|
قصة للأطفال شيشرون طلال حسن
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7918 - 2024 / 3 / 16 - 00:45
المحور:
الادب والفن
قصة للأطفال شيشرون
طلال حسن
كنتُ في المطبخ ، حين ارتفع في التلفزيون صوت امرأة ، تُلقي كلمة بمناسبة عيد المرأة ، إنه قيس ، لا أحد يرفع صوت التلفزيون هكذا ، غيره ، فهتفتُ : قيس . وردّ قيس : نعم ، ماما . فصحتُ به : اخفض صوت التلفزيون . وصاح قيس : فلتخفضه زينب ، إنني أعمل في الحديقة مع بابا . وأسرعتُ إلى الردهة ، وإذا زينب ، تشاهد البرنامج ، وقد وضعت وجهها بين يديها ، فاتجهتُ إلى التلفزيون ، وأطفأته ، وقلتُ : كفى ، هيا إلى درسك . واعتدلت زينب ، واحتجت قائلة : ماما ، إنني أتابع هذا البرنامج . وفتحتُ التلفزيون ثانية ، لا من أجل زينب ، بل لأن صورة قديمة ، غائمة ، اتسعت في ذهني ، شيشرون ! وقبل أن تتضح الصورة ، انتهى البرنامج ، وأعلنت المذيعة عن برنامج جديد . عدتُ إلى المطبخ ، وراحت يداي تعملان ، بينما حلق ذهني بعيداً . لم أنسَ شيشرون ، ولن أنسى اليوم ، الذي تعرفتُ فيه إليها . كانت تقف وحيدة ، حين دخلتُ الصف، وقد ضمت حقيبتها إلى صدرها ، فابتسمتُ لها ، وقلتُ : صباح الخير . لم ترد شيشرون على تحيتي ، فدنوتُ منها ، وقلتُ : اسمي وداد . واحتقن وجه شيشرون ، وتعكرت عيناها الزرقاوان ، وتمتمت بصعوبة ، وهي تشير إلى نفسها : أ أ.. أمل . أدركتُ لماذا لم ترد على تحيتي ، لكني تجاهلتُ تأتأتها ، وابتسمتُ بود ، وقلتُ : أهلاً بك ، إنّ صفنا جميل ، آمل أن ترتاحي معنا . لكنّ البداية لم تكن مشجعة ، فقد جاءت معلمة التاريخ ، وكانت رغم طيبتها انفعالية ، سريعة الغضب ، وما إن رأت أمل ، حتى أشارت لها أن تنهض ، وقالت : ما اسمك ؟ ونهضت أمل ، وقد احتقن وجهها ، ولم تستطع أن تجيب، فصاحت معلمة التاريخ : هيا ، تكلمي ، ما اسمك؟ لم أتمالك نفسي ، فنهضت من مكاني ، وأنا أقول : اسمها ..أ.. وقاطعتني معلمة التاريخ قائلة : اسكتي أنتِ ، إنها ليست خرساء لتتكلمي نيابة عنها ، أجلسي . وإنكفأت أمل على الرحلة ، وقد غصت بدموعها ، وأدركت معلمة التاريخ خطأها ، لكنها نظرت بانزعاج إلى التلميذات ، وقالت : هيا نعد إلى الدرس . دق الجرس ، وخرجت التلميذات من الصف ، فنهضتُ من مكاني ، وجلستُ إلى جانب أمل ، وقلتُ : أمل . ظلت أمل منكفئة على الرحلة ، فقلتُ وأنا ألمس شعرها الذهبي : ارفعي رأسك ، يا عزيزتي ، لا داعي للحزن . ورفعت أمل رأسها ، وبدت عيناها الزرقاوان غارقتين بالدموع ، وقالت وهي تنشج : ليتني لم أولد . ابتسمتُ رغم تأثري ، وقلتُ : لو كان لي مثل عينيك ، لما قلتُ كلاماُ كهذا . ومسحت أمل دموعها ، وقالت : لماذا أنا هكذا ، دون كلّ الناس ؟ وأخذتُ يدها بين يديّ ، وقلتُ : مهلاً ، يا عزيزتي ، أنت تتكلمين أفضل مني . ونظرت أمل إليّ ، وقالت : هذه هي مشكلتي ، إنني أحياناً لا أأأ.. وضعتُ يدي فوق فمها ، وقلتُ : لديّ قطعة من الكيك ، فلنأكلها معاً . وردت أمل قائلة : أشكرك . فقلتُ وأنا أقدم لها نصف قطعة الكيك : تذوقي الكيك ، ثم أشكريني . وتطلعت أمل إليّ ، وقالت : أنت طيبة . ثم أخذت قطعة الكيك ، وتذوقتها ، وقالت : طيبة . ابتسمتُ ، وقلت : مثلي ؟ وابتسمت أمل قائلة : أنت أأ .. أطيب . ويبدو أنّ معلمة التاريخ ، قد حدثت معلمة اللغة العربية عن أمل ، فحين جاءت إلى الصف ، لم تقل كلمتها المعهودة : افتحن الكتاب ، بل قالت : اغلقن الكتاب ، وحدثتنا عن شيشرون ، وقالت : إنه خطيب يوناني شهير ، وكان يتأتيء في كلامه ، لكنه صار فيما بعد أعظم خطيب في عصره . ثم اقتربت من أمل ، وقالت : لقد رأيتُ درجاتك ، أنت تلميذة ذكية ، وأنا واثقة أنك ستتفوقين في دراستك . ثم ابتسمت لها ، وقالت : تذكري دائماً .. شيشرون . لم تمض ِ سوى أشهر قليلة حتى انتقلت أمل مع والديها إلى البصرة ، وانقطعت عني أخبرها ، ترى هل صارت أمل مثل شيشرون ، لماذا لا ؟ إنّ طه حسين كان بصيراً ، وبتهوفن كان أصماً ، أما هيلين كلر ، فقد كانت بصيرة وصماء وخرساء ، لكن هذا لم يمنعها من أن تصير أشهر النساء في العالم .
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صندوق الدنيا طلال حسن
-
قصة للأطفال ماما قصة : طلال ح
...
-
الدبة الصغيرة
-
الاوركا الحوت القاتل
...
-
حوارات مع أديب الأطفال ... طلال حسن
-
رواية للفتيان مرجانه
...
-
قصص للأطفال عصر الديناصورات
...
-
قصة للفتيان اب
...
-
قصة للأطفال الغرير الصغير
...
-
قصص قصيرة جداً عبارة الموت
...
-
ثلاث روايات قصيرة للأطفال طلال حسن
-
محطاتي على طريق أدب الأطفال
...
-
أسد من السيرك
-
قصة للأطفال الترمجان قصة
...
-
رواية للفتيان اورانج اوتان
...
-
قصة للأطفال آدزانومي قصة طلال حسن
-
رواية للفتيان تار والسندباد
...
-
نصان للفتيان الفقمة
...
-
مسرحية للأطفال الفقمة الصغيرة طلال حسن
-
رواية للفتيان دلمون الأعماق
...
المزيد.....
-
قمصان بلمسة مغربية تنزيلا لاتفاق بين شركة المانية ووزارة الث
...
-
“ألحقوا اجهزوا” جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 للشعبتين
...
-
الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية.. كتاب -القضية ال
...
-
مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم
...
-
ركلها وأسقطها أرضًا وجرها.. شاهد مغني الراب شون كومز يعتدي ج
...
-
مهرجان كان: الكشف عن قائمة الـ101 الأكثر تأثيرا في صناعة الس
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD
...
-
السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
-
موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج
...
-
المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|