|
حلقات مفقودة من سيرة (مناضل)
خالد صبيح
الحوار المتمدن-العدد: 5661 - 2017 / 10 / 6 - 21:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اكثر من موقع وصحيفة نشر خبر وفاة جلال الطالباني، جميعها سردت جزءا، هو الاكثر شهرة من سيرته ألسياسية، لكن صحيفة المدى خصصت حيزا أكبر للخبر وللسيرة. سيرة الطالباني، كما جاءت في المدى، كانت سيرة مناقبية، ركزت على ماقام به الرجل من أعمال (بطولية) عديدة، بدءاً من مشاركته في مؤتمر ساحة السباع عام 1948، الى تواضعه بتنازله عن منصبه القيادي في الحزب الديمقراطي الكردي لشخص آخر، مرورا بتنظيمه اضرابا شاملا في السليمانية، من غير أن ننسى دوره في قيادة قوة عسكرية في منطقة السليمانية في عام 1961، في مرحلة المواجهة، أو قل حينما انخرط البارزاني، مصطفى، في ما خططت له قوى إقليمية ودولية مختلفة حينذاك، للإطاحة بنظام عبدالكريم قاسم، وطبعا، وبالتاكيد، ماحققه من (انتصارات) عسكرية ساحقة حينها. أخذ سرد السيرة (البطولية) هذا أسلوبا متسلسلا، امتد من بدايات الانخراط السياسي للطالباني مطلع شبابه الى رئاسة الجمهورية في العام 2005. لكن سقط من هذه السيرة المدائحية، وليس سهوا بطبيعة الحال، حلقات مهمة تجعل وقع السيرة على سمع متابعها وقعا باهتا. إذ يتوقف السرد عند عام 1963 وينتقل فجاة الى عام 1970، قافزا على أهم مرحلة من مراحل (نضال) الطالباني، وأعني بها أيام تعاونه، هو وراعيه، إبراهيم أحمد، مع حكومة عارف، وانخراطه بالقتال ضد الحركة القومية الكردية، وتسلمه من أجل ذلك أسلحة ومعدات وجريدة يحررها (جريدة خه بات)، حيث عرفت تلك المرحلة، في الموروث الشعبي الكردي، التي لايريد ان يتذكرها الطالباني، ومحاها من سيرته، بمرحلة حجوش الـ 66.
ثم يتواصل السرد المناقبي حتى يصل مرحلة مابعد تأسيس تنظيمه، الاتحاد الوطني الكردستاني، في سورية العام 1975، ويختصر المرحلة كلها بـ (واصل نشاطه السياسي في قيادة الحزب وعاش مع رفاقه في الجبال والكهوف وفي الارض المحروقة). هذه القفزة في السيرة لم تتجاوز مرحلة يمكن السكوت عنها، كأن تكون الادعاء ببطولة زائفة، يكتفي المرء بكشف زيفها، وانما هو سكوت على مرحلة هي الأكثر حراجة في تاريخ هذه الشخصية وسيرته، مرحلة مليئة بأحداث مؤسفة ومؤلمة، هي مرحلة ما أصطلح على تسميته بـ (إقتتال الأخوة)، حيث كان الطالباني، وتنظيمه المتطرف،(الاتحاد الوطني الكردستاني) المسؤولين الرئيسييين عن اراقة دماء الكثير من المقاتلين من كافة الاحزاب السياسية المتواجدة على أرض كردستان، هذا عدا ماخلفته من آثار سياسية أدت إلى تفكيك المعارضة وإلهائها بهذا القتال المصطنع الذي أخذ شكل صراع على النفوذ في مناطق العمل السياسي والعسكري. فقد كان الطالباني وتنظيمه يزايدون على كل التنظيمات السياسية ويضعون أنفسهم بديلا عن الجميع. وكانوا يصرون على تصفية أي حزب لا ينضوي تحت إمرتهم، ولم يستجب الطالباني وصنوه، نوشيروان مصطفى، لنداءات السلام والمصالحة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني التي تطلقها وتسعى بها بعض الاحزاب السياسية، ورغم ميل خصمه، مسعود البارزاني، للتفاهم، فقد جنح مسعود، والحق يقال، كثيرا للسلم، وكان على إستعداد دائم للاستجابة لمطالب ووساطات المصالحة والتفاهم، لاسيما بعد مقتل شقيقه، الدموي والحقود، ادريس، في العام 1983.
وأيضا، والأهم، هي المرحلة التي شهدت خيانته للحركة الوطنية العراقية، بائتلافاتها واتفاقاتها على توحيد الجهود لمواجهة نظام البعث الدموي، حين مد يده لنظام صدام حسين خلال عامي 1983 – 1985، ومحاولته الانفراد بالقرار السياسي والإتفاق على حل للقضية الكردية، راعى فيه مصلحته الحزبية والشخصية، وكان ذلك حينها بمثابة حبل نجاة لنظام صدام حسين الغارق في وحول الحرب مع ايران، وقدّم من أجل هذا (عربون محبته) للنظام بارتكابه مجزرة بشتاشان في ايار 1983، ضد الحزب الشيوعي العراقي، حيث تم قتل المقاتلين الشيوعيين العرب، وبطريقة مخجلة، على الهوية. ( حتى وان كان "نو شيروان مصطفى"، كما صار يشاع، هو المتهم الأول في هذه الجريمة، فان سكوت الطالباني، وهو زعيم التنظيم، وعدم إعتراضه على تلك الممارسات، يعني تورطه فيها)، ثم بعد ذلك نكثه بوعوده حتى للنظام العراقي، ما جعل رأس النظام يستثنيه من قرار العفو الذي اصدره قبيل غزو العراق عام 2003، لانتهازيته وعدم حفظه للعهود التي يقطعها على نفسه، وليس لمواقف سياسية وطنية كما يريد رواة سيرته المزيِفون أن يوهمونا.
الحلقة الأخيرة المفقودة في تلك السيرة، هي الأكثر شهرة، والجميع يعرفها، فهي تخص مرحلة رئاسته للجمهورية، وانخراطه و (هندسته) كما يزعم محبوه، للعملية السياسية، وفيها الكثير مما يمكن ان يقال عن شكلية دوره في فترة رئاسته التي قضى معظم أوقاتها بالعلاج المكلف لخزانة الدولة في المانيا، والنقاهة في مدينته السليمانية، المدينة الوحيدة التي يزورها، وهو رئيس للعراق كله، حيث قصره المنيف على سفح جبل أزمر الجميل، وكذلك بروايته النكات عن نفسه.
كان وجود الطالباني في العملية السياسية مثله مثل غيره من المنخرطين فيها، هو للنهب وتقاسم المغانم وسرقة الفرص له ولأسرته ولحزبه، وكلنا يعرف الصراع الذي دار داخل تنظيمه، وتمرد، ثم انشقاق، كثير من القياديين والكوادر على قيادته وزوجته للتنظيم بسبب استئثارهم بالنفوذ وبمبالغ مالية كبيرة للغاية (تقدر بالمليارات). وكان أيضا مثله مثل غيره من الفاسدين في العملية السياسية العراقية ممن يورثون السلطات لأبنائهم، فبقدرة قادر صار أبناؤه، قباد وبافل، من قادة التنظيم ومسؤولين في الدولة (أكيد بسبب أنهم "موهوبون" مثل أبيهم!).
ولم تكتف جريدة المدى بكل سيل المديح هذا للطالباني، وإنما أغدقت عليه، بسخاء مفرط، بين ألقاب تبجيلية أخرى، لقب مفكر، ولا أعتقد أن هناك من يمكنه أن يؤكد أصداء هذا اللقب الفخم على أرض الواقع.
بعد كل هذا ينبغي القول أن الانحياز والمحاباة والتعصب لايمكنها خلق سيرة سياسية مجيدة لأي سياسي بغير ما رصيد حقيقي يزكيها.
#خالد_صبيح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مديح زائف
-
وعود خفية
-
مأزق الاستفتاء
-
مهرجان الاستفتاء والانفصال
-
ذات يوم كان ديلان
-
مخالب فولاذية أُنْشِبَت في غير مكانها
-
تلك هي شقائق النعمان إذن!2
-
تلك هي شقائق النعمان إذن!
-
نظرة إحادية
-
مشروع مؤجل
-
محنة العجز
-
محنة عراقية
-
(المناضل) عزيز السيد جاسم
-
أول آيار، بعيد، حزين ومنسي
-
الحشد الشعبي: الدور والمهمة
-
وداعا ايها الورق وداعا
-
تركة ثقيلة
-
عقدة المظلومية
-
في فضائل الانتحار/ كلام في السياسة
-
حرب التقسيم
المزيد.....
-
سؤال صعب خلال فعالية: -مليونا إنسان في غزة يتضورون جوعًا-..
...
-
كيف تبدو تصاميم الحدائق والمناحل الجديدة المنقذة للنحل؟
-
ماذا يعني قرار ترامب نشْر غواصتين نوويتين قرب روسيا على أرض
...
-
ويتكوف: لا مبرر لرفض حماس التفاوض، والحركة تربط تسليم السلاح
...
-
ويتكوف يتحدّث من تل أبيب عن خطة لإنهاء الحرب.. وحماس: لن نتخ
...
-
فلوريدا: تغريم تيسلا بأكثر من 240 مليون دولار بعد تسبب نظامه
...
-
عاجل | وول ستريت جورنال عن مسؤولين: واشنطن تلقت خلال الصراع
...
-
عاجل | حماس: نؤكد مجددا أن المقاومة وسلاحها استحقاق وطني ما
...
-
الهند والصين تُعيدان فتح الحدود للسياح بعد قطيعة طويلة
-
حتى الحبس له فاتورة.. فرنسا تدرس إلزام السجناء بدفع تكاليف ا
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|