أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ندى أسامة ملكاني - الهوية ذات البعد الواحد















المزيد.....

الهوية ذات البعد الواحد


ندى أسامة ملكاني

الحوار المتمدن-العدد: 7989 - 2024 / 5 / 26 - 14:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الهوية من أكثر المفاهيم تعقيدا في علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية، ويستخدم بدرجة كبيرة في علم النفس الاجتماعي. كيف تعرف نفسك وكيف ينظر إليك الآخرون من خلال الزوايا التي تنظر فيها إلى نفسك أي تفاعل بين الآنا والآخرين هو ما يشكل الهوية. لكن من اللافت للنظر أن الآخرين لا ينظرون إليك دوما من خلال كيفية تعريفك عن ذاتك بل يتأثرون أيضا بالكيفية التي يعرفون فيها عن ذواتهم. ومن هنا قد ينشأ صراع هوياتي بين المجموعات المختلفة في المجتمع ما يؤثر على درجة التفاعل والنسيج الاجتماعي والسياسي فيه.
إن الفصل بين مفهومي الهوية الفردية والهوية الجماعية ليس فصلا جامدا. الهوية الفردية هي السمات التي تميز الشخص عن غيره من الأشخاص من حيث اسمه وجنسيته وعمره ولونه وغير ذلك من الخصائص، بينما يشير مفهوم الهوية الجماعية إلى السمات التي تميز جماعة عن غيرها من الجماعات من حيث الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي أو الجنسي. لكن لأبين تداخل المفهومين وعدم الفصل الجامد بينهما أبرز مثالا، لون البشرة هو سمة فردية ذات بعد سوسيوسياسي، فالتمييز القائم على أساس العرق مرتبط بهوية فردية من جهة والانتماء لجماعة عرقية من جهة أخرى.
إن النظر إلى الفرد وبالتالي إلى الجماعة التي ينتمي إليها من زاوية انتماء واحد قد يشكل خطرا يهدد المجتمع والهوية الوطنية بأسرها. فكما أنا أنتمي إلى دين معين فأنا أنتمي كذلك إلى طبقة ما إلى حزب ما إلى نقابة ما، فأعرف عن نفسي من خلال دوائر الانتماء المتعددة تلك. وليس فقط من زاوية ديني أو طائفتي.
اختزال معنى الهوية في انتماء واحد يخلق التعصب والانغلاق الفكري داخل الجماعة من جهة ويشجع الحروب والنزاعات بين المجموعات الاجتماعية المتنوعة من جهة أخرى. الاقتتال بين الهندوس والمسلمين في الهند الذي يطفو إلى السطح بين حين وآخر على سبيل المثال مبعثه اختزال هوية أفراد هذه الجماعات إلى انتماء واحد وهو ديني من قبل الأفراد الذين يقتتلون، قد يتوسع المفهوم ليأخذ بعدا اقتصاديا بالسؤال هل هذا الاقتتال يشمل أبعادا متعلقة بالدخل وسوء توزيع الموارد؟ عندئذ يكون منبع الاقتتال الديني ذو جذور تمييزية مادية وأبعاد سياسية. إن تحليل أزمات الهوية والاقتتال الديني يتطلب مقاربات متعددة الأوجه. صحيح على سبيل المثال أن الفقر يولد العنف ولكن على المدى البعيد وليس بالضرورة على المدى القريب ، فلذا يجب تحليل العنف بالاعتماد أيضا على مدخل الهوية. وهكذا الال بالنسبة للاقتتال الديني يحتاج ليس فقط إلى مدخل الهوية بل يستلزم إجراء مقاربات اقتصادية أيضا.
إن النظر إلى الفرد على أنه من دين معين أو من طائفة معينة دون الأخذ بعين الاعتبار أنه ينتمي إلى هوية فكرية من اختياره هو تحديدا ظلم للفرد ومبعث للعنف والاقتتال في المجتمعات. هذا النوع من النظرة الاجتماعية يسميه أمارتيا صن، المفكر السياسي الهندي على أنه "هوية اختزالية". إذ يرى أنه بينما نتعامل مع الفرد على أنه ذو انتماء واحد قائم على الدين أو على الثقافة هو إساءة مفاهيمية مغلوطة للفرد، فكما ينتمي الفرد إلى طائفته هو ينتمي إلى مهنة معينة أو إلى فكرة سياسية معينة قد يبدلها ولا تكون متأصلة.
ما يحدث في الوطن العربي يمكن أن نسميه دعوة للتحول الديمقراطي تحولت إلى صراع هوياتي. فمكانزم العلاقات الاجتماعية في الوطن العربي تقوم على انتماء الفرد إلى شبكة من العلاقات الاجتماعية العمودية من طائفة وقبيلة وعشيرة وليس علاقات أفقية قائمة على البعد الذي ذكرته من الانتماء أي إلى ما يمكن أن يعبر عنه مثلا المجتمع المدني والأحزاب السياسية. لذلك كلما كانت الروابط التي تربط الأفراد في المجتمع الواحد روابطا سياسية أو مدنية كان احتمال الأحداث الدامية أقل.
إذا قلنا إن لكل جماعة ميزاتها المشتركة التي تميزها عن الجماعات الأخرى وأن هذه الجماعة قد تختلف عن بقية الجماعات من حيث سمات عديدة ومتنوعة، فإن ذلك لا يؤثر أو لا يجب أن يؤثر على النسيج الاجتماعي والاستقرار الاجتماعي أي لا ينال الاختلاف أو لايجب أن ينال من كون هذه الجماعات تكون شعبا متمايزا ذا هوية مشتركة. في الوطن العربي هناك أزمة في بناء الهوية الوطنية انطلاقا من تحليل هذه الإشكالية أي التنوع مقابل التضاد.
لدى تحليل أزمة الهوية الوطنية في الوطن العربي يمكن تحديد أبعاد أساسية في تقصي ملامحها:
أولا: أزمة بناء الدولة وتآكل شرعيتها وامتداد العلاقات العمودية إلى مفاصل إدارة السلطة ما يعني أن العلاقات السياسية أيضا هي امتداد للروابط الوشائجية. ما يستدعي تفعيل دولة المؤسسات وحكم القانون والانطلاق في التعامل مع الفرد على أنه مواطن في دولته وليس بناء على روابط الزبائنية السياسية.
ثانيا: بنية المجتمع العربي التي تجعل الفرد واقعا بين كماشة سلطة سياسية لا تعترف بحريته وبين عائلة أو قبيلة أو عشيرة يلجأ إليها الفرد لتحميه من دولة لا تحترم كيانه، فيقع في أسر مفهومها عن الهوية والتعصب ضد الجماعات الأخرى
ثالثا: أزمة فكر وثقافة: هناك انشطار ثقافي تعانية النخب بين التغريب والتقليد وهذه النخب يبدو أنها بتوليفتها أحيانا بين خصوصية مجتمعاتها والدعوة إلى الحرية والإصلاحات لم تحسم موقفها الفكري وتمارس دورها المفترض في عملية التوعية والثقافة السياسية للأفراد.
من الخطورة بمكان أن تعريفك عن نفسك باسمك أو ربما ما تدل عليه لون بشرتك قد يجعل فرد آخر من المجتمع ذاته ينظر إليك على أنك تهديد له في وجوده. إن ارتباط الهوية الفردية بالهوية الجماعية يعود إلى أن الفرد يحتاج إلى أن يعرف عن نفسه للمجتمع المحيط به، فحين يسألنا الناس من نحن قإنهم لا يقصدون فقط اسمنا بل أيضا موقعنا في شبكة العلاقات الاجتماعية كالمهنة والطبقة والانتماء الفكري أو السياسي. لكن كما هو خطير أن يدل لونك على جماعتك ويكون سببا في تمييزك بشكل مجحف فإن كانت شبكة العلاقات الاجتماعية وفقا للتحليل الذي ذكرته مسبقا قائمة على الاصطفاف العمودي ستكون خطيرة ومهددة للمجتمع بأسره.
إن التعامل بين الأفراد في المجتمع الواحد على أنهم ذووا انتماءات متعددة يشجع إنتاج روابط مدنية قائمة على الحوار وحل النزاعات سلميا والانطلاق من أرضية جامعة. فمن العسير أن نتصور شعبا دون هوية جامعة. فالدراسات السوسيولوجية تؤكد أن لكل جماعة خصائص اجتماعية ونفسية ومعيشية وتاريخية متماثلة تعبر عن كيان ينصهر فيه قوم منسجمون بتأثير هذه الخصائص المشتركة.
الانغلاق على الذات ورفض التفاعل مع الآخر المختلف يفقد الإنسان متعة الحياة الاجتماعية. قد تعيش الجماعات في عزلة ولكن مد جسور العلاقات مع الجماعات الأخرى والانفتاح عليها يعزز التنوع الثقافي في المجتمعات الواحدة ويبرز سمة تميز الإنسان ألا وهو سلوكه السياسي الواعي المبني على خياراته لا على ما فرضته انتماءاته الأولية. إن الجانب الأعظم من الحياة يتحقق في ظروف التفاعل بين الجماعات المتنوعة في المجتمع. وللدولة دور كبير في تفعيل حكم القانون وإيلاء الثقافة السياسية المبنية على المواطنة أولوية في أي سياسة تنتهجها.
سواء فسرنا أزمة الهوية في الوطن العربي من مدخل السلطة السياسية وعرقلة الانتماءات المدنية وتقييدها أو من مدخل المجتمع وبنيته التقليدية، تبقى مسؤولية النخب الفكرية حاضرة في عملية التوعية المجتمعية وتبقى حاضرة مسؤولية المثقفين في وأد الصراعات المبنية على الهوية ذات البعد الواحد.



#ندى_أسامة_ملكاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل الذي لا يعرف شيئا
- سيناريوهات التصعيد الإيراني الإسرائيلي
- التعصب: أزمة فكرعربي
- التعددية الثقافية في الهند
- هل الحقيقة -هناك- أم أنها نسبية؟
- تسييس أمريكي أم تعددية قطبية؟!
- السياسة كتدبير لشؤون المجتمع
- الديمقراطية والليبرالية
- الديمقراطية والمجتمع المدني
- العلاقات الروسية الأمريكية....بين التعاون والمواجهة
- أصل التفاوت بين الناس
- قراءة في كتاب المجتمع المدني والدولة المدنية
- اقتباسات
- روح السياسة ل غوستاف لوبون
- الشعبوية ٢
- الشعبوية ١
- لمجتمع المدني: دراسة نقدية 2
- قراءة في كتاب المجتمع المدني : دراسة نقدية 1
- قراءة في كتاب غريزة الحرية 2
- قراءة في كتاب غريزة الحرية 1


المزيد.....




- ماذا تفعل إذا تعرضت لهجوم سمكة قرش؟ إليك أهم نصائح الخبراء
- هاريس تهنئ المسلمين في عيد الأضحى: عددكم في إدارتنا أكبر من ...
- الحجاج يواصلون رمي الجمرات في مشعر منى
- حدث استثنائي... ولادة توأم فيلة في حالة نادرة في تايلاند
- باحثون من جامعة هارفارد يفترضون وجود كائنات فضائية بين البشر ...
- معهد سيبري يُحذر من تعاظم دور الأسلحة النووية في التوترات ا ...
- -روستيخ- تعلن عن تسليم الدفاع الروسية دفعة دورية من قاذفات - ...
- حصاد مؤتمر سويسرا حول أوكرانيا، مخيّب للآمال
- الولايات المتحدة تمنح أوكرانيا ضمانات وهمية
- ما خطوة روسيا التالية بعد اقتراح بوتين السلام؟


المزيد.....

- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ندى أسامة ملكاني - الهوية ذات البعد الواحد