة من المجتمع، مصالح النخب، البنوك والشركات العملاقة والتكنولوجية؟
لا يوجد في عالمنا العربي إنسان واحد غير موشوم، في تعدد اوجاعه.
تعلم أن لا تخسر، أدخل المعركة وفق حسابات دقيقة، لا أحد يتعرف على المهزوم أو المكسور.
الولايات المتحدة تأكل نصف لقمة طعام من سفرة وفم كل إنسان على سطح الكرة الأرضية. الولايات المتحدة تأكل النصف، والنصف الآخر يأكله جميع سكان الارض. لهذا أقول أن انتخاب رئيس الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية ليس شأنًا خاصة بالمواطن الأمريكي، إنه شأن عام يمس جميع سكان الأرض. وإن وضع شخصية مريضة كجون بايدن في هذا المنصب الخطير عار على البشرية كلها، أنه رجل مريض، مصاب بالخرف وغياب الوعي، وأنه يتصرف دون إدراك خطورة ما يفعله. وإن إنهاء هيمنة هذه الدولة ودولارها على العالم هو مسؤولية جميع دول العالم أولها أوروبا المأسورة بالقرار الخارج عن إرادتها، لربما ننتقل إلى عالم أقل قسوة وخطر.
عندما تخرج من تجربة الحب، من علاقة أو زواج او طلاق، موجوعًا، خالي الوفاض، مملوء بالحسرة والألم، تذكر جيدًا أن هذا الوشم سيبقى مطبوعًا في داخلك إلى أن تتوازن. يمكنك أن ترى الوشم في أغلب انحاء جسدك، في الذات، في الروح والعقل والقلب. أي عمل تقوم به أو تقدم عليه، سواء بإرادتك او خارج عنك، سيترك في أعماقك وشما لا ينسى، إلا إذا كان جلدك كجلد التمساح. كلنا موشومين، وبأشكال مختلفة، تبعًا للثقافة والمكان والزمان.
بعد مئة عام من قيام ثورة أكتوبر، ما زالت روسيا مريضة، منقسمة على نفسها، مثلها مثل الشرق: وجدانها منقسم، ومشاعرها ورغباتها وأفكارها أيضًا. وهذا الوطن الذي يبدو من بعيد، وطن واحد، بيد أنه في الحقيقة أكثر من وطن، وأكثر من انتماء. لم يستطع الشرق أن يتكور أو يتبلور اجتماعيًا ونفسيًا وأخلاقيًا وقيميًا إلى الأن. إن حقل التناقضات العمودية والأفقية فيها ما زال صالحًا لحروب بينية شديدة القسوة. لم يستطع الشرق إلى الأن أن يتصالح مع نفسه، كما لم يستطع أن يبني دولة المواطنة، ان يحول أبناءه إلى كتل بشرية منصهرة التناقضات العمودية والأفقية، ومتوحدة الرغبات والرؤى.
قلنا أن الديمقراطية شغل سياسي، وتحت سقف هذا السياسي علينا أن نتعامل معه بوصفه سياسيًا، بمعنى، علينا أن لا ننظر إليه على أنه إنساني أو فيه جانب أخلاقي. لا أقلل من شأن الديمقراطية. بعض الدول التزمت بالديمقراطية، اختاروه لتنظيم شؤونهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفق هذا المفهوم الملتبس والغامض والضروري. السؤال، لماذا اختارته هذه الدولة ولم تختاره دول أخرى، ولماذا توقف عند حدوده الحالية عشرات السنين؟ هذا سؤال مهم؟ ولماذا هو محصور في دول محددة ولا يتم دعمه في دول كثيرة. مثلا الهند والباكستان، اختارا النظام الديمقراطي بدعم بريطاني، بينما دول أخرى كسوريا ومصر عادتا إلى الوراء بفعل فاعل.
برأي أن مفهوم الاستعمار انتهى منذ نصف قرن، وعلينا استعارة مفهوم السلعة، وآلية السوق ومفاهيمهما كبديل عنهما. وكفانا نتغنى بالمظلومية التاريخية عن الاستعمار، لقد شبعنا لطم على صدورنا ووجوهنا حتى خرجت الدماء من مؤ خر تنا. عندما دخل الاستعمار الفرنسي إلى بلادنا كانت حطامًا، ومع هذا الحطام، تغنى الكثير بالدولة العثمانية، التي لم تقدم لنا أية فائدة، بل قدمت لنا الخراب. المشكلة أن المخ الأعوج لا ينتج إلا الإعوجاج. بنت فرنسا مؤسسات الدولة على انقاض الخراب، وشكلت قضاءًا مستقلًا وبرلمانًا حقيقيًا، وبنية دولة معاصرة. وبمجرد أن خرجت من سوريا، قام الوطنيين الاشاوس بالانقضاض على الدولة، من مصادر عدة، وأغلبهم أيد الانقلاب، حزب البعث والأخوان المسلمين والحزب القومي السوري وغيرهم إلى أن وصلنا إلى حكم العائلة الواحدة، عائلة الأسد الاستبدادية منذ نصف قرن. أي كان هناك تأييد شعبي شبه كامل للاستبداد والديكتاتورية. وما زال هناك حنين لنظام السلطنة الفاسد. نعود للقول، أن الاستعمار أصبح موجودًا في السلعة، أصبح جزءًا حيويًا منه وفيه. وأصبح عالميًا. السلعة هي الاستعمار، النظام العالمي كله، الذي يعمل على تدويرها وتطويرها، ليناسب حركة التجارة والربح والبيع والشراء وآلية السوق. إذًا، السلعة وآلية السوق وقوانين السوق هي الاستعمار. لقد مات الاستعمار القديم والجديد، كما كان وما زال متعارفًا عليه. كل الدول تساهم في تدوير هذه السلعة، ككوريا الجنوبية، اليابان، الصين تركيا البرازيل أوروبا، الولايات المتحدة، هذه الأسماء تندرج تحت مسمى، الشركات العابرة للقارات، التي لم تعد وطنية، والحروب التي لم تعد وطنية منذ زمن بعيد. وكل شيء يدور حول كيفية تسويق هذه السلعة. والحروب القائمة أضحت وظيفية، والدول أيضًا. وبهذا مات الوطن، وعلينا التفكير في المخرجات من هذا العبء الثقيل
أليس غريبًا أن أغلب المبدعين العرب جرى الترويج لإنتاجهم الثقافي والفني كان في حقبة الستينات والسبعينات وقبلهما، بمعنى، قبل مجيء النت. هل السبب في النت تحديدًا، أم أن الحكومات هي من سلط الضوء على إنتاجهم، أم أن هؤلاء الكتاب كانوا السبب، بسبب قدراتهم الإبداعية؟ أم أن التركيز كان على نخبة معينة راضية عنها الحكومات، وروجت لهم وسوقت لإنتاجهم فأصبحوا تحت انظار المجتمع كله. كما أن أغلب النتاجات الثقافية المشهورة، والمعروفة في العصر الأموي والعباسي جاء إلينا بعد رضا الحكومات عنهم، بينما مات أو ضاع أغلب نتاجات المعارضة. وجميع ما وصل إلينا، جاء بعد فلترة الدولة عن أعمال هؤلاء الكتاب أو المفكرين. سرفانتس، نشر عمله في العام 1600، وعرف عمله وأصبح مشهورًا في العام 1830 بعد انتصار الثورة الفرنسية وانتهاء عصر الاقطاع. بمعنى، من ليس لديه جهة يتكئ عليها أو يروج لها، سيموت إنتاج الكاتب أو المفكر أو العالم او أي مبدع، كما ولد، كما خرج من العتمة سيذهب إلى العتمة. بمعنى، قيمة العمل الإبداعي ليس بذاته، أنما من يمنحه الحياة من خارجه. وكم وكم من أعمال إبداعية ماتت في المهد وضاع هذا النتاج العظيم، لأن هناك من لم يهتم بها، بله طمسها عن قصد.
الأمة التي ليس عندها أخطاء، ليست بأمة، والدولة التي ليس فيها أخطاء ليست بدولة، والإنسان الذي لا يعترف أن لديه أخطاء لا يمكن أن يصبح صديقًا أو أخًا أو أبًا أو حاكمًا. المتكبر لا يغلط، لهذا لا يمكن أن يكون إنسانًا سويًا، أو يمكن أن تكون الشراكة معه سوية. المتكبر لا يمكن أن يرى الجمال في الحياة، أو الحق أو الحرية، ولا المغرور أو التابع. الحب ونقاء الضمير، يعيشان في النبيل، في الإنسان المتواضع، الذي يرى كل شيء حوله حيًا نابضًا بالحياة.
ابق حيث الغناء ـ 16 ـ كان لدي جار فلسطيني كبير في السن، بابي ملتصق في بابه، لديه شابان وفتاتان، وزوجته متوفيه، يأتي إلى غرفتي بعض المرات، يسألني إن كنت محتاجًا إلى شيء ما؟ واحيانًا كان يأخذي في جولة إلى بعض الأماكن، يمشي بصعوبة وعنده عرج في رجله، وأولاده أصغر مني، شعره أبيض اللون كالحليب،و لم يكن بيننا أي لغة مشتركة. تعرفت على ابنه فراس لأحقًا، كان مهندسًا زراعيًا، بيد أنه دائم الحزن وربما حمل نفسه الكثير من الهموم أكثر مما يحتمل. و أغلب هموم الناس في بلادنا خاصة فئة الشباب هو قلة المال، أو الشح في تأمين متطلبات الحياة، وهناك الحرمان العاطفي والجنسي وأن تتحول المرأة إلى مجرد ذاكرة تدغدغ الذاكرة في الحلم، وانفصال طويل عن بعضهما بقوة العادات والتقاليد والأرث الديني والعقلي المعشعش حياة الناس في منطقتنا. إن الحرمان من الحبيب يطلق الخيال المريض إلى البعيد ويحول الأفراد إلى كائنات هشة ضعيفة، غير واقعية، بل إلى مجرد كائنات عاجزة عن إنتاح علاقات طبيعية بين الناس. إن المجتمعات الدينية تعيش كوارث اجتماعية في عصرنا، بشر غرباء عن بعضهم، لا يتواصلون إلا كجسد منفصل عن بعضه. وأفلب تواصله مقونن، هذا يستدعي القول أن المجتمع مفكك لا رابط عاطفي بينه، هناك جفاف وغربة ويتم حقيقي في المجتمع الواحد، ونستطيع القول أنه مجتمع ميت يخدم الدين الميت. ففي بلاد الأيمان والمحبة، المحبة جافة أو ميتة، وصعوبة الوصول والوصال مع المرأة في الضوء صعب للغاية، لأن الحب المقونن لا يمكنه الخروج من مكمنه إلا بإذن الله والمال والأهل وعموم المجتمع المشارك في المذبحة. كان فراس دائم التأفف دون أن يذكر لي السبب، يذهب إلى عمله يوميًا في الصباح الباكر ويعود متأخرًا، ويلتقي بي مرات، ولم يكن بينا أي شيء مشترك، بيد أنه كان رقيقًا جدًا، لطيفًا مؤدبًا في كلامه وحديثه، وكنت أعطف عليه ويعطف علي، ونتأمل واقعنا من مواقع الأخ والصديق. وإن فارق العمر بيننا لم يكن يمنعنا من الجلوس معًا، نشرب الشاي والتحدث عن معاناتنا، اسأله: ـ لماذا لا تتخذ لك صديقة ما دمت شابًا في السادسة والعشرون من العمر؟ أنك في أجمل مراحل العمر وهذا وقت الفرح والحلم، ستندم إن لم تملأه بالفرح والتجارب العاطفية وتغنيه بالوصال. يرد علي بنبرة حزينة، يهز رأسه متذمرًا: ـ أي حب يا آرام، عن ماذا تتحدث؟ وأية امرأة تقبل برجل مثلي؟ أنظر إلى وضعي، الهموم التي أحملها على كتفي؟ ـ ولماذا، لديك الشباب؟ ـ أي شباب يا رجل؟ يا دوب أستطيع أن أصرف على البيت، وهل يستطيع واحد مثلي أن يصل إلى المرأة، طوال اليوم في العمل وراتبي لا يكفي لقمة العيش وليس لدي الوقت اللأزم للتعرف على فتاة ما، وهذا التعارف يستلزم أن يكون مربوطًا بالزواج، وهذا الزواج بعيد للغاية، لأنه يحتاج إلى المال لتجهيز البيت ومستلزمات الفرح. الأمر معقد للغاية، وليس كما تظن. ـ أعرف بلادنا يا صديقي، تعقيدات العلاقات الفائضة عن اللأزم، أعرف أن الله في بلاد المؤمنين لا يسمح بالعلاقات الحرة، لأن الله ذاته مسور نفسه بالأسر ومغلق على نفسه، ومقيده نفسه بالسلاسل الحديدية. كل شيء مركب في شيء أخر، إذا بقي الله حيًا سنبقى أسرى سجنه ومضافته النتنة. ـ هذا واقعنا. ـ وهل ترأني قادمًا من بلاد الحرية والسعادة، الحال من بعضه يا صديقي، لقد مررت بالظروف التي تمر بها مع فارق أن عددكم خمسة، بينما عددنا كان عشرة. ذهبت برفقة نجيب إلى البحر الميت ثلاث مرات في رحلة جميلة برفقة صديقة له، رحلة من العمر. في هذا المكان تعود بي الذاكرة مرة أخرى إلى نهر الأردن وبحيرة طبريا وفلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، الطرف الأخر من البحر. هذا البحر بحد ذاته تحفة فنية قائم بذاته ولذاته، حيث يمكنك أن ترى الأملاح المتصاعدة منه كالجبال الشامخات. كتل الملح كالتماثيل الوثنية، أشكال جمالية مختلفة، ألواح فنية متنوعة، بل مبهرة. يمكنك أن ترى الفرسان الملحية على الضفاف أو على الأطراف البعيد والقريبة منه، رجال ونساء ملتصقان ببعضهما، أطفال عراة، واشكال قبيحة أيضًا كتبها الملح حسرة على الماء المنحسر والغائب. وهذه الحيرة والحزن يزداد يومًا بعد يوم عندما تعلم أن هذا الماء راحل عن المكان، مخلفًا وراءه تلل من الملح. إن شح الماء القادم من طبريا ونهر الأردن أصبح واقعًا، لأن الأمطار قليلة والحاجة للزراعة واستهلاك الأرض للماء أصبح أكثر من ضروري، ولا ويوجد مصدر اخر له. وبحيرة طبريا ذاتها ينخفض ماءها يومًا بعد يوم، لهذا لم يعد ماءها يستطيع تغذية نهر الأردن نتيجة الاستخدامات الجائرة للماء الطبيعي في دولة إسرائيل والأردن في الزراعة والصناعة، لهذا ربما يجف هذا البحر وربما بحيرة طبريا ونهر الأردن. في هذا المكان يأتي السياح من كل مكان من العالم ليسبحوا في ماءه، فهو يشفي مختلف أنواع الأمراض الجلدية، بالإضافة إلى جمال المكان. الطرف المجاور للبحر يوجد الطريق العام وجبل صغير ونبع ماء صغير يخرج من باطن الأرض كساقية تتسلل إلى البحر. الناس يذهبون في زيارة إلى هذا البحر بالآلاف، سيارات تمشي الهوينة واحدة خلف الأخرى، وكأن الطريق أفعى ملساء طويلة فاتحة جسدها للمارة. على طرفي الطريق يوجد محرس للدولة، للذاهبين إلى البحر أو العائدين منه، وكلما تمر سيارة يستوقف الشرطي ركابها، ياخذ من الزائر بطاقته ويضعها في المحرس، ويسمح لهم في إكمال رحلتهم. والشرطة الأردنية تتعامل مع الزائرين بأدب جم واحترام كبير على عكس سوريا، فقد تعلمنا في بلدنا أن نشمت من قبل الجميع، من الشرطي أو رجل الأمن، من موظف كبير من العسكري، وكل واحد يتحين الفرصة لينتقم من المواطن السوري الطريق من عمان إلى البحر الميت يمتد على حوالي ستين كيلو مترًا. الطريق مرتفع عن الأرض، لهذا عندما تمد نظرك إلى البعيد يمكنك مشاهدة المنخفضات المتناثرة على السفوح، كلها أشجار جميلة مرفرفة على وسع النظر، الطريق متعرج ولكنه مكتظ بالسيارات، سيارة وراء سيارة، وباصات صغيرة وبعض الناس يأخذون معهم زوادتهم، بعض الطعام الخفيف وقناني ماء للشرب، ثياب كافية للاستجمام والسباحة. في الحقيقة إن هذا البحر الجميل، النائم في ذاكرتنا، يغمرنا بالسعادة والفرح والأسئلة القلقة، ويدفعنا للترويح عن النفس في مكان يشع بالحرية والبعد عن المدينة. من اكبر الأخطاء بالنسبة لي في الأردن أنني لم أزر البتراء، لأن نافذتي الوحيدة على حياتي في الأدرن كان نجيب، ولم يصادف أنه دعاني لزيارة هذا الموقع الأثري الجميل الذي بناه الأنباط في زمن ما، وتم إبادتهم وانتهاءهم من التاريخ. خلال ثلاثة أشهر تم استدعائي إلى المفوضية خمس مرات، وكل مرة أشعر بالضغط النفسي والجسدي، واسئلة كثيرة، وتحقيق مارتوني طويل، والسؤال الذي كان يهزني، إلى متى سأبقى هنا؟ لم استطع معرفة مصدر الشك لدى المفوضية حول وضعي ابدًا، فقد صادفت بعض اللاجئين حصلوا على التسفير خلال يومين من وجودهم في الأردن، وكنت أتساءل ما هو الخبط أو السبب؟ لم يكن هناك سوريون أو لم ألتق بالسوريين، القسم الأكبر من اللاجئن كان من العراق، كان هناك حوالي سبعمائة وخمسون ألف عراقي أغلبهم كانوا مقيمون في عمان، لم يتم إزعاجهم ابدًا إلا في حالات نادرة. لقد لعب العراقيين في الأردن أدوار مختلفة حسب قدرة كل إنسان المالية، منهم من أقام استثمارات فيها ولكن جلهم كان لاجئًا فقيرًا وأغلبهم من الشيعة. بعضهم اشتغل في مجالات كثيرة في أماكن بعيدة عن رقابة الدولة، عمل بالأسود. إن العمل يحتاج إلى إقامة لهذا فإن عين الشرطة كانت تلاحقهم دائمًا.
الحجاب خلق مسافة، جدار عالي بين الأفراد، هوة عميقة، لا ثقة بينهم من المنظور الأخلاقي والنفسي والاجتماعي والديني والتاريخي. إن الحجاب يمنح حامله، من خارجه، حيازة الجسد وتعبئته بالرموز. ويشير إلى إنفراد جزء من المجتمع في المرتبة والمكانة الاجتماعية والسلوك. إن ظاهرة الحجاب ليس جديدًا ولا يقتصر على شعب من الشعوب، أنما يعود إلى آلاف السنين السابقة. فقد استخدم في العصر الأشوري والأخميني ثم الأغريقي فالبيزنطي وغيرهم. وأغلب الشعوب الغازية أو المغزية استعارا من بعضهما هذا الحجاب، وتحول مع الأيام من الإشارة إلى المكانة العالية، إلى النزول بالمحجب إلى المنزلة المتدنية، ثم تحقيره وقهره. إن الحجاب عبء ثقيل، حمله الطرف الأضعف في المعادلة الاجتماعية رغمًا عنه، ونعني بهذا، المرأة. بالحجاب خرجت المرأة من حيازة الحرية على جسدها والسيطرة عليه، إلى تملكه من قبل الرجل وفق نصوص، وتحولها إلى شخصية مستلبة، بالرغم من الاستلاب العام للمجتمع كله، فاقدة للأهلية الأخلاقية والسلوكية والعقلية. الحجاب فرض على المحجب الغربة الذاتية والعامة.
النص الديني عاجز عن إنتاج المعرفة، وقراءة الواقع قراءة علمية واقعية، لأنه لا يعترف بأنه منفصل عن الواقع وأن هناك هوة عميقة بينه وبين إنتاجه لذاته. وعاجز عن حل القضايا الاجتماعية والسياسية، لهذا يحيل المسائل المعقدة إلى السماء، ويتنصل عن تفكيك التناقضات والمسائل المعقدة. إن مشكلة الدين في نصه، فهو لا يستطيع أن يخرج من ذاته، كما لا يستطيع أن ينزل إلى أرض الواقع ويحلله. وبسبب عجزه يكتفي بالفرجة على ما يدور حوله، لأن داخله يطفح بالكثير من الإشكالات البنيوية العميقة. ولا يستطيع الإجابة على الكثير من الاستفسارات المحيطة به
أهم شيء أن الدين لم يحلل مفهوم الدولة، ولم يعرفه، ولم يعالج العلاقة بين الدولة والمجتمع. أغلب مفاهميه منفصل عنه ولم يفهم الظواهر العميقة للمجتمع، كالصراع، مثلا، ومفهوم الكفر أو الجهاد رماهم دون أن يحللهم من منظور اجتماعي وإنساني. الدين مجموعة مفاهيم منفصلة عن بعضها، مفاهيم عامة لا ترابط بينها. مفاهيم مرمية على ورق لا تصلح لهذا العصر القاسي. اليوم عدوك غير مرئي، أنه عالمي، أنه في السلعة. في إنتاج السلعة المأتمتة التي فيها كثافة هائلة من التطور التكنولوجي. والصراع لم يعد في اليد، أنه في امتلاك التكنولوجية.
بمجرد أن تخرج من رحم أمك بأيام، سيتم تقديمك قربانًا مقدسًا للمقدس لتنال رضاه وكرمه ورموزه وإشاراته، من خارج، وستتعمد بالرغم عنك. ستدخل تلك الأرض المحرمة عليك دخولها، ليس من داخل، هذا محال. وستبقى خارج، سيغلفك، بل سيحنطك، وستبقى مومياءًا طوال حياتك تأكل وتشرب وتتناسل ذاتك الميتة. ستدخل الدين سواء كان إبراهيميًا، اليهودية والمسيحية والإسلام، أو أي دين آخر من آيل إلى رع إلى الطوطم، وإن الخروج منه صعب للغاية. لا يَظُنَّنَّ أحدكم أنه يستطيع أن يرتد. هذا محال. إن اختراق تلك الرموز لخصوصيتك مكتمل، ولا رجعة عنه. أنت منتهك، مخترق، ربما ستكمل هذه الأمر بسعادة بالغة أو ستتذمر، في كلا الحالتين، أنت لست أنت.
ما زال البناء الثقافي في الشرق برمته عاجز عن إنتاج واقع اجتماعي ثقافي يقبل التنوع والتعدد والاختلاف. إنه رافض بالمطلق الآخر المختلف. يريده خاضعًا، مستسلمًا، مأسورًا، رهينة له. الخطوة الأولى للإرتقاء بالإنسان في الشرق هو العمل على القطع المعرفي السائد للثقافة، والبناء على الثقافة المعاصرة، للتصالح مع الحياة، والقطع مع الماضي المريض الذي يهمش الضعيف والمختلف، بله يلغيه من الحضور التاريخي. إن الوطن الذي يبدو واحدًا، عمليًا هو أكثر من وطن، وأكثر من انتماء. لم يستطع الشرق أن يتكور أو يتبلور اجتماعيًا ونفسيًا وأخلاقيًا وقيميًا إلى الأن. وإن حقل التناقضات العمودية والأفقية فيه ما زال صالحًا للحروب البينية الشديدة القسوة. لم يتصالح مع نفسه، كما لم يستطيع أن يبني دولة المواطنة، يحول أبناءه إلى كتل بشرية متفاعلة سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا ووجوديًا
. اعطني خضوعك يا بني، وتعال إلى الصومعة، وأركع مع الراكعين. لا تنس أن تجلب معك قناعك، هذا التلوين ضروري، إنه جزء من عدة الشغل، من أجل أن تسوق نفسك أو ذاتك. هذا أنا، أنت، نحن جميعًا
وألقيت نظرة على المرأة. رأيت أرضًا خضراء وحدائق مزهرة مفروشة بأزهار البنفسج وشتلات الحبق. شيء من الخدر السري, سرى في جسدي. وغمرني فرح عامر, أبعدني عن الوليمة البشرية المجانية التي حطت على رأسي فجأة. ونشوة غريبة حلقت فوقي, بدلت مزاجي في لحظة الوثوب على ركبتي. أصبح كل شيء حولي يتبدل من تلقاء ذاته. ولم أعد أنا هو أنا! وأصبحت جزءًا من هذه الوليمة الساجدة على الأرض التي تخور كالأبقار. لا أدري لماذا أنتابني إحساس أن الامبراطور بقرة تخور. ورأيت في التماثيل وجهه, ووجوه أجداده. وأحدهم يتناسل من فم الآخر. وبدت لي الحياة غابة أشواك تقطر مرارة وحنظلاً. رفرفت فوق روحي. ورفرفت روحي فوق أجنحة البوم والغربان. وحاولت الخروج من هذا الخوار. سمعت نقيق الضفادع من الحقول والمياه البعيدة. وطربت روحي بعض الوقت. بيد أن زفرات الناس أعادتني إلى مكاني.
قالت لي في تلك اللحظة الحزينة, المشبعة بالألم: لقد هربت من الحماقة والمجانين. أنا مجرد إنسانة هاربة. وسأبقى هاربة. هاربة من لا شيء. ومن كل شيء. مشردة وشاردة. ومطرودة من ديارها. لا أقرباء لي ولا أهل. وليس لي وطن ولا انتماء. أنا مجرد نكرة. عازفة بزق وممرضة في مشفى. ـ يكفي أنني بجانبك. نظرت إلي بسخرية . وقالت: ـ الحرب تجعل الإنسان وحيدًا يا عبد الله! إنّها ظل لظل الوجع. والإنغلاق والتقوقع الإنساني. ولا حضور للنبلاء في هذا الظل. ولنقل بصورة عامة, إن المآسي أو الكوارث الكبيرة تجعل اللون غائمًا. وحضور الألوان مجتمعة تكون غامضة.
ولكن كيف يمكننا أن نقنع إنسانًا ميت, أنه ميت. وماذا يمكننا أن نفعل, عندما يحمل هذا الميت السلاح, ويقتل الأبرياء بدم بارد لتحقيق هذا الوهم. أليس هذا ما يفعله البشر, لتحقيق أحلام لا معنى لها.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس ثقافية وفكرية ــ 321 ــ
-
هواجس عامة ــ 320 ــ
-
هواجس أدبية ــ 319 ــ
-
هواجس أدبية وفكرية وسياسية ــ 318 ــ
-
هواجس أدبية 317
-
هواجس ثقافية ــ 316 ــ
-
هواجس ثقافية 315
-
هواجس عامة وخاصة 314
-
هواجس سياسية 314
-
هواجس عامة 313
-
هواجس فكرية وسياسية وأدبية ــ 312 ــ
-
هواجس متعددة ــ 311 ــ
-
هواجس فكرية وسياسية ــ 310 ــ
-
هواجس متفرقة ــ 309 ــ
-
هواجس فكرية 308
-
هواجس عامة ــ 307 ــ
-
هواجس سياسية وفكرية وأدبية 306
-
هواجس عامة أدبية سياسية فكرية ــ 305 ــ
-
هواجس متنوعة ومتعددة ــ 304 ــ
-
هواجس إنسانية وسياسية 303
المزيد.....
-
فيديوهات مخلة.. فنان مصري شهير يتعرض لعملية ابتزاز
-
بعد سقوط نظام الأسد.. الفنان دريد لحام يوجه رسالة إلى السوري
...
-
اكتشاف كنز من التسجيلات غير المنشورة لمايكل جاكسون
-
تعرضوا للخسارة أو شاركوا في القتال.. 5 فنانين تأثروا بالحروب
...
-
ورشات الأطلس في مراكش.. نوافذ للمخرجين السينمائيين الشباب عل
...
-
الثقافة أولاً .. تردد قناة بابل 2025 الجديد على النايل سات و
...
-
بفستان أبيض فخم .. الفنانة اصيل هميم تحتفل بزفافها من رجل أع
...
-
السوداني يوجه بنقل جثمان المخرج قيس الزبيدي إلى العراق
-
رسالة باللغة الروسية تحذر من هجوم تفجيري على بنك الاحتياطي ا
...
-
بفيلم لجوني ديب وتكريم فيولا ديفيس.. مهرجان البحر الأحمر الس
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|