أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - غسان كنفاني: رحلة من الوجع إلى الخلود














المزيد.....

غسان كنفاني: رحلة من الوجع إلى الخلود


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8033 - 2024 / 7 / 9 - 02:59
المحور: الادب والفن
    


في أزقة عكا الضيقة، حيث تتعانق الأزمنة وتتناثر الحكايات كفتات الخبز على مائدة الفقراء، وُلد غسان كنفاني. كان ميلاده مقدمة لملحمة إنسانية، تُكتب بريشة الحزن وألوان الوجع. بدأ كنفاني مسيرته كلاجئ، هاربًا من شبح النكبة الذي لاحقه كظلٍّ لا يفارقه، وبهذا الهروب بدأ رحلة البحث عن الهوية والكرامة التي كادت تُغتال تحت أقدام المحتل.

من "رجال في الشمس"، تلك الرواية التي قذف بها كنفاني وجه العالم ليُحطّم فيها الصمت المُطبق على معاناة الفلسطينيين. هنا، تحت شمس الصحراء الحارقة، جمع كنفاني شتات أرواح اللاجئين في شاحنة مهترئة، ليُرينا كيف يتحول الحلم إلى مقبرة، وكيف يصبح الأمل مطية للموت. لم تكن الشمس في هذه الرواية مجرد عنصر طبيعي، بل رمزاً لحقيقة الصراع بين الحياة والموت، بين الوجود والعدم.

ثم جاءت "عائد إلى حيفا"، كصرخة في وجه الزمن، حاملة معها عبق العودة والذاكرة. في هذه الرواية، يقترب كنفاني من جروح النفس العميقة، تلك التي لا تندمل أبداً. هي قصة عائلة تبحث عن منزلها، عن ماضيها المسلوب، لتجد نفسها أمام مرآة تعكس وجوه الغرباء الذين استوطنوا مكانها. هنا، تتجلى عبقرية كنفاني في تسليط الضوء على التعقيد البشري، وكيف أن الهوية تتشكل وتتشظى في ذات اللحظة.

أما "أم سعد"، فهي لوحة مفعمة بالأمل والتحدي، ترسم صورة المرأة الفلسطينية بقوتها وصمودها. هي الأم التي تنجب الأبطال وتودعهم، لا تعرف الانكسار، بل تعيد تشكيل نفسها كطائر الفينيق، تنهض من رمادها لتواصل المسير. في أم سعد، نجد كنفاني الشاعر والمفكر، الذي يقدس الأرض والأمومة، ويضع المرأة في مكانتها الحقيقية كصانعة للتاريخ.

غسان كنفاني لم يكن مجرد كاتب، بل كان فيلسوفًا بعمق نظرته إلى الحياة والموت، النضال واليأس، الفقدان والأمل. كانت كلماته تماثيل من نور، تحطم ظلام الجهل والظلم، تُشعل نيران الوعي في عقول الأجيال. اختار أن يكون قلمه بندقية، وكلماته رصاصات، يصوبها نحو قلوب الظالمين.

ومن لجوئه القسري، انطلق كنفاني نحو العالمية، ليُسمع صوت فلسطين في كل ركن من أركان المعمورة. حاز على الاعتراف العالمي بفضل صدقه وعمقه الإنساني، ليصبح رمزاً للنضال والأدب المقاوم. أعماله ترجمت إلى لغات عديدة، لتصبح إرثاً عالمياً، تُدرس وتُقرأ في الجامعات والمراكز الثقافية، ويستلهم منها الأحرار.

في نهاية المطاف، اغتيل غسان كنفاني، لكن روحه لم تُغتل. بقي حياً في كلماته، في أبطاله، في كل سطر كتبه. كان جسده لقمة للموت، لكن فكره صار بذرةً للخلود. ترك لنا إرثًا لا يُقدّر بثمن، يُلهمنا للنضال، يعلمنا أن الحلم يستحق التضحيات، وأن الوطن، حتى وإن كان وهماً، يبقى حقيقة في قلوبنا.

إن غسان كنفاني ليس مجرد أديب فلسطيني، بل هو أسطورة تمتد من جرح فلسطين إلى ضمير الإنسانية، تروي لنا كيف يمكن للألم أن يصنع مجداً، وللحرمان أن يخلق إبداعاً، وللرجل المنفي أن يصبح رمزاً خالداً.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رقصة الذاكرة على أنغام الزمن
- بعض المسكوت عنه في التراث الإسلامي: دور المرأة في العلوم وال ...
- العوالم غير المعلنة للفلسفة العالمية
- روح في بريق الشفق (حكاية زاهد عاشق)
- مصير الليبرالية الجديدة: الانتقال أم التكثيف؟
- همسات البحر الكمومي
- تنبؤات زوال إسرائيل: أصوات العلماء اليهود والغربيين
- جوقة في كاتدرائية الشفق
- نكهة الترف
- من الإلحاد إلى العقلانية: غوص عميق في الماركسية
- منهجية شاملة: رؤية علمية لمستقبل الخطاب الفكري العربي
- العنف من خلال عدسة الفلسفة
- قصيدتان
- تراجع القصة القصيرة في الأدب العربي المعاصر
- مقاربة نحو تنشيط واحياء الفلسفة العربية
- على قيد الحياة
- الانقسام المعرفي : الفولكلور العربي مقابل التراث الرسمي
- حرب غزة: وهم نتنياهو بالنصر المطلق وسيناريو الانهيار الإسرائ ...
- على ضفاف دجلة
- اليمن يصيغ سياسات بحرية جديدة: مواجهة الغرب وأمريكا على وجه ...


المزيد.....




- روسيا.. تصوير مسلسل تلفزيوني يتناول المرحلة الأخيرة من حياة ...
- اعلان توظيف وزارة الثقافة والفنون والتخصصات المطلوبة 2024 با ...
- هل تبكي عندما تشاهد الأفلام؟.. قد تكون معرضا بشكل كبير للموت ...
- مهرجان نواكشوط السينمائي الدولي يطلق دورته الثانية
- “نزل Wanasah الجديد” تش تش ???? وقت الدش.. تردد قناة وناسة ن ...
- فنان غزة الذي لا يتكلم بصوته بل بريشته.. بلال أبو نحل يرسم ح ...
- هاريس فرحت بدعم مغنية لها أكثر من دعم أوباما وكلينتون.. ما ا ...
- -الغرفة المجاورة- لبيدرو ألمودوفار يظفر بجائزة الأسد الذهبي ...
- النيابة تواجه صعوبة في استدعاء الفنان المصري محمد رمضان للتح ...
- فيلم اليكترا: تجربة بصرية وحسية لأربع ممثلات وكاتبة في بيروت ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - غسان كنفاني: رحلة من الوجع إلى الخلود