وثائق تاريخية-مقال الحركة السريالية- بقلم الفنان التشكيلى السيريالى المصرى: رمسيس يونان.مجلة الرسالة 1939.

عبدالرؤوف بطيخ

الحوار المتمدن-العدد: 8049 - 2024 / 7 / 25 - 00:28
المحور: الادب والفن
    

"يجب على كل إنسان أن يحصل على جزء من الخبز ... وجزء من الشعر ..."
-ليون تروتسكي.
إن من يتصور أن الحركة السريالية هي حركة أدبية أو فنية بحتة مخطئ، وإن كان الشعر والقصة والرسم والسينما من بين العناصر التي تستخدمها الحركة... كما يخطئ من يتصور أنها حركة سياسية بحتة، وإن كان أنصارها يعتنقون عقيدة سياسية محددة. كما أنها ليست مزيجاً من الفن والسياسة:
لقد أوضح زعيم الحركة أندريه بريتون مراراً وتكراراً أنه لا يوافق على تبني الفن كوسيلة للدعاية السياسية. وقد انفصل أراجون عن جماعة السرياليين لأنه اختلف معهم في هذا الرأي. فما هي إذن هذه الحركة السريالية؟ وما هو هدفها؟ من الصعب علينا أن نحدد السريالية في بضع كلمات فقط. ولكن إذا اضطررنا إلى ذلك، فسوف نقول: إنها حركة اجتماعية فنية وسياسية وفلسفية ونفسية... ولن يكون هناك أي ضرر في إضافة أنها حركة دينية أيضاً. إن الفلسفة الماركسية تستلهم من شعر رامبو وبودلير ولوتريامونت، وتستعير منهم حبهم للخيال الثوري، المختلف تمام الاختلاف عن المنطق وأساليبهم الغربية في التعبير عن المشاعر. كما تستلهم الفلسفة الماركسية في إيمانها بالحرية، وتتبنى التفسير المادي للتاريخ الذي قدمه كارل ماركس، وتقتبس من فرويد نظريته في العقل اللاواعي؛ ثم تحاول فوق ذلك أن تستعين بكل هذه العناصر لخلق أسطورة ـ أسطورة جماعية جديدة ـ تعادل الأساطير التي خلقتها الديانات القديمة. ومهما قيل عن كارل ماركس، ومهما قيل عن فرويد، فلا شك أن هذين الرجلين هما الرجلان اللذان نجحا في إحداث أعظم تأثير على الفكر الأوروبي الحديث. ويعود الفضل إلى كارل ماركس في تفسير التاريخ على أساس حروب الطبقات، والتنبؤ بثورة العمال ودكتاتورية البروليتاريا، ثم العصر القادم (الموعود!) الذي ستزول فيه الطبقات وتكتمل المساواة الاقتصادية. لقد تأثر العمال بالمذهب الماركسي لأن حركاتهم نشطت وأحزابهم نمت حتى أصبح الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية خلال السنوات القليلة الماضية هو أساس السياسة الأوروبية. كما تأثر بهذا المذهب عدد كبير من المفكرين والكتاب، ومن بينهم شخصيات مرموقة مثل برنارد شو وويلز وأندريه جيد ومالرو وتوماس مان اعتنقوه ودافعوا عنه. والسرياليون كما قلنا يعتنقون المذهب الماركسي ولكنهم في نفس الوقت يعتبرون أن الدعوة إلى التحرر الاجتماعي لابد أن تصاحبها دعوة إلى التحرر النفسي، فالنفس البشرية تتكون أيضاً من طبقات يتحكم كل منها في الآخر. ولا سبيل إلى تحقيق التحرر النفسي إلا إذا تمكنا من إزالة الحدود التي تفصل بين العناصر المتضاربة داخل اللاوعي.لقد أقنعنا فرويد بأن الإنسان "الخالي" من الأمراض العقلية هو مثال غير موجود، وأن الفارق الوحيد بين "العاقل والمجنون" هو الفارق في الدرجة وليس في النوعية. والسبب الأساسي وراء كل هذه الأمراض هو أن العقل البشري لديه رغبات، وكثير منها لا يمكن تحقيقه بسبب العوائق التي يواجهها من البيئة الخارجية. والطفل الصغير لا يدرك هذه العوائق، وبالتالي فإن خياله لا يعرف حدوداً، فإذا رغب في امتلاك سيارة فاخرة أو حصان جميل أو قصر فخم، فإنه لا يشعر بأن هناك أي عائق على الإطلاق يمكن أن يمنعه من الحصول على ما يريده، ولكن الطفل يتعلم شيئاً فشيئاً مع تقدمه في الحياة أن كل رغباته لا يمكن تحقيقها، لذلك فهو مضطر إلى كبت هذه الرغبات والتعود على الاستسلام للواقع. وكلما تقدم في العمر، كلما نمت هذه العادة ـ عادة الاستسلام للواقع. ولكن الصراع بين الرغبات والواقع يستمر طيلة الحياة، حتى أن الرجل العجوز عندما يقترب من الموت لا يستطيع الاستغناء عن الأحلام. إن عادة الناس في الخضوع للواقع هي الأساس الذي تستند إليه نداءات المحافظين، وهي العقبة الخطيرة التي تقف في طريق كل تجديد وإصلاح. ولهذا السبب يعتقد السرياليون أنه من الضروري تغيير البنية الاجتماعية الحالية، لذا فهم يثيرون حربًا شاملة على هذه العادة. ويستخدمون أساليب مختلفة لهذا، بما في ذلك ما يسمونه "إزاحة الأشياء" أي نقلها من محيطها المعتاد إلى مكان غريب عنها (المثال الكلاسيكي على ذلك هو تعبير لوتريامون "جميل مثل لقاء صدفة على طاولة تشريح لآلة خياطة ومظلة") من الطبيعي أن نرى الأسرة في غرف النوم، لذلك يفاجئنا أن نراها في لوحة سريالية على شاطئ البحر داخل الجدران ... وهكذا يُرى البحر في اللوحات السريالية؛ ونحن معتادون على رؤية السحب في السماء، فنفاجأ بشجرة تنبت منها ذراعان، وسمكة ترقد إلى جانب فتاة عارية، وعين تخرج من وسط ثدي، وأجزاء من جسم الإنسان تطير في الهواء، وهيكل عظمي ضخم يرقص لأن سمكة بجانبه تغني... وللسرياليين طريقة أخرى لمقاومة عادة الخضوع للواقع، وهي اللجوء إلى إثارة الرغبات المكبوتة، وتنشيطها وتحريضها على التمرد. ومن هنا جاءت مقولة سلفادور دالي الشهيرة: "يجب أن يكون الفن صالحًا للأكل" أي قادرًا على تحقيق الرغبة وإحضار المتعة، وتعبير نيكولاس كالاس:
"الفن برميل بارود" أي وسيلة لهدم عاداتنا في التفكير والسلوك. وهناك طريقة ثالثة مهمة يستخدمها السرياليون وهي ما يسمونه الكتابة والرسم "الآلي" وبهذه الوسيلة يحاول الشاعر أو الرسام السريالي تحرير نفسه من سيطرة العقل الواعي، تاركًا زمام الأمور لخياله،حتى يصل إلى حالة تشبه الغيبوبة، ثم يسجل كل الأفكار التي تتدفق وتتدفق في ذهنه أو الأشكال التي تظهر له. يجلس فرويد مريضه على مقعد ناعم ومريح ويشعر بالإلهام، لذا ربما استعار السرياليون هذه الطريقة الأخيرة من فرويد. عليه أن يسترخي عضلاته ويرسل نفسه إلى داخل نفسه، ثم يكشف دون حذر أو تحفظ عن كل الأفكار التي تخطر بباله، وكل المشاعر التي تملأ قلبه. بهذه الوسيلة، يكشف فرويد عن "العقدة" التي نشأت من الرغبات المكبوتة في ذهن مريضه، لأنه يتحدث بصراحة عن هذه الرغبات، ويحاول إقناعه بالتفكير فيها بعقله الواعي والتخلي عنها إذا تعارضت مع حقائق بيئته الخارجية:
أي الاستسلام للواقع. وهنا تكمن نقطة الاختلاف الجوهري بين فرويد والسرياليين: فالأخيرون لا يريدون للعقل الواعي أن يسيطر على العقل الباطن بأي شكل من الأشكال، بل يريدون مواجهة العقل الواعي بالعقل الباطن، والمنطق بالخيال، والواقع بالأحلام، والواقع بالأسطورة، والحكمة بالجنون... محاولين الجمع بين كل هذه العناصر لخلق أداة جديدة للتفكير والمعرفة ورؤية الأشياء. ولهذا السبب يتهم السرياليون فرويد بأنه:
"اكتسب شجاعته في البحث العلمي لصالح المحافظين والخضوع للواقع من منظور مجتمعي".
____________________
ملاحظة المترجم:
- مقال(الحركة السريالية)بقلم الإستاذوالفنان التشكيلى المصرى" رمسيس يونان" .نشر فى مجلة الرسالة، السنة السابعة، العدد 322، سبتمبر 1939.
-المصدر:مجلة كبريت السيريالية, القاهرة.نشر المقال بتاريخ7 يوليو 2020,بقلم محسن البلاسي.
-رابط الصفحة الرئيسية لمجلة كبريت,المشرف العام الفنان"محسن البلاسى":
https://sulfur-surrealist-jungle.com/
-رابط المقال الأصلى:
https://sulfur-surrealist-jungle.com/2020/07/07/the-surrealist-movement-by-mr-ramses-younane/
-كفرالدوار 20يوليو-تموز 2021.
-عبدالرؤوف بطيخ( محررصحفى,شاعر سيريالى,مترجم مصرى).

#عبدالرؤوف_بطيخ (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل