سالم جبران
الحوار المتمدن-العدد: 1769 - 2006 / 12 / 19 - 10:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قررت اللجنة المركزية لحزب "العمل" في إسرائيل، في اجتماعها مساء الخميس 14/12/2006 إجراء انتخابات رئيس جديد للحزب في 28/5/ 2007 بعد أن كان رئيس الحزب عمير بيرتس يعتقد أنه باقٍ في المنصب بلا نقاش وبلا منافسة، حتى عام 2009
ويبدو أن عمير بيرتس أحسَّ بأن هناك تحالفاً واسعاً جداً في قيادة الحزب يريد تقريب موعد الانتخابات، ولذلك لم يُبْدِ معارضة قوية، وقال إنه" لا يخاف من الانتخابات ".
ويتفق كل المراقبين على أن القرار بتقريب موعد انتخاب رئيس حزب العمل، هو في الحقيقة موعد نهاية رئاسة بيرتس للحزب.
عندما انتصر عمير بيرتس، قبل أقل من سنة على شمعون بيرس، كان ذلك عاصفة سياسية مذهلة. شاب نسبياً، ابن عائلة فقيرة من أصل مراكشي انتصر على شمعون بيرس، الزعيم " الأسطوري" للحزب. عمير بيرتس الذي كان أميناً عاماً للنقابات العامة، رفع اللواء الاجتماعي ووعد بثورة اجتماعية وسياسية في الحزب. ووعد بتجديد شباب الحزب الشائخ، وقال إن القائد العمالي ابن الفقراء أقدر على قيادة حزب "العمل" وجعله بديلاً لليكود، من "الجنرالات والأدميرالات"، كما قال .
ويقال إنه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة كان 40 بالمائة من المصوتين مصوتين جدداً، ببينما قطاع كبير من المصوتين التقليديين المبائيين، من أصل اشتراكي- ديمقراطي، أشكنازي أوروبي، لم يصوتوا للحزب!
ولكن عمير بيرتس، الذي لم يجلب للحزب أكثر من 19 مقعداً في البرلمان، كان أمام خيارين إمّا أن يظل في المعارضة، حزباً عمالياً اجتماعياً مكافحاً، أو أن يدخل عازفاً ثانياً في الحكومة، فقرر دخول حزب العمل في حكومة مع حزب "قديما" برئاسة إهود أولمرت.
وكانت الغلطة الشنيعة لعمير بيرتس هي قبوله أن يكون وزيراً للدفاع وهو عديم أية خلفية عسكرية، وهذا من ناحية لم يعطه أية هالة عسكرية ومن ناحية ثانية أبعده موضوعياً عن القضايا العمالية والاجتماعية والاقتصادية.
وجاءت الحرب مع لبنان لتكشف عجز بيرتس وأيضاً عجز قائد الأركان حالوتس، وعدم قدرة وزير الدفاع أن يقود فعلاً الآلة العسكرية، لذلك هبط رصيد بيرتس هبوطاً حاداً جداً ليس كوزير دفاع فقط، بل أيضاً كسياسي وكقائد لحزب العمل، الثاني في قوته في الدولة.
وبدأت المعارضة لعمير بيرتس تتسع داخل الحزب، وارتفعت الأصوات التي تطالب بإقالته من قيادة الحزب، كما ارتفعت الأصوات بشكل جارف، تطالب بإقالته من منصب وزير الدفاع. وازداد الذين يرشحون أنفسهم لقيادة الحزب: إهود براك القائد العام السابق للجيش ورئيس الحكومة السابق، بنيامين بن إليعزر وزير الدفاع السابق، متان فلنائي، نائب القائد العام السابق للجيش، أوفير بينس القائد الشاب والمحامي البارز، وعامي أيالون قائد البحرية السابق والقائد السابق للشَباك (المخابرات الداخلية).
إن كثرة من يرشحون أنفسهم لرئاسة الحزب هي دليل قاطع على فشل عمير بيرتس، الذي تضاءل معسكر مؤيديه. وصار إصراره على البقاء في منصب وزير الدفاع تعبيراً عن إصراره على التمسك بقيادة الحزب، ورفضه العنيف لكل استطلاعات الرأي العام حيث قرر أكثر من 76 بالمائة من الجمهور بضرورة إقالته من وزارة الدفاع ونقله إلى وزارة مدنية، اقتصادية أو اجتماعية.
ولكن الأمر المقلق من وجهة نظر عمير بيرتس أن أكثرية أعضاء حزب العمل، في الاستطلاعات صاروا يطالبون بإقالته من منصب رئيس الحزب.
وفي استطلاع صدرت نتائجه في يوم اجتماع اللجنة المركزية (14/12)، قال 76 بالمائة من أعضاء الحزب إن بيرتس يجب أن يترك وزارة الدفاع، مقابل 19 بالمائة أعطوه ثقتهم للمنصب. كما قالت الأكثرية الساحقة إنه يجب إجراء انتخابات جديدة لرئاسة الحزب. وحول السؤال: من في رأيك الأنسب لرئاسة الحزب قال 26 بالمائة إنهم يفضلون عامي أيالون، و19 بالمائة فضلوا أوفير بينس، وكان عمير بيرتس في المكان الثالث (16 بالمائة فقط).
على ضوء هذا التدهور صار واضحاً أن حزب العمل، بعد أقل من سنة على انتخاب بيرتس. صار مُصِّراً على استبداله برئيس آخر. ولذلك قال المحللون إن تعيين موعد انتخاب الرئيس في حزب العمل، هو في الحقيقة-تاريخ فصل عمير بيرتس من منصبه!
أزمة قيادة وأزمة طريق
من الملاحظ، منذ اغتيال اسحق رابين أن كل زعيم يتم انتخابه لحزب العمل هو زعيم مؤقت. فقد سقط شمعون بيرس، وسقط إهود براك، وسقط عمرام متسناع وسقط بنيامين بن إليعزر، وها هو عمير بيرتس يركض نحو السقوط، وكل هذا، خلال سنوات قليلة. مما يدل أن هناك أزمة قيادة بشكل حاد، في هذا الحزب الذي قاد إسرائيل بلا منازع منذ 1948 وحتى 1977، والآن صار هزيلاً، بلا أيديولوجية واضحة، وبلا قيادة مقنعة .
حزب العمل الذي بدأ "عماليا"ً، "اشتراكياً-ديمقراطياً"، تدهور مع الوقت إلى حزب تتعسكر أيديولوجيته سنة بعد أخرى، وتتعمق صلته، بل خدمته للبرجوازية الاحتكارية الكبيرة في الدولة، وتتعمق باستمرار تبعيته للسياسة الأمريكية تبعية مطلقة، والسؤال هو : أية اشتراكية وأية ديمقراطية بقيت لهذا الحزب؟
ومع هذا يمكن القول إن قوى جدية في الحزب ظلت تحن الصلة مع العمال ومع الطبقات الشعبية، وهناك قيادات كهلة وشابة أيضاً تطالب بتعميق الفوارق بين "العمل" من ناحية و"الليكود" و"قديما" من ناحية أخرى. ولكن عسكرة الحياة العامة في الدولة قادت إلى عسكرة الأحزاب أيضاً، وخصوصاً العمل، فقد انتصر في حينه رابين العسكري على شمعون بيرس السياسي المدني، ومرة أخرى انتصر إهود براك على شمعون بيرس، ثم برز متان فلنائي في قيادة الحزب فور دخوله الحياة السياسية، وبرز العسكريون السابقون: بنيامين بن إليعزر، إفرايم سنيه، براك، عامي أيالون، دان ياتوم وآخرون.
وكل هذا الجو قاد إلى تعميق ابتعاد حزب العمل عن العمال وعن اليسار وعن الاشتراكية الديمقراطية. كل حروب إسرائيل قادها حزب العمل، وكل موبقات الاحتلال والاستيطان قادها حزب العمل!
أزمة أمركة في السياسة الإسرائيلية
كل هذا يقودنا إلى رؤية مسألة أعمق وأخطر لا تمس حزب العمل، فقط ،بل السياسة الإسرائيلية الصهيونية عموماً، فالأحزاب لم تعد أحزاباً منظمة على مدار السنة، بل هناك اكتتاب عشية الانتخابات. وهناك صلة واهية بين القيادات وبين الأعضاء، ومكاتب الدعاية هي التي توجه فعلياً مسلك القيادات. ليست هناك صحف حزبية إطلاقاً، وليست هناك أيديولوجيات واضحة عند أي حزب من الأحزاب، وهم يتملقون للرأي العام أكثر مما يقودون الرأي العام.
وخبراء الإعلام يقودون كل حركة للمرشحين، بل ويكتبون خطابات المرشحين، ويحضرونهم تحضيراً تفصيلياً للمناظرات مع الخصوم.
وهناك اتفاق على التداخل العميق جداً بين قيادات الأحزاب السياسية الرئيسية وبين القوى الاقتصادية الاحتكارية الرئيسية التي تدعم وتقود عملياً المرشحين الأساسيين لقيادة الدولة. وفي الانتخابات الأخيرة قال الزعيم العمالي أرييه إليئاب "إن حزب العمل يعمل لتنفيذ سياسة تخدم رأس المال المحلي والأجنبي، أكثر مما هو حزب عمال ويعبر عن مصالح العمال"
إن الديمقراطية الإسرائيلية التي هي تمييزية وعنصرية تجاه الأقلية العربية الفلسطينية(20 بالمائة من سكان إسرائيل)، هي ديمقراطية تخدم الطبقة الاحتكارية العليا التي هي أيضاً طبقة عسكرية سابقة في الأساس. ولذلك نلاحظ فراغ الديمقراطية من المضامين الاجتماعية والشعبية الحقيقية.
كان وهم، بأن عمير بيرتس يعيد الحزب إلى جذوره العمالية، وفشل فشلاً ذريعاً. والسؤال المعلق الآن هو: إلى أين يذهب حزب العمل بعد مرحلة بيرتس القصيرة والفاشلة، بل أين تذهب السياسة الإسرائيلية كلها في المرحلة المقبلة؟!
#سالم_جبران (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟