أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء التاسع)















المزيد.....

جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء التاسع)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8065 - 2024 / 8 / 10 - 04:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


معنى الإنسان
تتعلق أطروحة لوثر الأولى بالتعارض بين الإنسان والله: بالنسبة إلى لوثر، الله كائن وله ما لا يكونه الإنسان وما لا يملكه. فالله إذن ليس كل شيء إذا كان الإنسان لا شيء، ولا يكون الإنسان لا شيء إلا إذا كان الله كل شيء، نفي أحدهما تأكيد للآخر، ويقتصر أحدهما عاى الآخر. تتأسس ضرورة الله بالتالي على النقص البشري، الافتقار، البؤس. إنه إذن "حاجة" بالنسبة إلينا نحن البشر الأخرين الذين نحول إلى قيمة عليا فيه ما نشعر به على أنه عيوبنا: "كل نقص في الإنسان يعارضه كمال في الله. [...] عدم الإنسان هو افتراض جوهرانية الله”. في الله، يقدر الإنسان ويثمن ما لا يملكه، هكذا يكون الله مؤسسا على الرغبة في السعادة. لهذا السبب "لا يكون سوى على لسان الضرورة، البؤس، النقص، يكون لكلمة الله وزن، جدية معنى". ولذلك يجد الدين أساسه في الإنسان ككائن تابع. ويجد فيورباخ هناك صياغة لفرضية سيطورها في كتابه "جوهر الدين":
"كل البشر يحتاجون، يقول هوميروس في الأوديسا،
إلى الآلهة. ولكن ما هي الحاجة، إن لم تكن التعبير المرضي عن التبعية؟ وبهذه المناسبة يجب أن أشير إلى أن بداية جوهر الإيمان وكذلك جوهر المسيحية في التعارض بين الإنسان والإله وبداية جوهر الدين في الشعور بالتبعية هما نفس الشيء، إلا أن هذه المعارضة تدين بوجودها أكثر إلى التفكير في الشعور بالتبعية".
باختصار: الشعور بالتبعية أولي، والدين الثانوي ناتج عن السبب الذي ينطبق على هذا الشعور بالتبعية. من الواضح أن السعادة والسرور المسقطين على هذا النحو ليسا بالبداهة سوى "خيال" وإنما "باعتباره موضوعا للتمثيل، في المسافة، في الانفصال يصبح التافه مثاليا، الأرضي سماويا، الإنسان إلهيا". هذه البنيات الإسقاطية مألوفة لنا انطلاقا من كتاب "جوهر المسيحية". لكن، على وجه التحديد، على هذا التعارض بين الإثبات في الله والنفي في الإنسان، بني لوثر، وفقا لفويرباخ، نقده للكاثوليكية. في الواقع، هذا التعارض يفسر التناقض بين النعمة والاستحقاق: النعمة في الله، والاستحقاق من خلال الأعمال في الإنسان. لذلك يجب علينا أن نقرر: كل شيء لأجل الله وضد الإنسان ، أو كل شيء لأجل الإنسان وضد الله. لوثر حدد نفسه بشكل مطلق " لأجل الله ضد الإنسان": الله هو كل شيء والإنسان ليس شيئا. لكن هذه الصفة اللاإنسانية للإيمان اللوثري يتم تعويضها بإنسانية إلهه. ولهذا السبب فإن الإيمان اللوثري، بحسب فيورباخ، لا إنساني إلا في بدايته: الوسيلة غير إنسانية، لكن الغاية هي الإنسان. وهذا ممكن من خلال تأويل الله كوسيلة للإنسان للوصول إلى ذاته. ومن ثم، وفقا لمقدمة أساسية في المثالية الألمانية، فإن الآخرية الضرورية للعودة إلى الذات، ولحظة الاغتراب تسبقان الاستعادة. يقدم الله للإنسان ما ينبغي أن يكون عليه، في حين أن الإنسان بالحاجة والضيق قد فقد إحساسه بذاته، وهذه طريقة أخرى للقول إن إحساس الإنسان موجود في الله. فيرد لوثر إلى الله مئة ضعف ما أخذه من الإنسان، وما لوثر إلا غير إنساني لأن له إلها بشريا جمع فيه كل خصائص الإنسان. وبذلك يصبح الانقلاب المستعيد لذلك السبب ممكنًا لأن الإنسان أيضا يمتلك بطريقة ما ما لدى الله: “هذا لك كملكية فيك، بل كشيء ؛ ولكن ليس كشيء قد يكون بالنسبة لك شيئا عرضيا، بل كشيء أساسي”. لذلك يتم تفسير عقيدة لوثر وفقا لأطروحة التشييء: "إن الله هو موضوع الإنسان الذي يقدم له جوهره الخاص، الذي لا يصدح للإنسان سوى بما هو عليه، بالتأكيد ليس وفقا للحواس، الجسد، الواقع، ولكن وفق رغباته وتطلعاته [...]". هكذا يكون الله هو المثل الأعلى للخيال.
ـ المسيحانية أو الله "من أجلنا"
تتعلق الأطروحة الأساسية الثانية في قراءة فيورباخ بالمسيحانية اللوثرية. داخل المسيحية، تتفق الكاثوليكية والبروتستانتية على الدور المركزي للعقيدة التي تؤكد، وفقا لقانون الإيمان النيقاوي، أن الله "صار إنسانا" في المسيح "من أجلنا نحن البشر". إن خصوصية لوثر هي الارتباط أقل بالله الذي صار إنسانا في المسيح من ارتباطه بـه "من أجلنا". لكن ما هو مهم، في نظر فيورباخ، في صيغة "من أجلنا (pro nobis) هو أن لوثر يبتعد هكذا عن جوهر الله ليرتبط بالبعد العملي للمسيح الذي تألم من أجلنا وبذلك حررنا من المعاناة. لأن الغرض من معاناته كان خلاص المسيحيين وفداءهم. بهذا استوعب لوثر جوهر الإيمان القديم وعبّر عما كان فيه مسكوتا عنه. هو الذي أخبرنا بسر العقيدة المسيحية وهو أن "الله ليس هو الله إن لم يكن إلهنا":
"جوهر الإيمان بحسب لوثر يتمثل [...] في الإيمان بالله ككائن يرتبط أساسًا بالإنسان - في هذا الإيمان بأن الله ليس كائنا موجودا لذاته أو حتى ضدنا، بل هو كائن من أجلنا، كائن صالح، أي صالح لنا نحن الناس الآخرين".
لذلك فإن الله ليس في ذاته، بل في علاقته بنا، من أجلنا، وهو ما يفسر لماذا يحتوي، كما أظهر "جوهر المسيحية"، على الخصائص الرئيسية للإنسان.
لكن ما الذي يضمن لنا أن الله إلى جانبنا؟ لا شيء ٱخر سوى ظهوره البشري في المسيح، إنسانية المسيح الضامنة في المقابل لإنسانية الله. هذا ما أدى إلى قيام فيورباخ بوضع ضرورة الحساسية ( Sinnlichkeit ) في قلب النظرية اللوثرية. إذا كان الله "صالحا" بالنسبة إلينا، فيجب أن يكون كذلك في الحساسية نفسها، لأنه لكي يكون المرء صالحا، يجب أن يكون قادرا على الإحساس بالآخرين، وعلى المعاناة، إلخ... تبعا لذلك، لكي يكون الله من أجل لإنسان، يجب أن يكون من أجل حواس الإنسان، لأن "كل ما هو ضد الحواس هو ضد الإنسان". وهذا يعني أن الخلاص يكون في الحواس. يتعلق الأمر إذن بمسألة تحويل الكائن المفكر إلى كائن حساس، وفقاً لنصوص "فلسفة المستقبل"، وهي طريقة للانتقال من اللاهوت إلى الدين. أعاد فيورباخ أيضا قراءة اللاهوت في ضوء الحساسية، كما حدث في "جوهر المسيحية"، من خلال تفسير "المعجزة" مثلا باعتبارها ضرورة برهان حسي.
الأطروحة المركزية هي أن الحواس تكشف وبالتالي فإن جوهر الوحي هو جوهر الحساسية: "ما يكونه كائن لأجل الحواس، يكونه أيضا لأجل الفهم، وليس "العكس [...] في كلمة واحدة : ما بكون لأجل الحواس يكون لأجل الإنسان كله [...]". لذلك تتلخص الكريستولوجيا في نظر فيورباخ في: "المسيح هو الوجود غير المرئي لله ككائن مرئي ومحسوس". نحن نرى في المسيح ما نفكر به في الله. و" الإله الحقيقي، الموضوع الحقيقي للإيمان اللوثري [...] ليس سوى المسيح". وبهذا، فإن عقيدة الثالوث القديمة التي بموجبها لا يتغير الله عندما يصير إنسانا قد انحرفت بشكل عميق. بالنسبة إلى فويرباخ، فإن صيرورة الله إنسانا في المسيح تعني أن "سر اللاهوت هو الأنثروبولوجيا"، وأنه يلغي ذاته كإله في ذاته إلى حد يكون معه "التحول" إلى أنثروبولوجيا "انحلالا" للاهوت. ويعود هذا الانحلال إلى أننا لم نعد قادرين، على المستوى البشري للمسيح، على التمييز بين "المسيح في ذاته" و"المسيح من أجلنا". إنه يوضح بالتالي ضرورة وجود "أنت" بالنسبة إلى "أنا" وبالتالي يفتح باب الحوارية.
(يتبع)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: https://journals.openedition.org/rgi/378



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على هامش اعتقال مصالح الأمن ل-خولة الفايد- و-ولد الشينوية- - ...
- برشيد: الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر منبهة ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- تهديدات متبادلة بين إسرائيل وإيران ومناورات دبلوماسية لحمل ج ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، فرنسا تدعو رعاياها إلى ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- الدار البيضاء: المكتب الجهوي للحزب الاشتراكي الموحد يعقد دور ...
- تبادل السجناء مع موسكو: جدل ساخن في ألمانيا
- الجنة الوطنية للقطاع الحقوقي في الاشتراكي الموحد تعتبر الإفر ...
- حوار على الفيسبوك مع مواطن مغربي أمازيغي ساخط على العرب
- الانتخابات الرئاسية في فنزويلا: ما هي الدول التي اعترفت بانت ...
- بيان الحزب الشيوعي الأمريكي حول خطاب نتنياهو أمام الكونغرس
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- لماذا لا تساهم الصناعة المغربية في إنتاج القيمة المضافة وخلق ...
- مدخل إلى فلسفة مارتن هيدجر


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي: القضاء على رئيس سلطة -حماس- في غزة (صور)
- العلماء الروس والأمريكيون يوسعون قائمة -لبنات الحياة- المحتم ...
- حزب الله: تصدينا لمحاولة تقدم للقوات الإسرائيلية عند بوابة ف ...
- الأزهر يوجه رسالة بعد ارتفاع شراء المهدئات في إسرائيل
- مسؤول أمريكي: وتيرة العمل في صناعات الدفاع الروسية تثير الده ...
- روسيا تستعد لإطلاق القمر البيولوجي الثاني من أقمار -Bion-M- ...
- السياح الروس يتوافدون إلى مصر رغم التوتر في المنطقة
- صور مذهلة لأكثر خريطة تفصيلية للدماغ على الإطلاق!
- بناء على توجيهات الحكومة.. بوحبيب لن يعود إلى بيروت
- هل تعرضت مصر لزلزال جديد جنوب البلاد؟


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء التاسع)