أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - بداية ونهاية















المزيد.....

بداية ونهاية


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 7690 - 2023 / 8 / 1 - 22:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن ليخطر في بال "آلفريد موند"، الداعية الصهيوني البريطاني، أن زيارته إلى بغداد في شباط عام 1928 سوف تبلور وضعا اجتماعيا وسياسيا كان بحاجة إلى باعث ما ليطلقه. فقد انطلقت في بغداد تظاهرات كبيرة احتجاجا على تلك الزيارة، وما ميز تلك التظاهرات هو أنها كانت منظمة، ورُفعت فيها، لأول مرة، لافتات مخطوطة. وكان ذلك تحولا نوعيا لشكل الاحتجاج السياسي في العراق، اتسم بطابع حداثي سلمي ومتمدن، وذلك بعد سنوات قليلة من ثورة العشرين العنيفة.

منظموهذه الفعالية كانوا قد انتظموا قبل سنتين في ناد اجتماعي ثقافي أسموه (نادي التضامن)، ضم مجموعة طليعية من مثقفي المجتمع الجديد الذين سيلعبون لاحقا أدوارا مهمة في تطوره وتحولاته، منهم، ( حسين الرحال، زكي خيري، حسين جميل، عاصم فليح، عزيز شريف.. وآخرون).

أسماء رنانة، أليس كذلك؟

تساؤل:

هل يمكن اعتبار تلك التظاهرة وولادة المجموعة التي نظمتها وأدارتها كانت تدشينا لنشوء طبقة وسطى حديثة في المجتمع العراقي الجديد؟ أو أن هذه الطبقة قد غدت، منذ تلك اللحظة، وبحسب (المنظور الماركسي) طبقة لذاتها، بمعنى أنها أدركت وجودها وبلورت وعيها لنفسها وللواقع ولدورها الجديد فيه؟

بعد عشرين سنة ــ وبعد أحداث وتحولات عديدة وكبيرة مر فيها المجتمع العراقي، ازداد فيها تنوعا وعمقا، واكتسب نضجا سياسيا وتطورا ثقافيا واجتماعيا؛ اذ تأسست أحزاب سياسية نشطت بفعالية في الشارع، وازدهرت الصحافة، حزبية وغير حزبية ــ تحدث عام 1948 وثبة كانون. وهذه المرة سوف يعكس الشارع السياسي العراقي نضجا ملحوظا في الوعي والسلوك، فكانت الفعالية أكثر تنظيما وأوسع مشاركة وأقوى تأثيرا. شارك في التظاهرات قطاع واسع من المجتمع، بالإضافة الى حضور فعال ومميز للمرأة جسد وعمّق بعدا مدنيا متحضرا للفعالية وللمجتمع في ذات الوقت.

وأسقطت التظاهرات معاهدة بورتسموث (العراقية - البريطانية)، التي كانت السبب الأول لانفجار الشارع، وأسقطت كذلك الحكومة التي عقدتها، (حكومة صالح جبر).

كانت الوثبة إنجازا نوعيا للشارع السياسي و(أسطورة انتصار الشارع على السلطة) كما وصفها أحد المتحمسين لها.

بعد أربع سنوات سينتفض الشارع من جديد، فتحدث انتفاضة تشرين عام 1952.

يقرر الحكام، بعد تصاعد التوتر، تنصيب حكومة عسكرية لتكون قادرة على حسم الموقف. وحين اتفقوا، بعد تردد، على السماح للجيش باستخدام السلاح، احتاروا في من ستكون له الصفة القانونية لإصدار أوامر إطلاق النار.

وتهرب غالبيتهم من هذا الأمر.

كانت هناك، رغم كل شيء، خشية واعتبار للرأي العام؛ للصحف وللأحزاب وللطلبة، طليعة المجتمع الجديد، ولعموم الناس.

وفي الأحداث، سينحاز للمتظاهرين ضابط، هو عبدالوهاب الشواف، ويمتنع عن تنفيذ أوامر رؤسائه بإطلاق النار، ولم يُعاقب.

ملاحظة:

من هذه الحيثية، ومثيلاتها، يمكن الاستنتاج أن هذا النظام، رغم كل مساوئه، بل وجرائمه، كانت تكمن في "جيناته" طاقة تعينه على تطوير ذاته وتجاوزها.

بعد هذا، ولأسباب عديدة، إقليمية ودولية، ولتراكمات محلية، سيتصاعد المزاج الراديكالي لدى النظام والشارع السياسي على حد سواء.

وتصاعد المزاج الراديكالي هو تعبير عن الخوف وموّلد له في آن واحد.

ومن هذا المزاج وتلك التراكمات جاءت حركة (انقلاب- ثورة) 14 تموز 1958.

ولأن التاريخ لا يقبل التجزيء، وأن المراحل السياسية والاجتماعية تتداخل فيما بينها، وتحمل أجنتها وامتداداتها واحدة في الأخرى، كان نظام عبدالكريم قاسم، مثل من سبقوه، متسامحا مع خصومه ومع الشارع، وقد يُفسر ذلك، بالقياس إلى ما سيليه من تجاهل وقمع للشارع، وهو ما سيغدو سمة مميزة للعهد الجمهوري بأكمله، خصوصا في طوره البعثي - الصدامي، هو أن عهد قاسم كان مفتتحا لمرحلة ونظام جديدين، وغالبا ما تمتزج في العهود الجديدة المُثل بالواقع.

ولهذا أرسل قاسم الشرطة، كما يقتضي القانون، لحماية مظاهرة للقوميين كانت تهتف ضده في الأعظمية.

طبعا ستبرز هنا تساؤلات واعتراضات (مشروعة بالتأكيد) حول أطروحة دور الفرد الحاكم وسماته الشخصية، النفسية والاجتماعية، وأثرها في تحديد طبيعة نظامه وسلوكه، لكن هذا مبحث واسع ليس هنا مكانه.

وفيما كانت تظاهرات الشارع طوال عمرالعهد الملكي هي تظاهرات معارضة للنظام، ومعبرة عن مواقف حقيقية، ولدت مع العهد الجمهوري، ومنذ عهد قاسم تحديدا، ظاهرة جديدة و"مريبة" هي المظاهرات " المليونية" المؤيدة لنظام الحكم.

صحيح أن مظاهرات التأييد لحكم قاسم كانت حقيقية وتلقائية. لكنها ستتحول لاحقا، في عهد البعث- صدام، وهذا من طبيعة الأشياء، الى ممارسة قسرية لابتزاز الشارع وتركيعه، وستطفو معها على السطح قيم الزيف والنفاق.

وبينما اكتفى عبدالسلام عارف، كاستمرار لإرث تعامل السلطة مع الشارع، بشتم المتظاهرين الذين يهتفون ضده، (يقال أنه، باعتباره كرخي أصيل، كان يفشر عليهم)، كان شقيقه، طيب القلب، عبدالرحمن، يرسل الشرطة لحماية المتظاهرين ضد نظام حكمه المندهشين من سلوكه اللين.

ثم جاء البعثيون.

وحل ظلام كئيب على مسرح الحياة.

وولدت عندها ظاهرة التهييج الجماهيري، فكانت "الجماهير" تهتف وتهتف، حتى تبح أصواتها من الهتاف.

وحادثة الدجيل وهياج "الجمهور" وطريقة هتافه وركضه الذليل أمام ووراء (القائد) أوضح تعبير عن رعب هذا الجمهور الممسوخ وجبنه، وهي نموذج متفرد يصلح لدراسة حاجة وقدرة الفاشية على ارغام "الجمهور" على التصرف وقول ما تريد منه أن يقوله.

واذا جمعنا في كولاج مشهد واقعة الدجيل، بجمهوره الرث، المهتاج والمذعور، بجمهور الوثبة، الانيق والمنظم، لحصلنا على مشهد عجائبي ومخيف، فالفارق بين المشهدين مخيف في تفاوتاته حد انهما لا يبدوان وكأنهما ينتميان لمجتمع واحد، بل أن الفارق بين المشهدين، بتهافت المستقبل ونكوصه عن الماضي، يبدو وكأنه إهانة لمنطق التطور:

أيعقل أن "جمهور" الدجيل هو سليل صناع الوثبة؟

أي قوة خبيثة تلك التي جعلت من مجتمع لا يرتبط مستقبله بماضيه ولا ينتمي إليه؟

وهكذا صارت في العهد البعثي "السعيد" (جماهير داوود القيسي الأبية) ولسنوات طويلة، تُجر بالقوة من المعامل والدوائر و(كلها تهتف للحياة) تأييداً للنظام في كل عركاته وهيجاناته.

ثم سيُرغَمون لاحقا على مشاهدة حفلات الإعدام العلني والجماعي (للجنود الهاربين وغيرهم) في الشوارع والملاعب والساحات.

وبعدها... سيحاربون، ويُحاصَرون، ويجوعون، ويُذَلون، وهم صامتون.

من أين جاء كل هذا؟

ومن أي غيمة جاءنا هذا المطر؟

ليس في نية هذا العرض مديح عهد وهجاء آخر، بقدر ما هي محاولة لتقصي سيرة كانت لها بداية ذات أفق واعد ومعقول، ونهاية مظلمة تداعت منها الكوارث والخيبات.



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفترق 14 تموز
- هل سيعيد التاريخ نفسه؟
- ممكنات التغيير في الأنظمة الشمولية
- ما وراء عبّادان قرية
- المتحولون
- عن متلازمة ستوكهولم
- المساواة الحقة!!
- في أصل الدمج وفصله
- استراتيجة (ثلاثية الأبعاد)
- خواطر عن المثلية
- في مواجهة الوباء
- تداعيات محلية لوباء عالمي
- كورونا
- ساندرز والانتخابات الأمريكية
- الثار والانتقام ( تأملات وتساؤلات)
- (كاتمين على انفاسنا)
- أحصنة طروادة
- عوامل نجاح واخفاق انتفاضة تشرين
- نبوءة النحس في فارنا
- أهل الخارج


المزيد.....




- رغم إعلان ترامب لوقف إطلاق النار.. شاهد كيف كانت الدفاعات ال ...
- وسط إرباك حول توقيته.. وسائل إعلام من إيران وإسرائيل تُعلن س ...
- ترامب يُعلن دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ ويوجه -رجاءً- ...
- إسرائيل.. الكشف عن حصيلة قتلى الهجوم الإيراني على بئر السبع ...
- -فُرض على العدو بعد مهاجمة العُديد-.. شاهد كيف وصف التلفزيون ...
- رضا بهلوي من باريس: أنا مستعد لحكم إيران وعلى خامنئي أن يرحل ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على وقف لإطلاق النار
- فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمّات المباشرة لإسناد فلس ...
- حادثة الطفلة غيثة تشعل المغرب.. موجة غضب وتضامن
- ثمرة واحدة قبل النوم تُحسّن جودة نومك بشكل ملحوظ


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - بداية ونهاية