أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير في الحقيبة














المزيد.....

وجه الخير في الحقيبة


كمال جمال بك
شاعر وإعلامي

(Kamal Gamal Beg)


الحوار المتمدن-العدد: 8057 - 2024 / 8 / 2 - 22:12
المحور: الادب والفن
    


ما الذي يحمله راع في جعبته وهو يسرح مع قطيعه في قيظ الحياة؟ وما الذي تضمّه سلّة عاشقة وهي في طريقها إلى الحديقة للقاء من تحب؟ أيتقاطعان في قيمتهما أم يتمايزان بثمنهما؟ وهل يختلفان عمّا يتوارى في حقيبة مهجّر لفظته الحواجز إلى الحدود، وسيّرته الدروب إلى المطارات، وحشرته الحافلات في الموانئ، برحلة يضيع فيها المعلوم في متاهة المجهول، وفي تنقلاتها فطام قسري، واقتلاع جذور من أصولها، ونزيف ذكريات يشرشر على دولاب فرّامة الأيام؟!
للراعي مواويله، وللعاشقة مناديلها، وللغريب منهما مزمار حنون، ووردة أمانة في دفترعشق حميم. و"الناس في طين المحبة سواسية"، كما أرضعته أمه.

********** **********
في كل محطة التقى الغريب أقرانه في الظلم، والهاربين من الموت، والناجين ببقايا أجسادهم من من الجهل والاستبداد والحروب.
وعلى كل رصيف أنزل جعبته مقيّدة بذراعه، وصعد بها مختومة بشمع القلب إلى المحطة التالية. هي لا تريد الانتظار لترتاح، ولو في خزانة لجوء، وهو لا يريد الوصول ليعود، ولو إلى خيمة نزوح.
وكلما تباعدت المسافات عن أعشاشها، استوطنت الثياب وما غلا من أغراض رمزية في بقجة العودة كي تؤنس وحشته.

********** **********

في الحقيبة مدرسة، ولها ذاكرة جلدية واسعة بأقفال نحاسية لم يخطر على بال أبيه مدى استخداماتها، ولم يدرك الطفل وهو في سنواته الدراسية الأولى أن ثقلها على الظهر محشوة بالكتب والدفاتر وأقلام الرصاص، وبأطايب أطعمة أمه، يتضاعف حين يهوي بها فوق رأس ابنة أهل البساتين، أثناء التقائهما في منتصف المسافة إلى بيتهما بعد الإنصراف المدرسي. عصرا يجعل من كلَّابيته المخططة سلة للتفاح والإجاص والمشمش والدراق ويتعمد المرور من حارتها، ويقوم بتوزيع الجني لأخوتها وأبناء عمومتها وهم يلعبون الكرة في الشارع، وهي تنظر من نافذة عالية نصف مفتوحة وتضحك.

********** **********

في الحقيبة منفى، وعلى حوافه بلدة خضراء رتَّب فيها أغراضه الشخصية، وأهم ما في حقيبته الجلدية الملازمة له نظارته وكمبيوتره الشخصي، نافذتاه على العالم مع ذاكرتي Flash memory حمَّل عليهما كل ملفاته من صور ووثائق. وحين انفرط الترتيب في غفلة منه، ظل مطبقا قبضته اليسرى على الذاكرتين في آخر ممر المشفى، ملوحا بهما لجمهرة الأطباء والممرضين والمترجمة، هاتفاً: هذه هويتنا إن ضاعت ضعنا. بعد أيام من العلاج، دخل متجرا غذائيا للتسوق سريعا، تفحص صناديق الأمانات فوجدها محجوزة باستثناء صندوق مخلوع القفل، استأذن المحاسبة المقابلة للصناديق بأمتار قليلة، للسماح له بإدخال حقيبته على ظهره، فأجابت بالنفي. وضع الحقيبة في الصندوق ودفع بابه إلى الداخل كما لو أنه مغلق. وعاد مهرولا كما مضى، غير أن قمار خمس دقائق قلبت طاولة خمسين سنة.
الهويات والبطاقات البنكية ومفاتيحها ومحفظة النقود والأهم من كل هذا الذاكرتان الهويتان. تخبط في الأسئلة مع المحاسبة، ولا زبائن في المحيط، أمام باب المتجر على بعد أمتار استوقف سكّيراً تذكّره حين دخوله، عرَّف عن نفسه بالفنلندي، وعلى ظهره حقيبة منفوخة، ساومه أن يأخذ كل شيء مقابل أن يعيد له الذاكرتين. اختلطت ابتسامة السكير الصفراء المائلة مع عتمة المساء، وبدعسات متسارعة تلاشى ودراجته الهوائية.

********** **********

بلا حقيبة تتبعثر سجائر الأوطان الطاردة لأبنائها في أكياس من النايلون الضارة بالبيئة، لا البحر يبتلعها، ولا الأطفال يستفيدون منها في مناماتهم طائرات بخيطان. أكياس مسحوب الهواء منها فيخف حجمها، ويثقل حجرها. كما لو أنها باخرة التي تي لاين TT.LINE بسبع طوابق وفي حمولتها مئات الأطنان بين روستوك Rostock الألمانية وتيرلبوري Trelleborg السويدية تجلد البحر سبع ساعات، وتتوسط مغامرة رحلتين بريتين قرابة الثلاثين ساعة، وفي كل دقيقة منها تنوس الذكريات في معلباتها.

- البواخر هناك تمشي يا بني.
* البواخر راسية يا أمي، وباخرتنا أقلعت مثلنا.
نزولا من الشاطئ ووصولا إلى شقّة اللجوء الأولى، وضع السائق الجزائري العنوان على جهاز الجي بي إس GPS وبانت فيه المسافة الزمنية:
- أرى المسافة تطول كلما اقتربنا يا صديقي؟!
* احترت في التفسير مثلك، وبابتسامة ودودة أكمل: مع أن حمولتنا مثل الفقير لا يحمّل ولا يشيل!



#كمال_جمال_بك (هاشتاغ)       Kamal_Gamal_Beg#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يستيقظ صباحاً كعادته
- سُحب بغير قلادة
- أمٌّ واخترناها
- وردات هجرية عابرة للقلوب
- طفل يحبو للسّتين
- وكن لوحدتك الأحضان
- -لاجئ في المشفى- بترجمة فرنسية
- أحداق من زيت الزهر
- -كروموسوم الحُب 21 قيراط-
- وجه الخير وصلاة العائب على الغرقى
- هيَّ لينا.. وضرب السّيف
- مشط لخصلة حُب
- بجماليون المصري لحسام الدين شعبان
- -ظهري أوهى من غيمة- لسعاد الخطيب
- مصادفات البلاي ستيشن
- في مدار الشَّمس
- من أغنيات الرياح وأحضانها
- تقاسيم غَزْل النبات
- وجه النَّهر امرأة
- أكثر من عقد تهجير


المزيد.....




- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير في الحقيبة