أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صالح سليمان عبدالعظيم - هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي















المزيد.....

هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1751 - 2006 / 12 / 1 - 11:09
المحور: كتابات ساخرة
    


لي صديق قديم، يعمل في نفس المؤسسة التي أعمل بها منذ عقدين من الزمان. رجل طيب متزوج ويعول، حياته بسيطة، يذهب إلى عمله في الميعاد المحدد، ويغادره في الميعاد المحدد أيضاً. لم يتدخل صديقي أبداً في أي من مشكلات المؤسسة التي نعمل بها، حيث نأى بنفسه تماماً عن كل هذه الصراعات التي كانت تندلع من أجل منصب هنا وكرسي هناك. غالباً ما كان يبتسم صديقي مؤكداً أنه يحب دائماً وأبداً دور الرجل الثاني أكثر من أي دور آخر. دارت الأيام ومرت، وإذا بصديقي الطيب يجد نفسه على حين غرة، وبدون مقدمات يعتلي كرسي الرئاسة للمؤسسة بأكملها. وبقدر ماكانت المفاجأة ضخمة لكافة العاملين في المؤسسة، فإن وقعها كان أشد على صديقي الغلبان، صاحب مقولة "السكند مان"، أو الرجل الثاني. على كل الأحوال استبشر الجميع خيراً، ومنّوا أنفسهم بعهد جديد خال من المؤامرات والشللية والكذب والنفاق؛ فالرجل، صديقي يعني، طيب وأمين وبعيد كل البعد عن دائر ة الشبهات وممارسة النفاق والمداهنة والخنوع والتوسل. كما أنه إضافة إلى ذلك يتمتع بشفافيته منقطعة النظير في التعامل مع الآخرين، وعدم اللف والدوران.

لم يكن يعنيني كون صديقي قد أصبح رئيساً للمؤسسة التي أعمل بها، قدر اهتمامي بما سيؤول إليه حاله بعد فترة من الوقت. فكما يقول الكثيرون فإن كراسي السلطة مفسدة ما بعدها مفسدة في عالمنا العربي؛ بحيث يمكن القول أن المسألة أكبر من تحولات الجالس على الكرسي نفسه، والبيئة المحيطة به. فعلى ما يبدو أن كراسي السلطة في العالم العربي تفرز هرمونات تسيطر على الجالس عليها، وتحيله إلى شخص آخر متنفذ ومهيمن ومتسلط وفاسد!!

في الاجتماع الأول الذي عقده صديقي بوصفه الرئيس الجديد للمؤسسة، بدا صديقي متضائلاً داخل الكرسي الكبير، شعرت به تائها داخله، كمن يرتدي رداءاً أكبر بكثير من حجمه. بدا لي أيضاً مشتتا، زائغ النظرات، غير قادر على تركيز عينيه لبرهة من الزمن على من يحيطون به. بدا كما لو كان يهرب من عيونهم، أو كمن يهرب من سلطاتهم ونفوذهم عليه، بعبارة أخرى بدا هو المرؤوس، وهم الرؤساء. بدت لغته اعتذارية، وربما أيضا استجدائية، حيث أكد على أنه سوف يتعلم من الجميع، بل أنه أقل الجميع شأناً، مؤكداً على الأخوة والروح العائلية التي تجمع بين الجميع في هذه المؤسسة. بدت كلماته مخالفة لحال المؤسسة؛ فالعلاقات ترتكز بالأساس على الصراعات والمشاحنات والغيبة والنميمة والشكاوى وتمني الشرور للآخرين من زملاء العمل. على كل الأحوال لمست العذر لصديقي الذي لم يعتد مثل هذه الاجتماعات، فما بالنا وهو رئيس الاجتماع والداعي له.

فيما بعد، حاقت بصديقي تغيرات جمة، مازلت حائراً عن إيجاد تفسير مناسب وملائم لها، الأمر الذي دفعني للتركيز على التفسير البيولوجي لهرمونات كرسي السلطة!! أيام معدودات، ووجدت صديقي يملأ كرسيه طولاً وعرضاً، كما لو أن هذا الكرسي قد شُيد من أجله ومن أجل مقاسه. يجلس عليه يستدير يميناً ويساراً، يأمر هذا، ويتحدث في التليفون إلى ذاك، بلغة بدت إلى متعالية آمرة ومتنفذة. فقد صديقي أول ما فقد تلقائيته وعفويته وبساطته في التعامل مع الآخرين، وعلى ما يبدو أن الرئيس حينما يبدأ في التعالي وممارسة الهيمنة على المحيطين به، يبدأ في إعادة تشكيل عناصر شخصيته أمام الآخرين، بحيث يفقد هو ذاته طبيعته الأصلية التي تستحيل إلى عناصر جديدة أشد وطأة ونكالاً على المحيطين به أولاً، وعلى نفسه ثانياً. تصبح ابتسامته بحساب، متكلفة وفي أحيان كثيرة غامضة ملفقة غير متوقعة، المهم أن يربك المرؤوسيين ويثير لديهم الشكوك والريبة. في الاجتماعات التالية، لم يصبح صديقي مشتت النظرات، حائراً بين مرؤوسيه مثلما كان عليه الحال في الاجتماع الأول، بل أصبحت نظراته مثل السهام تنفذ في جلد مرؤوسيه، تتعدى الظاهر منهم إلى ما يفكرون فيه.

إضافة إلى ذلك، بدأ صديقي يحتفي ويقرب منه العناصر الكبيرة والمهمة في المؤسسة، وبشكل خاص هؤلاء الذين على علاقة بصانعي القرار، وهم في الغالب من كبار السن، الأقرب إلى المعاش. كثيراً ما كان يؤكد صديقي أنه يكن معزة خاصة لكبار السن، كما أنه في توزيعه لغنائم المؤسسة كان يبدأ بكبار السن والمتنفذين في المؤسسة قبل أي فرد آخر. اللافت للنظر هنا أن هذه المنح والاكراميات كانت تتم بشكل مستتر، من تحت المنضدة كما يقولون. كثيراً ما كنا نفاجئ بانتداب لفلان، أو ترقية لعلان، بدون وجه حق، وبدون سند قانوني.

الغريب أنه في الوقت الذي كان يتقرب فيه صديقي من المتنفذين في المؤسسة ويغدق عليهم العطايا والهبات، كان يبتعد يوما بعد يوم عن العاملين الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة. بل وصل به الأمر إلى أن يقف في صف الأقوياء المتنفذين على حساب الضعفاء المغلوبين على أمرهم. وفي هذا السياق، كثيراً ما كان يستخدم صديقي لغة أخلاقية عند الحديث أمام الضعفاء مثل: مصلحة العمل، والحفاظ على الميزانية، وضرورة التقشف، والالتزام الأخلاقي. بدت هذه الكلمات للجميع بعد فترة من الفترات كما لو كانت من لوازم صديقي الرئيس، يطلقها دائما سواء لزم الأمر أم لم يلزم، طالما أن هناك طرفاً من الضعفاء غير المتنفذين في المؤسسة يقف أمامه. وعلى العكس تماماً، حينما كان يتحدث أمام جوقة من المتنفذين، العجائز منهم بشكل خاص، حيث يتحول قاموسه الخطابي إلى مفردات جديدة توسلية استجدائية نفاقية حيث يمثل هؤلاء بالنسبة له، الأساتذة الأجلاء، أصحاب الخبرات الكبيرة التي يجب الاستفادة منها، والعمل على تكريمها في كل المحافل والمناسبات، وكأن الزمن قد وقف عند هؤلاء العجائز المستوحشين.

اللافت للنظر هنا، أن صديقي الرئيس قد استطاع أن يدعم سلطاته ونفوذه عبر شبكة واسعة من العلاقات سواء من خلال علاقاته داخل المؤسسة أو خارجها. فالشيئ الذي لم أكن أعلمه، أن علاقات السلطة تتعدى حدود المؤسسة إلى حيث اللقاءات خارج أسوارها، سواء تمت هذه اللقاءات في المنازل، أو في الأماكن العامة أو الخاصة الأخرى. وفي معظم هذه اللقاءات يتم الاتفاق بين أطراف العمل المتنفذين على توزيع الغنائم والعطايا، كما يتم عبر هذه اللقاءات تخطيط المؤامرات من أجل الهجوم على الآخرين ممن لا يرضيهم ما يحدث في المؤسسة، ويناهضون ما يحدث فيها من مفاسد وانحرافات. إضافة إلى ذلك، استطاع صديقي الرئيس خلق شبكة واسعة من العلاقات مع أطراف أخرى خارج المؤسسة، حيث يتم دعوته إلى ندوة هنا وندوة هناك، الأمر الذي استدعى معه أن يكون له بطاقة تعريف يقدمها لللآخرين في كل مكان وفي كل مناسبة. الغريب أن أحاديث صديقي هذا في كل الندوات التي دعى إليه اتسمت بالضحالة والتفاهة، ورغم ذلك، كلما زادت ضحالته وتفاهته كلما انهالت عليه الدعوات من كل حدب وصوب.

حيرني صديقي بعد أن جلس واستقر على كرسي السلطة، ورغم كل المحددات البنيوية الاجتماعية التي أحاطت به ودفعته للتنفذ والسلطة والهيمنة والفساد، فإنني أجدني ميالاً لضرورة البحث عما في داخل كرسي السلطة ذاته، وما يثيره في شخصية من يجلس عليه، على الأقل في عالمنا العربي المعاصر!!



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نكتب؟
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- قضاة يرفضون بيت الطاعة
- الإنترنت مهد الكراهية
- ليبراليون جدد أم مكارثيون جدد
- تفعيل الكراهية
- للمرأة الفلسطينية كل الإجلال
- قراءة في بيان الليبرالية الجديدة
- الشخصية العربية المعاصرة، قراءة أولية
- 11 سؤال عن 11 سبتمبر
- إدوارد سعيد ونقد -الاستشراق-


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صالح سليمان عبدالعظيم - هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي