خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8083 - 2024 / 8 / 28 - 18:47
المحور:
الادب والفن
يا صديق الزمان ورفيق الأبدية، أيها البحر العظيم، أنت الذي لا تحد له آفاق ولا تحصى له أنفاس. تتجلى فيك القوة كما في رقة النسيم، وتظهر الصمود كما في هدوء الليل. تظل عيناك متسعتين، تحدقان في السماء من دون أن تغفل عن الأرض، تدرك كل ما يخفيه العابرون على شواطئك وتحيط بكل ما يلقى في أعماقك.
كم من حكايات حملتها موجاتك عبر العصور، وكم من أسرار دفنت في رمالك الناعمة. أنت الحافظ للأزمان، الشاهد على ولادة الفجر وغروب الشمس، سامع همسات العاشقين في الليالي الحالمة، ومتقبل دموع المحزونين في لحظات اليأس.
أنت رحلة بلا مرافئ، وسفر بلا نهاية. كم من مراكب أبحرت فيك حاملة أحلام البحارة إلى أبعد مدى؟ كم من قلوب ألقت فيك آمالها كما يلقي العطشان نفسه في ينبوع الماء؟ فيك يجد الضائع طريقه، وفي صخب أمواجك يجد الساكن صوته.
أيها البحر، في سكونك العميق تكمن صرخات من لا صوت لهم. في بريق أمواجك تتراقص أطياف الذكريات، وفي هدوء أفقك يكتب كل ما ينسى. تحمل في صدرك شغف العالم وتكتم في أحشائك أسرار الأرواح التائهة. أنت المأوى لأولئك الذين فقدوا البوصلة، والمفر لمن ضاقت به السبل.
يا بحر، يا سر الكون وغموضه، فيك تتجسد الأضداد: السكون والعاصفة، الحياة والموت، البقاء والفناء. ما أوسع حدودك، وما أعمق أسرارك. ليتني كنت قطرة من مائك، أذوب في أعماقك، أو صخرة على شاطئك، أشهد على مر الأيام وأسمع حكايا العابرين.
ابق كما أنت، بحراً لا يعرف الكلل، في مدك وجزرك قصة لا تنتهي، في ليلك ونهارك سر لا يفسر. أنت البداية والنهاية، وأنت السفر والمصير.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟