أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - ما وراء عبّادان قرية















المزيد.....

ما وراء عبّادان قرية


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 7179 - 2022 / 3 / 3 - 19:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان الإعلان الرسمي عن سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 بمثابة لحظة نصر كبرى للهجمة النيو ليبرالية التي قادها الخَرفان ريغن وتاتشر (أصيب كلاهما بالخرف "الزهايمر" نهاية عمرهما). وحتى ذلك الوقت كانت السويد تقاوم هذه الهجمة بنموذجها المتفرد "النموذج السويدي" الذي اجترحته القوى الاشتراكية، وكان شكلا وسطا جمع بين آليات النظامين العالميين (الرأسمالي والاشتراكي)، وتمثل داخليا بدولة رفاه وديمقراطية، وخارجيا بسياسة توازن ووفاق وحياد. لكن بعد هذا التاريخ ابتدأ العد التنازلي لتراجع هذا النموذج حد التآكل وربما سنشهد قريبا انهياره النهائي.

وتراجع هذا النموذج لم يأت بفعل ضغط قوى اليمين والرأسمال (البزنس والشركات) داخليا وخارجيا وإنما بسبب تغيرات نوعية في بنية الحزب الاشتراكي (الراعي الرسمي للنموذج) حولته الى حزب شبه ليبرالي شبه يميني.

أبرز محطة وعلامة في الانحدار نحو النيو ليبرالية للحزب الاشتراكي هي في العلاقة مع الاتحاد الأوربي، وهي بتقديري التي شكلت ملامح تحوله الى حالته الجديدة التي اتسمت بالميوعة والانصياع لليمين، بل وتملقه أحيانا من خلال تبني مطالبه وسياساته ودغمها في قرارات وسياسات الحزب وتوجهات الحكومة، رغم الادعاءات الخطابية المغايرة.

دخلت السويد الاتحاد الأوربي عام 1994 عبر استفتاء شعبي كانت نتيجته متقاربة (52,3% نعم مقابل 46,8% لا). وكما هو واضح فان النتيجة لا تعبر عن ميل كبير للدخول في الاتحاد. لكن في الاستفتاء على الدخول في منطقة اليورو الذي جرى عام 2003 (وكانت نتيجته رفض الدخول) كان وضع الحزب الاشتراكي أكثر فضائحية، فقد دعمت الحكومة الاشتراكية برئاسة بيرشون القرار، فيما عارضه اليسار والوسط والبيئة، وكانت نسبة التصويت داخل الحزب الاشتراكي ذات دلالة إذ قسمته الى شطرين (41,7% نعم و 56,4% لا) ما يعني، بتقديري، ولادة ونمو تيار ليبرالي داخل الحزب أخذ يضغط ويبرز أكثر وأكثر لاسيما بعد هزيمة الحزب في انتخابات 2006. وعند عودته للحكومة في 2014، أخذ، تحت تأثير وضغط هذا التيار، منحى يمينيا واضحا في مجمل اجراءاته لاسيما فيما يخص قضايا الهجرة واللجوء والاندماج التي تبنى بها ليس مطالب أحزاب اليمين التقليدية وحسب، وإنما بلغ به الأمر حد تطبيق سياسة "ديمقراطيو السويد" (الحزب النازي العنصري)، في إدارة شؤون اللاجئين في البلديات.

ويجدر الذكر هنا أنه في مرحلة التهيئة للاستفتاء على دخول منطقة اليورو كانت قد وقعت حالة شاذة ونادرة في السياسة السويدية عندما تم استبعاد مستشاريَّن لرئاسة الوزراء من منصبهما بسبب معارضتهما للمشروع، لكن تم التراجع عن هذا القرار بعد حملة نقد واسعة ضده.

وبرز أكثر التجاذب بين جناحي الحزب في الفترة الأخيرة قبيل تغيير قيادته في مؤتمره الأخير (نوفمبر2021)، حيث قادت السيدة "اندرشون" الحزب، وبدا وكأن الحزب أخذ منحى يساريا في توجهاته، على الأقل في الشأن الداخلي، مثل قضايا الرفاه والحقوق والخدمات الاجتماعية، لكن هجوم روسيا على اوكرانيا أظهر ملمحا آخر كان خفيا في واقع الحزب الاشتراكي، بل في المجتمع السويدي كله. فقد تطرفت السويد كثيرا في موقفها من روسيا ومن الحرب. (وكذلك كان موقفها من الاضطرابات التي وقعت في بيلاروسيا وكازاخستان)، وبتقديري كان هذا مقصودا لذاته، لأن الحزب الاشتراكي في مسار انحداره صار يرحب، متساوقا بذلك مع أحزاب اليمين، بدعوة الانضمام الى الناتو، لكنه لم يكن يستطيع تبني مثل هكذا فكرة بشكل مباشر لأنها تتعارض مع إرثه الأيديولوجي والسياسي، لهذا أخذ يبحث عن ذرائع تبرر له هذا، بل أنه صار يختلقها. فمنذ سنوات وعملية شيطنة واستعداء غير مبررة لروسيا تجري في الإعلام السويدي وفي تصريحا الساسة ومواقفهم، تُظهر الأمر وكأن روسيا تحمل نوايا عدوانية ضد السويد وتتحين الفرص، وأخذت مسألة الاستعدادات العسكرية للسويد تثار بشكل متكرر حد أن الحكومة أعادت التفكير بفرض الخدمة الإلزامية. وكانت هيئة الأركان تقدم تقاريرا عن قدرات روسيا القتالية إزاء السويدية، من مثل، (تصل الطائرات الروسية الى غوتلاند وتقصفها خلال 20 دقيقة)، وكأن روسيا عدو ثابت وقديم للسويد، بينما آخر حرب خيضت بين البلدين كانت في القرن الثامن عشر، كما أن السويد تفخر في أنها لم تدخل، بسبب سياساتها الحيادية، أي حرب منذ ما يزيد على مئتين عام. وبهذا الصدد، واستئناسا بالتاريخ والماضي، يجدر التذكيربموقفها الممالئ، إن لم أقل الاستخذائي، لنظام هتلر، حينما وقفت على الحياد في الحرب وسمحت له، من أجل حفظ أمن وسلامة مجتمعها، واستمرارا لنهجها السلمي في الأزمات، باستخدام خطوط نقلها الحديدية لنقل المعادن والوقود للمصانع النازية.

وكانت مصانع هتلر للأسلحة تعتمد على الصلب السويدي.

بيد أن محاولات السويد التقرب من الناتو ليست جديدة تماما، فقد خاضت التدريب الأول للعلاقة، أو التورط، مع الناتو عند الغزو الامريكي لأفغانستان حينما أرسلت قوة عسكرية من "500 عسكري" الى هناك، لكنها تراجعت عن هذا السلوك عند الاحتلال الأمريكي للعراق واكتفت بالتعاون غير العسكري، فني ومالي، ذا منحى انساني، وهو ما ينسجم مع سلوكها في كل الأزمات حول العالم الذي يشكل صلب سياستها الحيادية المعروفة بها.

غير أن الأمر تغير في الأزمة الأوكرانية تغّيرا نوعيا. فقد أرسلت السويد أسلحة الى هناك، وهذا ربما يستفز روسيا التي تعمل السويد على استعدائها منذ مدة كما أشرت، وقد تعتبر روسيا هذا السلوك بمثابة اعلان حرب ضدها، أو النظر إليه، وهو كذلك، ضمن سياق الرد الغربي عليها. وبذا ألا تكون السويد قد ورطت نفسها في مواقف لا مصلحة حقيقية ومباشرة لها بها لولا مطامح يمينية، تبناها الحزب الاشتراكي هو أيضا، للارتباط أو الارتهان لحلف الناتو، وللذهاب بعيدا في خيارات السياسة النيو ليبرالية؟

ولا غرابة في أن الأزمة الأوكرانية قد أعادت تنشيط المفهوم الأمريكي للعلاقات الدولية الذي عبرت عنه عبارة بوش (من ليس معنا فهو ضدنا) التي أطلقها ابان هستيريا 11 سبتمبر، والتي لم تكن جملة عابرة أو خالية من المعنى (بوش محدود الذكاء لكن مستشاريه أذكياء)، فهي العبارة التي دربت العالم، وخصوصا أوربا، على السير (والرقص أحيانا) وفق الإيقاع الأمريكي، لهذا تندرج حماسة السويد مجتمعا ودولة إزاء الأزمة الأوكرانية، بتقديري، ضمن سياق الانصياع للهيمنة الأمريكية.

وفي الختام ليس هناك ما يمنع من الظن أن تبني الحزب الاشتراكي الديمقراطي لفكرة انضمام السويد الى الناتو سيكون المحطة الأخيرة في مسيرة انحداره وتحوله، أو قل تهافته، الليبرالي، وعليه، يُفترض به، انسجاما مع وضعه الجديد، أن يُسقط، لدوافع أخلاقية على الأقل، صفة الاشتراكي عن نفسه، فليس هناك ما يعبر أكثر من هذا عن تهافته وسقوطه؛

فما وراء عبّادان قرية.



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتحولون
- عن متلازمة ستوكهولم
- المساواة الحقة!!
- في أصل الدمج وفصله
- استراتيجة (ثلاثية الأبعاد)
- خواطر عن المثلية
- في مواجهة الوباء
- تداعيات محلية لوباء عالمي
- كورونا
- ساندرز والانتخابات الأمريكية
- الثار والانتقام ( تأملات وتساؤلات)
- (كاتمين على انفاسنا)
- أحصنة طروادة
- عوامل نجاح واخفاق انتفاضة تشرين
- نبوءة النحس في فارنا
- أهل الخارج
- هويات الارهاب المتعددة
- زيت وماء
- العنف في السياسة 22
- العنف في السياسة 1-2


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - ما وراء عبّادان قرية