الواقع الموازي لكوبا في باريس

الحزب الشيوعي الكوبي

الحوار المتمدن-العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 11:43
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

بقلم روزا ميريام إليزالدي بتاريخ 15 أغسطس 2024

بائس هو المجتمع الذي يفرض ممارسات منكرة من محاكم التفتيش و تزييف الحقائق . بائسون هم أولئك الذين يحرمون كوبا من فرحة ميدالياتها الأولمبية التسع، وهو نفس العدد الذي فازت به الدانمرك، الدولة التي لا تخضع لحصار أميركي ولا تلومها الصحافة ووسائل الإعلام على أدائها في باريس.

إن استراتيجية الدعاية لتحويل كل نجاح لكوبا إلى فشل لها خصوصية مثيرة للاهتمام: فهي تعمل من خلال خطط مستمرة، بفترات قصيرة ومكثفة يتم فيها تثبيت محاور المواضيع. فمن زعم وصول 32 رحلة جوية إلى كاراكاس من هافانا للتدخل في الانتخابات الفنزويلية، الى قواعد عسكرية صينية غير موجودة اصلا في الأراضي الكوبية، و حضور غواصات روسية تحمل أسلحة نووية في خليج هافانا وهو ما لم يحدث أبدا ، و زعم فشل كوبا في أولمبياد باريس، كل شيء يهدف إلى إنتاج "أجندة".

إن الدوار الذي تتبعه الأحداث الدعائية الواحدة تلو الأخرى يشير إلى أن أياً منها لا يصل إلى الحد الأدنى من القوة في الرأي العام: هدفها ليس في الأساس تغيير وجهات النظر، بل تأسيس واقع مواز، وإثارة الأحكام المسبقة، والإصرار على الكراهية كمصدر لالغاء شرعية حكومة تقود البلاد في أسوأ أزماتها الاقتصادية وهي تحت حصار دائم.

ولكن يبدو أن الصرخة الأخيرة لهذه الموضة تعبر حاجزاً و تبدأ الانتقال إلى مرحلة جديدة، فتنكر الواقع بشكل قاطع، وتتجاهل أدلة الحقائق التي أكدها الملايين من المتفرجين الذين حضروا الألعاب الأوليمبية. لم تكن كوبا فقط دولة أمريكا اللاتينية التي فازت بأكبر عدد من الميداليات، ولم يسبقها سوى البرازيل، بل كان الرياضي الكوبي أيضًا الذي فاز لأول مرة في التاريخ بخمس ميداليات متتالية في الألعاب الأولمبية في نفس الرياضة، ميجاين لوبيز.

لم يحقق بولت ولا فيلبس ولا لويس ولا أساطير الرياضة الأخرىن ما فعله ميجاين. انجزه أول مرة في أثينا 2004، و من بكين 2008 إلى باريس 2024، حصل على الميداليات الذهبية في المصارعة اليونانية الرومانية، وهي رياضة كانت تمارس في العالم الكلاسيكي قبل ميلاد يسوع المسيح ،و منذ تأسيس الألعاب الأولمبية لم يمسك أي مصارع آخر بالصولجان لسنوات عديدة. حتى ظهور ميجاين، الخلاصة وافية للثقافة ومجيء وذهاب التاريخ الوطني: أسود مع اسم روسي، معروف في جميع أنحاء كوبا باسم عملاق هيرادورا ، لأنه يبلغ طوله 1.93 مترًا، ويزن 130 كيلوجرامًا، وقد ولد في بلدة صغيرة بهذا الاسم الذي لا يكاد يبلغ عدد سكانه 10 آلاف نسمة، والتي لم تكن موجودة على الخريطة حتى اكتشف المستوطنون الأمريكيون أراضيها الخصبة واستوطنوا فيها بداية القرن العشرين.

تنحدر عائلته من أفارقة عملوا طوال حياتهم من أجل الأثرياء البيض في تلك المنطقة حتى أصبحوا متعلمين مع ثورة 1959، وبفضلها وبفضل خطط توسيع نطاق الرياضة إلى كل مدينة في البلاد، بينما كان والده، بارتولو، يحرث الارض، كان ميجاين وشقيقيه، يفوزون بميداليات في بطولات الملاكمة الوطنية والدولية والمصارعة اليونانية الرومانية.

وتم اختيار هذا الرياضي الكوبي لتمثيل رياضيي الأمريكتين في الحفل الختامي للألعاب الأولمبية في باريس.

ولكن مع هذا الموقف من ازدراء الآخرين، وعبادة العنف الذي يستمتع بمعاناة الآخرين، رفض عدد غير قليل من وسائل الإعلام والوكالات، بالإضافة إلى مجموعة الفضاء الإلكتروني، الميدالية لميجاين والرياضيين الأولمبيين الكوبيين الآخرين. بسخط نقرأ في كل مكان "الفشل المتوقع"، "أسوأ دورة أولمبية لكوبا"، "التراجع"، "الأزمة الرياضية"، "غرق السفينة" وغيرها من الهراء، عديمة القيمة ،مع النتائج التي كانت امنية معظم دول هذا العالم ان تحصل عليها.

توقع الفيلسوف والمدني الفرنسي باولو فيريليو في كتابه " Cibermundo, la politica de lo peor" ( 1997)، وهو عبارة عن مقابلة طويلة مع مواطنه فيليب بيتي، أن "اليوم سيأتي عندما يهزم الواقع الافتراضي العالم الحقيقي... سوف يتوقف جسد المرء عن الوجود لصالح الجسم الشبحي، وعالمه الخاص لصالح العالم الافتراضي. و لقوله هذه الأشياء، التي هي واقعنا اليومي الان، اتُهم فيريليو منذ 30 عامًا بأنه مروج لنهاية العالم.

…………

روزا ميريام إليزالدي صحفية كوبية شغلت منصب نائب رئيس اتحاد الصحفيين الكوبيين (UPEC). حاصلة على درجة الدكتوراه في علوم الاتصال ومؤلفة لعدة كتب. روزا هي مؤسسة موقع Cubadebate ورئيسة تحريرها حتى يناير 2017. وهي حاليًا كاتبة عمود في صحيفة La Jornada بالمكسيك.

المصدر: لا جورنادا

#الحزب_الشيوعي_الكوبي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات