إبن كمونة اليهودي: العبقري الذي إنتقد المسيحية والإسلام

إلياس شتواني
باحث وشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 7908 - 2024 / 3 / 6 - 22:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

كتاب "تنقيح الأبحاث للملّل الثلاث" لسعد بن منصور إبن كمونة اليهودي (القرن السابع الهجري) يتطرق إلى أهم النقاط الهامة والشائكة التي تحيط بالملّل الإبراهيمية الثلاث. الكتاب عبارة عن مراجعة عامة لأبرز ما يميّز اليهودية والمسيحية والاسلام، وبيان المطاعن الموجهة لكل دين على حدة وذكر الردود والإجابات عنها. يستهل إبن كمونة كتابه بصيغة إسلامية تلطيفية، حيث يبتدأ كتابه بالبسملة القرآنية والصلاة على الرسول العربي وآله وصحبه، وبتأكيده أيضا على أن دافعه لتأليف الكتاب ليس الهوى أو العصبية أو ترجيح ملّة على أخرى، ولكن إستبانة حقيقة الكتب المقدسة ودلائل صدقها ومخاريق و معجزات الأنبياء المرتبطة بها.

يدافع إبن كمونة على ضرورة وجود الأنبياء من الناحية العقلية الخالصة، إذ لا دين أو ناموس يصح دون ما يسميه ابن كمونة بطور النبوة. من خلال هذا الطور تنفتح العين الإنسانية على مدركات غير حسية وأمور متعالية غيبية، وتلعب شخصية النبي دور الوسيط بين العالم الأرضي المادي والعالم الإلهي الروحي. يعدّد ابن كمونة دلائل النبوة، لكنه يحصرها بشكل رئيسي في المخاريق والمعجزات، حيث التواتر هو الدليل الفعلي على صحة ثبوتها وعلى صحة وجود الأنبياء كلية.

يؤكد إبن كمونة أن ليس كل من يدّعي فعل المعجزات هو نبي مرسل من السماء، ويُفتح بذلك باب الإحتمالات والترجيحات على مصراعيه، على حدّ قوله، للمكر ودور الشياطين والجن والسحر في إعانة المضِلين على خداع ضعفاء العقول وعوام الناس. يشير الكاتب أيضا إلى دور المرض والخوف الشديد والصرع في إضطراب الحس العادي وفقد القدرات العقلية المتّزنة في توهم رؤية الغيب وبلوغ منازل العالم السماوي. يضيف الكاتب أن مسألة الأمر والنهي ليست دليلا على تصديق الأنبياء، بل يجوز حصول أسباب مستقلة تدفع البشر إلى السيادة وفرض النظام.

الواضح من كتاب إبن كمونة الإنتصار للدين اليهودي التوحيدي، حيث يؤكد الكاتب في عدّة مواضع على أصالة وصحة العقيدة العبرانية وإستحالة نسخها بأي شكل من الأشكال. يردّ الكاتب على شبهة تحريف التوراة بتحدي الإتيان بالتوراة الحقيقة، ويؤكد في نفس الوقت أن التوراة قد نقلت عبر أجيال عديدة وحفظت بشكل متواتر دقيق يستحيل معه وقوع زيادة أو نقصان أو تبديل.

بأسلوب اعتراض وجواب، ينتقد إبن كمونة ضمنيا عقيدتي الاسلام والمسيحية، حيث يرى فيهما سقطات وتناقضات صارخة، ففيما يخص المسيحية يذكرعلى سبيل المثال لا الحصر تباينات الأناجيل الإزائية التي تتعلق بميقات صلب المسيح، ومعجزة إحياء الموتى الثلاثة، وحصر الأقانيم في ثلاثة، وكيفية إتحاد اللاهوت والناسوت. أما الإسلام، فيرى فيه نواقص تتعلق عموما بكتابه المقدس القرآن وما يحتويه من وقائع شخصية للرسول العربي مع أزواجه ومع المنافقين والكفار. يقول إبن كمونة بشكل غير مباشر بتحريف القرآن وينقل إختلافات مصاحف الصحابة، خصوصا مصحف إبن مسعود والذي، أي هذا الأخير، كان ينكر كون الفاتحة والمعوذتين من القرآن ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك، ويضيف أيضا أن أبي بن كعب كان يثّبت في مصحفه خمس سور نفاهن إبن مسعود.

يرى إبن كمونة أن القرآن كتاب خال من أكثر المسائل الأصولية والفرعية، وهذا بالرغم من وصفه بالشمول وعدم التفريط. وفيه أيضا تكرار كثير، وايضاح للواضحات، وعدم تناسق الآيات، وتناقضات تشمل آيات النسخ وآيات المشيئة والجبر وآيات أحداث الجنة والنار. في الوقت الذي يعتبر المسلمون القرآن معجزة محمد، يبدو واضحا أن الرسول العربي لم يستدل بنبوته على صحة أو إعجاز القرآن، والثابت أيضا أنه لم يُنقل ممن آمن به أنه آمن بسبب القرآن، أي بمعنى، يستنبط ابن كمونة، أن محمد لم يعتمد على القرآن في إثبات نبوة نفسه. أما مسألة الإخبار عن الغيب، فمن المعلوم أن أصحاب الرياضيات والمتصوفة وقدماء كهنة العرب أمثال سطيح وسويد بن قارب كانوا قادرين على الإخبار عن الغيب وتوقع المستقبل بدون أي تدخل إلهي. يطعن ابن كمونة في شخصية محمد كونه الصادق الأمين، وذلك أن الرسول العربي كان يخرج سراياه لنهب أموال الكفار وتجارتهم من ناحية، ومن ناحية أخرى ما نقله محمد في قرآنه من أخطاء تتعلق بقصص الأولين كقصة داوود وسليمان الملكين، وقصة عزير كونه ابن الله، فإن كل هذا، يؤكد الكاتب، يخالف تواتر اليهود والنصارى معا.

عاش إبن كمونة في القرن السابع الهجري تحت سلطة أغلبية مسلمة، ولذلك على الأرجح لم ينهج أسلوبا مباشرا وحادا في نقد وتفنيد المسيحية والإسلام، لكنه مع ذلك حاول أن ينتصر لليهودية ويقول بكل بساطة أنه عندما تقتبس مني وتبني صحة طرحك معتمدا على أفكاري ومعتقداتي، فهذا لا يجعلك مصيبا، بل يجعلني أنا بالضرورة محقا!

#إلياس_شتواني (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات