أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - الأنساق الثقافية ، التكوّن والتّأثير














المزيد.....

الأنساق الثقافية ، التكوّن والتّأثير


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 2 - 14:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


النَّسَقُ شَبَكَةٌ معقَّدةٌ مِنْ المُعْتَقَدَاتِ المُشْتَرَكَةِ وَمنَ الأَفْكَارِ والرّموز الْمُتَدَاخِلَة الَّتِي يَسْعَى أَطْرَافُهَا بِوَعْيٍّ أَوْ لَا وَعِيّ مِنْهُمْ إلَى تَحْقِيقِ التّكافلِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَهُو سُلُوكٌ اجْتِمَاعِيٌّ يَتَضَمَّنُ جمعاً مِنْ الْأَفْرَادِ المتفاعلينَ يمارسونَ بِانْسِجامٍ مَجْمُوعةً مُعيّنةً مِنْ الْأَفْعَالِ والتفاعلاتِ الْقَابِلَةِ للتّكيّفِ وَالتَّحَقُّقِ لِوُجُود صِلاتٍ مُتَبَادَلَةٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ .
وَالْوَاقِعُ يَشْهَد عَلى أَنَّ النّاسَ ـ عامَّةً ـ يَعِيشُونَ ضِمْنَ اِنْساقٍ ثقافيّةٍ مهيمنةٍٍ تتحكًمُ بسلوكيّاتهم ؛ أفراداً أَوْ جَمَاعَاتٍ لكنّهم قَدْ لا يَنْتَبِهُون إلى الْأَسْبَابِ الَّتِي تحرّك تِلْك الأنساق وَلا إلى كَيْفِيَّةِ تَكَوُّنهَا إذ غَالِباً مَا تَكُونُ خفيّةً وَمُتَدَاخِلَةً وَلا يُعْرَفُ مِنْهَا إلَّا النَّتَائِجُ والمُخرجات عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أنّها ذَات تَأْثِير كَبِيرٍ عَلى الآرَاء والمعتقداتِ وَالنَّظَرِيَّاتِ الَّتِي يُؤْمِنُ بِهَا النّاسُ .
إنَّ أَيَّ تَغْيِيرٍ فِي السُّلُوكِ الاجْتِمَاعِيّ , أَوْ فِي الأَفْكَار والمُعتقداتِ الَّتِي يُؤْمِنُ بِهَا النَّاسُ يُعَدّ انعكاساً وَاسْتِجَابَةً لتغيّر النَّسَقِ المعرفيّ الْمُضْمَر ويشي ـ في الوقتِ ذاتهِ ـ بحركيّتهِ , وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابُ هَذِا التَّغَيُّر غَيْرَ وَاضِحَةٍ , لِتَعَدُّدِها وَتَدَاخُلِهَا كَمَا مرّ .
وَبِمَا أنَّ الْمَعَارِفَ والمعتقدات جميعاً تَعَدّ سلوكيّات بشريّة ثمِّ أنَّها مخرجاتٍ تَعْكِس زَمَانَ الثَّقَافَةِ المَحليِّةِ وَمَكَانَهَا , فَإِن كلّ مَعْرِفَةٍ , وكلّ اتِّجَاهٍ فِي حُقُولِ الثَّقَافَةِ لاَبُدَّ أَنْ يَخْضَعَ ــ أولاً ــ إلَى حركيّةِ تِلْك الأنساقِ الْمُضْمَرَةِ , وَيَتَغَيَّر ــ ثانياً ــ تَبَعاً لمقتضيات حاكميَّتها .
وَالسُّؤَال الْأَهَمّ ــ هُنَا ــ هُو : مِن يَتَحَكَّمُ فِي تِلْكَ الأنساق الْمُضْمَرَة , وَكَيْف تتمأسسُ , لتتمتع بِهَذِه السَّطْوَة مِنْ التَّأْثِيرِ ؟
أَنَّ أَيَّ تَحَوَّلٍ أَو تَغْيِيرِ عَلَى مُسْتَوَى السُّلُوك أَو النَّظَرِيَّة يُمَثِّلُ اِسْتِجَابَةً لمتطلباتٍ مُعَيَّنَة , كَمَا أَنَّهُ يُمَثِّل اِسْتِجَابَةً لِعَدَدٍ هائِلٍ مِنْ تِلْكَ الرَّغَبَاتِ والميولِِ الَّتِي تَنْشِدُ التَّحْقِيقَ لكنّها تظلّ زمناً فِي طَوْرِ التكوِّن ، تَنْتَظِرُ الظُّهُورَ , تتبلورُ فِي ذَاكِرَة الأَفْرَاد , والمجتمعاتِ عَلَى شَكْلِ رَغَبَاتٍ تَتَرَاوَح بَيْن الْمَمْنُوع والمرغوب , فَهِيَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا مَوَاقِفُ مشتتةُ تتبلورُ شَيْئاً فَشَيْئاً حَتَّى تَنْضَج لِتُمَثِّلَ نَسَقًاَ مُؤَثِّراً فَتُصْبِح فَاعِلُةً بتراكمِها وتكاملِها , ويساعدها فِي نضوجِها ونموِها ضَعْفٌ الانساقِ المعلنةِ أَوْ قِدَمُ مقولاتها .
إن النَّسَقَ الْمُضْمَرَ يتبلورُ فِي الْخَفَاءِ وَيَدِبّ متسللاً إلَى ثَقَافَةِ الْمُجْتَمَع شَيْئاً فَشَيْئاً حَتَّى تُصْبِحَ مقولاتهُ ثَقَافَةً يُؤْمِنُ بِهَا النَّاسُ فِي العلنِ , وَعَلَيْه يُمْكِنُ أَنْ نَصْفَ تِلْكَ الِانْتِقَالَات بِأَنَّهَا مُفاجِئَةٌ أَو بَطِيئَةٌ مِن مَطْلَبٍ حَضارِيٍّ إلَى آخِرِ غَيْرِهِ لَكِنْ هَذِهِ الِانْتِقَالات الحضاريَّة قَدْ لَا تَمُرُّ بِسَلَامٍ دَائِماً فَكَثِيراً مَا ترافقها خَسائِرُ مِنْ نَوْعِ مَا فَقَدَ تَتَسَبَّبٌ فِي اشكاليّات مجتمعيَّة ومعرفيّة كَثِيرَةٍ , بِسَبَب مايُصاحبها أَحْيَاناً مِنْ انْفِلَاتٍ ومِنْ غيابِ التَّنْظِيم وطابع الصداميّة , أَوْ بِسَبَبِ الصِّرَاع الَّذِي يَحْصُلُ بَيْنَ الرَّغَبَات البَشَرِيَّة المُتَعَارِضَة , أَوْ بِسَبَبِ اتِّسَاع قَنَواتِ التَّغْيِير وَعَدَم ضَبْطِهَا , مِثْلَمَا يِحدّثُ الآن حِينَمَا زَادَت قَنَواتٌ الِاتِّصَالِ فَأَصْبَح التَّغْيِيرُ إِشْكالِيَّةً بِحَدِّ ذَاتِهِ , وللتّمثيلِ عَلى أَثَرِ الأنساقِ وحركيَّتها نذكِّر بمَوَاقِف الْمُجْتَمَع الْعِرَاقِيّ فِي بدايات النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقَرْنِ المنصرم تجَاه تَعْلِيم الْإِنَاث ونذكِّرُ برفضهِ ـ قَبْل سَنَوَات ـ اسْتِعْمَال وَسَائِل التَّوَاصل الحَدِيثَة وَقَدْ تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْمُعْتَقَدَات إلَى حَالَةٍ مِنْ الرِّضَا والتَّكَيُّف شبه التَّامّينِ . .
فَقَدْ كَانَ الْعِرَاقِيُّون حَتَّى النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْقَرْنِ الْفَائِت يَرْفُضُون إرْسَال بَنَاتِهِم إلَى الْمَدَارِس (بل رُبَّمَا رفضوا فَكَرِة الدِّرَاسَة لِلذُّكُور أيضاً) لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ يَنْدَرِج ضَمِنَ الأخلاقيات وَالْمَبَادِئ الَّتِي لَا يُمْكِنُ مُخَالَفَتِهَا مُطْلَقًا لَكِنْ الِانْفِتَاح المجتمعيّ والوعيّ الفرديّ الَّذِي تَسَرَّب تَدْرِيجِيّا بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ بالتبلور فِي أَذْهَانِ أَفْرَاد قَلَائِل بَادِئِ الْأَمْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ شَيْئًا فَشَيْئًا ثَقَافَةٌ صَارَت نَسَقًا مُؤَثِّرّاً وَفَاعِلاً يَدْفَعُ النَّاسَ وبإيمانٍ كَامِل لِتَعْلِيم الْفَتَيَات وتثقيفهن إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَصْبَحَ مَعَه الْمُجْتَمَع الْعِرَاقِيّ يُؤَاخَذُ مِنْ لَا يُرْسِلَ بَنَاتِه إلَى الْمَدْرَسَةِ وينتقده بِشِدَّة وَهَكَذَا تَسَلَّل نَسَق ثَقافِيّ جَدِيد يُؤْمِن بقيم وَمَبَادِئ معرفيّة وسلوكيّة كَانَت بِالْأَمْس الْقَرِيب مرفوضةً تَمَاماً . وَالْأَمْرُ يَنْطَبِقُ عَلَى أَمْثِلَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا رَفَض الْعِرَاقِيِّين لأجهزةِ الستلايت وأجهزة الموبايل وَالاَنْتَرْنِيت وتطبيقاته فِي بِدَايَةِ دُخُولِهَا إلَى الْبَلَدِ لَكِنَّ الْأَمْرَ تَغَيَّرَ تَمَاً بِمُرُور الْأَيَّام وتسرّب القناعات لنفوسِ الْأَفْرَاد حَتَّى بَاتَت تِلْكَ الْأُمُورِ ضَمِن متطلبات الْحَيَاة اليَوْمِيَّةِ . .



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كن حكيما
- حدود العقل
- المشاكسة بوصفها انعكاسا للصراع الطبقي
- براهين وجود الله بين الفلسفة والدين
- أدبيات كورونا
- تجربة يحيى السماوي من منظار آخر , قراءة في كتاب (مرافئُ فِي ...
- التحليل النفسي وأثره في دراسة الأدب
- اللسانيات والتحول الشامل
- القراءة من السياقية إلى العودة للتحليل النفسي
- الأبعاد التاريخية والسياسية للطائفية في العراق
- النحو العربي ولا واقعية المفاهيم
- رأيٌّ في نَشأةِ المُجتمعِ والدَولةِ واللغةِ
- اللغة والتفكير من الصوت الطبيعي إلى المفهوم المجرد
- شرط الفلسفة وضرورات التفلسف
- الناقد وشرط المعرفة بتاريخ الأدب ومذاهبه
- التفكير النقدي , ماهيته , أركانه , متطلباته
- الشرُّ الكامن فينا
- المثقف بين الشعور بالمسؤولية والتحديات
- أنا وكتبي
- العدالةُ هي الحلّ


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - الأنساق الثقافية ، التكوّن والتّأثير