أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - عرفاناً لروح الحاج محمد بلغيت ..















المزيد.....

عرفاناً لروح الحاج محمد بلغيت ..


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 7937 - 2024 / 4 / 4 - 00:12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من بصمات القناة الثانية المغربية ذات يوم، ومن ذاكرتها الجميلة الماتعة التراثية الترابية الرفيعة المستوى، برنامج موسوم ب"ابواب لمدينة" وقد كان في حينه ولا يزال حتى الآن بوقع خاص في ارشيف المغاربة الاعلامي المرئي قبل حوالي عقدين من الزمن. ولعل "ابواب المدينة" هذا، كان بجولة باذخة عبر عدد من مدن البلاد التاريخية الأصيلة، بحيث ترك ما ترك من إثارة وإقبال وتتبع وفرجة وثناء وتثمين عال، لِما كان عليه من مادة جاذبة ومستوى أداء واخراج وجديد وتجديد وايقاع، فضلا عن تعريف وابراز لجوانب عدة كانت مغمورة هنا وهناك من حواضر المغرب ومنها حاضرة تازة. ولعل حلقة تازة كما تحضر في ذاكرة أهلها، كانت بشموخ وهيبة وتميز ونوعية ضيوف ومساحة تراث مادي ولامادي فضلا عن فن وعلم وأدب وأعلام. حلقة رغم مرور حوالي عقدين من الزمن عن إعدادها وتقديمها، لا تزال بقدر معبر من اطلاع وزيارة واهتمام على"اليوتوب".
ويسجل أن من وجوه تازة التي كانت بتوقيع خاص في حلقة تازة هذه، لِما أضفاه عليها من عبق اصول وهوية وتراث وانسانية انسان وثقافة وذاكرة محلية، هناك الحاج محمد بلغيت رحمه الله الذي وافته المنية بتازة ربيع سنة 2008. ُيذكر والشيء بالشيء يذكر كما يقال، أنه قبل إعداد حلقة تازة وتصويرها اتصل بي فريق البرنامج في شخص مقدمه "سعيد بلفقير" أحد علامات نجاحه وتميزه وتألقه الوطني آنذاك، قبل أن أجالسه عندما حل فريق التصوير بالمدينة، في شأن مقترح يخص شخصية تازية أصيلة حاملة لِما هو هوية محلية لتكون شخصية حلقة تازة. علما أن البرنامج كان بفقرات عدة متناغمة شملت فضلا عن شخصية المدينة، ما هو تراث وتاريخ وسياحة ومعالم أثرية وشخصيات تازية عمومية وفنون وأدب وأبحاث وغيرها. وحصل أن اقترحت على برنامج أبواب المدينة هذا، اسم "الحاج محمد بلغيت" قبل اي اتصال مسبق به ولا استشارة له. وعليه، لتأكيد الفكرة وترتيبها وادراجها ولأن التصوير كان سيتم في اليوم الموالي مباشرة لضيق الوقت، كنت مضطرا لزيارة الحاج محمد بلغيت رحمه الله في بيته خلال نفس اليوم في وقت متأخر من المساء (حوالي منتصف الليل)، والحال أن الرجل كان من الذين يفضلون النوم باكرا. وعليه، ما كان لزيارتي من مفاجأة دون أي قلق ولا ازعاج لِما كان يكنه لي من تقدير ومحبة ولِما له من مكان خاص لدي ايضا. هكذا حصل ما حصل عندما بلغه خبر رغبتي في مقابلته لأمر يهمه ويهم تازة عبر ابنه السي نور الدين بلغيت ذات ليل قبل حوالي عقدين من الزمن، وقد استقبلني بابتسامة معهودة ونكتة وقرفشة وحكاية منعشة، قائلا لي رحمه الله: " اشنو بغيتي عندى أولد انويكًة في هذ الليل"، فضلا عما شابه هذه الحرجات التي كان بنبوغ وتلقائية تازية فيها، هكذا اخبرته بالنازلة وعلى أنه مدعو لتصوير مع القناة الثانية باعتباره شخصية تازية جامعة بين جمال سحنة وأناقة وقبول وهوية. وبقدر ما أبان بداية عن عدم استعداد ... بقدر ما اقنعته بعدما اطلعته على محور التصوير ونقاطه بالمدينة العتيقة. فكان جوابه رحمه الله بحضور نجله، "ايوا يصبح ويفتح" محددا معي موعدا صباح اليوم الموالي. وهو ما حصل بعد أن اكتملت الصورة والمهمة المنشودة منه، قبل أن نؤكد لفريق البرنامج ان شخصية المدينة جاهزة للتصوير وأنها ستكون متميزة.
الحاج محمد بلغيت التازي الذي أثث حلقة تازة من برنامج"ابواب المدينة" أحسن تأثيث، من مواليد نهاية ثلاثينات القرن الماضي بمستوى دراسي معبر قبل استقلال المغرب، تدرج في عدد من المهام والأدوار الادارية هنا وهناك، الا ان ما طبعه وطبع وجدانه، عشقه المبكر لكل ما هو تراث فني مغربي اصيل، وبخاصة طرب الآلة الأندلسية التي احاطها بكثير من الجهد والاهتمام والبناء والإغناء والغيرة والدعم والجمع على هذا المستوى وذاك. عناية بدأت منذ ستينات القرن الماضي، وقد تزايدت أكثر من خلال جمعية كانت هي الأولى من نوعها محليا في هذا الاطار"جمعية هواة الموسيقى الأندلسية"، التي تحمل مسؤولية رئاستها منذ نهاية سبعينات القرن الماضي حتى مطلع تسعيناته. وفضلا عن طرب الآلة كان الحاج محمد بلغيت رحمه الله، عاشقا فاعلا في حقل فني المديح والسماع، بل يسجل له أنه كان بأثر في توسيعه وتأطيره من خلال ما كان عليه من مشاركات هنا وهناك، ضمن مهرجانات وطنية كانت بما كانت عليه من أهمية ودرجة وصدى، من قبيل المهرجان الوطني لفن المديح والسماع لجمعية ابي رقراق، فضلا عن إحداثه لجمعية كانت بدور ترسيخ ومشتل واشعاع، وهي الجمعية التي كان يشرف عليها "مجموعة الفتح لفن المديح والسماع بتازة".
بعض مما كان عليه الحاج محمد بلغيت في علاقته بتراث وثقافة وطرب تازة الأندلسي ومديحها وسماعها في سنواته الأولى، وبعض مما كان عليه الرجل من خدمة لهذا الأثاث عندما جعل بيته لسنوات وسنوات قبلة لكل تفاعل وفعل وإعداد واستعداد وتمرين وإغناء واستقبال وبرمجة...، وكذا ملتقى لكل مثقف وموسيقي وزائر في كل مناسبة مناسبة كما هو غير خاف عن كثير. علما أنه ولد رحمه الله وسط أسرة بتقاليد وعادات أصيلة تازية، ضمن أجواء روحية تحديدا منها ما هو مديح نبوي وأناشيد دينية وتراتيل قرآنيةوسماع. كيف لا ووالده رحمه الله كان من مريدي الزاوية الوزانية، يزورها باستمرار للارتواء بما يطيب القلب والنفس من روح مديح نبوي. وهو ما جعله يؤسس تقليدا خاصا لاحياء ليالي روحية شبه اسبوعية كان يقيمها بشكل منتظم في بيته بتازة. ولعل طبيعة الوسط الأسري هذا، كان بأثر في عشق الحاج محمد بلغيت لكل مديح وسماع فضلا عن عشقه ايضا لطرب الآلة الأندلسية، التي اجتهد في حدود إمكانه لحفظ اشعارها وتتبع مواعيدها وأعمال رجالاتها، الذين تقوت علاقته بهم بعد تأسيس "جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بتازة". وهي العلاقات التي تمكن عبرها من اسماع صوت المدينة وتجاربها هنا وهناك محليا جهويا ووطنيا، لدرجة تحقيق تسجيل بعض الصنائع الأندلسية بالاذاعة والتلفزة المغربية مطلع ثمانينات القرن الماضي. وعليه، ما يسجل للرجل من فضل ضمن هذا المستوى وذاك خدمة لتازة وثقافتها وتطلعاتها الفنية التراثية. تحديدا ما أحاط به فني المديح والسماع من عناية وحضن واجتهاد وجمع وتجميع وتحفير ودعم، لدرجة أن ما جاء لاحقا من مشهد واضافات وعطاء وبروز، هو نتاج جهد سلف كيفما كان شأن وسقف بصمة هذا السلف.
وعيا بما كان عليه الحاج محمد بلغيت، من حس فني وعشق موسيقي أندلسي وولع بالمديح والسماع ومن دور في تأثيث ما كانت عليه تازة من مشهد، ارتأى المعهد الموسيقي في بادرة نبيلة من مديره آنذاك الأستاذ عبد اللطيف المزوري ذات رمضان قبل ربع قرن بالتمام والكمال، تنظيم حفل تكريمي ضمن برنامج رمضاني" عشر ليال وليلة من حدائق التراث بتازة"، بتنسيق مع المندوبية الاقليمية لوزارة الثقافة بتازة من خلال مندوبها آنذاك الأستاد محمد بلهيسي. حفل تكريمي رفيع المستوى ليلة 24 رمضان من سنة 1999 برحاب رياض اسرة الغيساسي بالمدينة العتيقة، وقد أطره طلبة وأساتذة معهد تازة الموسيقي وجوق طرب الآلة به برئاسة الأستاذ أحمد الشيكي رحمه الله. بارك الله فيما كانت عليه تازة من عطاء وتدفق بنكران ذات، وفيما كان قائما شاهدا بالمدينة من روح تلاقح وتواضع ثقافة فضلا عن قيم عرفان ومحبة جامعة وتقدير.



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تازة تستقبل جمعية المسلمين الجزائريين ..
- من أمس تازة الثقافي التشكيلي ..
- حول الأستاذ محمد الكًحص التازي ..
- حول هيبة مسرح تازة الذي كان ..
- حول المفكر الاقتصادي عزيز بلال التازي ..
- عرفانا لروح نوح محمد مزيان ..
- في رحاب رياضة تازة للتحدي والقوة ..
- عرفانا للأديب القاص الكبير أحمد بوزفور ..
- عرفانا للفزيائي النووي عبد السلام حمادة التازي ..
- عرفانا للإعلامي القدير عزيز ريباكً التازي ..
- عرفانا للمبدع المسرحي محمد بلهيسي ..
- الى روح عبد اللطيف الدقشي ..
- قبيلة البرانس بعيون أو نص بحثي تاريخي مُؤسِّس ..
- جامعة ابن طفيل تحتفي بالأستاذ محمد الغرايب ..
- بين سؤال القسم المشترك ورهان التجاوز..
- حول الرياضة بتازة زمن الحماية ..
- حول التدبير المتمحور حول النتائج ..
- جرسيف وإرث وادي ملوية ومللو ..
- بني وراين .. بعض من الزمن ..
- حول أسطرلاب جامع تازة الأعظم ..


المزيد.....




- بايدن يتحدث عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات: - ...
- بايدن يكشف ما إذا كانت احتجاجات الجامعات ستُغير سياسته تجاه ...
- الاستخبارات الأمريكية: لم نجد أي دليل على تورط روسيا في الاح ...
- إيران تنفي التقارير حول -الاعتداء الجنسي على المتظاهرة نيكا ...
- توقيف 3 مشتبه فيهم بقتل شخص بمنزله وسرقته جنوب شرق الجزائر
- تحقيق لبي بي سي يظهر احتمالية ارتكاب إسرائيل لجريمة حرب بقتل ...
- بعد حماس وحزب الله.. الحوثيون يواصلون حفر الأنفاق وبناء الم ...
- من سيدفع المال لإعادة إعمار غزة بعد الحرب؟
- شاهد بالفيديو.. البابا فرنسيس والعاهل الأردني يتبادلان الهدا ...
- الاستخبارات الأمريكية تعترف بقدرة روسيا على تحقيق اختراقات ع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - عرفاناً لروح الحاج محمد بلغيت ..