|
مضامين الاستقلال السوري الثاني اليوم
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 7949 - 2024 / 4 / 16 - 17:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تمر الذكرى الثامنة والسبعين للاستقلال الوطني الأول لسورية في الوقت الذي يوجد فيه أكثر من مليون شهيد، وأكثر من 5 مليون نازح داخل البلاد وما يتجاوز 6 ملايين لاجئ ومشرد خارج سورية، وأكثر من مليون معاق، وحوالي مليوني طفل خارج عملية التمدرس. وإذا كان من الصعب أن نجري حساباً لوقائع وتطورات الحراك الشعبي السوري الذي انطلق في آذار 2011، والذي كانت مآلاته لا تتناسب مع حجم التضحيات، لأنّ فيه الكثير من التعرجات والتعقيدات وخطايا من تنطح لقيادته، فإنّ ما يميّز اللحظة الراهنة، مع انكشاف إجرام النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، هو الحراك الشعبي في السويداء الذي يمكن أن يبلور البديل الوطني الديمقراطي بالتلازم مع النضال الإنساني العام، الممكن والضروري، نحو الاستقلال الثاني لسورية. فالثابت أنّ حراكاً إنسانياً رائعاً جرى بحجم كبير وتضحيات كبيرة، ويتجه نحو مواطن سوري جديد، ووعي سوري جديد، بما ينطوي عليه ذلك من تألق للوطنية السورية الجامعة ذات العمق الإنساني. لقد جاء الحراك من وعي تشكّل في مكان عميق من العقل والوجدان الشعبيين، وهو مكان لم يعد قادراً على تحمّل أو فهم دواعي استمرار الاستبداد المستفحل منذ أكثر من ستة عقود. كما أنه يحمل ميزة إضافية، بعد أن كُشفت حالة التزييف التي كانت تكتسب بها سلطة الاستبداد شرعية مزوّرة، وفضائح قيادات المعارضة الرسمية. لقد بدأت تتشكل قيادات جديدة شابة قادرة على استيعاب معطيات التحول العالمي نحو الديمقراطية، وتمسك بزمام الأمور وتتحكم بحركتها حسب المتغيّرات، رغم وجود حالات تشويش فردية. واكتسبت هذه القيادات الخبرة اللازمة، في سياق عملها وتراكم خبراتها، بالاحتكاك مع المخضرمين من المعارضين السياسيين والمثقفين ونشطاء المجتمع المدني السوري، فأنجزت أعمالاً مشهودة في السنوات الأخيرة. وهي تعرف أنّ هذا الليل السوري الطويل لن ينجلي بسرعة، وأنّ أمامها مهمات شاقة وتضحيات كبرى، لكنها تعرف أيضاً أنّ لا عودة إلى الوراء، وأنّ لا خيار أمامها سوى مواجهة ظلام هذا الليل الطويل بالتحدي والتفاؤل. إنّ الحالة السورية، التي دفعت الشعب السوري للحراك الثوري، مزمنة عمرها أكثر من ستين سنة، وهي أزمة تطال كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. والشعب السوري قرر تصفية الحساب مع مسببيها، من خلال الانتقال بسورية من حال الاستبداد والدولة الأمنية إلى حال الحرية والدولة التعددية الديمقراطية عبر حوار جاد ومسؤول، تتمثل فيه جميع مكوّنات الشعب السوري والأطراف السياسية وقوى المجتمع المدني وممثلي الشباب الثائر. وإذ نتحدث اليوم عن هذا الحراك فلا بدَّ لنا من أن نرى بأنّ العفوية كانت طابعه الطاغي، وما أن سلك طريقه وكوَّن جمهوره حتى بدأ الوعي المطابق لحاجات التقدم يحتل – تدريجياً - مكان العفوية لدى أقسام واسعة من جمهوره. ويبقى هذا الحراك هو الفاعل الأساسي في سورية اليوم وهو أيضاً الصانع لقيم جديدة على طريق الاستقلال الثاني: الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، ولشرعية جديدة قائمة على المواطنة. ففي سورية الجديدة لن تكون مصادرة حرية الرأي مقبولة، ولن يكون سجن صاحب الرأي ممكناً بلا مقاومة، ولن يكون انتهاك حقوق الإنسان مقبولاً، ولن يكون السكوت عن الفساد والتسلط أمراً طبيعياً. وفي سورية الجديدة لن يقبل الناس بعدم المشاركة، بل سيتصرفون انطلاقاً من حقهم الطبيعي في الكرامة والعدالة والمساواة التامة في وطنهم. لن تكون سورية بعد اليوم مزرعة لأحد، كما كانت لعقود طويلة، وإنما وطن الحرية والكرامة لجميع أبنائها. لن تكون بلد التمييز والظلم والإقصاء، بل وطناً واحداً لشعب سوري موحد، لا حديث فيه عن أكثرية وأقلية بل مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات، لا يراعي في معاملته مع أبنائه أي اعتبار قومي أو مذهبي أو طائفي أو مناطقي، ولا اعتبار فيه إلا للكفاءة والإخلاص، والمقدرة على البذل والتضحية في سبيل المجموع. سيحمي دستور سورية الجديدة حقوق كل مكوّنات المجتمع السوري، حيث سينال فيها الأكراد والآشوريون والتركمان.. ما حُرموا منه من حقوق وما عانوه من تمييز. ستتمفصل في سورية الجديدة السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وستحاسَب فيها الحكومة المقصّرة وستكون السلطة بيد الشعب يقرر من يحكمه عبر صناديق الاقتراع. ستكون سورية المستقبل دولة الحق والقانون، يتساوى فيها الجميع أمام القضاء المستقل، ويكون للجميع الحق ذاته في تشكيل المنظمات والأحزاب والجمعيات، والمشاركة في صنع القرار. ومن غير الممكن تصوّر تغيير ديمقراطي ناجح في سورية بمعزل عن عودة الروح إلى المجتمع المدني، وضمان مؤسساته المستقلة عن سلطة الدولة، كي يسترد المجتمع السوري حراكه السياسي والثقافي، بما يخدم إعادة بناء الدولة الوطنية السورية الحديثة. وفي المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية لا ينبغي توجيه طاقات الشعب السوري لتصفية الحساب مع الماضي وإهمال تحديات الحاضر وتأجيل التفكير في آفاق المستقبل، لأنّ تصفية الحساب مع الماضي ينبغي، استعانة بخبرات الدول الأخرى التي انتقلت من السلطوية إلى الديمقراطية، ألا تؤدي في النهاية إلى تفكيك الدولة ذاتها. إنّ الحل في أيدي الشعب السوري وتنسيقيات الحراك الثوري في الميدان وفي المهاجر، وخطة طريقه واضحة: - الاستمرار في هذا الحراك حتى يُرغَم بشار الأسد على الرحيل أو تفويض سلطته لحكومة انتقالية طبقاً لبنود جنيف 1 والقرار 2254، بمشاركة شخصيات من السياسيين والتكنوقراط الذين لم يلطخوا أياديهم بدماء الشعب السوري، حكومة تدير شؤون البلاد وتحافظ على كيان الدولة ومؤسساتها. - تشكل هيئة وطنية للحقيقة والعدالة والمصالحة بمشاركة هيئات المجتمع المدني، مهمتها التحقيق في الجرائم ومعالجة الآثار القانونية والنفسية لإرهاب السلطة الماضية، وقطع الطريق على أية أعمال انتقامية أو طائفية، والعمل على مصالحة أبناء الشعب والمساعدة على ترميم الشعور الوطني والقيم الإنسانية التي زعزعتها المحنة. - تنتهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات، بعد تشكيل هيئة سورية مستقلة للإشراف عليها، بوجود مراقبين عرب ودوليين، لاختيار أعضاء جمعية تأسيسية، تتولى اختيار رئيس جديد للبلاد، وتعيين حكومة تمثيلية ووضع دستور على أساس النظام البرلماني الديمقراطي التعددي، وضمان قيام الدولة المدنية في سورية. إنّ مستقبل سورية يُصنع اليوم، سورية الجديدة التي نتمناها، نطمح إليها ونعمل من أجلها، سورية الحرية لا سورية الاستعباد، سورية الكرامة لا سورية التمييز، سورية المحبة لا سورية الحقد، سورية الأخوة لا سورية الضغينة، سورية التقدم لا سورية التخلف.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو توسيع أساليب التفكير الحديث
-
نحو عقد اجتماعي جديد في العالم العربي
-
نحو إصلاح عربي جوهري
-
في الحاجة إلى تجاوز التأخر التاريخي العربي
-
مرتكزات العيش المشترك بين المكوّنات السورية
-
مخاطر لعبة الأمم على الجغرافيا السورية
-
العالم العربي يفتقد الدولة الأنموذج
-
تحديات الخطاب السياسي العربي
-
العالم العربي بحاجة ماسّة إلى التغيير
-
أهم القضايا المؤجلة للنهضة العربية الحديثة
-
إخفاق العرب تجاه المطامع الأجنبية والعدوانية الإسرائيلية
-
تفاقم احتقان الشعوب العربية على الصعيدين السياسي والاجتماعي
-
تعثّر التنمية الشاملة في العالم العربي
-
الموارد العربية اسُنزفت والإرادة انتُهكت
-
هدر الموارد المادية والبشرية في العالم العربي
-
مأزق العمل العربي المشترك
-
انبعاث الفكر الأصولي والعصبيات ما قبل الوطنية
-
الأبعاد الثقافية للتأخر العربي الراهن
-
التعاطي العربي الكلامي السطحي مع المشكلات
-
محرقة غزة في الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق ا
...
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|