أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الفيتوري - القفص الزجاجي















المزيد.....



القفص الزجاجي


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1771 - 2006 / 12 / 21 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


غرقت في طرقة المكتبة في عناوين وأسماء يغص بها قفص الزجاج الذي يفصل بيني وبين تلك الشواهد ، بدأ لي أن كل الرفوف تقاسيم جبانة ؛ لقد شاهدت هذه الكتب في مطارحها مدفونة بعد أن غدر بها عشاقها ، عطن يلفح خياشيم المكان وانكسار ظاهر للضوء يلف الأغلفة فالعتمة تغلف الكتب وللعث مسارب . حاط بي الفراغ ما ملأ المكتبة بصخب الصمت ؛ كل كتاب ضاج بما فيه وضجر من الوحدة ، عيون الكتب الميتة من الخمول تنطق بالرغبة الجامحة في أن تؤخذ بقوى ، كتاب مائل الخاصرة يكاد يسقط عن الرف مثقلا كالخوخة الناضجة ، تفحصت ميوله عند أطرافه ثمة نزيز من دبق لولا القفص الزجاجي لتذوقت طعمه وكنت في نظر صاحب قورينا : مجنون ورق . تصفحت ما احتوى القفص فردا فردا ، تيقنت أن في كل فرد روح لافحة وان كانت خامدة فالنفس غبش الزجاج ، أما الثخين منها فتخايلته كاسرا العازل البلوري ، خالجني اليقين أن يفعل وينشب ما فيه من لواعج في كل مسرب في جسدي ، تراجعت قليلا وبثقل ظنوني صدمت العارضة التي خلفي المثقلة بما حملت أرففها حيث دبت في عروق الورق رعشة الملهوف للقاء ، عندئذ تشاغلت بترنحي وباستعادة تثبيت البدن في المكان حيث لم أخطوا غير خطوة واحدة .
استعرض بعض الأغلفة وشدته عناوين حيث تمترس ؛ تكشف له أن لم يطراء تغير يذكر على ما يعرض منذ جيئته السابقة التي حدثت منذ زمن ، تفرس وتفحص بدقة كل المعروض من الكتب شاكا في يقينه :اللا معقول هذا ، كل شيء في مكانه ، أراد أن يصدر حكما طائرا على الناس الذين أخذ الوسواس عقولهم فلم تعد المعرفة تشغلهم ؛ صارت القراءة عندهم من اللزوميات التي لا تلزم ، أراد ذلك بشغافه كله لكن اللا معقول عقل فكره : جفلت عن الكتاب وغفلت عن القراءة منذ خلقت كذا حدثته النفس اللوامة ، صب جم غضبه على هذا الخاطر ما يخاتله عادة ويؤنبه ويلومه عن محاسبة الآخرين ونسيان الذات : الجمل ما يشوفش عوج رقبته؛ انفلت لسانه بهذا المثل الشعبي حتى وجل من أن تظن به الظنون في هذا المقام . كل شيء قابل للانكسار لهذا رتب وقفته في هذا المقام، حيث خالج النفس أنه آدم وقد حرم من أنيس وأن كل هذه المعلقات خلف هذا البللور الثمرة المحرمة ، تحسس ثمرة آدم في العنق ثم هجم عليه خاطر أن يؤل القارئ هذه الثمرة وأن يحطها في مطرح ثان ، فجفل من خالجه وقطع حبل السرد . خطى خطوة ثانية في طرقة المكتبة وصب قدح عينيه في ما ينع قدامه من مستجد محطوط على الرف شماله ، شمل من أحرف الأبجد هوز جلها وهذا العنوان الذي استطال والحجم الصغير بغلافيه ؛ شتت عقله ما انفلت وحرف النظر : رصاصي غامق في الوسط للأسفل أكثر ايطار يحوى بورتريه ؛ وجه مستضئ بنوره ومستظل بشعره الفاحم ما شق في منصفه ، للرأس الصغير أذانان كبيرتان ، الجبهة عريضة والحاجبان بارزان والعينان في اغماضة اليقظ المتنبه لأسفل كذا الأنف مندس وبارز عند مقترب الشفتين المزمومتين والحنك كرأس حربة في النحر والرقبة العريضة حيث عند مطلع الكتفين يظهر من القميص مغلف بنى فالقفطان البرتقالي المحمر ، في أسفل الصورة يدان مضمومتان تحضنان كتاب ، صاحبة البورتريه في حالة القارئ ، عند هذا المحط قرأ : تاريخ القراءة في كتابة ذهبية غامقة ، في أسفل منه قليلا ؛ آلبرتو مانغويل بلون أبيض مما نبهه للأسفل : لطخة سوداء في مستطيل صغير تضم كتابة في الأبيض : دار الساقي . في لوحة الغلاف المرأة تقرأ . شغف غرس سكينه في النفس أن أعرف ما تقرأ ، لهذا اخترقت عيناي الزجاج وكدت أحطمه لكن هذا القفص اللعين أحال بيني وبين المعرفة ، كذا فإن الرسام لم يكن عند رسمه تلك اللوحة مشغولا بالتوق الذي تبثه لوحته في القارئ . توقفت عن البحلقة بعد أن بوغت بحالة الحصار التي صرت فيها دون أن أعلم ؛ كل كتاب يعرض مفاتنه وما الغلاف إلا الربيع الذي يبان من العنوان ، توقفت مشدوها عند هذا الزحام من المعرفة الذي تغص به واجهتا المكتبة ، لقد عزلت في هذا الممر المعترك ؛ كتاب صغير يضم القليل من الورق في دفتيه يرتكن أقصى الواجهة في بلاغة صارخة : نداهة تجذبني بألوانها الهادئة إليها ، لكن غلافا ضاجا يرمقني ويدعوني للانتباه وللريبة في كل جذاب . خلت أن هناك حفلا وأني المحتفي به ، خلت أن كل كتاب شغوف بي ، خلت أني القارئ الذي دعي للقراءة بسم ربه الأعلى : خذ الكتاب بقوى كذا كان هذا الأمر يخصني ، ولم أكن لأجفل عن تنفيذ المراد من هذا الأمر لو كنت المريد ، الحق الحق لم أحفل بالكتب وما كنت القارئ ، كل كتاب كان الساعة يضيق بما فيه وينزف بالكلم : ما أنا بقارئ كان جواب حالي . غافلت الرفوف الأولي وشرعت في التقدم للداخل خطوة وان أثقلت الخطو النظرات والعبرات ، قلبت الصفحة شدني كتاب ينتصب في جبهة الواجهة يكاد يخرقها من ثقل ، لم أقرأ عنوانه و لم أركز على جوانيته ، الكتاب يوحى بسر دفين كأن يكون في دفتيه مسموم كاسم الوردة التي تسمت كي تتفرد عن جنسها ، فيه أنوثة مباغته وليونة جامحة . ارتجفت وسرت الرعشة في جسدي حتى سبلت عيناي ، كأن هناك من يقول أن الكتاب محض مفاهيم أو كائنات خيالية ، لكنه امرأة تنهض من نعاسها لتبثه في : أيها القارئ حي على القراءة ، حي على الفلاح وأعلم أنه لا يوجد بيننا إلا ما يمكن استخلاص مثال نافع منه . كنت أعرف من أمي أن من يبتلى بالقراءة يدفن حيا لهذا لم أصيخ السمع ، انحرفت بوجهي لكن إغواء غرس في صدري يشدني إلى ما لا أحب ، في زاوية المشهد علامة في الظل للضلال ؛ كتيب رشيق يرمقني عارفا بارتباكاتي والهواجس التي تجتاحني ، عندئذ اختلست النفس من الغواية اندلفت في غمار قورينا حيث تلقفني صاحبها غضبا من تكاسلي وترددي : تفضل يا أستاذ ؟! . صنارة صادت الذهول والطيش وأخوتهما ، تشبت بيقين واهـ وهو يطلب كتاب تاريخ القراءة ، وكان من المرة السابقة قد تدرب على كيفية التعامل مع صاحب المكتبة لهذا أكمل : تأليف آلبرتو مانغويل والناشر دار الساقي وهو من الكتب الجديدة للمكتبة ، زم البائع وهو يتجه ناحية رف ليسحب نسخة من المطلوب ؛ طار طائر الخطاف وحط في سفح يده داعب ريشه وجسه ولم يكن يريد تقليبه ، شعر أنه لو فعل ذلك لهجر الطائر قفص الزجاج ونقر صدره ، واتخذه عشا ومأوى حتى يعم طوفان النسيان ، المنسي في الطين القراءة وأن هناك من تمكن بعد مؤلفة الأحرف بصورة صحيحة ، خلق عجل عمره ثلاث سنوات وتعشى به . ارتكن ركنا يؤلف الحروف حيث ارتكن قبلا عبدالرحمن بدوى أستاذ الفلسفة بالجامعة الليبية ، ممسكا بكتاب ليلتهم العجل في قعدته تلك ، ثم يعيد الكتاب لصاحب قورينا صاحبه عبد المولى لنقي ؛ ليس لشم رائحة الشواء تدفع النقود ، كذا شده هذا المشهد في صباه وهو يقف بعيدا متحيرا من وله الهؤلاء بالكتب . في الركينة كما فيما خطر له وما تداعي لم يكن ليظن أبدا أن القراءة تعني الاقتراب من شيء ، هو قيد الصيرورة أو كما ظن إيتالو كالفينو وأن التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة ، وفي معزله ذلك ارتاب في أن هذا فخ ، وأن الطائر الذي بين يديه طعوم ، وأن الوراق كان أبدا أمهر صائد ؛ ألم يأسر بألف ليلة وليلة كل ليالي ما صاده ؟ ، ألم تكن شهرزاد حلاوة الروح والرمق الأخير لكل شهريار ؛ هوية كل قارئ الذي لا يقرأ بالمعنى الحرفي للكلمة بل انه يقوم بإنشاء معنى لما يقرأ . خال نفسه في حلقة وأنه عريفها وأن فقيه الكتاب غائب ، أخذته العزة أخذا في تلاوة أسفاره ؛ لكنه في حقيقته كان الكائن المنطوي على نفسه ، المنغمس في كتاب . هل سكن في مكمنه ميت الحواس بعد أسره ؛ سيسأل القارئ الحصيف ، ؟ سيجيبه : كل حب مبتدأه شغف في الابتعاد وخبره أننا نتحسس جنسنا بالافتراق ؛ تبيان الفرق ، لم يحتال ولم يحتال عليه فكل قراءة قفص زجاج . هل طالته التحولات ما تطول كل قارئ : المنسي في الطين أم صاحب قورينا يستدرجه كي يستلذ طائره فيكون من مريدي بضاعته ومن زبانية مربعه ؟ ، تأول وقفته مستنجدا بفصاحة المتصوفة ، وجع في الرأس والحروف ضرب من دفوف ، انغرس في مربضه وانشق نبع من المعان ؛ ليس من أحواله أن يتصبب عرقه وينشف ريقه ، حتى عندما علقت عيناه بأول صبية ذات فنجني العسل لم يحصل أن خض حليب ركبه وأن شخصت عيناه وانتابه بله ، هو لم يكن حقا بقارئ لكنه طالع بعض صفيحات من كتب ، خال أن المكان تأنث وبات يعول عليه ، طلع البدر من ثنيات الورق فتصفح الوجه البدري وهالته قامة مارلين مانروا أمنا حواء الثانية تلحس الخجل وتبث خلاعة ، تشيع جسدها وطرواتها وسلاسة المرأة المطواعة الراغبة أبدا في أن تكون أنثي هائجة مهيجة مترعة بالشهوة وشهية ، توكد أن كل كتاب حقيقي مغناج وشهواني وان تطرز ببرودة العقل فهو في حريق . اشتعلت شهوته للاستزادة في صمت وهدوء لا تسمع فيه الأذن ما تنطق به الشفاه ؛ يقرأ بهمس تتحرك خلاله الشفاه دون صدور أية أصوات تاريخ القراءة :
من رسائل العراقيين القدامى
رسالة أولى :
أخبر المرأة أليتم ؛ أبلم أرسل الرسالة التالية : ليحفظك إله الشمس بصحة جيدة . لقد جاءتني المرأتان ؛ لاماسم ونيش إنيشو ، باكيتين ومطأطئتي الرأسين ، وقالتا لي : " أتريد أن تهجرنا وتذهب إلى بابل دون أن تترك لنا طعام ليوم واحد ! " . لقد ذرفن الدموع وناشدنني قائلتين : " ساعدنا هذه السنة لأننا على شفا حفرة من المجاعة .
رسالة ثانية :
أخبر مولاي ؛ خادمك ياكيم – آدو ، أرسل الرسالة التالية : قبل فترة وجيزة كتبت إلى مولاي ما يلي : " لقد ألقي القبض على أسد في مخزن للتبن في بيت في أكاكا . إن على مولاي أن يكتب ما إذا كان يجب إبقاء الأسد في المتبن حتى يصل مولاي أو يجب علي جلب الأسد إلى مولاي . ولكن الرسائل من مولاي بطيئة جدا في الوصول والأسد مازال في المتبن لخمسة أيام ، لقد رموا له بكلب وخنزير إلا أنه رفض أكلهما . لقد انتابني القلق : " لا سمحت السماء ! إن الأسد سيهزل " .
تصور أن لم يكن ثمة قارئ : أن الأسد قد هزل ، أن المرأتين المستنجدتين في حفرة المجاعة منذ آلاف السنين، ذرف الدموع لهذا الخاطر وتوكد قارئا : أن العلاقة غير السهلة بين الكاتب والقارئ التي بدأت في بلاد ما بين النهرين في يوم محفوف بالأسرار ستبقي قائمة أبد الدهر ، إنها علاقة مثمرة ولكن منطوية على مفارقة بين خالق بدائي يهب الحياة في لحظة الموت وبين خالق بعد مماته ، أو بالأحرى بين أجيال من الخالقين بعد مماتهم الذين يمكنون ما جرى خلقه من التكلم ، والذين لولاهم لأصبح كل شيء مكتوب ميتا ؛ القراءة هي إذا تبجيل الكتاب . واختنق بعبراته وهو يغلق دفتي الكتاب ويبعد عنه توهماته ؛ أن لم يكن ثمة قارئ لهذه الرسائل .. ؟ ، المرسل إليه لا يفك الخط ! . ترحم على والده وغضب من أمه ، الأول فك عقدته وعقله بفك الخطوط ؛ الأسطر السوداء والفراغات البيضاء الموجودة بين الأسطر تحولت فجأة إلى معان ذات إيقاع ، هذا ما استطاع أن يحققه لوحده دون معونة أحد ، والثانية فعلت ما كانت تفعله أم آلبرتو مانغويل : اذهب إلى الخارج وعش حياتك كانت أمي تقول دائما عندما تراني أقرأ ، كما لو أن انشغالي الصامت هذا كان يتعارض مع تصوراتها عن الحياة . لكن على أي حال أعطتني القراءة عذرا مقبولا لعزلتي ، بل ربما أعطت مغزى لتلك العزلة المفروضة على . قبيل أن أتخبل في خيوط المكتبة كنت أقراء يافطات شارع عمر المختار وملصقاته التي بصقها التجار على حيوطه ، تحوطني عزلة عن مشارب الشارع ومشاغل الناس ، اندلفت لمكتبة قورينا متخطيا الطريق في تثاقل ضايق السائقين السوقة ، تلقتني أقواس ظللتني وسلتني من خيوط الشمس الحارقة ، فما الذي أوقعني في هذا الخبل غير القراءة ؟ . حين عدت في مبتداي من المدرسة وضعت في غرفة وأغلق الباب كان على أن أنجز دروسي ، أن أقرأ وأقرأ ، عزلت كمجذوب وكمطعون عليه أن يشفى بترديد وقراءة واجباته المدرسية ، وفي ذلكم المعزل تحققت من ذاتي ؛ أحل ما لغز وأفك ما عقد وأعيد خلق ما لا يوجد ، تلك المجردات ما كنيت بالأحرف كانت أداة الخلق وكل خالق وحيد . لهذا تحققت مع الأيام أن القراءة عزلة وأن القارئ وحيد رغم أن جدتي كانت تظن أن للأحرف أرواح ، وأن هذا الحرف إوزة وذاك خروف فعندها الأبجدية خلق الله ولكل مخلوق تعين . تعينت في الأحرف كل الموجودات فالرسم العلامة كليم ، أنطقت الحجر وجعلت فراغ الغرفة ضاجا بالكائنات التي أطلق سراحها مع كل زفير وشهيق مكونا الكلام ، ومن النظرات تتخلق معان وحياة ، دخلت مرة أمي الغرفة دون أن أنتبه وكنت أقرأ درس المطالعة عن الأم فصحت جذلا : لقد خلقتك يا أمي ، وأبي شد ما ألح أن أكون أول من يفك عقدة لسانه بفكي الخط ؛ أفيق صباحا كي أعمل كمساعد له في متجره أو المخبز حيث بعدئذ يوصلني حتى باب المدرسة ؛ في المتجر أسجل ديون زبائنه وفي المخبز عدد ما يوزع من أرغفة ، لكن هذا الأب لم يهتم لذلك بضرورة أن أتعلم أن أقرأ : زار أبي في تلك الأيام مصر لعلاج أختي الخرساء لما عاد وصله مظروف بالبريد ، حين رغب في قراءة ما حوت الرسالة وجدني ضالته ، كانت الرسالة وما تبعها رسائل غرامية من امرأة توقع بـ " سوسو " شد ما أذهلني إيقاع هذه الأحرف مكتوبة ومقرؤة والتي لم أتبين كنهها ؛ حينها لم أجتاز العاشرة وفي السنة الثالثة الابتدائية ، قرأت له ما يسره وكتبت الجواب ما يمله على ، فيما بعد اتخذ خالي منى القارئ والكاتب لرسائله وحامل البريد لنسائه ، لكن هذا الخال يستعين بكتاب مختص بالرسائل الغرامية لهذا انحصرت مهمتي في القراءة وإعادة كتابة ما يختاره كرد نموذجي من ذلك الكتاب ، أما عمى فكنت أقرأ له أوراقا رسمية وبعض الكلمات الشارحة لصور غرامية في مجلات مختصة وأخبار المطربة المصرية نجاة الصغيرة التي كان متيما بها ، فيما كنت وفقيه الجامع نقرأ معا في المسجد قصص ألف ليلة وليلة والبرتوا مورافيا بعد انتهاء الدرس القرآني اليومي وقضاء الصلاة ، ولأن ما أقوم به جهدا يفوق قدراتي لهذا ثقلت القراءة ولم أحب المدرسة البتة . امتلأت بالأسرار ومثل السمان ازداد خجلي حتى كنت أتخبل في ظلي ؛ هذا جعل أبي ينعتني بوجه البنت فدفنت هذا الوجه دون رغبة في الورق ؛ الورق قارب النجاة الذي جعل الصبيان يتوكدون أن العزلة التي أعيشها سببها أن بي مس وأني قرين الجنون ؛ للفرار من جهنم الصبيان ما يشعلون في وجهي من إشاعات اتخذت من الشباب ؛ من يحب أبي مرافقتهم ، قرناء وكانوا عشاق الكتب المهاويس بالقراءة والتحيز لهذا الكاتب دون غيره ، هذه جماعة العقاد تمجد الفرد وتغويني بالانفراد بينهم عن أندادي من الصبيان ، وهذه جماعة طه حسين من تدعوا لنشر العلم وتعميمه تستحثني على القراءة ، انفردت عنهما بمن هو صديق خالي الصغير من يكبرني بسنوات قليلة من يحب قصص الأطفال ومن بحوزته مجلات سمير وميكي وسوبرمان ، كي أنشغل عن الدروس الإلزامية المدرسية ؛ استهوتني الرسوم في القصص المصورة والرسم الساخر خاصة ؛ منها اتخذت ملاذا يأويني من أبي ومدرسي عبدالقادر شبه الأمي من يطلب منا قراءة الدرس وحفظه دون أن يبذل أي جهد معنا في الخصوص ، وكل البلادة التي اسمها الواجب والنجاح واستعادت المحفوظات خاصة الدينية منها ؛ كثيرا ما ضربت فلقة لعدم حفظ بعض الآيات القرآنية ، حتى كتب لي حجاب يقوى ذاكرتي كي أتقي نار يوم الحساب . القراءة القيد الذي سيحررك قال أبي ذات مرة ، أردف أنت حر أن تقرأ أو لا تقرأ فلست مسؤلا على الغد أيضا ، وقد كان أبوه أعمى يتلحف عبأة صوف على الجلد والعظم ، وكمتصوف خيل لي أنه يقتات من ترديد آيات القرآن والذكر ومدح الرسول ، لم يكن يفك الخط لكنه حفظ الكتاب عن ظهر قلب ، اعتزل الناس مكتفيا بأنه فك لغز الحياة وانحل في الوجود ، كشبح من طيب ترأ لي هذا القارئ الموجود من خلال ما يردد في خلوته ؛ من الحرف عنده طائر لا يجب أن يؤسر في دواة وحبر و لا أن يرقن : ما يرقن سيكون طعاما قديما لا يمكن إنقاذه وغذاء للعث ، جدي حكيم نقش في صدره معارفه لهذا كرهت الورق ، كثيرا ما شهدت على مريض يستغيث ببركة جدي ، الذي يتمتم جهرا بآية قرآنية مشفوعة بأدعية سرية على رأس المريض حيث يضع يده ، ولأن الشفهي مخلوط بالروح عادة لم يخرج هذا المريض من بيتنا إلا شفيا عفيا . خطى خطوة ثالثة في طرقة المكتبة والتفت غارسا قدح عينيه في ما ينع قدامه من مستجد محطوط على الرف شماله ، شمل من أحرف الابجد هوز جلها لكن هذا العنوان الذي استطال والحجم الصغير بغلافيه لفت انتباهه ؛ في المكتبة ثمة جديد لكن لقلته لا يلفت الانتباه للوهلة الأولى ، حشد حواسه هو الذي يحب أن يتطلع لكل جديد بعيني جده : أن يمسح بعينيه ما يرى على عجل فليس في الأخير من جديد ! ، وان طبع من العناوين ما لا يعد فهو نسخ وشرح : وافق فيدروس على ذلك وواصل سقراط كلامه : هل تعرف يا فيدروس أن العجيب في الكتابة هو أنها تشبه الرسم إلى حد كبير ؛ إن عمل الرسام يطالعنا كما لو أن اللوحات حية تنطق ، إلا أنك عندما تستجوبها تحافظ على صمت أزلي ، ينطبق هذا على الكلمات المكتوبة : تبدو أنها تتحدث إليك ، كما لو أنها ذكية للغاية ، إلا أنك عندما تسألها والرغبة تحدوك في معرفة المزيد ، فإنها تستمر في ترديد وترديد نفس الشيء دون انقطاع . وأردف سقراط : إن القارئ يكون ساذجا للغاية يا فيدروس ، عندما يظن أن الكلمات المكتوبة يمكنها أن تفعل أكثر من مجرد التذكير بما يعرفه المرء ، على أي حال . حاله انقسم بين نهم الأب الفضولي وقناعة الجد المتصوف ؛ حين تداعت ذاكرته في طرقة المكتبة التي غاص في مائدتها دون شهية ، عزم أن يتمترس خلف تاريخه وكرهه للقراءة وأن لا يأخذه كتاب بقوة . وبقوة تنبهت إلى أنى أدخل المكتبة وكنت أتقدم نحوى حتى كاد يصطدم بي عند منتصف الطرقة ، شدني أنني لم أنتبه حين اجتازني جسدي دون أن يلتفت ، تيقنت من أن هذا المغرور لا يعير النفس احتراما ، لقد مر بي معتبرني أيا شيء كتابا مثلا ! ، لقد صافح كل الكتب المعلقة والسائبة بالجملة والمفردة وجميعها حيته ؛ لقد عرفته هو من أمر أن يأخذ الكتاب بقوة اصطفت الكتب في تحيته وقد أهملتني تلكم من هامت في إغوائي ولم تفلح ، من مر بي من أمسكت به في انعكاس البللور من كان أنا يقينا تركني في حيرى وأعطاني الظهر . التبس عليه الأمر وهو يوكد في دخيلته أن يعاقب عتهه وخبله وأن يتنصل مما يشده لهذا الذي هو ؛ من عبره وولج المكان كبيته الحميم : تف في نفسه على ما انعكس في القفص الزجاجي وحلف أن ينتقم ، العبودية الحميمة للكتب دوخته من في برجه العاجي تاه . في الرف كتاب المستنسخة ما شده وأيقظ حواسه المرتبكة فتذكر أن دوللى النعجة التي طاله رذاذها لم يعرف حقيقتها ؟ ؛ أيها الحقيقة التي تكونت من قطبين مختلفين أم التي صارت من جذر واحد ؟ ، لعن الساعة ما دفعه لجحر العقارب هذا : مكتبة ! اللعنة صدعت بإرادتي لهذا أستاهل : أن يرحب صاحب قورينا بهذا الدعي ؛ من خرج منى وعنى ؛ من هو عقيب الخوارج . كان صاحب قورينا قد خرج مرحبا بالكاتب أحمد الفيتوري كصديق وكاتب يصدر مكتبته ببعض كتبه ودخلا معا مكتب المكتبة ، في جذل صاخب طال من كان من الزبائن في الطرقة أو عند المدخل ؛ صدى جدلهما تردده الجدران ويعكسه القفص الزجاجي ، والغيظ فاض بي : من يكون حظرته ؟ ؛ كاتب ! . قلبت من غيظي الكتاب الذي كنت أتصفح وما كنت نويت أن لا أشتريه فليس بالكتب وحدها يحيا الإنسان تمتمت ساخرا ساخطا ، في الصفحة الثامنة وجدت مرادي : لكن من سيكون السيد ؟ الكاتب أم القارئ ؟ ، أو كما قال دنيس ديدرو في كتابه جاك الجبري في عام 1796م . سأكون القارئ الساذج للغاية يا صاحب قورينا ، لو ظننت أن الكلمات المكتوبة يمكنها أن تفعل أكثر من مجرد التذكير بما يعرفه المرء . لكن الغيرة أكلت قلبه أو هكذا شعر اثر التنميل ما اجتاح يساره وما تصبب من عرق بارد شق ظهره ، خط خطوة رابعة إلى الداخل متخذا هيئة مقاتل ينع قدامه ما استجد محطوطا على الرف شماله ، شمل من أحرف الابجد هوز جلها لكن هذا العنوان الذي استطال والحجم الصغير بغلافيه ؛ كان لفت انتباهه ، قلبه بين يديه واضعا نفسه تحت سهام نظرات صاحب المكتبة المحتجة ، وطد نفسه أن يعرى هذا الكاتب المعتوه المغرور الخارجي من سلاحه ، سأشتري روايته وأمزقه نتفا ببصري وبصيرتي ، في كل كتابة تدس سيرة الكاتب ونفسيته وان تقنع فالسرد سلوفان معتم وحسب ؛ دفع الثمن وأخذ الكتاب بقوة " : بيض النساء – لولو تهندس الروح وتؤثث الوحدة بفيروز وهو يقراء الفنجان ويكتب هذا : " ، دس ما غنم في جيب سترته وخرج بعد أن كاد يغرق في طرقة المكتبة في عناوين وأسماء يغص بها قفص الزجاج الذي يفصل بينه وبين تلك الشواهد ، وقد بدأ له أن كل الرفوف تقاسيم جبانة ؛ لقد شاهد هذه الكتب في مطارحها مدفونة بعد أن غدر بها عشاقها ، عطن يلفح خياشيم المكان وانكسار ظاهر للضوء يلف الأغلفة فالعتمة تغلف الكتب وللعث مسارب .
تنفس الصعداء وهو يتلقى النجدة من خياشيم السمك التي بعث له البحر بريحها ، كدت أن أتخبل في خيوط المكتبة ، سلبت النفس من شباكها فتلقفتني شوارع بنغازي أقرأ يافطات شارع عمر المختار وملصقاته التي بصقها التجار على حيوطه ، تحوطني عزلة عن مشارب الشارع ومشاغل الناس ، اندلفت من مكتبة قورينا متخطيا الطريق في تثاقل ضايق السائقين السوقة ، تلقتني أقواس ظللتني وسلتني من خيوط الشمس الحارقة ، فما الذي أوقعني في هذا الخبل غير القراءة ؟ . حث الخطى بما غنم وقد اجتاحه إحساس بالتفرد فبمقدوره الآن أن يكيل الصاعين لمن مر عنه ولم يعيره انتباها ، اصطدم بجثة هائمة في الشارع وهو منغمس في مخياله ، لكن هذا الحماس الذي اجتاحه تبدد مع التعب حين وصل البيت منهكا وقد مشى مسافة طويلة ، وأيضا تلقته زوجته بنظرة تقسم الظهر وتحبط كل الرغبات ، أنبته على تضييع نقوده على ما لا فائدة ترجى منه وقد رأته يخرج كتابا من سترته ، خاصة وقد نسى جلب الخبز ، الطفل الصغير أمسك بالكتاب فرحا بألوانه لكنه أخذ في البكاء عقب أن سحب الأب منه مغنمه ، الصبي دس يده في الجيب بحثا عن أي شيء أملا في الحصول على قطعة شوكلاته ، أما البنت فقد طلبت ما أوصت الأب أن يجلبه لها وحين ذكر بأنه قد نسى سمع تعليق أمها : بوكم بعد ما شاب يبي يحطوه في الكتاب . انفجر جسده غضبا فانسل نحو غرفة النوم مضربا عن الطعام لكن النوم هو أيضا أضرب ، تقلب في فراشه ، أشعل سيجارة ونفث دخانها في وجه المرآة ، فتح المذياع على محطة مشوشة منصتا لأنفاسه معيدا ترتيب نفسه باحثا في خوالجه عن أسباب قلقه ، يأس من معرفة كنه النفس فاطفاء سيجارته وطوح جسده بقوة على الفراش كمن يلعب الجودو ، شعر بألم في الظهر فدس عينيه في الفراغ وأخذ في نقره ؛ يقظة غير معتادة خلبت لبه والتعب دكه ولخبط النعاس كيانه ، غرق في حزن جارف : كم بلغت من العمر ؟ أجاب أكثر من أربعين ندبة من معارك لم أخضها ، جفل من صوته . دق الكاتب صدره : اقرأ ، أجاب بصوت عال وغضب ما أنا بقارئ ، اقرأ القصة فإذا كانت القصة هي البذرة فإذا أنت تربتها ؛ ما أنا بقارئ ، إن مجرد قراءة الرواية يتيح لك خبرتها كما لو كنت البطلة التي قد تتداعى أو تنتصر في النهاية ، عندئذ غط في نومه وهذا حدث كحلم مضطرب جعله يتقلب ويحرث الفراش : وقفا ملاك الموت وملاك الحساب على رأسه ؛ الأول زوجته والثاني أولاده ولم يميز نفسه كذات منفصلة عما يحدث ؛ عندئذ كان يهذى وتؤلمه ندوب روحه عند تقلبه . أفاق من تعسيلة أنهكته لكنها في نفس الوقت غسلته وشعر أنه أخف من اسفنجة وأن لروحه ثقوبها ، شفط أكسجين الغرفة حتى هاله ما اجتاحه من نشاط وحيوية ، نهض شالحا ثوب التعب مرتديا رغبة القوة في أن تأخذ ؛ لا يمكن له أن يأخذ امرأة البيت التي غدرت به منذ زمن ؛ حيث بددت عطر أنوثتها في النزوات الأولى ولبس بدنها خشونة الاعتياد ، فأخذ الكتاب بقوة وبنهم مشتط غرق في قراءة رواية غريمه من رصده في مرآة منامته . تبدو لولو باهته كبركان نائم ، تطل من السرد متدفقة أنوثة تأسر حين أطلت في طرقة القاطرة أخذت أتمتم : هذه كمشة من نار أو ثمرة عصية كجوز الهند حليبها يخض ولكن دونه أهوال ، قلب الصفحة التالية وهو يتنفس بصعوبة : لقد قرأت عدة صفحات في نفس واحد وكنت أقرأ جملا لا أتبينها في النص ، منذ فترة طويلة نسيت القراءة ونستني ، توقفت مرة فترة طويلة عن التدخين اثر حالت إفلاس فلما عدت دخنت بشراهة لم أعرفها ، كنت طفلا فطم قبل الآوان . لوح بالكتاب وهو ينهض من السرير بتثاقل ووهن ظاهرين ، وطن النفس على التخلص من هذا الهوس الذي يجتاحه في تكملة النص ، لقد شعر بأنه يصب رغباته ويعبها من الجمل التي يطلع عليها ؛ أو أنه يكتبها و لا يقرأها فحسب والرغبة في ترك الكتاب شدته إليه . خرج من الغرفة كي يصب جم غضبه الناتج عن توتره على الأطفال الذين كانوا يتصايحون في لعب ومرح ، لكن الأم وقفت له مكشرة عن أنيابها ، ساخرة من هذا الزوج الذي يغلق الباب في وجههم لينعزل في مقرأته ، دس خيباته بين دفتي الكتاب كما حشر وجهه كما وجد في وحدة لولو بطلة الرواية مشكاة روحه ، حرن عند تقليب الصفحات الأولى متعاملا حالته كنزوة اللحظة الأخيرة : الزمن يذوب في فنجان القهوة / الطرق تدوخ من سكرة البارحة / كل شيء يتبعثر في شتات/ هي وحيدة كقطة فأجاها الطقس البارد / تلملم التعب الذي باغتها لتؤنس به وحدتها / تلهث من فلفل القطار الذي ذاب في ريقها / الخوف من أن يتركها على الرصيف في انتظار لا أحد / عصير البرتقال المعلب يكثف إحساسها الذي لا تعرف كنهه / إحساس لا يعرف كنهه انتابه في أن يشرب عصير برتقال ، متذكرا الحالة التي كانت تنتاب زوجته وهي حامل وكم كان يزدريها ، صاح طالبا العصير عندما لم يجبه أحد فطن أن زوجته أخذت الأطفال وذهبت في زيارة للجيران بناء على اقتراحه حتى يتمكن من لولو بمفرده ، خرج للمطبخ وأعد كوب العصير . خيم الظلام ، منغمسا في تأملاته ، منفردا يؤنس وحدته بوحدة لولو وقد ذاب في ريقه فلفلها حينها ارتاب في نفسه وآلمه حاله : لقد عشت وحيدا دائما ، لم أفكر فيما أنا عليه و لا فيما أكونه ، أدفع الغصة باللقمة ، مثلك يا لولو لا كنه لي إن لم تكن الوحدة كنها . لم يشعل المصباح حتى باعثته زوجته يقرأ في الظلام : يا حافظ من السؤ والخبل ، دون أن ينبس شفة انسحب لغرفة الضيوف قافلا الباب خلفه ، لم ينم ليلته وان لم يكن يقظا بأي حال ؛ وقد ألم به التعب الذي باغت لولو فلملم شتاته في شكل الجنين . ولد الصباح كاشفا حاله الكامن : بين اليقظة وبين السبات ، بين أنه القارئ وبين أنه الكاتب ، بين أنه يريد أن يكمل النص في جلسته تلك وبين أن يترك للولو زمام نفسه ، في الما بين هذه نهض وأعد لنفسه فنجان قهوة وأخذ في قرأته وكتابة هذا . في اليوم التالي كذلك لم يغادر مربضه ولم يتناول إفطاره وشدد من عزلته . عند الظهيرة شوهد متسللا باتجاه المطبخ لكن لم يتمكن أحد من معرفة ما إذا تمكن من تناول شيئا من الطعام أم لا ؛ لأنه فجأة خرج على عجل ، كما لوحظ أن الطعام الموجود في المطبخ لم يمس . عند العصر سمع صوت مكتوم وكلام لم يتبين أحد له معنى . عند المغرب كانت زوجته تصلي متنصته لباب يفتح وأرجل تدب في الطرقة ثم تعود من حيث أتت ، باب يقفل على عجل . في المساء اقتحم الخوف غرفة النوم وشق الهلع صدر الزوجة وخض جسدها ، فزعت من نومها موكدة النفس على ترك البيت : لقد مخضت حليب روحه في أحشائي أطفالا وهذا ما تريده كل امرأة من الرجل ؛ من روحه رضع الرحم ما اشتهي الفرج ، فلينعزل وليموت الآن في معزله كجثة لا روح فيها ولتكن الحروف والكلمات والجمل دود هذه الجثة . عند الفجر أدت صلاة الغائب . في الصباح لقمت أطفالها ثديها ما تحول لخبز وحليب وحلوى ثم دستهم في غمرها ، بعد أن سلبت البيت صفعت الباب خلفها وكأنها حواء ؛ من أدت مهمتها على أفضل حال ، من تيقنت أن آدم قد أكل مقلبا متبلا لثمرة الحرام المقلية بالزيت الحار ، قبل الخروج الأخير تنصتت لوجع تردده الجدران . لم يستيقظ هذا النائم في حيرته من شغل بـ " لولو " عن حاله ، تابعها منفرطة من مشيم الكلمات منسابة في أحشاء البيت وبهذا بثثت فيه رعشة حلوة خمدت فيه منذ زمن نسيه ، تابعها وهي تحل عقد جسده وتفك روحه من عقالها مع كل قطعة من ملابسها تقشرها عن جسدها ؛ المهرة الجامحة التي دلقت توقها للماء في حوض الحمام ، تابعها في مغسلها وأحس الليفة والصابون يدلكان روحه منفعلا من الدرن ما خرج عنه كقيح فك من محبس ؛ شم عفونة تغادره ودلق ما في جوفه من أفاعي سدت حلقه منذ زمن نسيه . بات كل جهد يبذله لتفطن لولو له جهد عبث : لولو قنفذ كلما مس اندس في شوك وحدته ، ارتعب من أنه يكلم نفسه بصوت مسموع ، همس في داخله لولو مجرد شخصية روائية وارتاب في أمره . غادر مكمنه وقد انتصف الليل كي يقوت جسده : بين الجوع والخبل مصاهرة وعروة وثقة ، فك العروة بعصير البرتقال الذي وضع على طاولة الطعام بجانب وجبة شهية ، كان قد قرأ أن لولو أعدتها ، شك في أن الزوجة الحرجانة قد أعدتها قبل أن تذهب : ولكن كيف يتسق السرد وهي لم تتطلع على الرواية التي أقرأ ، علق ولكن أيضا ديدن لولو الخروج عن السياق ومن النص . أشبع جسده وملأ بطنه وقتل عصافيرها فانحشى عقله وثملت روحه بما أكل ، من أشهى ما أكلت ما أعدت لولو لوحدتها من طعام ، في الشبع توكد أن لولو طابخة ماهرة وأن لا عزاء للزوج ، متذكرا أن النساء يحببن طبخ الرجال وكذا الرجال ، الذين لأنهم لا يطبخون عادة فأنهم إذا ما طبخوا فعلوا ذلك بمزاج من يطبخ لنفسه ، وكذا لولو ، بنهم عاد للقراءة وبشغف الشبعان غط نفسه بالنوم الثقيل . أفاق دون أن يتبين الوقت أو يهتم بذلك ، بحث عن الكتاب ما وجده مدعوكا ومدكوكا دكا تحت جسده ، تفطن لفراشه مبلولا ، عرف أن ما ظنه فكرة كان فعل الحالم وأن مائه لم يبعث في جسد لولو لكن سفح في فراشه ؛ انبعثت نيران الشهوة فيه فأمسك بقضيبه بين يديه ودعك روحه حتى خرج مائه ، لم يستطع ذلك منذ زمن نسيه ؛ دست يدها بين فخذيها فزعت : منذ متى نسيت أنوثتي رغم طوفان الدم الذي يذكرني كل شهر ؟ ، هذا الطمث كان عبقريا من سماه العادة الشهرية ، وسحبت ملسوعة يدها لتتشبث بنهديها الذين تكورا بصلابة تحت ضغط اليدين ، وازداد ضغط الدم وفاض حتى كاد رأسها أن ينفجر وأن تخرج روحها أو تلد من فمها فكل امرأة وحيدة مريم ، ودون إدراك تشبثت بنزوة اللحظة الأخيرة فوجدت يديها تجوس جسدها وتداعب أناملها الزغب ، تلامس كل حميم فيها وتحك اللذة المندسة بين ثناياها ، تدك قلاع الشهوة وتأوهاتها تغطيها شهقاتها ، لم تكن تسمع ما يصدر عنها حتى تفطن أنها تصعد جبلا سوف يأويها من وجعها ، تلوت كحية تأكل ذيلها وانتفض الجسد تحت فعل يديها سوطها الذي يجعلها تلهث ، تشنج الجسد وهو يسفح مائه ، وهي تطلق الصرخة الأخيرة أغاثها النوم من غرق فسبحت عائمة في بحر النعاس ، لتدرك غب ذلك أن كل واحد منا مفطور على أن يحيا كما هو ، وأن السعادة ليست أكثر من أن تعيش حياتك دون أن يرغمك شيء على إدراك وحدتك . استعاد أنفاسه من شبع كتم صدره ؛ أكل بنهم ، نام بعمق ، تفحل واستلذ بشغف وفي الوحدة شبه له أنه قد صلب ، أنه قتل وأن الموت الحق سدر المنتهي ، تهيأ لذلك بأن تلفح بغطائه الأبيض ، وبإحساس الدجاجة التي تحفر بحثا عن السكين دك رأسه في فرج المخدة وعينيه بين الثنايا السوداء في الورق الأبيض ؛ متنصتا للهاث الحروف وتدفقها كسيل في جمل تشكل وحدة لولو ؛ من شكمته في وحدة مماثلة ، من همست بنفس دافئ عبق : الوحدة أن لا تتهيأ لك ، أن تذوب في غير غبقك كما الأنوثة لا تتحق إلا في بلع ذكرك ، أن أكون وأنت واحد و لا أحد . في وحدة لولو هذه تهيأ لنفسه كما لم يتهيأ وثني صفحة الكتاب حيث يقرأ ثم نام قرير العين في غبطة طفل . في نومته هذه خطى خطوة ثانية في طرقة المكتبة وغرس قدح عينيه في ما ينع قدامه من مستجد محطوط على الرف شماله ، شمل من أحرف الابجد هوز جلها وهذا العنوان الذي استطال والحجم الصغير بغلافيه ؛ شتت عقله ما انفلت ..
* بنغازي : 4 ص/09/06/03


-* الفصل الأخير من رواية " بيض النساء " ؛ وهي رواية في أربع روايات , ولم تنشر .



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزعيم نصر الله ورقة وحيدة وأخيرة بيده لا بيد عمر
- المحروق المنسي في جوف الطين
- غرابة الزمان التي لا ريب فيها
- من قتل ناجي العلي ؟
- تجربة المتشائل إبداع تحت الشمس
- كم شجرة تكون غابة ؟
- دروس الأكاديمية:لا تقول بغ ، ممنوع التصوير ، الكتابة ، الكلا ...
- قصيدة حب متأبية بطريقة خ ، خ
- تعيش جامعة العرب
- زلة عرجون اليأس
- فرج الترهوني : ترجمان كثبان النمل
- ..وكذا حبيبتي في الشعر.
- ذئبة من بعيد ترنو ، ذئبة تندس في غابة عينيه
- بغداد أفق مسفوح في بحر اللامتناهي
- شارع الإذاعة : سر من رآه ، سر من لم يره
- بورتريه الثعلب
- بورتريه العنيزي
- بورتريه البوري
- بورتريه الفلاح
- بورتريه الكوني


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الفيتوري - القفص الزجاجي