أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - إلى أين أنت ذاهب أيها الربُّ















المزيد.....

إلى أين أنت ذاهب أيها الربُّ


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 8101 - 2024 / 9 / 15 - 22:25
المحور: الادب والفن
    


إلى أين أنت ذاهب أيها الربُّ..؟

ها هي ذي رواية "كوفاديس" أمامي في ترجمتها السويدية الكاملة، في أزيد من سبعمائة صفحة من القطع الكبير، قام بها ووثق لها حواشيها وهوامشها جان هنريك سوان، ووضع لها عنوانا ثانويا على الغلاف "En berättelse från Neros dagar" (حكاية من زمن نيرون)، وصدرت هذا العام عن دار "ماريسما" باستوكهولم.
ولابد أن يتذكر من هم من جيلي في الأقل، أننا كنا قرأنا رواية "كوفاديس" لمؤلفها البولندي هنريك سينكييفتش باللغة العربية بترجمات ناهزت الستة (ربما أكثر، لست جازما)، ما بين تجارية وأدبية ومختصرة ومقتبسة ومشوهة ومنتحلة. والغريب في الأمر ان الترجمات العربية جميعها، ولا واحدة منها تتكرم علينا وتخبرنا من أي لغة تمت الترجمة، أمن اللغة البولندية، اللغة الأصلية للرواية، أم من لغات أخرى وسيطة (أغلب الظن انها تتناسل عن بعضها، إن لم نقل تسرق بعضها البعض). وحتى إن آخر طبعات هذه الرواية بالعربية والتي صدرت عن "دار المدى" العراقية الشهيرة، عام 2016، لا تخبرنا في عتبات الكتاب من أية لغة قام بنقلها للعربية مترجمها نواف معلة!
تقع كنيسة "سانتا ماريا" الصغيرة في ضاحية بالميس، جنوب شرق مدينة روما، على بعد ثمانمائة متر فقط من بورتا سان سيباستيانو، حيث يتفرع طريق أردياتينا من طريق أبيان، وهذا هو بالضبط الموقع الذي يعرفه كل المسيحيين في العالم، والذي التقى فيه القديس بطرس بالسيد المسيح القائم من بين الأموات، أثناء فرار بطرس من الاضطهاد في روما. ووفقًا لمرويات الديانة المسيحية، فقد ظهر له المسيح في طريقه، وسأله القديس بطرس باللاتينية: كوفاديس، دوميني؟ "?Quo Vadis, Domine" أي: "إلى أين أنت ذاهب أيها الرب؟" فأجابه المسيح، "إذا أنت هجرت شعبي، فأنا ذاهب إلى روما لأصلب من جديد"، الأمر الذي يُخجل بطرس ويدفعه إلى العودة إلى عاصمة الإمبراطورية الرومانية ليواجه مصيره المحتوم، وليستشهد على أيدي الوثنيين. ولهذا سميت هذه الكنيسة باسم كنيسة "كوفاديس دوميني"، كما سميت رواية هنريك سينكييفتش بعنوان "كوفاديس"، وتعني: إلى أين أنت ذاهب؟
كانت هذه الرواية التي كتبها البولندي هنريك سينكييفتش مَعْلما أساسيًا في الأدب العالمي منذ ظهورها لأول مرة في عام 1896 وحتى فوزها بجائزة نوبل للآداب عام 1905. ولكن إليكم السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل "كوفاديس" رواية تاريخية أم رواية دينية أم مجرد حكاية خيالية مؤثرة؟ فإذا كانت هي رواية دينية، فهل هي ذات منزع كاثوليكي أم بروتستانتي أم أرثودوكسي؟ وإن كانت "كوفاديس" رواية تاريخية، فإلى أية مدرسة من مدارس السرد التاريخي تميل؟ فهل هي تتجه أكثر نحو المدرسة الفرنسية المزخرفة للخيال التاريخي، كما عند ألكسندر دوماس وميشال زيفاكو، أم أنها تأخذ ملامح من الأسلوب الإنگليزي الأكثر تحفظًا، كما نجده عند السير والتر سكوت، على سبيل المثال؟
قبل أن نتعمق في عمل سينكييفيتش هذا، دعونا نتفق إن الرواية التاريخية هي سرد تدور أحداثه في الماضي بهدف إعادة خلق فترة أو حدث تاريخي محدد. يجب أن تمزج الرواية بين التاريخ الواقعي والشخصيات الخيالية وخطوط الحبكة، مما يسمح للقراء بالانغماس في حقبة ماضية. لكن ليست كل الروايات التاريخية تشبه بعضها. إذ يمكن لها أن تراوح ما بين المغامرات الرومانسية عند ألكسندر دوماس، إلى السرد الأكثر رصانة وتأملاً عند والتر سكوت، إلى الأسلوب الأكثر شاعرية وعواطف، مع نزعة إلى التوثيق خلال السرد نفسه بالعودة إلى أمهات كتب التاريخ، كما الأمر عند كبيرنا جرجي زيدان، الذي أعتبره مدرسة قائمة بذاتها في ميدان الروايات التاريخية، وأسميها "المدرسة الزيدانية".
إذن، أين تقع رواية "كوفاديس" في هذا الطيف الثلاثي المتشابك؟
تدور أحداث الرواية في قلب مدينة روما القديمة في عهد الإمبراطور نيرون، وهو نفس الشخص الذي يُفترض أنه كان يعزف على المندولين بينما كانت روما تحترق. الخلفية غنية بالتفاصيل التاريخية، من القصور الفخمة إلى الشوارع المكتظة بالعامة من الناس. يرسم هنريك سينكييفيتش صورة حية لمجتمع على شفا الانهيار، يتصارع مع صعود المسيحية وسط انحطاط الحياة الرومانية المتمثلة بالترف والغطرسة وتقديس المحاربين. ولا يعد المكان في الرواية مجرد خلفية أو ديكور؛ بل هو شخصية متكاملة فاعلة تؤثر على تصرفات وقرارات الأبطال داخل النسيج الروائي.
يقول النقاد، ومنهم مترجم الرواية إلى اللغة السويدية، إن أحد أكثر الجوانب المقنعة في "كوفاديس" هو تضمينها شخصيات تاريخية حقيقية، مثل نيرون نفسه، إلى جانب شخصيات خيالية مثل المسيحي الشجاع، ماركوس فينيسيوس، وليجيا، الفتاة المؤمنة الجميلة. فمن خلال استنبات هذه الشخصيات في نسيج التاريخ، يخلق سينكييفيتش سردًا أصيلاً، حتى لو كان موشى بقليل من الحرية في التصرف الإبداعي. تتبع القصة صراع ماركوس بين حبه لليجيا وولائه للنظام الروماني الفاسد، كل ذلك بينما يلوح في الأفق التهديد بالاضطهاد والتنكيل البشع في حق المسيحيين.
يعد هذا المزيج من الشخصيات الحقيقية والمتخيلة سمة مميزة للروايات التاريخية عموما بشتى مدارسها. فهو يسمح للقراء بالتفاعل مع التاريخ على المستوى الشخصي، مما يجعل الأحداث تبدو آنية وذات صلة بنا كقراء معاصرين.
لكن دعونا نؤكد هنا إن جوهر المسألة كله إنما يكمن في ثنائية "الحب والإيمان". إن تحول ماركوس من أرستقراطي روماني متعجرف إلى عاشق مخلص على استعداد للمخاطرة بكل شيء من أجل سلامة ليجيا، يعكس الصراع الأوسع بين الوثنية والمسيحية. يضيف هذا العمق الموضوعي طبقات أخرى إلى السرد، مما يسمح له بالتصادي لدى القراء على مستويات متعددة.
والآن، ماذا عن المقلب الآخر المشار إليه، في مقابل تاريخية هذه الرواية، وهو الحديث عن دينيتها؟
نقول أنه يمكن اعتبار رواية "كوفاديس" إلى حد كبير رواية دينية، إذ تشكل المواضيع الدينية والروحية جزءًا أساسيًا من حبكتها وأفكارها وأحداثها. تدور الرواية حول الصراع بين المسيحية الناشئة والإمبراطورية الرومانية الوثنية، وتركز بشكل خاص على التحول الروحي للشخصيات الرئيسية والتبشير بالقيم المسيحية، مثل الإيمان، التضحية، والغفران.
وكما أوضحنا من قبل في هذه المقالة، تتناول الرواية في جوهرها قصة لقاء بين فينيسيوس، الشاب الروماني الوثني، وليجيا، الفتاة المسيحية. بينما يطارد فينيسيوس ليجيا في البداية بدافع الرغبة والشهوة، فإنه يتحول تدريجيًا إلى الإيمان المسيحي بفضل تأثيرها وتأثير مجتمع المسيحيين من حولها. هذا التحول الروحي يمثل أحد المحاور الرئيسية في الرواية ويعكس موضوع الخلاص الشخصي، وهو موضوع ديني بامتياز، في الديانة المسيحية على وجه التخصيص، إن لم نقل ربما في معظم الأديان.
وعلاوة على ذلك، تصور الرواية اضطهاد المسيحيين في عهد نيرون، وتعرض معاناة المؤمنين واستعدادهم للتضحية بحياتهم من أجل الإيمان. ومن خلال هذا المنظور، تقدم "كوفاديس" المسيحية على أنها ديانة الحق والتضحية، في مقابل وحشية وفجور الإمبراطورية الرومانية ووثنيتها.
إلى جانب هذا، تتجلى الموضوعات الدينية بوضوح في الحوارات ما بين الشخصيات وفي المواقف، حيث يبرز مفهوم القوة الروحية للسلام والحب مقابل العنف والقوة العسكرية. كما أن الشخصيات المسيحية في الرواية، مثل القديس بطرس الرسول، تمثل دعامة دينية قوية في القصة وتلعب دورًا في نشر الرسالة المسيحية بين الشخصيات الأخرى.
هل يكفي هذا لكي نقول بكل ثقة أن "كوفاديس" ليست مجرد رواية تاريخية، بل هي رواية دينية أيضا، تسلط الضوء على القيم المتمثلة في عبادة إله واحد، وصراعها مع التعددية الوثنية، وتعبر بالتالي عن انتصار الإيمان على الضلال والزيغ؟
وبالعود إلى "تاريخية" هذه الرواية فضلا عن "دينيتها"، دعونا نأخذ لحظة تقدير لما يجعل من الروايات التاريخية روايات آسرة للغاية لعموم القراء في كل زمان ومكان. إن أعمال ألكسندر دوماس، مثل "الفرسان الثلاثة" و"الكونت دي مونت كريستو"، مليئة بالمغامرات الجريئة والشخصيات التي لا يوجد مثلها على مسرح الحياة، والحبكات المعقدة التي تؤكد غالبًا على موضوعات الصداقة والبطولة والخيانة، حيث يعمل الماضي كخلفية لمغامرات مثيرة نتوق اليها في الحاضر.
على النقيض من ذلك، فإن رواية سينكييفيتش "كوفاديس" أو "إلى أين أنت ذاهب؟" على الرغم من كونها درامية بلا شك، إلا أنها تميل أكثر نحو الاستكشاف التأملي للشخصية والقيم الأخلاقية. بالتأكيد، هناك لحظات من التوتر والصراع والاحتدام -كما عندما يواجه فينيسيوس غضب الإمبراطور نيرون- لكن الرواية لا تجسد تمامًا نفس مستوى البهرجة أو المغامرة الموجودة في أعمال دوماس أو زيفاكو. بدلاً من ذلك، إنها رحلة أكثر تأملاً، تركز على الصراعات الداخلية لشخصياتها وهم يبحرون في المياه الغادرة للحب والثقة والإيمان.
والآن، لنعدل من جلستنا، ولنفكر في المدرسة الإنگليزية للرواية التاريخية، التي يمثلها السير والتر سكوت أحسن تمثيل. تتميز أعمال سكوت، مثل "إيفانهو" و"روب روي" و"الطلسم"، باهتمامها الدقيق بالتفاصيل التاريخية وتأكيدها على مميزات ثابتة للهوية الوطنية. سكوت غالبًا ما يتعمق في الديناميكيات الاجتماعية والسياسية في عصره، ويزرعها في نسيج مسروداته.
يشارك سينكييفيتش أيضًا هذا الالتزام بالدقة التاريخية. إن تصويره لروما القديمة غارق في البحث والتقصي والدراسة المعنقة للمراجع التاريخية المدونة، وهو يحرص كثيرًا على تصوير المعايير المجتمعية والسياسات والعادات في ذلك الوقت. ومع ذلك، في حين أن سرديات سكوت غالبًا ما تتمتع بجودة رائعة وشاملة، فإن تركيز سينكييفيتش أكثر حميمية. إن المخاطر في رواية "Quo Vadis؟" شخصية وليست وطنية؛ إنها تنشغل أقل بمصير الإمبراطورية، وتنشغل أكثر بمصير أرواح فردية تتصارع مع الحب والإيمان في عالم مضطرب على شفير الهاوية.
وفي كل الأحوال، وكيفما ذهبت بنا ظنون النقد والقراءة الواعية المتأنية، لابد من الاعتراف بأن "كوفاديس" هي شهادة ملموسة على قوة الخيال التاريخي. إنها تذكرنا بأن "التاريخ" ليس هو "التأريخ" (بالهمزة ومن دونها) وبأنها ليست مجرد سلسلة من الأحداث؛ إنها نسيج مغزول بخيوط من الخبرة الإنسانية والعاطفة البشرية والسعي الأبدي وراء المعنى. لذا، سواء أكنت من محبي المغامرات الجريئة أو الرحلات التأملية، فإن رواية سينكييفيتش تحتوي على شيء يناسبك، وسيناسب الجميع.
وفي الوقت الذي يقدم فيه سينكييفيتش بلا شك سردًا تاريخيًا، فإنه يدمج أيضًا أسئلة فلسفية حول الأخلاق والإيمان والحالة الإنسانية. هذا المزيج من الدراما الشخصية والتاريخية يذكرنا بالمدرسة "الزيدانية" للروايات التاريخية، وبالكاتب العظيم جرجي زيدان، مؤسس الرواية التاريخية العربية دون منازع، الذي غالبًا ما غرس في حكاياته موضوعات عظيمة عن الشرف والمغامرة والفروسية والرومانسية حيث يتم استيفاء جميع الشروط المطلوبة للوصفة الروائية الناجحة: من بيئة تاريخية غنية، وشخصيات تاريخية حقيقية، إلى سرد يتشابك مع الصراعات الشخصية مع موضوعات أوسع نطاقًا للإيمان والأخلاق والقيم الرفيعة.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالسؤال المطروح أعلاه، عما إذا كانت رواية "كوفاديس" تنتمي أكثر إلى المدرسة الفرنسية أو الإنگليزية أو العربية للروايات التاريخية، فيبدو أنها تنحت في الخضم مكانتها الفريدة. إنها تستعير عناصر من ذوق ألكسندر دوماس للدراما والمغامرة، إلى جانب التزام والتر سكوت بالأصالة التاريخية، مع الميل إلى توكيد هيمنة المرجع التاريخي المدون، ملفعا بلغة شاعرية عالية وقيم إنسانية عاطفية تتجاوز الانتماءات الضيقة، كما يمثلها جرجي زيدان. ولكن في النهاية، تبرز "كوفاديس" باعتبارها استكشافًا شخصيًا عميقًا للحب والإيمان وسط فوضى روما الوثنية القديمة.
وبالنسبة لرأيي الشخصي، وعلى سبيل الختام، وإن كان ذلك مطلوبا مني، فإن "كوفاديس" هي ولاشك رواية تاريخية بكل معنى الكلمة، تتناول موضوعات دينية، إلا أن تركيزها على الدراما والعواطف والقضايا الأخلاقية والعشق والإيمان والتضحية، يجعلها أقرب إلى أعمال المدرسة الفرنسية للرواية التاريخية، كما لدى ألكسندر دوماس، وفرعها العربي، "الزيدانية"، كما عند جرجي زيدان، منها إلى المدرسة الإنگليزية التي يمثلها السير والتر سكوت، العظيم الذي ترك لنا "إيفانهو" و"الطلسم"، وقدم لنا صورة للسلطان صلاح الدين الأيوبي كما لم نرها من قبل.

** مستدرك **
أخيرا، لابد من شيء عن دلالة العنوان وعلاقته بالخطاب الروائي:/
تتجلى خطورة وأهمية صياغة العنوان من مأثرة دينية مسيحية معروفة، إلى "سلوغان" (لا أحبذ كلمة "شعار" أو "يافطة" في هذا السياق) يرحل عبر التاريخ المعاصر والذاكرة المرتجعة بحيث تصبح عبارة "كوفاديس، إلى أين أنت ذاهب" تحمل كل الدلالات التالية:
1. البحث عن الطريق: العنوان يعكس بشكل أساسي موضوع الرحلة الروحية التي تخوضها شخصيات الرواية، خصوصًا فينيسيوس، الذي يبدأ رحلته كرجل وثني منغمس في الملذات والشهوات، ثم يتغير تدريجيًا ليعتنق المسيحية بفضل حبه لليجيا وتأثره بالمسيحيين من حوله. السؤال "إلى أين أنت ذاهب؟" يصبح سؤالاً جوهريًا ليس فقط لحياته الشخصية ولكن أيضًا لروحه ومستقبله الأخلاقي.
2. الصراع الداخلي: العنوان يعبر أيضًا عن الصراع الداخلي الذي يعيشه العديد من الشخصيات بين الرغبة في الحياة الدنيا الفانية والإغراءات المادية من جهة، وبين البحث عن الحقيقة الروحية والمعاني الأعمق للحياة من جهة أخرى. هذا الصراع يتجلى في شخصيات مثل فينيسيوس ونيرون، حيث يختلف اتجاه كل منهما: أحدهما يجد الخلاص الروحي في المسيحية، بينما الآخر يغرق في الفساد والطغيان.
3. الاستشهاد والتضحية: الرواية تستلهم أيضًا قصة استشهاد المسيحيين الأوائل. في العديد من المواقف، يواجه المسيحيون في الرواية السؤال "إلى أين أنت ذاهب؟" بالمعنى الروحي، وهو ما يقودهم إلى التضحية بحياتهم من أجل إيمانهم. التضحية المسيحية تتجلى في استعدادهم للموت على يد نيرون بدل التخلي عن إيمانهم.
أما كيف استثمر المؤلف هذا العنوان ودلالاته في تدعيم فنه الروائي فيظهر في المواقف التالية:
1. الإحالة إلى التراث المسيحي: من خلال استخدام العنوان اللاتيني المرتبط بقصة القديس بطرس، يخلق سينكيفيتش رابطًا مباشرًا بين الأحداث التاريخية للرواية والتراث المسيحي. هذه العلاقة تعزز من عمق الرواية الديني وتُضفي عليها بعدًا روحانيًا قويًا.
2. تقوية التوجه الأخلاقي: السؤال الجوهري "إلى أين أنت ذاهب" يعمل كحافز للشخصيات لتقييم حياتهم واتجاهاتهم الأخلاقية، مما يسمح للمؤلف بتطوير شخصيات معقدة تتصارع مع خياراتها بين الخير والشر. هذا التوجه الأخلاقي يضيف طبقة إضافية من التوتر الدرامي في الرواية.
3. دعوة القارئ للتأمل الروحي: العنوان ليس مجرد سؤال موجه للشخصيات، بل هو أيضًا موجه للقارئ نفسه. من خلال هذا العنوان الرمزي، يدعو سينكييفيتش القارئ للتأمل في حياته الشخصية والروحية، مما يخلق تفاعلًا فلسفيًا وأخلاقيًا أعمق مع النص.
4. خدمة الحبكة الروائية: سينكييفيتش يستغل العنوان لخلق توازن بين الدراما والعبادة الروحية. فبينما تتطور الأحداث في روما الوثنية مع الحروب والمكائد السياسية، تظل الأسئلة الروحية الأساسية هي الدافع الحقيقي لتحولات الشخصيات والنقاط الحرجة في السرد.
(انتهى)

هوامش:/
* أول مرة أطلقت فيها تسمية "المدرسة الزيدانية" في كتابة الرواية التاريخية، نسبة إلى جرجي زيدان، وكان ذلك في بحث ألقيته بمناسبة تكريم الروائي التونسي الكبير ورائد الرواية التاريخية التونسية والعربية، حسنين بن عمو، ضمن أعمال "ملتقى الرواية العربية" الذي أقيمت دورته الأولى للفترة من 4 إلى 6 ماي 2017 بمدينة نابل التونسية وتمحور حول «الرواية التاريخية: حسنين بن عمو نموذجا»، وحضره لفيف من الروائيين والنقاد العرب. ويمكن المتابعة عبر الرابط التالي: https://images.app.goo.gl/mhBeXUz9aNjA4Zb29
*



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البحث عن طوق نجاة.. كتاب مشترك جديد
- القصائد-النثر العشر الطوال
- البحث عن طوق نجاة
- غرناطة
- سبعة هايكوات
- سيمون فايل، من الماركسية والمجالسية إلى التصوف والروحانية: ت ...
- سيمون فايل، من الماركسية إلى التصوف: تحولات فيلسوفة أناركية ...
- ليلة في قصر الحلوف..
- بيانات، وحديث البدايات والنهايات..
- القصة القصيرة حديث المصعد، أو القصة في دقيقة..
- رواية عن الشعر والكورونا والجريمة ودونالد ترامب.. ستيفن كينغ ...
- ريلكه والفلاسفة: في العلاقة العضوية الملتبسة ما بين الشعر وا ...
- فيني، فيدي، أمافي
- ريلكه والفلاسفة: في العلاقة العضوية الملتبسة ما بين الشعر وا ...
- شوكولاتة
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (2-2)
- هكذا حديث النجوم
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (1-2)
- راي Raye
- إنسلال


المزيد.....




- من حياة البذخ إلى السجن.. مصدر يكشف لـCNN كيف يمضي الموسيقي ...
- رأي.. سلمان الأنصاري يكتب لـCNN: لبنان أمام مفترق طرق تاريخي ...
- الهند تحيي الذكرى الـ150 لميلاد المفكر والفنان التشكيلي الرو ...
- جائزة نوبل في الأدب تذهب إلى الروائية هان كانغ
- فوز الكورية الجنوبية هان كانغ بجائزة نوبل للآداب
- رائد قصيدة النثر ومجلة -شعر-.. وفاة الشاعر اللبناني شوقي أبي ...
- من حياة البذخ إلى السجن.. مصدر يكشف لـCNN كيف يمضي الموسيقي ...
- تأييد الحكم بالسجن ضد سائق اتُهم بالتحرش بالممثلة المصرية هل ...
- غضب فريد بعد زواج سيران وسنان… مسلسل طائر الرفراف الحلقة 78 ...
- استعدوا للقائهم في كل مكان! تماثيل -بادينغتون- تزين المملكة ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - إلى أين أنت ذاهب أيها الربُّ