أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - ملف التوريث في العالم العربي














المزيد.....

ملف التوريث في العالم العربي


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعاني الجمهوريات الموجودة في العالم العربي من مأزق توريث الحكم الذي يفرض نفسه هذه الأيام على خارطة الكثير من الصحف العربية. وبغض النظر عن قبول أو رفض حالة التوريث هذه، وما يجري بشأنها هذه الأيام من تعارضات وصراعات حادة، فإن الأمر اللافت للنظر هنا، أن هناك مستوى آخر من التوريث لم تتناوله الكثير من الأقلام في العالم العربي، وهو التوريث على المستوى الشعبي.

فحالة توريث الحكم التي حظيت بالكثير من الكتابات المختلفة من جانب الكتاب العرب، هى التتويج النهائي لمبدأ التوريث الشائع في العالم العربي على مستوى القاعدة الشعبية من حيث توريث الوظائف والمناصب المختلفة. فالكثير من النظم العربية قد سمحت بهذا التوريث الشعبي وتغاضت عنه؛ حيث يبدأ التوريث من أعلى المناصب إلى أدناها. وهناك العديد من الأمثلة التي لا حصر لها يمكن أن تؤكد هذا المستوى من التوريث الشعبي نجدها في الجامعات وأجهزة الإعلام والسلك الدبلوماسي والشركات والهيئات الرسمية وحتى في المهن التي تحتاج إلى مواهب وإبداعات خاصة مثل التمثيل والغناء والرياضة.

وبغض النظر عما تثيره مسألة التوريث هذه من شجون وخوف من طبيعة المستقبل المرتبط بها، فإنها تحتاج إلى درجة كبيرة من الفهم والتحليل لا تنفصل بأى حال من الأحوال عن طبيعة البنيات العربية، ومدى الديمقراطية الموجودة بها، والشفافية الخاصة بتسيير شؤونها.

ورغم أن التوريث ذاته مبدأ إنساني تعارفت عليه المجتمعات البشرية، وأكدته الشرائع السماوية، إلا أن التوريث الذي نقصده هنا قد خرج عن حدود المتعارف عليه، وعن حدود الشرائع السماوية. فالتوريث مبدأ يقوم على نقل ملكية خاصة إلى أطراف أخرى قد يمتون بصلة لشخص المُورِّث أو لا يمتون. فالمبدأ الواضح هنا والراسخ لفعل التوريث يتمثل في نقل ما نمتلكه، وما يخصنا إلى أى شخص آخر أو شخصية اعتبارية أخرى. فلا يستطيع مثلا أن يورث رئيس البلدية ميدانا عاما لأولاده، لكنه يستطيع أن يورث لهم بيته وأمواله وسيارته. وما يحدث في واقع الأمر في مبدأ التوريث على الطريقة العربية أننا نورث ما لا نملك لأشخاص يخصوننا، مثل أولادنا وأقربائنا وأصدقائنا.

وحتى ينجح مبدأ التوريث فإنه يحتاج إلى درجة كبيرة من القبول الاجتماعي، تتيح لمن يمارسونه ذلك القدر من الاتفاق الجمعي. فالمرء يتغاضي عن توريث منصب ما في إدارته الحكومية لأنه يعلم أن الآخرين سوف يتغاضون عن توريثه لمنصب آخر في المدى القريب. ولذلك فإننا نجد أن العديد من المؤسسات الحكومية بالأساس قد أصبحت مغلقة على أسماء عائلية بعينها، وعلى ما يبدو أن هذه الظاهرة سوف تستمر في ذلك الوضع إلى أن تظهر آفاق جديدة تغير من هيمنة واستقرار بنية التوريث الشعبية في العالم العربي.

ولأن التوريث بشكله الحالي يعتمد على توريث ما لا نملكه إلى من يخصوننا، فإننا نجده منتشر بشكل كبير في القطاعات الحكومية المختلفة. فلقد درجت الأعراف العربية على اعتبار المؤسسات الحكومية مجرد عزبة خاصة يحق لمن يرأسها أن يفعل ما يريد. لذلك نجد انتشار مثل هذا الشكل التوريثي بدرجة كبيرة في الكثير من المؤسسات الحكومية الرسمية، من أعلى المناصب حتى أدناها. ففي بعض الجمهوريات العربية تبدأ المسألة من المناصب القيادية الهامة، وحتى من يقوم بأعمال النظافة وعمل الشاى والقهوة.

تضفي هذه الحالة من شيوع هذا التوريث الشعبي قدرا كبيرا من الرعونة في التعامل مع مؤسسات الدولة، فالجميع يتعامل معها بوصفها مالاً سائباً ليس له صاحب، الأمر الذي يطلق يد البعض في إطلاق القرارات كيفما يعن لهم، ومجاملة البعض الآخر حسب الأهواء الشخصية وبغض النظر عن المصلحة العامة.

وربما تزول حالة الإستغراب التي تعترينا من شيوع ظاهرة التوريث بمثل هذا الشكل في الكثير من الدول العربية، إذا ما أدركنا أن أكثر المستفيدين من هذه الظاهرة هم الأبناء. فمن منا يبخل على أولاده بمنصب هنا ووظيفة هناك. ولأن نوازعنا الأنانية تظهر في أشد أشكالها ضرواة وانتهازية ونحن نؤمِّن مستقبل أولادنا، فإن مسألة التوريث هذه متى بدأت فإننا لا نعرف متى تنتهي.

واللافت للنظر هنا أن الكثير من الأقلام في العالم العربي قد تجاهلت هذه الحالة التوريثية الشعبية، وأطلقت سهامها فقط في مناقشة ومعارضة توريث الحكم. وربما يتأتي ذلك من كونه أكبر المناصب في الدول العربية، وأكثرها شأناً. لكن رغم ذلك فإن تجاهل هذه الحالة الشعبية من التوريث التي أطلقتها وتغاضت عنها السلطة السياسية ذاتها، يقودنا إلى النتيجة النهائية بدون الوقوف عند العلل والأسباب.

هناك حالة من التواطؤ الشعبي التام تجاه مسألة التوريث هذه، بل إن الكثير من المعارضين لمبدأ التوريث، يمارسونه ويستفيدون منه. صحيح أن هناك فرق بين توريث المناصب الرسمية سواء كبرت أوصغرت وبين توريث الحكم، لكن الأمر المؤكد أن هذا لم يكن من الممكن أن يحدث بدون ذاك.

تكشف حالة التوريث هذه عن طبيعة البنية الشعبية في العالم العربي التي تتغاضي عن الكثير من الأمور طالما استفادت منها وتحققت مآربها من خلالها. لذلك فإنه من غير المستغرب ألا تمثل مسألة توريث الحكم مشكلة جماهيرية كبيرة في الدول العربية ذات النظم الجمهورية. واللافت للنظر هنا أيضا هو لعب الأقليات في بعض الدول العربية على وتر التوريث ومحاولة تعظيم مكاسبها من ورائه. وأغلب الظن أن ملف التوريث سوف يستمر طالما يتم التعامل معه من أجل تعظيم المكاسب لكافة الأطراف شعبيا ونخبويا ورئاسيا.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -هاي- سذاجة أمريكية!!
- ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم
- يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
- الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
- حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
- الأمريكيون والحيوانات الأليفة
- المثقف والتحولات العمرية
- الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
- !!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
- الإصلاح السياسي في العالم العربي
- خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
- صدام حسين، تاريخ الانقلابات
- اختزال واقع المرأة العربية
- -عراق على الوردي وثقافة -الكسار
- أنماط معاصرة من المثقفين
- ثقافة المفتاح العربية
- كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
- لماذا نكتب؟
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - ملف التوريث في العالم العربي