أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - ثقافة المفتاح العربية















المزيد.....

ثقافة المفتاح العربية


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1753 - 2006 / 12 / 3 - 10:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


!!ثقافة المفتاح العربية
في العالم العربي، تلعب ثقافة الهيمنة والتحكم دوراً كبيراً في بنية الحياة اليومية، وبديلاً عن أن يؤمن الفرد، بغض النظر عن مكانته الاجتماعية، بأنه يقوم بدور اجتماعي محدد، فإنه يهيمن على الآخرين ممن تصادف وقوعهم ضمن دائرة هيمنته وتحكمه. ونحن لا نتحدث هنا عن الأدوار القيادية السياسية العليا، رغم تأثير هذه الأدوار على عموم البنية الاجتماعية والعلاقات الناجمة عنها، بقدر ما نتحدث عن الأدوار الحياتية اليومية، حيث العلاقات الدائرة بين الرؤساء وبين المرؤوسين، بين من يملك سلطة ما وبين الجمهور الذي يتعامل معه. وهو الأمر الذي خلق ما يمكن تسميته باستشراء ثقافة المفتاح عبر ممارسات الحياة اليومية العربية بإجمال.

ترتبط ثقافة المفتاح بمستويين أحدهما واقعي فعلي والآخر مجازي. ففي المدرسة التي يدرس بها أولادي، لاحظت كيف أن الحارس المنوط به فتح بوابة المدرسة في نهاية اليوم الدراسي يحيل هذا المفتاح إلى سلطة تتيح له السماح بفتح الباب لمن يريد وإغلاقه في وجه من يريد. لقد تحول المفتاح إلى دليل قوة وسلطة لدى هذا الحارس البسيط الذي ربما يفقد عالمه ووجوده كله لحظة فقدانه هذا المفتاح الخطير. وعلينا أن نتصور هنا الكيفية التي يتعامل بها هذا الحارس مع زوجته وأولاده في البيت، حيث يخلق مفتاحاً منزليا جديداً يتيح له مواصلة ما تركه في محيط العمل.

والمفتاح بهذا الشكل الواقعي لا يقتصر فقط عند هذا الحارس الغلبان، لكنه يصل إلى مستويات فعلية وواقعية عديدة أخرى، قد لا تأخذ شكل المفتاح الفعلي، لكنها قد تأخذ شكل توقيع أو خاتم ما يتيح درجة ما من درجات التسلط والهيمنة على المرؤوسين أو على الجمهور. فالتوقيع يتحول إلى سلطة على صاحب التوقيع من ناحية، وعلى طالبي هذا التوقيع من ناحية أخرى. ومن اللافت للنظر هنا أننا كثيراً ما نتحدث عن هدر الأوراق في المؤسسات الحكومية المختلفة، وننسى أنها أحد مستلزمات ثقافة المفتاح التي يتمكن من خلالها المسؤولون من إشباع رغباتهم في التوقيع، الضروري منه وغير الضروري، ورؤية أسمائهم في كافة أروقة المؤسسة التي يعملون بها.

إضافة إلى ذلك، فإن ثقافة المفتاح متغلغلة بشكل كبير في معظم مؤسساتنا الرسمية. فالمسؤول عن المؤسسة، وبمجرد استلامه لمنصبه، خصوصا إذا كان تواقاً له، وراغباً فيه، تصيبه لعنة التوقيعات من ناحية، والتدخل في كل كبيرة وصغيرة من أعمال وشؤون المؤسسة من جهة أخرى. فلا يترك هذا المسؤول أي مهمة للآخرين ممن يعملون تحت إمرته يمكنهم القيام بها، حيث يشبه في ذلك حارس المدرسة القابض على المفتاح. تتحول المؤسسة في هذه الحالة إلى سجن بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث يتم إخصاء قدرات الأفراد على الفعل والعمل والمبادرة. وكما لا تحيد عين الحارس عن بوابة المدرسة لا تحيد أيضا عين المسؤول عن كل صغيرة وكبيرة تجري في أرجاء المؤسسة، أقصد مؤسسته. وفي الكثير من الحالات يستأثر المسؤول بموقع يمكن من خلاله مراقبة كل شيئ في العمل، بالطبع ليس من أجل مصلحة العمل وإنجازه، بقدر ارتباط ذلك بثقافة المفتاح المهيمنة المتحكمة، وربما الأمنية في الكثير من الحالات.

لا تنجح ثقافة المفتاح وتستشري إلا من خلال إطار عمل جماعي، فلا يستطيع المسؤول القابض على المفتاح أن يستمر في عمله، وأن يهيمن على أموره، ويتحكم في المرؤوسين أو الجمهور، إلا من خلال شبكة جماعية من التفاعلات مع الآخرين داخل المؤسسة. فحارس البوابة لم يكن لينجح في الإسئثار بالمفتاح بمثل هذا الشكل التسلطي، الفاقد للإحساس بطبيعة المهمة المنوطة به، لولا بعض أولياء الأمور الذين يستشعرون أن لهم من الحيثية والأهمية التي تتيح لهم فتح الباب في أي وقت يشاؤون، بغض النظر عن المواعيد المدرسية المقررة والمحددة سلفا. كما أنه لم يكن لينجح ويستمر في ذلك التمييز بين أفراد الجمهور لولا صمت وسكوت البعض من أولياء الأمور الذين يفضلون تجاهل ما يحدث، وعدم اللجوء إلى مدير المدرسة والتحدث معه عما يقوم به الحارس من تجاهل لمواعيد فتح البوابة وتمييز البعض على البعض الآخر من أولياء الأمور.

وفي المؤسسات الحكومية، ونظرا لغياب الشفافية إلى حد كبير في تعامل المسؤول مع أفراد مؤسسته، تنشأ التمايزات الناجمة عن توحد المسؤول مع عناصر القوة في المؤسسة، والعمل المستمر من أجل إرضائهم على حساب ضرورات العمل ولوائحه ومتطلباته. فبقدر هيمنة المسؤول، وارتباطه المفرط بثقافة المفتاح المتسلطة في وجه البعض، بقدر خنوعه وضعفه في وجه البعض الآخر ممن قد يتسببون في إثارة المشكلات في وجهه، وربما سحب الكرسي من تحته وتوجيهه نحو أى من الآخرين المتلهفين له.

أخطر ما في ثقافة المفتاح أنها تحيل قطاعاً كبيراً من أفراد المؤسسات الحكومية بالأساس إلى متفرجين، لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث. ولعل ذلك هو ما يؤبد هذه الثقافة الإستبدادية وينشرها في كافة أرجاء المجتمع، ليس فقط في المؤسسات الحكومية، بل في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، حيث يُختصر الحزب أو المنظمة في اسم رئيسه ومجموعة المنتفعين منه، ويصبح باقي الأعضاء مجرد جوقة تردد ما يقوله الرئيس ترديداً تابعاً ببغائيا يفتقد إلى المبادرة والحس النقدي الصدامي، الراغب في التغيير والمواجهة.

وشيوع ثقافة المفتاح لا يضر فقط بالمؤسسات الرسمية الحكومية وغيرها من منظمات المجتمع المدني الأخرى، لكنه يضر بمجمل المجتمع ككل. تنتج ثقافة المفتاح أفراداً ليس لهم القدرة على المواجهة والتغيير، أفراداً مستسلمين يحافظون على سوءات الممارسات الاجتماعية، ويجددونها من خلال صمتهم الذي يمكن القول أنه أشد خطورة وتأثيراً على المجتمع من ممارسات المسؤولين القمعية المهيمنة المتسلطة. ومن الضروري هنا أن يلعب التعليم ومؤسسات المجتمع المدني التقدمية دوراً كبيراً في إعادة تشكيل الأفراد لكى لا يمارسوا ثقافة المفتاح مستقبلاً، وأن يرفضوا أن يكونوا جزءاً من قافلة الصمت التي تقدم التربة الخصبة لشيوع واستمرار هذه الثقافة التسلطية.




#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
- لماذا نكتب؟
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- قضاة يرفضون بيت الطاعة
- الإنترنت مهد الكراهية
- ليبراليون جدد أم مكارثيون جدد
- تفعيل الكراهية
- للمرأة الفلسطينية كل الإجلال
- قراءة في بيان الليبرالية الجديدة
- الشخصية العربية المعاصرة، قراءة أولية
- 11 سؤال عن 11 سبتمبر
- إدوارد سعيد ونقد -الاستشراق-


المزيد.....




- أين يمكنك تناول -أفضل نقانق- في العالم؟
- ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع ...
- بلينكن: إدارة بايدن رصدت أدلة على محاولة الصين -التأثير والت ...
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمارات ...
- أطفال غزة.. محاولة للهروب من بؤس الخيام
- الكرملين يكشف عن السبب الحقيقي وراء انسحاب كييف من مفاوضات إ ...
- مشاهد مرعبة من الولايات المتحدة.. أكثر من 70 عاصفة تضرب عدة ...
- روسيا والإمارات.. البحث عن علاج للتوحد
- -نيويورك تايمز-: واشنطن ضغطت على كييف لزيادة التجنيد والتعبئ ...
- الألعاب الأولمبية باريس 2024: الشعلة تبحر نحو فرنسا على متن ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - ثقافة المفتاح العربية