أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - العنف في السياسة 22















المزيد.....

العنف في السياسة 22


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 6037 - 2018 / 10 / 28 - 00:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




كان انخراط الحزب الشيوعي العراقي في الكفاح المسلح عفويا في بداياته، ولم يتبناه الحزب كاسلوب رئيسي الا في فترة متاخرة، وبعد ان مر بمسار طويل نسبيا، وذلك في اواخر العام 1981.

كانت البدايات مرتبكة بسبب الطريقة العشوائية التي انسحب بها الحزب من تحالف الجبهة الوطنية مع البعث بعدما شن الاخير حملة قمع شاملة وفعالة ضده، اتبع فيها اسلوبا جديدا مغايرا، حيث اعتمد طريقة شرذمة الحزب وتفكيكه من الداخل، وذلك بعدما أدرك أن القمع السافر سيقوي من الحزب ويجمع من حوله أنصاره، ويجعله يحظى بتعاطف شعبي، كما حدث في عام 1963، ولهذا ابتدأ حملة القمع من الأطراف، من مدن الجنوب والشمال، ليقضم منظمات الحزب بالتدريج، تاركا العاصمة وقيادة الحزب دون مساس وتضييق كبيرين. وبهذا نجح في بث شيء من الفرقة وروح اليأس لدى الشيوعيين بعدما صار كل شيوعي يجد نفسه وحيدا ازاء اجهزة القمع. ولم يكن العنف الجسدي الذي يلحق بالمعتقل هدفا بذاته هذه المرة، وإنما أستخدم لإرغام من يقاوم ويرفض ما هو مطلوب منه، وأخذت أجهزة الأمن تساوم المعتقلين وتعرض عليهم خيار التخلي عن قناعاتهم السياسية،(حتى انهم لم يكونوا بحاجة لاعترافات ومعلومات لأنهم كانوا يعرفون كل شيء) بإرغامهم على توقيع تعهد بعدم الانتماء لأي حزب غير حزب البعث.

لقد كشف الحزب، بسبب ثقته المفرطة بالتحالف، كل اوراقه في فترة العلنية، دون أية تحوطات أمنية، وصار، رغم خبرته وتمرسه في العمل السري، مكشوفا ومخترقا، ولم تكن لديه أية خطة للطوارئ تنظم انسحابه في حال فشل التحالف الذي دللت عليه مبكرا معطيات عديدة قبل انفراطه الفعلي اواخر السبعينات.

لهذا كان انسحاب الحزب انسحابا غير منظم، تسبب في تداعيات خطيرة على وضعه العام. لكنه رغم بؤس الحال وصعوبة الظروف استثمر جانبا مهما كسبه من خبرته الطويلة بالعمل السياسي. فقد خبر الحزب، لاسيما بعد ازمة انقلاب شباط 1963، أن كردستان، بسبب طبيعتها الجغرافية (منطقة جبلية وعرة) والاجتماعية ( تسكنها القومية الكردية التي كانت في صراع مستمر مع الحكومات المركزية)، عصية على انظمة الحكم في بغداد، وقد كانت وصارت ملاذا لمناضلي الحزب بعد انقلاب شباط، لهذا بادر مجموعة من شيوعيي الاقليم الكردي بالانسحاب الى الجبل مكونين النواتات الأولى لحركة الأنصار الشيوعيين المسلحة. وتبنت قيادة الحزب هذا النهج، الذي حثت عليه القاعدة الحزبية، واخذت التنظيمات الحزبية تزود منطقة الكفاح المسلح بالمقاتلين ممن استطاعوا الافلات من ملاحقات الأمن وسافروا خارج الوطن، ومن شيوعيي الداخل ممن يصعب بقائهم في المدن و يستطيعون الوصول الى كردستان.

لم يتخذ الحزب قراره بتبني سياسة الكفاح المسلح نهجا ووسيلة مركزية في نشاطه السياسي، وأخذ يدعم الحركة المسلحة بشكل منهجي ومركز، الا في اجتماع اللجنة المركزية نهاية عام1981، وذلك بعد التحولات في أوضاع النظام بسبب الحرب مع إيران، وإصراره على نهجه القمعي الدموي واستئثاره بالحياة السياسية، وايضا بعد تبلور المواقف داخليا باتجاه تبنى شعار اسقاط النظام.

ينبغي الاشارة هنا الى مسالة تبدو لي بحاجة الى نقاش اوسع تتعلق ببعض هواجس الحزب ازاء مسالة الكفاح المسلح. في الواقع كانت مسالة العنف المسلح من المسائل الحساسة في الحياة الداخلية للحزب الشيوعي، تثير اشجانه وقلقه لانها تسببت باكبر شرخ داخلي فيه بالستينات (انشقاق ايلول 1967) بقيت اثاره عالقة لمدى طويل، واشاعت اجواء انقسام داخلي؛ بين يمين ويسار وماركسية (بالاحرى لينينية) صحيحة واخرى منحرفة. من ناحية اخرى كان يمكن أن ينتج عن سياسة ونهج العنف المسلح أن يعتبر حاملوا راية الكفاح المسلح أنفسهم طبقة حزبية مميزة داخل الحزب (ولا
اعرف ما اذا كانت هذه المخاوف ماثلة بوضوح في ذهن قيادة الحزب ام لا)، ما يجعلهم يعتقدون انهم الأفضل دورا، وبالتالي أعلى مكانة داخل الحزب،( وما إذا كانوا محقين في ذلك ام لا، فهذا نقاش اخر)، ما يؤدي عمليا الى انقسام وتمايز داخلي قد يدفع بعض الانصار الى التفكير، بعدما يقيمون مفاضلة داخلية فيما بينهم أولا، وبينهم وبين الحزبيين الآخرين ثانيا، بأنهم الأجدر بقيادة الحزب دائما وأبدا.

على العموم كانت الحركة المسلحة في الواقع نوعا من حماية للذات. فبسبب الضغوط التي سببها قمع النظام السافر والمفرط، وطبيعة منطقة كردستان، والقوى الكردستانية التي تتخذ من السلاح وسيلة للمواجهة السياسية، بالإضافة الى ضغط القواعد الحزبية ومحدودية الخيارات الأخرى، إذ لم يبق للحزب خيار سوى الخروج الى المنافى أو البقاء في الداخل مكشوفا للنظام، وكلاهما يعني انتحارا واستسلاما، وهو ما لايمكن ان يقبله الحزب، لهذا استثمر ظروف كردستان مستعينا بوجود القوى القومية الكردية على الساحة وخبرتها العملية في العمل المسلح، أو قل التخفي في الجبال، في اعادة تنظيم صفوفه ومحاولة اعادة صلاته بجماهيره التي حرمته الحملة القمعية ومانتج عنها من تفكك داخلي من الاتصال بها والعمل في وسطها.

كذلك كان من بين أسباب تاخر الحزب في تبني شعار اسقاط النظام، الذي عنى من الناحية العملية تبني نهج الكفاح المسلح وتنفيذه على الارض، هو بعض الخلافات الداخلية حول ضرورة الكفاح المسلح والموقف من النظام والحرب، فهناك داخل القيادة من كان مازال يرى امكانية تراجع النظام عن سياسته وعودة التحالف أو الحوار، لاسيما وأن حرب النظام مع ايران قد زادت من مصاعبه، وهنا اتجه التفكير باتجاهين؛ استغلال تفاقم ازمة النظام لحثه على الحوار والتراجع عن سياسته ومواقفه، ومن كان يدعو لهذا اقلية داخل القيادة والحزب، او استغلال ضعفه للإطاحة به عبر انتفاضات جماهيرية او انقلاب من داخل الجيش. ثم انبثق لاحقا اتجاه آخر، محدود العدد والتاثير، دعا الى شعار الدفاع عن الوطن، بعدما انسحب النظام طائعا من الأراضي الايرانية التي كان يحتلها مدعيا رغبته بالسلام ووقف الحرب. لكن هذا الموقف لم يحظ بقبول في الوسط الحزبي لان المزاج العام كان بالضد منه، حيث كان الرأي السائد مبنيا على تحليل يرى أن النظام قد سلك طريق اللاعودة، وأنه مستمر في نهجه العدواني وغطرسته وقمعه السافر للشعب وللقوى السياسية، مايمنع اي امكانية للتلاقي معه حول أي مسألة، وهذا التحليل كان الاقرب الى الواقع لأن حقائق الحياة وسيرة النظام وأجهزته ورموزه كانت تؤكده في كل لحظة.

كما كان تورط النظام بالحرب قد اضطره لإرخاء قبضته على مناطق الكفاح المسلح في مناطق كردستان ما أتاح فرصة كبيرة لقوى المعارضة المسلحة هناك لتتمدد وتنتشر في نشاطها وتحاول توسيع تاثيرها بين الناس، وهذا خلق بدوره نوعا من الثقة بالنفس ووسع من دائرة الأمل بإمكانية التغيير.

حافظ الحزب على موقف ورؤية مختلفين ومتمايزين عن مواقف القوى الكردستانية الاخرى، فهذه القوى لم تكن تحمل جميعها، رغم الاتفاق على الموقف السياسي العام، نفس الرؤية التي تنظر فيها الى مسائل حساسة مثل الوطن والنظام وأفراد القوات المسلحة وغيرها من المسائل الشائكة التي أثارتها المرحلة وملابساتها. ففي حين كان الحزب الشيوعي ينظر الى ابناء القوات المسلحة على انهم (ابناؤنا واخوتنا) ولا جريرة لهم بجرائم النظام، وينبغي التعامل معهم بطريقة مختلفة عما هي مع منتسبي الاجهزة القمعية، وقد انعكس هذا الموقف في مجمل سلوك الحزب في تلك الفترة، كانت بعض القوى السياسية الكردستانية تحمل شعورا وموقفا قوميا متعصبا ضد النظام عممته ضد القومية العربية، وكانت تنظر الى العسكري هناك بصورة مجردة من غير النظر في خلفية وطبيعة الصراع الحقيقية، كصراع بين سلطة مستبدة وشعب ينشد الخلاص، وكانت تعامله على انه عدو قومي غاصب (ممثل للنظام جاء لقتالها وعليها مواجهته).

وكان هذا التصور والشعور منغرسبن في وجدان كثير من الكرد بسبب جرائم الانظمة وقمعها لهم، ومن الطبيعي أن يتسرب الى الكثير من الشيوعيين الكرد، لاسيما الاجيال المتاخرة منهم ممن لم يروا في حياتهم وتجربتهم التعايش الطبيعي بين الكرد والعرب، على الأقل في الحياة الحزبية إن لم يكن في عموم المجتمع.

هذا الواقع خلق نظرة لدى بعض الشيوعيين الكرد، حتى على مستويات قيادية، جعلتهم ينظرون لمسالة الكفاح المسلح وفق منظور ضيق، ويحصرون مفهوم الصراع في منحاه القومي الكردستاني دون العراقي العام ويكتفون بما يمكن ان يتحقق لهم ميدانيا.

ورغم ان هذه المؤثرات انعكست على طبيعة بعض الانشطة العسكرية، لاسيما وأن هناك دائما مساحة من الحرية في الاجتهاد متاحة للقادة الميدانيين، إلا أن نشاط الحزب العسكري بعمومه قد ركز على استهداف الأجهزة القمعية من أمن ومخابرات ومرتزقة (الفرسان أو الجحوش)، وكان الاخيرون يعاملون بحسب درجة ولائهم للنظام ودرجة ايذائهم للمقاتلين وعدم تعاونهم مع المعارضة ( بالمناسبة، كان اغلبية المرتزقة يتعاونون مع قوات المعارضة إما لأسباب شخصية أو عشائرية وأحيانا قومية، أو لدفع الاذى عنهم لاغير).

اذن، كانت سياسة الحزب هي بالتركيز في عمله العسكري على مؤسسات النظام القمعية، وتجنب، قدر المستطاع، مواجهة القوات النظامية. صحيح ان ذلك لم يكن مثبتا في توجيه رسمي، لكنه كان مفهوما للجميع. وكان جوهر العمل الحزبي والعسكري ينصب حول تعزيز العلاقة مع الجماهير وتوسيع القاعدة الجماهيرية والحزبية ونشر الوعي وغيره من القضايا الدعائية والتعبوية، وهذا كان يتطلب احيانا القيام ببعض الاعمال العسكرية لاثبات الحضور ولاقناع الناس بجدية وجدوى معارضة النظام ولدفع الاذى عن ابناء القرى في حال تجاوزت عليهم قوات النظام من المرتزقة او غيرها. ولا يتم التعرض عادة للقوات العسكرية الحكومية الا في حال انها تتقدم لضرب مفارز او مقرات الحزب، او بعض الربايا التي تعيق عمل وحركة الانصار. وفي هذا السياق شهدت كثير من المناطق تفاهمات واتفاقات بعضها مباشر بين بعض ربايا الجيش وأنصار الحزب تضمنت عدم تعرض أي طرف للآخر.

وهناك شواهد تؤكد المنحى الانساني المختلف في تعامل الانصار الشيوعيين مع الاسرى من الجنود وغيرهم *

لقد قسمت سياسة البعث المجتمع وفككته سياسيا وانعكس هذا بالضرورة على الوضع الامني للبلد بأكمله، والعنف ينتج عنف مضاد له بالضرورة، من هنا تقع المسؤولية الاولى للعنف المسلح الذي اضطرت اليه القوى السياسية العراقية، وخصوصا الحزب الشيوعي، على عاتق النظام. لانه كان يمتلك ادوات العنف ووظفها بصورة عدوانية ومؤذية ضد القوى السياسية وعموم المجتمع مرة بشكل قمع شامل ومرة على شكل حروب عبثية.


***
اسرى في ضيافة الانصار الشيوعيين

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=%20233424



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف في السياسة 1-2
- لمحة سريعة عن الازمة الوزارية في السويد
- التحولات السياسية في الانتخابات السويدية
- حجج لا تشيخ
- وماذا بعد؟
- حراس العقيدة
- في حتمية زوال (اسرائيل)
- من شّب على شيء شاب عليه
- طفح الكيل في السليمانية
- أولوية الأولويات
- ممكنات التغيير في العراق
- لمحة عن الصراع في الحركة القومية الكردية
- تحديات الاستفتاء
- شيء من الماضي
- حلقات مفقودة من سيرة (مناضل)
- مديح زائف
- وعود خفية
- مأزق الاستفتاء
- مهرجان الاستفتاء والانفصال
- ذات يوم كان ديلان


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - العنف في السياسة 22