|
مِن إِشْكَاليَّاتِ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَاصِرِ
علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)
الحوار المتمدن-العدد: 8021 - 2024 / 6 / 27 - 01:38
المحور:
الادب والفن
تَتَمَظْهَرُ إِشْكَاليَّاتُ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَاصِرِ فِي التَّحَدِّيَاتِ المُتَعَدِّدَةِ الَّتِي تَتَشَابَكُ فِيهَا العَوَامِلُ الثَّقَافِيَّةُ وَالتَّارِيخِيَّةُ وَالاجْتِمَاعِيَّةُ. فَخِطَابُنَا النَّقْدِيُّ يَقِفُ عِنْدَ مُفْتَرَقِ طُرُقٍ، مُحَاوِلًا التَّوْفِيقَ بَيْنَ التُّرَاثِ النَّقْدِيِّ العَرِيقِ وَالضَّرُورَاتِ المُعَاصِرَةِ الَّتِي تَفْرِضُهَا العَوْلَمَةُ وَالانْفِتَاحُ الثَّقَافِيُّ. يُمْكِنُ النَّظَرُ إِلَى هَذِهِ الإِشْكَاليَّاتِ مِنْ زَاوِيَتَيْنِ رَئِيسِيَّتَيْنِ: أَزْمَةُ الهُوِيَّةِ وَأَزْمَةُ المَنْهَجِ. فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَزْمَةِ الهُوِيَّةِ، نَجِدُ أَنَّ الخِطَابَ النَّقْدِيَّ العَرَبِيَّ المُعَاصِرَ يَتَأَرْجَحُ بَيْنَ مُحَاوَلَاتِ العَوْدَةِ إِلَى الجُذُورِ وَالتَّقَالِيدِ النَّقْدِيَّةِ العَرَبِيَّةِ الأَصِيلَةِ وَبَيْنَ الانْفِتَاحِ عَلَى المَنَاهِجِ وَالنَّظَرِيَّاتِ النَّقْدِيَّةِ الغَرْبِيَّةِ. هَذِهِ الثُّنَائِيَّةُ تُخْلِقُ تَوَتُّرًا دَاخِلِيًّا ضَاغِطًا، لِذَلِكَ سَعَى النُّقَّادُ إِلَى إِيجَادِ تَوَازُنٍ بَيْنَ الحِفَاظِ عَلَى الهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ وَالانْخِراطِ في الْحِوَارَاتِ النَّقْدِيَّةِ الْعَالَمِيَّةِ. هٰذَا التَّوَتُّرُ يَعْكِسُ الصِّرَاعَ الْأَعْمَقَ الَّذِي يُوَاجِهُهُ الْمُثَقَّفُ الْعَرَبِيُّ فِي مُحَاوَلَتِهِ لِلْتَمَسُّكِ بِجُذُورِهِ الثَّقَافِيَّةِ وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ رَغْبَتِهِ بِالتَّفَاعُلِ مَعَ الْعَوْلَمَةِ الْفِكْرِيَّةِ. أَمَّا أَزْمَةُ الْمَنْهَجِ، فَتَتَمَثَّلُ فِي التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي يُوَاجِهُهَا النَّقْدُ الْعَرَبِيُّ فِي تَبَنِّي الْمَنَاهِجِ النَّقْدِيَّةِ الْحَدِيثَةِ وَتَكْيِيفِهَا. النَّظَرِيَّاتُ النَّقْدِيَّةُ الْغَرْبِيَّةُ، مِثْلُ التَّفْكِيكِيَّةِ، وَالنَّقْدِ النِّسْوِيِّ، تُقَدِّمُ أَدَوَاتٍ وَمَفَاهِيمَ جَدِيدَةً لِتَحْلِيلِ النُّصُوصِ، لَكِنَّ تَطْبِيقَهَا فِي السِّيَاقِ الْعَرَبِيِّ لَيْسَ دَائِمًا سَهْلًا أَوْ سَلِسًا. يَكْمُنُ التَّحَدِّي فِي تَكْيِيفِ هٰذِهِ الْمَنَاهِجِ مَعَ الْخُصُوصِيَّاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ لِلنُّصُوصِ الْعَرَبِيَّةِ، دُونَ الْوُقُوعِ فِي فَخِّ التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى أَوْ الِانْبِهَارِ غَيْرِ النَّقْدِيِّ. هٰذِهِ الْإِشْكَالِيَّةُ تُظْهِرُ الْحَاجَةَ إِلَى تطويرِ مناهجَ نقديةٍ محليةٍ تَستفيدُ من الإنجازاتِ النقديةِ العالميةِ، ولكنها تَنبثِقُ من السياقِ الثقافيِّ العربيِّ وتَستجيبُ لتحدياتهِ الخاصةِ. إضافةً إلى ذلك، نجدُ أنَّ الخطابَ النقديَّ العربيَّ يُعاني من محدوديةِ الحوارِ والتفاعلِ بينَ النقادِ أنفسِهم، وبينهم وبينَ الجمهور. هناكَ نَقصٌ في النقاشاتِ النقديةِ الجادَّةِ والمثمرةِ، والتي يمكنُ أن تُسهمَ في تطويرِ النظريةِ النقديةِ العربيةِ وتعميقِها. هذا النقصُ يَعودُ جزئيًا إلى تَشتُّتِ الجهودِ النقديةِ وعدمِ وجودِ منصاتٍ كافيةٍ للتواصلِ والتفاعلِ. كما أنَّ القطيعةَ بين الأكاديميةِ والمجالِ النقديِّ العامِّ تزيدُ من تعقيدِ هذهِ المشكلةِ، حيثُ يبقى النقدُ الأكاديميُّ معزولاً عن السياقِ الثقافيِّ الأوسعِ وغيرَ قادرٍ على إحداثِ تأثيرٍ حقيقيٍّ يمكنُ القولُ إنَّ إشكالياتِ الخطابِ النقديِّ العربيِّ المعاصرِ تَعكسُ أزمةً أعمقَ، تَتعلَّقُ بتحدياتِ التحديثِ الثقافيِّ والفكريِّ. النقدُ الأدبيُّ، بوصفِهِ مرآةً للمجتمعِ والثقافةِ، يواجهُ التحدياتِ نفسها التي تواجِهُها المجتمعاتُ العربيةُ في سعيِها للتّوفيقِ بينَ التراثِ والتحديثِ، بين الهويةِ والانفتاحِ، وبينَ الأصالةِ والمعاصرةِ. هذهِ التحدياتُ تتطلَّبُ رؤيةً نقديةً شموليةً تَتجاوزُ الثنائياتِ التقليديةَ وتبحثُ عن حلولٍ إبداعيةٍ ومبتكرةٍ. في النهايةِ، يبقى الأملُ في قدرةِ الخطابِ النقديِّ العربيِّ على تجاوزِ هذهِ الإشكالياتِ من خلالِ تبنِّي مقارباتٍ نقديةٍ متعددةِ الأبعادِ، تفتحُ آفاقًا جديدةً للحوارِ والتفاعلِ، وتُعزِّزُ من قدرةِ النقدِ العربيِّ على التأثيرِ والإسهامِ في الحواراتِ الثقافيةِ العالميةِ. هٰذهِ المهمةُ ليست سهلةً، لكنها ضروريةٌ لتحقيقِ نهضةٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ حقيقيةٍ. وأخيرًا يمكن التَّخلُّصُ إلى: التجاذبِ بين الاتجاهينِ النقديَّين: الاتجاهُ التقليديُّ: ينتمي إلى تراثِ الأمَّةِ ويَشملُ النظريةَ النقديةَ التي أَسَّسَها النُّقَّادُ العربُ القُدامى. يُروِّجُ لإمكانيةِ إعادةِ قراءةِ التراثِ وبناءِ نظريةٍ نقديةٍ معاصرةٍ تَستفيدُ من الحداثةِ النظريةِ والمنهجيةِ. الاتجاهُ الحداثيُّ: يَعتبِرُ القطيعةَ مع التراثِ ويَستلهِمُ المُعطَياتِ النظريةَ والمنهجيةَ الغربيةَ. يَستَخدِمُ آليَّاتِها المنهجيةَ في قراءةِ الأدبِ العربيِّ، مما أَثَّرَ على الإشكالياتِ الفكريةِ والفنيةِ في خِطابِ الحداثةِ العربيةِ. تحدياتِ التحديثِ الثقافيِّ والفكريِّ: النقدُ الأدبيُّ يُواجِهُ تحدياتٍ في التوفيقِ بين التراثِ والتحديثِ، وبين الهويةِ والانفتاحِ، وبين الأصالةِ والمعاصرةِ. يتطلَّبُ تجاوزُ هذه التحدياتِ رؤيةً نقديةً شموليةً تَبحثُ عن حلولٍ إبداعيةٍ ومُبتَكَرَةٍ. الأملُ والمهمةُ المستقبليّةُ: يبقى الأملُ في قُدرةِ الخِطابِ النقديِّ العربيِّ على تجاوزِ هذه الإشكالياتِ من خلالِ تَبَنِّي مقارباتٍ نقديةٍ متعددةِ الأبعادِ. هٰذه المهمةُ ليست سهلةً، لكنّها ضروريةٌ لتحقيقِ نَهضةٍ ثقافيّةٍ وفكريّةٍ حقيقيّةٍ.
#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)
Ali_Huseein_Yousif#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التَّعارُضُ بَيْنَ المَناهِجِ النَّقْدِيَّةِ المُعاصِرَةِ وَ
...
-
فلسفة الخلق في النص القرآني
-
الجملة الثقافية، المفهوم والدلالة
-
الأخ الكوني بين الواقع والخيال
-
الطبيعة الإنسانيّة بين الخير والشّرّ
-
الكوميديا الإلهيّة، الخيال الفائق
-
الهُويّة النّقديّة واشكاليّات التّأسيس
-
الرمز في الشعر العربي، التوظيف والتمثلات
-
الرحلة الطلليّة في القصيدة الجاهليّة: قراءة في رمزيّة الوقوف
...
-
اللغة والكتابة وسرديات الأصل
-
مسيرةُ المفهوم من جزئيّات الّلغة إلى كليّات الوجود
-
الفلسفة المثاليّة , شاعريَّة اللغة ووحدة الوجود
-
جرير والفرزدق , صراع أدبي أم أخلاقي
-
الأنساق الثقافية ، التكوّن والتّأثير
-
كن حكيما
-
حدود العقل
-
المشاكسة بوصفها انعكاسا للصراع الطبقي
-
براهين وجود الله بين الفلسفة والدين
-
أدبيات كورونا
-
تجربة يحيى السماوي من منظار آخر , قراءة في كتاب (مرافئُ فِي
...
المزيد.....
-
بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
-
ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم
...
-
سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو
...
-
معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
-
الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي
...
-
-نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه
...
-
رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية
...
-
حفل توقيع الترجمة العربية لكتاب - سجلات الليدر شيت-
-
فنان سعودي شهير يتعرض لظرف صحي طارئ يتسبب بإلغاء التزاماته ا
...
-
هذا ما قالته وزيرة الثقافة الفرنسية في ختام زيارتها إلى الصح
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|