أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد صبيح - رصيد الغضب















المزيد.....

رصيد الغضب


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 7926 - 2024 / 3 / 24 - 14:24
المحور: القضية الفلسطينية
    


فجأة صار للبشر في غزة، المحاصرون والمجوعون، قيمة.

كل من ساهم في حصارهم وتجويعهم وقهرهم، بايدن والأوربيون والأنظمة العربية، صحت "ضمائرهم" وصاروا في لمح البصر إنسانيين يثير بؤس الغزاويين وآلامهم عواطفهم ويهز مشاعرهم.

ولايحتاج الأمر إلى فطنة كبيرة ليكتشف الواحد منا أن انبثاق العاطفة الجياشة هذه لا علاقة له بأي حس إنساني أو أخلاقي، وأن كل طرف دعا إلى حل للأزمة الإنسانية في غزة له أسبابه الخاصة، ورغم تنوع هذه الأسباب والدوافع بحسب اختلاف الظروف والحاجات لكل طرف منهم لكن هناك أيضا ماهو مشترك بينهم، واهم هذه المشتركات هو إنقاذ "إسرائيل" نفسها من نفسها.

ابتدأت بوادر هذه الدعوات قبيل شهر رمضان، فقد كانت لأجهزة المخابرات، خصوصا المصرية، توقعات في أن استمرار العربدة "الإسرائيلية" ستكون له عواقب مقلقة عند العرب والمسلمين في هذا الشهر، وبدا أن تبني الإدارة الأميركية لدعوات الحل وكأنه استجابة، وإن كانت بسيطة، لحاجات الأنظمة العربية القلقة من "رأيها العام المحلي" بسبب مواقفها وسلوكها المؤذي للفلسطينيين ولكل من وقف إلى جانبهم أثناء الأزمة. لكن لـ"بايدن" أيضا حسابات وتوازنات أخرى منها ماهو انتخابي، وسنتنا هذه سنة انتخابات، خصوصا وأن حجم ناخبيه من العرب والمسلمين وغيرهم ممن ناصروا الفلسطينيين كبير ومؤثر. ومن جهتهم فإن الأوربيين ماعادوا يستطيعون المطاولة بالصلف ومعاندة حركات الاحتجاج الداخلية التي تتنامى وتتجذر، وما يمكن أن تتركه من آثار وتبعات على مجتمعاتهم ومصائرهم السياسية. لكن جميع هؤلاء اصطدموا بعقبة مزعجة هي "نتن ياهو" وحكومته، أولا لأنه فشل في تحقيق ما توعد ووعد به بالمدة الزمنية التي تمكنهم من تحمل الضغوط الفعلية والمحتملة وما يمكن أن ينتج عنها من تبعات مستقبلية ( خصوصا للأنظمة العربية)، وثانيا لأسلوب إدارته للمعركة الذي اتسم بالعنف المفرط الذي لايمكن تبريره، والذي يرقى، إذا كان هناك عدالة وحق في هذا العالم، إلى مرتبة جريمة إبادة.

لكن ماهي رهانات ومخاوف هؤلاء؟

الغربيون باتوا في حالة حرج ليس فقط لأن الجريمة لايمكن تغطيتها وإنما لأن إدارة "نتن ياهو" للأزمة وماعكسته من آثار تفكيكية للداخل "الإسرائيلي" بات يشكل خطرا فعليا على "إسرائيل" نفسها ككيان، فحالة التماسك الداخلي "الإسرائيلي" بدأت تتصدع نتيجة لخلافات بدأت تأخذ شكلا بنيويا انقساميا وذلك لأسباب ومواضيع مختلفة، منها صراع التوجهات السياسية والفكرية، وبالتالي الاجتماعية، بين اليمين الديني والقومي وقطاعات المجتمع المدني العلماني، وإذا لم تظهر الآثار العميقة لهذا التجاذب على السطح الآن، بسبب من وقوف المجتمع "الإسرائيلي"، المذعور والمستنفر لطاقته العدوانية، وراء مشروع القضاء على حماس وتهديدها المستقبلي الذي أظهرت قدرته الكبيرة مفاجأة 7 أكتوبر، وما تركه ذلك من أثر وجداني ومخيلاتي أخذ شكل الخطر الوجودي في الذهنية "الإسرائيلية"، ومس الجذور العميقة للمشروع الصهيوني (إقامة الدولة اليهودية)، فسيكون له نتائج ربما تكون قاتلة في المستقبل. كما أن منظر "إسرائيل " "المتحضرة"، وفق السردية الصهيونية الذي ساقته وروجته دعايتها للعالم، وهي عماد وجود وتفوق "إسرائيل" على العرب، بدأت تتآكل بشكل ملحوظ ما ينبئ باحتمال سقوطها الكامل، وهذا سيعني أن التضامن والدعم الذي طالما حصلت عليه "إسرائيل" بدون شروط طوال وجودها سيقوض، وهم يدركون، كأي عاقل، أن "إسرائيل" هذه ما كانت لتقوى على البقاء هذه المدة بغير هذا الدعم، هذا إضافة إلى مخاطر الفشل العسكري بالمواجهة في غزة، بغض النظر عن التفوق الشكلي "الإسرائيلي"، إلا أنه يمكن أن ينتهي، إذا أخفق الجيش "الإسرائيلي" في تحقيق أهدافه المعلنة: تدمير بنية حماس العسكرية وإبعاد تهديدات حزب الله وتحييد إيران بطريقة ما، وقبل كل ذلك إطلاق سراح أسراه، ما يعتبر في مقاييس من يواجهونه بمثابة هزيمة ستترك هي الأخري بصماتها على مستقبل الكيان كله، لذا يمكن القول أن هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تؤدي إلى خلق أزمة بنيوية تهز "دولة إسرائيل" هزة عميقة تخلخل بنيانها وتهدد تماسكها إن لم تحطمها وتقضي عليها.

سأفتح قوسا هنا لأقول: أن من مصلحة "إسرائيل" دائما عدم قيام أي ديمقراطية في محيطها العربي وذلك من أجل تعزيز سرديتها وضمان تفوقها لتبقى هي صاحبة الامتياز والفرادة في لقب الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وليس ديمقراطية بين ديمقراطيات، الأمر الذي يبّهت من ” ألقها” أمام الغرب المنبهر بها.

على هذه الأرضية والمتغيرات ولدت مخاوف حلفاء "إسرائيل" من أنها في حالة تهديد وجودي، ولهذا سعوا لنجدتها وتخليصها من شرورها الذاتية التي ستدفع بها للتآكل والانهيار، وهكذا بدأت ترتفع أصوات من أكبر مؤيدي "إسرائيل" داخل أمريكا وكذلك بعض الدول الأوربية تدعوا للوصول إلى هدنة ومن ثم حل يؤمن مصالح "إسرائيل" كاملة، وأخذوا ينتقدون "نتن ياهو" ويوجهون اللوم إليه وإلى أتباعه لعرقلته بتعنته تلك الجهود المتأخرة جدا، ويسعون لإبعاده عن مركز القرار بتبني غريمه "غانتس" الذي يوشك أن يشق صف الحكومة وربما الداخل "الإسرائيلي" كله بمحاولته التمايز عن "نتن ياهو"، وتقديمه بديلا عنه علّه يأخذ الأمور باتجاه حل يعيد المياه إلى مجاريها الأولى، وهذا محال من الناحية الموضوعية، فما وقع في 7 أكتوبر هو منعطف وزلزال ستكون له ارتدادات واسعة وعميقة ولا يمكن التحكم بمآلاته بالطريقة التي يرغب بها أي طرف من أطراف الصراع.

في هذه اللحظة أخذ البعض، بينهم عرب، يصور الأمر وكأن الصراع هو بين متطرفين من الجانبين (حماس واليمين "الإسرائيلي”) وهذا التصور، كما لا يخفى، يُسقط ويتجاوز في نظرته وتأويله سياقات صراع له جذور تتجاوز بالزمن ألـ 80 عاما، وفي التركيب تعقيدات ومسارات سياسية وتاريخية وثقافية لا تقبل ولا تحتمل مثل هذا التبسيط الساذج.

غير أن تعنت "نتن ياهو" الذي يوشك أن يحوله إلى مغرد خارج كل الأسراب، كشف لبعض من سعوا للحل أن مخاوفهم، المخاوف العربية تحديدا، قد بولغ فيها، فما كانوا يخشونه من رد فعل شعبي محتمل أثبتت وقائع الأيام، وقد بلغ شهر رمضان منتصفه، أنه غير حقيقي، فالشعوب العربية لا تعترض ولا تنتفض، لأنها تعيش في غيبوبة وعي مزمنة، وهي لا تحركها همومها وأوجاعها الخاصة فكيف تنتفض لأوجاع الآخرين؟!!

لكن والحق يقال فهم لا يقصرون وبسخاء في اتباع "استراتيجية الدعاء" الفعالة!!

وعلينا الإقرار هنا أن الشعوب العربية قد أدمنت الخنوع. فهي قد تتحرك إذا مُس مقدس ديني لها، لكن انتفاضها هذا يشترط التوافق مع حكامها وموافقتهم ومباركتهم، وهي تنتفض إذا كان الجاني والمعتدي بعيد ولا تضر مهاجمته مصالح وهدأة بال الحكام، كأن يكون رسوم في الدانمارك أو فرنسا مسيئة لأحد أكبر رموزها قدسية، عندها يمكن الانتفاض، ففي مثل هذه الحالة سيستفيد الجميع؛ الجماعات الإسلاموية وكذلك الحكام وبالتأكيد "الشعوب"، أما أن يكون المس بهذا المقدس محرجا لأنظمة حكمهم" أولي الأمر"، كالمسجد الأقصى مثلا، حينها سيتقدم عندهم "العقل والحكمة" على التفكير "الغوغائي"، ويصبح من يدعوا لحماية هذا المقدس وحفظ رمزيته مزايدا يدعوا للقلاقل وعصيان "أولي الأمر”.

لهذا ربما كان مفاجئا للأنظمة العربية المؤيدة لـ"إسرائيل" والتي وقفت بعلنية ضد الفلسطينيين بحجة الاختلاف مع حماس أن ”شعوبها” حافظت على العهد وبقيت ”خنوعة” صامتة.

قد تكون الأنظمة العربية قد اطمأنت تماما لخنوع شعوبها الذين أخذت تتحكم بهم حالة عصية من الخدر المرضي واللامبالاة، بعد أن تعطلت لديهم طاقتهم القديمة "اللعينة"، طاقة النضال، وتشبعوا بذهنية عدم الاكتراث بالشأن العام، سواء كان شأنهم أم شأن ذوي القربى، وصار همهم الأول والأخير هو اللهاث وراء لقمة العيش، أو اللهو العبثي الذي كبتته سنوات الإيمان الوهابي المغلق، لكن يبقى الغضب المكبوت، مهما تحايل التاريخ والزمن والحكام، يجمع حسابه ليكون رصيدا ثقيلا بمتطلبات كثيرة وملحة على حامليه الغاضبين أولا، وعلى من يخلق هذا الغضب ويثيره، ثانيا، وإلى أن ينتقل هذا الغضب من رصيد متراكم إلى فعل تاريخي يغير الواقع، ستبقى الخيبة والخنوع هما العلامتان المميزتان للمواطن العربي، الذي خاف وصمت في شهر رمضان، وسيصمت ويخاف في كل شهور السنة.


***

قال مرة الشاعر والكاتب الفلسطيني الراحل "زكريا محمد" في إحدى تحليلاته السريعة على الفيسبوك أن "نتن ياهو" بمواقفه وممارساته اليمينية المتشددة، يخدم القضية الفلسطينية كثيرا، بمعنى أن سلوكه يكشف الوجه الحقيقي للمشروع الصهيوني، ويزيل عنه مساحيق الخداع التي ضلل بها العالم بسرديته الكاذبة، ما يؤدي إلى تراجع حظوظ المشروع بانفجاره داخليا.

هل نشهد نتائج هذا التحليل على الأرض اليوم؟

إذا كان الأمر كذلك فسيسجل التاريخ للراحل "زكريا" السبق في هذا الاكتشاف.





#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخازن للأدعية
- آن الأوان
- هينز الفريد كيسنجر
- ما يريدونه و ما يستطيعونه
- خطوط حمر لا أخلاقية
- بين الواقع والمؤامرة
- بداية ونهاية
- مفترق 14 تموز
- هل سيعيد التاريخ نفسه؟
- ممكنات التغيير في الأنظمة الشمولية
- ما وراء عبّادان قرية
- المتحولون
- عن متلازمة ستوكهولم
- المساواة الحقة!!
- في أصل الدمج وفصله
- استراتيجة (ثلاثية الأبعاد)
- خواطر عن المثلية
- في مواجهة الوباء
- تداعيات محلية لوباء عالمي
- كورونا


المزيد.....




- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعتقل 4 مواطنين و9 إثيوب ...
- اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون -خدعة- أو مقدمة لحرب مدمرة
- بسبب استدعاء الشرطة.. مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للت ...
- روسيا تستهدف منشآت للطاقة في أوكرانيا
- الفصائل العراقية تستهدف موقعا في حيفا
- زاخاروفا: تصريحات المندوبة الأمريكية بأن روسيا والصين تعارضا ...
- سوناك: لندن ستواصل دعمها العسكري لكييف حتى عام 2030
- -حزب الله-: مسيّراتنا الانقضاضية تصل إلى -حيث تريد المقاومة- ...
- الخارجية الروسية: موسكو تراقب عن كثب كل مناورات الناتو وتعتب ...
- -مقتل العشرات- .. القسام تنشر فيديو لأسرى إسرائيليين يطالبون ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد صبيح - رصيد الغضب