أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير وصلاة العائب على الغرقى














المزيد.....

وجه الخير وصلاة العائب على الغرقى


كمال جمال بك
شاعر وإعلامي

(Kamal Gamal Beg)


الحوار المتمدن-العدد: 7979 - 2024 / 5 / 16 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


تحسَّس رقبته، وزمَّ شفتيه، وتنفَّخت عيناه، ثم شهق ملء النَّهر، حين تورَّمت رئتاه بصور المهجَّرين، وعجاج الهاربين من الموت والباحثين عن كهف آمن، وبينهم من تبقَّى من أهله، ومن عائلات تدمَّرت أساساتها وأركانها، ولم يبق لها في المحبة سوى سقف مخلوع لأمل بالوصل إلى رمال جزيرة، وإن مال المركب فقارب، وإن تحطَّم فسترة نجاة، فإن فُقدت فرأفة من يد لطف في قطعة خشبية أو بلاستيكية عائمة، أو ظهور معجزة كسلحفاة عملاقة للنقل والسفر!

********** **********

أمال الغريب ربْعَ ذقنه محاولاً أن يبتسم ساخراً، طفرت الدموع منه مقابل السيدة التي ناولته علبة المحارم الصغيرة المرميَّة على الطربيزة أمامها، واسترسل هذاءً في الذكريات الصادمة، في جلسة ساعة، طولها خمسون عاماً من االقهر، وعمقها ما لا يحصى من دهور الاستبداد على القفص الصدري. وفي هذه الدوَّامة قذفته موجات الكلام على هواها، والسيّدة مهمهمة بكلمة أوسؤال قصير أحياناً، وغارقة بالصَّمت غالبا، غرقاً في لججه علَّها تمسك بخيوط أشرعة مراكبه المتقطّعة والمتناثرة. السيدة الحكيمة رمت عليه شباكها خمس سنوات، حين غرق في عتمة الكهف، ولمّا أوصلته إلى ضفَّتها، وجد الغريب أمه مازالت لكعات التنور على عروق يديها، واحتملت على طيب خاطر مرارة خبز الغربة معه.
وبين الغرقين قرفصت أمٌّ مفجوعة لتودّع ابنها الغريق في النّهر، وطشَّت فُتات الخبز للسمك الحاضر والغائب، مخاطبة إياه بأدعية متوسلة أن يحفظه لها، وأن لا يأكل منه، حتى يطفو.
وعلى شواطئ البحار وصلت بقايا المهجَّرين الغرقى، ومن لم يصل ما كان له متَّسع من الوقت في قوارب الموت من دعاء للأهالي ولا نصيب من خبز للأسماك.

********** **********

غرقى من دون صلاة غائب تناثروا في المنافي أفراداً وعائلات، بعضها حطت في مطار شارل ديغول Charles Diego وتدبَّرت خبزها الصباحي في اليوم الأول في باريس Paris عائلة مغربية تملك الفندق الذي نزلوا فيه، ثم انتقلوا ليلاً إلى ضاحية ليلي روز Lily Rose.
مبكّراً خرج الغريب إلى جغرافية مجهولة، ولغة لا يعرف منها سوى كلمة جوتّيم Jetaime (أحبك). مصادفة اهتدى إلى مخبز، وهناك تعلَّم من الأشخاص المشترين قبله كلمة باغيت Baguette الخبز الطويل. وفي مواجهة البائعة استبقها قائلا: باغيت. ورفع راحتيه بأصابعه العشرة مفتوحة بكل ثقة. بدت ملامح الاستغراب مع ابتسامة مبهمة على وجه البائعة، وبعد مشاورات مع زميليها، دخل أحدهم إلى غرفة، وخرج حاملاً كيساً فارغاً من الطحين. جهَّز الغريب اليورويات بحفنتي يديه، فانتقوا منها الثمن.
حمل الكيس في طريق العودة كبابا نويل، وبخطى حثيثة، مرددا: باغيت.. باغيت... وغصَّ الحُب!



#كمال_جمال_بك (هاشتاغ)       Kamal_Gamal_Beg#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيَّ لينا.. وضرب السّيف
- مشط لخصلة حُب
- بجماليون المصري لحسام الدين شعبان
- -ظهري أوهى من غيمة- لسعاد الخطيب
- مصادفات البلاي ستيشن
- في مدار الشَّمس
- من أغنيات الرياح وأحضانها
- تقاسيم غَزْل النبات
- وجه النَّهر امرأة
- أكثر من عقد تهجير
- ريح بارود على الحريق
- بين فانوسين
- «لاجئ في المشفى» بالإنجليزية والسويدية
- شكراً لكل ثانية
- العالقون
- على بلاطة
- طفل الفجيعة
- ميسون شقير تكتبنا في صورة تسند الجدار
- أكبر من قيامة أصغر من كارثة
- قيامة جسر


المزيد.....




- يوسف اللباد.. تضارب الروايات بشأن وفاة شاب سوري بعد توقيفه ف ...
- بصدر عار.. مغنية فرنسية تحتج على التحرش بها على المسرح
- مع حسن في غزة.. فيلم فلسطيني جديد يُعرض عالميا
- شراكة مع مؤسسة إسرائيلية.. الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو ...
- -الألكسو- تُدرج صهاريج عدن التاريخية ضمن قائمة التراث العربي ...
- الطيور تمتلك -ثقافة- و-تراثا- تتناقله الأجيال
- الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
- الممثل الإقليمي للفاو يوضح أن إيصال المساعدات إلى غزة يتطلب ...
- الممثل الإقليمي للفاو: لا يمكن إيصال المساعدات لغزة دون ممرا ...
- عائلة الفنان كامل حسين تحيي ذكراه الثامنة في مرسمه


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير وصلاة العائب على الغرقى