أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سالم جبران - لمواجهة قوى التطرف الديني والاستبداد















المزيد.....

لمواجهة قوى التطرف الديني والاستبداد


سالم جبران

الحوار المتمدن-العدد: 1742 - 2006 / 11 / 22 - 11:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لمواجهة قوى التطرف الديني والاستبداد-
معسكر موحد للتنوير والنهضة!
ليس بإمكاننا أن نفهم، إلى الأعماق حقيقة المأزق الحضاري العربي الراهن إذا نظرنا إليه بالانفعال وقصر النظر، حتّى أننا نتبنى المواقف المسبقة ضد أنفسنا ونصدِّق ما يقوله المستعمرون ومزيِّفو التاريخ عنا.
فلا الغرب كان دائماً هكذا، حضارياً وراقياً يفصل الدين عن الدولة، ولا نحن كنا دائماً على ما نحن عليه اليوم من تمسك متطرف بالنصوص والشكليات. ولعل من المفارقات العظيمة المثيرة للاهتمام تأكيد العلماء الأوروبيين النزيهين، بأن ترجمة الكتب الفلسفية للعالم الفيلسوف العربي ابن سينا كانت حافزاً في أوروبا لتبنّي الموقف العقلي (مقابل الموقف الديني الكاثوليكي الإقطاعي) تقريباً في الوقت نفسه الذي قمنا فيه نحن العرب، في مراحل انحطاطنا بحرق كتب أبن سينا!!
علينا أن نقول الحقيقة، مهما تكن قاسية، فإن أوروبا ظلّت فريسة التخلف الاقتصادي والاجتماعي وفريسة لدكتاتورية رجال الدين خلال قرون عديدة. وفقط عندما بدأ الصراع لإقامة الدولة العلمانية، بدل الدولة الدينية، مع موجات التنوير والعقلانية، تمكنت أوروبا أن تنطلق في الثورة الفكرية والاقتصادية، بينما نحن في الشرق كنا نزداد تمسكاً شكلياً بالدين ونقبل تفسيرات الشيوخ الظلاميين ضيِّقي الأفق الذين سدّوا كل منفذ للاتجاه الاجتهادي والمنطقي والمعتدل.
إن المحنة التي يعيشها العالم العربي الآن لها شقان: النظام السياسي الدكتاتوري المتخلف والجائر الذي يخنق إرادة الشعب ويخنق المبادرات العلمية والثقافية ويخنق المبادرات الاقتصادية، ومن ناحية ثانية النظام الديني المجمَّد على ما كان عليه في عصور الانحطاط، بعد تمزق الدولة العربية وسيطرة العصابات الانكشارية والإقطاعية عليها.
في أوروبا، في ظلام الإقطاع المطلق وسيطرة الكنيسة المطلقة، كان هناك ثائر لم يسجِّل التاريخ اسمه، قال: "اشنقوا آخر مستبد بأمعاء آخر قسيس" إشارة إلى التحالف الذي كان بين النظام السياسي الملكي الجائر وطبقة رجال الدين التي فسرت الدين طبقاً لحاجات النظام السياسي، وعلى مقاسه!
في العالم العربي، أيضاً، وفي الدول الآسيوية عموماً، فإن للثورة النهضوية الشاملة جناحين-جناح النضال السياسي الطبقي الاجتماعي ضد النظام السياسي الظالم، وجناح النضال لتحرير الدين من المشعوذين والمتطرفين الذين يخدمون النظام السياسي الجائر ويرتبطون به.
في بداية النهضة العربية كان علماء ومصلحون أبطال أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. وكان مصلحون سياسيون وثقافيون أمثال قاسم أمين وطه حسين والعقاد وسلامة موسى ممن دعوا إلى النهضة بأخذ العلوم من الغرب ودمجها مع التراث التقدمي والإنساني العريق في الحضارة العربية والإسلامية. وفي مطلع القرن العشرين هتف قاسم أمين :"الحرية الحقيقية تحتمل إبداء كل رأي ونشر أي فكر وترويج كل مذهب" وطالب بفتح الأبواب والشبابيك لتجدد الهواء النقي، وتجدد الفكر.
ولكن كل هذا واجه الضرب الاستعماري المبرمج وواجه المقاومة الشرسة من أدعياء الدين. وبحق قال الشيخ البطل محمد عبده إن الصراع كان دائماً فكرياً حاداً، بين المعتزلة الذين قالوا إن العدل سابق للتوحيد، وبين "الأشعرية" التي ألبست صورة الله للحاكم!!!
ما نريد أن نقوله إن إنصار الديمقراطية والعلمانية والتعددية والاجتهاد ليسوا دخلاء على أُمتنا ومجتمعنا، وليسوا "ينسخون عن الغرب" كما قال الشيخ يوسف القرضاوي فالفكر الديمقراطي النهضوي الطامح إلى العدل والحرية كان، وكان مزدهراً في الفلسفة العربية والحضارة العربية قبل الانهيارات التي أدَّت إلى الانحطاط والظلم والظلام.
وإذا كنا فعلاً مصممين على تغيير الواقع العربي الراهن من الانحطاط إلى النهضة، فيجب أن ندمج النضال الاجتماعي والسياسي ضد الأنظمة الظالمة، مع النضال الفكري السياسي والفلسفي، ضد التحجر والانغلاق والفهم الشكلي الضيق المتعصب للنصوص، وضد كل ما يعيق التفكير الحر والاجتهاد الذي يسهل الحياة ويفتش عن التوافق بين الحياة والدين، لا ما يجعل الدين قيداً وبوليساً على الحياة!
إن النقاش الحاد الجاري في العالم العربي بين قوى التقدم والديمقراطية والانفتاح على العصر، من جهة، وبين القوى الظلامية المتجمدة في العصور السابقة، ليس صراعاً بين "مكة" و"روما" كما قال أحد المنظرين الدينيين الرجعيين، بل صراع بين "إخوان الصفا" وبين"الاشاعرة" (أنصار الأشعرية)، صراع بين الفهم التاريخي الصريح للمضمون الحقيقي لتراثنا وبين الظلاميين، خُدّام السلطان، الذين يريدون للشعب أن يخاف مرتين: مرة من كرباج الظالم ومرة من وعظات الواعظ الديني الظلامي المتواطيء مع الظالم.
علينا أن لانفصل النضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي عن النضال الفكري والفلسفي والإصلاحي. كل مكسب يتحقق في الميدان العملي يقوي ويوطِّد الصراع الفكري، وكل نجاح يتحقق في الصراع الفكري يعزز النضال العملي ويقوي ثقة الشعب بنفسه ومستقبله.
عبر التاريخ الطويل القديم، كانت صراعات في أوروبا علينا أن نأخذها بالاعتبار. في البداية كان النضال ضد التحجر والتزمت اللفظي في تفسير الدين والتمسك بالمرونة والانفتاح، ونحن أيضاً يجب أن نتعامل باحترام حقيقي مع دعاة العقل والمنطق والذين يحاولون أن يستعيدوا مكانة العقل إلى جانب الدين، مقابل الظلاميين الذين يُغَيِّبون العقل تماماً. أنا مثلاً أقرأ دراسات الباحث الجليل جمال البنا (مصر) باحترام حقيقي واعتقد أننا معه في جبهة تاريخية واحدة، عدوة للتحجر والجمود والشكلية في التفسير وتخويف الشعب بدل تشجيعه على الاجتهاد والاستنباط والاقتحام الشجاع للمستقبل.
إن المعركة الايديولوجية ليست "تَرَف مثقفين"، بل يجب إشراك العمال والفلاحين وفقراء المدن في الإدراك العميق، لخطورة خدمة رجال الدين للطبقات الظالمة، والإدراك أن الدين ليس ملكاً "شرعياً" للظالمين وأعوانهم من رجال الدين، فالشعب الذي كان متديناً لم يكن قطيعاً للظالمين ولا للدراويش من أعوان السلطان.
ليست هناك مهمة حضارية أكثر حيوية من تحرير الدين من الاحتكار السلطوي واحتكار رجال الدين التابعين للسلطان والمرتشبن منه.
عندما نقرأ "نهج البلاغة" لعلي بن أبي طالب، نقف امام فكر إنساني نيِّر أمام عطش مدهش للعدل والحرية، وتديُّن صادق متوهج. وعندما نقرأ إشراقات عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق نحس بانتماء حار لهذا التراث النيِّر. وعندما نقرأ الفلسفةالعربية- الإسلامية التي ازدهرت في المشرق وفي الأندلس، ننبهر من عَظَمة وعمق هذه الفلسفة. إن تاريخنا القومي ليس تاريخ الطبقات الحاكمة، بالأساس، بل تاريخ شعبنا الذي أنجب العلماء والفقهاء. والمبدعين الذين تحفظ أوروبا إبداعاتهم بينما نحن نسيناهم، أو أجبرنا الحكام الظالمون على نسيانهم، بسبب نشر الجهل والجهالة بيننا.
علينا مع الإصرار على نشر العلمانية والتفكير الحر، أن نحارب الظلامية في عقر دارها، ونؤكد بالشواهد، أن هناك تراثاً دينياً ضخماً يتميز بالثورية والعدل الاجتماعي وتقديس حياة البشر والحق الطبيعي للناس في الحرية والمساواة والكرامة والعدل على الأرض وعدم الانتظار للسعادة في السماء.
عندما نقرأ الحضارة الإسلامية، كما رواها لنا عميد الأدب العربي طه حسين، فإننا نحس أن هذه الحضارة راقية، إنسانية وقريبة للقلب. وإذا كنا عندما نقرأ هرطقات الأصوليين المتطرفين نشعر بالخوف والقلق، فالذنب هو ذنب مَن يحوِّل النص الديني إلى سيف مسموم، بينما هو رحمة وهدى وقِيَم إنسانية عالمية خالدة.
أحس أن الصراع المدني الديمقراطي، في عالمنا العربي، يدور في حلقة مفرغة، كأنما هدفنا أن نقول ما نعتقد به، لا أن نُغيِّر الواقع. الكلام رافعة للعمل، وليس هدفاً بحد ذاته. الصراع ضد الأصولية المتزمتة يهدف إلى تحرير عقول الناس وإرادتهم للعمل، في سبيل الانطلاق الذي يقود إلى النهضة وإلى الثورة الاجتماعية.
إن مشروعنا القومي- الإنساني يجب أن يوحِّد حوله كل تيارات الإصلاح والتحديث والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويجب أن يدمج معاً الأهداف التالية:
*أولاً: استنهاض الثقة بالنفس والشعور بالقوة عند الشعب بأنه قادر أن يقلب الدنيا رأساً على عقب وأن يُسْقط عروش الظالمين وسيطرة الظالمين.
*ثانياً: العمل لوحدة كل القوى، ولو كانت خلافات بينها، حول الأهداف الكبرى الأساسية وبناء حضارة النقاش والحوار والاجتهاد، ولعل هذا قادر أن يعمق التحالفات والتضامنات والوحدة.
*ثالثاً: مع النقاش المثابر لكشف وفضح أخطار التحجر السياسي والديني، يجب نشر الفكر الإنساني التقدمي والديمقراطي، وخصوصا ما يتعلق بالمساواة غير المشروطة للنساء، وربما الأصح أن نقول المساواة الكاملة غير المشروطة بين البشر، رجالاً ونساءً
*رابعاً: نشر الأدب والثقافة والفكر، وترويج الكتب التي تحمل النور والأمل للناس، والدعم الكامل لكل أشكال الثقافة الشعبية والإنسانية. من الطبيعي أن نفعل نحن ذلك ، كما أن من الطبيعي أن تدعم القوى الظلامية المتخلفة الجهل وتحذر من الكتب والثقافة والفنون "الهدّامة". وتنشر شعوذة ذات وثنية تزدهر بالجهل والجهل يزدهر بها!
*خامساً: وهذا هو الأهم ليست معركة القوى الديمقراطية والتقدمية معركة تقوم على الكراهية والانتقام، وهي النقيض تماماً للجهالة القبلية والتعصب الديني. نحن نحارب الكراهية ونحارب التعصب، وحبنا للمجتمع، للشعب، للمستقبل الإنساني، يجعلنا غير قادرين على الكراهية والانتقام. والأهداف الإنسانية تفرز أدوات إنسانية.
إنني أطلق من هنا، دعوة من القلب يتأجج حباً لشعبنا ومستقبله، بأن نوحد الصفوف ونشد العزائم، لإقامة حركة قومية عريضة للنضال الديمقراطي والتقدمي والإنساني ولوضع حد لسيطرة الظلم والجهل. كتب التاريخ تلخص هكذا تاريخ أوروبا خلال قرون من العصور الوسطى : "لقد عرفت أوروبا الدولة الدينية حاكمة مستتبة قروناً طويلة. ولم تتخلص شعوب أوروبا من ظلامية ذلك النظام وشراسته إلاّ بانتصار التنوير والنهضة السياسية الفعلية".
بهذا الحجم الرحب يجب أن يكون برنامجنا ويجب أن نجنِّد الطاقات العملاقة للشعب أولاً لكي تكون موحدة، وثانياً لصنع الثورة الاجتماعية والثقافية الشاملة لتحقيق أهداف: التنوير والنهضة.



#سالم_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا قيمة للإنسان وحياة الإنسان
- ربيع الثورة يعم أمريكا اللاتينية
- -أدولف ليبرمان يدعو إلى ..تنظيف- إسرائيل من العرب
- تقول إنك قومي ماذا تقصد؟
- لماذا يقرر كل متطرف متخلف أنه إمام فينا
- المهاجرن العرب إلى الغرب.. غيتوات مغلقة..أم شركاء في المجتمع ...
- البطل غير قابل للتدجين
- جامعات أم مصانع
- الدين سماء لا زنزانة
- الطريق للخروج من المأزق واللحاق بالتقدم الإنساني العاصف
- لبنان بتجربته الحضارية أكبر بكثير من مساحته
- الشعب لا يأكل أوهاماً
- - العرب الجيدون - - العرب الساقطون في خدمة نظام القمع الاسرا ...
- الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل تعيش أزمة قيادة غير مسبوقة
- دور المثقف في نظر إدوارد سعيد
- ماركسية الحقبة الجديدة-ثورية,إنسانية,ديمقراطية
- أكبر من أزمة ثقافية
- كذب الظَّن ,لا إمام سوى العقل!
- إسرائيل بدأت تستعد للحرب القادمة
- وضع العرب الفلسطينيين في إسرائيل


المزيد.....




- بالأسماء والتهم.. السعودية نفذت 3 إعدامات السبت بحق يمني ومو ...
- -أمام إسرائيل خياران: إما رفح أو الرياض- - نيويورك تايمز
- صدمتها مئات الاتصالات -الصعبة- في 7 أكتوبر.. انتحار موظفة إس ...
- مفاوضات -الفرصة الأخيرة-.. اتفاق بشأن الرهائن أم اجتياح رفح! ...
- مذكرة أمريكية تؤكد انتهاك إسرائيل القانون الدولي في غزة
- زيلينسكي يخفي الحقيقية لكي لا يخيف الشعب
- الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع -حماس-
- ميزات جديدة تظهر في -تليغرام-
- كيف يمكن للسلالم درء خطر الموت المبكر؟
- كازاخستان تنفي بيعها مقاتلات خارجة عن الخدمة لأوكرانيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سالم جبران - لمواجهة قوى التطرف الديني والاستبداد