أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض طه شمسان - دكتاتورية التنمية بوجه إنساني و قضايا الديمقراطية المستدامة















المزيد.....



دكتاتورية التنمية بوجه إنساني و قضايا الديمقراطية المستدامة


رياض طه شمسان
حقوقي و أكاديمي

(Reyad Taha Shamsan)


الحوار المتمدن-العدد: 7867 - 2024 / 1 / 25 - 16:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدكتور | رياض طه شمسان
موضوع العلاقة بين التنمية الإنسانية بمختلف مكوناتها وقضايا التحول الديمقراطي خاصة في ظروف الاعتماد الدولي المتبادل و ارتفاع مستوى التهديدات و المشاكل القائمةالعالميةأصبح من أكثر الإشكاليات إلحاحًا، لما لذلك من علاقة مباشرة بين تحقيق الرفاهية والأستقرار في داخل المجتمعات على مستوى الدول و الحفاظ على السلام و الأمن على المستوى العالمي. .
و على الرغم من أن العلاقة بين الديمقراطية و التنمية علاقة بنيوية، لكن من الصعب من حيث الأهمية تحديد الأولوية لأي منهما و هذا ما وجد له انعكاساً في وجهات نظر الخبراء و المتخصصين في هذا المجال و تبلور في اتجاهين: الأول يعتقد أنه من المستحيل المضي قدماً باتجاه التنمية دون الديمقراطية من منطلق أن “الديمقراطية متغير مستقل، والتنمية متغير تابع” ، والثاني يتصور أنه لا يمكن تحقيق الديمقراطيــــة في البلدان النامية و الأقل نمواً قبل أن تبلغ مستوى اقتصادي واجتماعي وثقافي معين من زاوية أن “التنمية متغير مستقل، والديمقراطية متغير تابع”. بل ذهب البعض إلى القول أن الانظمة السلطوية هي اكثر فاعلية من الأنظمة الديمقراطية في تسريع التنمية الاقتصادية و يستندون إلى تجربة تيوان و فيتنام و سنغافورا و تشيلي و غيرها من الدول . فالبلدان الأقل نمواً حسب وجهة نظر الغالبية العظمى من المؤيدين لهذا الموقف أول ما تحتاجه من أجل التنمية والديمقراطية هو النظام و ليس الفوضى و العشوائية. و بالفعل و أن كان هذا مثيراً للتساؤل فقد تمكنت عدد من الدول الأسيوية دون أن تكون فيها أنظمة ديمقراطية النهوض باقتصادها في غضون ما بين 60- 70 عاما و وصلت إلى مستوى اقتصاديات الدول المتقدمة و حققت تنمية شاملة، بعد أن كانت تصنف ضمن الدول الأكثر فقراً و مجاعة، و أنتقلت بعد ذلك إلى الديمقراطية. فكوريا الجنوبية على سبيل المثال استطاعت التحول نحو الديمقراطية في الثمانينيات من القرن الماضي بعد فترات متقطعة من الاستبداد السياسي و الحكم العسكري. الأمر ينطبق أيضاً على بعض دول في أوروبا و أمريكا اللاتينية - اسبانيا و اليونان و المكسيك، في الوقت ذاته و على العكس من ذلك توجد دول آخرى في أوروبا الشرقية - بولندا و دول البلطيق تمكنت من التحول الديمقراطي قبل تحقيق النهوض الاقتصادي. و هذا ما ما أشار إليه فوكوياما في قوله "أن ما حدث من نهضة تنموية في شرق آسيا وفي اوروبا الوسطى والشرقية حسب قوله يعطي دليلا قاطعا على وجود علاقة بين نجاح التنمية وبين المشاركة السياسية في القرار وضرورة انتهاج الحوكمة الرشيدة ومبادئ الشفافية والمساءلة". فالدول الآسيوية اعتمدت النموذج الذي يعتمد على الحوكمة الرشيدة ونزاهة و مهنية النخب الوطنية الحاكمة و القادة السياسيين الذين أسسوا لنهضة صناعية علمية حديثة تلتها تحولات ديمقراطية بعد ان تم تثبيت أسس اقتصادية راسخة، و دول اوروبا الشرقية المشار إليها انتهجت النموذج الذي يعتمد التحول الديمقراطي في المقام الأول. بينما كما قد يبدو هذا الوضع مخالفاً للحالة في الهند التي ترسخت فيها القيم الديمقراطية نسبياً، لكنها ما زالت لم تحقق مستوى تنموي ملائم و ما زالت تعاني من انتشار الفقر و عدم العدالة في المجتمع و ضعف القانون أمام العادات و التقاليد الهندية التي تنتهك حقوق الإنسان و مبدأ العدالة. و يبدو أن العامل الأساسي للنجاح الاقتصادي في دول أوروبا المشار إليها يعود للدعم و المساعدة من قبل الأتحاد الأوروبي و ضعف أو غياب الفساد المؤسسي و ليس للتوجه الديمقراطي وحده. الصين أيضاً تصنف بإنها دولة شمولية بالمعنى السياسي، و لا توجد فيها تعددية سياسية والحزب الشيوعي هو الحزب الحاكم الذي يسيطر على كل دوائر الدولة ومجلس الشعب الذي يشرع القوانين ويعدل الدستور ينتخب بطريقة غير مباشرة، و لكن رغم ذلك الصين حققت نهوضاً اقتصادياً هائلاً و يعد اقتصادها من أسرع اقتصادات العالم نموًا. فمنذ الثمانينات وفي التسعينيات، من القرن الماضي بلغت نسبة نمو الاقتصاد الصيني مستويات قياسية و تحولت من دولة تعاني من المجاعة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. و تجدر الإشارة هنا إلى إن هذا النمو صاحبه أو نتج عنه الانفتاح على العالم وتغير التصورات و التوجهات السياسية والفكرية للشعب الصيني مقارنة مع حقبة ما قبل الاصلاحات الاقتصادية لعام 1978. و حسب الرؤية الصينية المعنى الحقيقي للديمقراطية هو إيجاد أفضل طريقة للتنسيق بين طموحات ومطالب المجتمع بأكمله وصنع قرارات تتوافق مع مصالح الشعب طويلة الأجل و تعتبر الصين إن الديمقراطية هي حق لجميع شعوب العالم، وليست حكرا على عدد قليل من الدول و الشعب هو من يحكم ما إذا كانت دولته ديمقراطية أم لا، ولا يمكن أن يحكم ذلك عدد قليل من الناس من خارجها الذين يوجهون الإملاءات. و لا يوجد نموذج تقليدي للديمقراطية ، ولا توجد ديمقراطية أفضل من غيرها. فقط المناسب هو الأفضل هذا ما تصل إلية الرؤية الرسمية الصينية من استنتاج.  من وجهة النظر الرسمية للصين "الديمقراطية هي قيمة مشتركة للإنسانية وهي أيضًا موضوع ذو سيادة يجب أن يتم تحديده بشكل مستقل من قبل كل دولة ، والدول لديها طرق مختلفة لتحقيق الديمقراطية."
و بغض النظر عن خطأ أو صحة أو عدم دقة الرؤية الصينية و الآراء المشار إليها، حتى الآن لا يوجد على المستوى النظري فيما يتعلق بالعلاقة بين الديمقراطية والتنمية ما يؤسس أو يدعم وجهة نظر أهمية أولوية أيٍ منهما على الآخر . لأن كلى التصورين يستندان إلى التجارب التاريخية على الواقع العملي. و هذا الحقائق المتجسدة على الواقع العملي و هذا الخلاف في وجهات النظر يعود إلى عدة عوامل موضوعية و ذاتية سياسية و تاريخية يصعب سردها في مقال واحد أو دراسة مختصرة ، لأن كل دولة لها خصوصيتها التى ليس بالضرورة أن تقاس بتجارب دول أخرى ، و بالتالي كل حالة بحد ذاتها تحتاج إلى دراسة مستقلة خاصة مع و جود مجموعة من الدول التي لم تستطيع لا أن تحقق التنمية و لا الديمقراطية. و هذه المسألة ليست ضمن خطة هذا الموضوع و لهذا لن ندخل بالتفاصيل و سنكتفي بهذا القدر لأن موضوع هذه الدراسة المختصرة مكرس فقط لتناول مضمون الديمقراطية و أهمية التنمية و العلاقة التكاملية فيما بينهما و الخيار الأمثل لتحقيق التنمية و الديمقراطية على حد سواء.
و من أجل إيجاد رؤية واقعية و بناءة للخيار الأمثل يجب أولاً تحديد مفهوم و مضمون الديمقراطية و معنى و أهمية التنمية و ثانياً: توضيح المعوقات الرئيسية سواءً أمام تحقيق الديمقراطية أو تحقيق التنمية أو كلاهما معاً. و ثالثاً من الضروري في جميع الحالات عند دراسة قضايا التنمية و الديمقراطية في الدول الأقل نمواً و النامية عدم التجزأة بين متطلبات التنمية والديمقراطية من ناحية وتحقيق العدالة الاجتماعية و القضاء على الفساد و تحقيق الاستقلالية عن التبعية الاقتصادية و السياسية و الاعتماد على الخارج و أهمية الشراكة و التعاون الدولي من ناحية آخرى.
و قبل الحديث عن مفهوم و مضمون الديمقراطية من الضروري التأكيد على أن "الديمقراطية هي أحد المثل العليا المعترف بها عالمياً والقائمة على قيم مشتركة تتبادلها جميع الشعوب في مختلف أنحاء العالم، بغض النظر عن الاختلافات الثقافية و الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية". و مصطلح "الديمقراطية" كما هو معروف يعود أصله إلى اللغة اليونانية ويعني "حكم الشعب" أو حكم من يمثل عامة الشعب وتعتبر الديمقراطية كمفهوم سياسي احد الوسائل لتنظيم المجتمع و بحسب ونستون تشرشل ” هي أسوأ أشكال الحكم – باستثناء كل الاشكال الآخرى التي تم تجربتها” . و هذا التعبير ما زال يحتفظ بحيويته بسبب أنه حتى الآن لا يوجد نظام حكم مثالي في العالم ، مما يعني هذا من الضروري البحث عن وسائل جديدة من شأنها جعل "حكم الشعب" أو حكم من يمثل عامة الشعب دائماًفي تطور نحو أفضل مستوى، و هذا يأتي بدرجة أساسية من خلال تطوير آليات الديمقراطية. و الديمقراطية كمفهوم سياسي على المستويين الفكري و العملي شاركت في إثراء و تطوير مضمونه مختلف الشعوب في العالم بتجاربها المختلفة منذ تشكل المجتمع الإنساني و ما زال هذا المضمون يتطور حتى الآن و لا يعد محتوى الديمقراطية كقيمة اجتماعية و سياسية إنجازاً لدولة أو شعب بحد ذاته. و لا تقتصر الديمقراطية بمفهومها المعاصر فقط على الانتخابات مهما كانت نزيهة و شفافة، و إنما أيضاًعلى:
- حق المسائلة البرلمانية و القضائية الذي يعد أهم آليات الديمقراطية؛
- الإيفاء بالوعود من قبل المرشحين خلال العمليات الانتخابية بعد النجاح في الانتخابات ؛
- فصل السلطات من أجل ضمان الحريات العامة والحقوق الفردية و ضمان التوازن بين السلطات المفوضة بالقيام بوظائف الدولة - التشريع، و الإدارة و التنفيذ، و القضاء و بما يمنع من تركز السلطة في يد شخص واحد أو مؤسسة واحدة؛
- استقلال القضاء؛ الذي يعد إحدى الركائز الأساسية للإدارة الفعالة للعدالة و الإنصاف؛
- العدالة الاجتماعية؛
- الاستقلالية عن التبعية الخارجية الاقتصادية، لأن تابعية الاقتصاد الوطني الغير نامي أو الضعيف للاقتصاد القومي لدول آخرى متقدمة صناعياً يؤثر إلى حد كبير على حرية و استقلالية اتخاذ القرار السياسي بما يحقق المصالح و الأهداف الوطنية المشروعة و يخدم حركة النمو الاقتصادي على أسس الخطط و البرامج الأستراتيجية على جميع المستويات. و هنا يجب التفريق بين مفهوم "التبعية" من جهة و مفهوم "الشراكة" و "الأعتماد الدولي المتبادل" من جهة أخرى. الأولى تؤدي إلى الإضرار بالمصالح الوطنية و الشراكة تخدم المصالح الوطنية؛
- سيادة القانون الذي يعد حسب تعريف الأمم المتحدة “مبدأ للحوكمة يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات، العامة والخاصة، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علنًا، وتطبق على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان؛”
- اللامركزية، التي من خلالها يجري توزيع الوظائف والسلطات بين المركز والوحدات الإدارية في إدارة شؤون الدولة، الأمر الذي من شأنه أن يدفع المواطن ليصبح أكثر وعياً من أجل المشاركة في العمليةالديمقراطية، كما تسهم اللامركزية في تقليل نفوذ القوى السياسية في السلطة المركزية، و تعمل على تقريب الحكومة من حكم الشعب.
أما بخصوص التنمية فهي بدورها مفهوم اقتصادي و اجتماعي يتداخل مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل العدالة الاجتماعية و الحكم الرشيد و يعبر عن التطور الشامل و النوعي الذي يطرأ في في هذا البلد أو ذاك في مختلف الميادين اقتصاديا اجتماعيا وثقافيا. و قد أدى سعة هذا المفهوم و تعدد أبعاده و وجود تفاوت في تأثير هذه الابعاد على العملية التنموية من مجتمع لآخر إلى اختلاف وجهات النظر في تعريف التنمية و صعوبة الإلمام بها. كما أن مفهوم التنمية يتأثر بطبيعة المنطلقات الفكرية والايدلوجية و السياسية و أيضاً متعلق بتطور مفهوم التنمية بحد ذاته.
و بشكل عام من الناحية القانونية تشكل التنمية حقًا من حقوق الإنسان التي يجب أن يتمتع بها كل الناس، سواء بصفة فردية أو جماعية. و قد أصدرت الأمم المتحدة بهذا الشأن في تسعينات القرن الماضي “إعلان الحق في التنمية”، ينص فيه على أن التنمية : “حق من حقوق الإنسان ، غير قابل للتصرف و بموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و سياسية و التمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها تحقيق جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية تحقيقاً كاملاً . فالتنمية الاقتصادية تؤدي إلى تحسين الرفاه الاجتماعي وتعزز المساواة و هذا يتجاوب مع مفهومي الديمقراطية والعدالة . كما تعمل التنمية على تحقيق الاستقرار السياسي و الاندماج الاجتماعي والوطني الذي يرسخ أساساً ضرورياً، لمجتمع مدني حقيقي الذي بدوره سيشكل مقدمة ضرورية لبناء النظام الديمقراطي. والرفاه الاجتماعي لا يقتصر فقط على المعنى المادي، و إنما يشمل الجانب المعنوي في الحياة الإنسانية الكريمة. و قد أظهرت عدد من تجارب الشعوب مثل كوريا الجنوبية وتايوان أنه كلما ارتفعت معدلات التنمية الاقتصادية في الدولة، أدى ذلك إلى الدفع نحو عملية التحول الديمقراطي وبناء الديمقراطية في تلك الدول. إذ من الصعب و فق وجهة نظر كثير من الخبراء في هذا المجال بناء الديمقراطية في دولة ما إلا بعد انجاز التقدم الاقتصادي الذي يمثل عنصرا ً لازماً لبناء المؤسسات الديمقراطية النيابية والحزبية و مؤسسات المجتمع المدني الآخرى وتحقيق المشاركة الديمقراطية و زيادة الاهتمام بالقضايا السياسية والمشاركة في العملية الديمقراطية. و للأسف ليس بمقدور جميع الدول الوصول إلى هذا المستوى من التطور الاقتصادي. و السبب لا يعود فقط إلى الديون الخارجية المتزايدة التي تواجه معظم الدول الأقل نمواً أو التي بحاجة إلى النهوض الاقتصادي كما أكد على ذلك الأمين العام للأمم المتحدة في أكثر من مناسبة و خاصة عند الحديث حول برامج المتحدة في مكافحة الفقر و قضايا التنمية المستدامة، و إنما يكمن في الفساد المؤسسي الذي يؤسس لنظام سوء الإدارة و المحسوبيات و يعيق تحقيق العدالة في توزيع الموارد ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر و انتشار الأمية و ارتفاع مستوى الجرائم و التطرف الأرهاب و غالباً ما يفظي إلى الحروب الأهلية و الهجينة و فشل الدول. و هذا ما يفسر لماذا ليس كل الأنظمة السلطوية أستطاعت أن تحقق النهوض الاقتصادي و غيرها من نظم الحكم السلطوية لم تستطيع و لماذا أيضاً فشلت الدول ذات الهامش الديمقراطي هي الأخرى من الحفاظ على البدايات الديمقراطية و لماذا لم تستطيع تحقيق التنمية المنتضرة أو المطلوبة _ و رغم الأختلاف بين هذه الأنظمة لكن العامل المشترك بينها للفشل هو الفساد المؤسسي . و تجدر الإشارة هنا إلى أن الفساد المؤسسي في مثل هذه البلدان لا يعيق فقط التنمية و يقوض البدايات الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان على المستوى الداخلي للدول المعنية ، و إنما يشكل تهديداً مباشراً للسلام والأمن الدوليين والتنمية المستدامة بما يؤدي إليه من عدم الاستقرار داخل البلدان المعنية و تأثير ذلك على المجتمع الدولي و هذا ما تؤكده التقارير الدولية و كثير من الخبراء و المحللين و الساسة و الواقع العملي. و من غير الممكن القضاء على الفساد المؤسسي على مستوى الدول بدون التعاون الدولي في هذا المجال خاصة فيما يتعلق بالتعامل الإجرائي مع قضايا الأموال المودوعة في البنوك الخارجية و الأستثمارات خارج الحدود الوطنية و أيضاً الملاحقات القانونية للمتواجدين من المتهمين بالفساد في البلدان الأجنبية في حالة رفع دعاوى قضية ضدهم في بلدانهم. و إيضاً في أغلب الحالات يستحيل اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كبار المسؤولين في بلدانهم المتهمين بقضايا الفساد في البلدان التي تعاني من الفساد المؤسسي. هذه الحقيقة يجب أن تستوعبها جميع الدول و المشاركين الآخرين في العلاقات الدولية من غير الدول ، مما يعني من الضرورة بمكان التعامل من قبل جميع الفاعلين في المجتمع الدولي مع هذه الظاهرة بكل جدية و مسؤولية و احترام و تطبيق المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد التي تقريباً تحولت لأهميتها العالمية إلى إلزامية لجميع الدول بما في ذلك غير الموقعة، و إلزامية أيضاً على جميع المشاركين الآخرين من غير الدول في العلاقات الدولية ، بسبب العلاقة المباشرة ما بين الفساد المؤسسي و عدم احترام حقوق الإنسان و فشل الديمقراطية. و لهذا قبل الحديث عن الديمقراطية و التنمية و حقوق الإنسان في البلدان ضعيفة التطور يجب تكريس كل الجهود في سبيل القضاء على الفساد المؤسسي. و بالمناسبة رغم ضعف التنمية الأنظمة السلطوية الخالية من الفساد المؤسسي إلا إنها أكثر الأنظمة ثباتاً مقارنة مع الأنظمة السلطوية التي تعاني من الفساد المؤسسي و إيظاً من الأنظمة ذات التوجه الديمقراطي الذي يسود فيها الفساد المؤسسي.
و في ذات السياق فيما يخص العلاقة بين التنمية و الديمقراطية يجب الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من المتخصصين يتفقون على أن التنمية الاقتصادية تؤدي بالضرورة إلى تغيرات اجتماعية و سياسية و بالتالي تفضي إلى مخرجات ديمقراطية سيصاحبها بالضرورة تحول في القيم و الوعي الاجتماعي ، و لكن من الصعب تحديد مستوى التنمية التي تؤدي إلى هذا التحول الديمقراطي لأن هذا مرتبط بجملة من المتغيرات ذات التأثيرات المتبادلة الاجتماعية و الاقصادية و السياسية و الثقافية و الدينية و البيئية الخارجية و الداخلية.
و في جميع الأحوال و ما يمكن التأكيد عليه هو أن النمو الاقتصادي يخلق الظروف الملائمة لنشوء أولتطوير وتحسين المؤسسات الديمقراطية، لأن الديمقراطية تتطلب مستوى معينًا من رفع مستوى الوعي الاجتماعي الديمقراطي و ثقافة الأعتراف بالتعددية، و حق الآخرين بالاختلاف والتعبير، و أستيعاب أهمية ممارسة اللامركزية التي تعد الوسيلة القانونية والفنية في تجسيد مبدأ الديمقراطية الإدارية، و إلا فإن الديمقراطية ستؤدي إلى تعميق الانقسامات المجتمعية بجميع أشكالها والعودة إلى مرحلة ما قبل الدولة . إن تحقيق مستوى معين من التنمية الاقتصادية للمجتمع هو الذي يجعل من الممكن تنفيذ وظيفة الحكم الذاتي، و الذي يعتبر جوهر الديمقراطية الحديثة. لأن نجاح الديمقراطية ضمن اللامركزية يتطلب توافر موارد بشرية وكفاءة مؤسسية، وتمويل محلي لا مركزي. و هذا ما يحتاج إلى نهوض اقتصادي.
و بإمكان أي باحث أن يستفيد من التجربة اليمنية في فهم قضايا العلاقة بين الفساد المؤسسي و سوء الإدارة و المحسوبيات من جهة و أنعدام التنمية و عدم الاستقرار من جهة أخرى و أيضاً في معرفة دور الفساد المؤسسي في تدمير الدول و النسيج الاجتماعي و صنع الحروب شبه المستدامة و فقدان السيادة الوطنية. و في هذا الإطار يجب الإشارة إلى أن الشعب اليمني كان من بين أوائل الشعوب في التاريخ الإنساني التي عرفت نظام الدولة و مارس الديمقراطية البدائية في القرن العاشر قبل الميلاد أو ما يعرفه المؤرخون (بالشورى السبئية) و شهد إلى حد كبير المساواة بين الرجل و المرأة. و قد أدارت في اليمن شؤون الدولة في عدد من الحقب التاريخية أكثر من أمرأة فيما قبل تاريخ الميلاد و فيما بعد تاريخ الميلاد (في الفترة الإسلامية في القرن السابع الميلادي)، بينما في أوروبا كان لا يحق للمرأة حتى القرن الثامن عشر بعد تاريخ الميلاد المشاركة في الأنتخابات البرلمانية و شهدت أوروبا أيضا ًأكثر أنظمة الحكم الإستبدادية حينها، لكن اليوم بسبب الفساد المؤسسي أصبح اليمن يعيش فترة ما قبل الدولة و يرافق هذا التراجع حالة من أستبداد نخب مراكز الفسادالمناطقية و القبلية و العشائرية و عودة المؤسسات التقليدية لما قبل تكون المجتمعات الحديثة، بالإضافة إلى الفقر الذي اجتاح الغالبية المطلقة من الشعب اليمني على الرغم من امتلاك اليمن موارد طبيعية هائلة في مجال النفط و الغاز و المعادن و الموقع الجيواستراتيجي في خطوط التجارة العالمية. صحيح من الناحية التاريخية توجد أسباب داخلية و خارجية منها الصراعات البينية و الأستعمار الأجنبي و سياسة العزلة عن العالم الخارجي و التدخل في الشؤون الداخلية من قبل دول الجوار و سياسة الأطماع الخارجية ، و لكن في التاريخ المعاصر الفساد المؤسسي هو السبب الرئيسي للتمزق المجتمعي و الحرب العبثية و حالة اللا دولة و إهدار السيادة الوطنية و سوء الادرة. و في هذا الإطار أكدت التجربة اليمنية من جديد و بما لا يدع مجالاً للشك أن الفساد المنظم والمصــالح الشخصــیة والحزبیــة غير المشروعة دائماً لا تتفق مــع الدیمقراطیــة والشــراكة الوطنیة ومتطلبات الاستقرار السياسي والتنمية و مكافحة الفساد المؤسسي.
و ينبغي الإشارة هنا إلى أن الفساد المؤسسي، ينشأ في الغالب في حالات ضعف الرقابة الحكومية وضعف القانون وغياب التشريعات اللازمة في مكافحة الفساد وعدم تطبيق مبدأ المحاسبة ، و يتشكل بطرق متعددة فأحياناً ما يبدأ باختراق و تغلغل عناصر العصابات المنظمة لأجهزة الدول الضعيفة أو الناشئة و تحول البعض منهم إلى سياسيين أو من من خلال وجود أشخاص في هرم السلطة تكون لديهم القابلية للفساد و لا يفتقدون فقط للنزاهة و المهنية، و إنما لا يتميزون بأي صفات قيادية أو إدارية و قد يصلون مثل هؤلاءإلى السلطةعن طريق انتخابات ربما تبدو ديمقراطية و شفافة و من المحتمل من بينهم حتى من يكون لديه سوابق قضائية في أرتكاب جرائم جنائية أو إدارية. و هذه هي أحد مساوء الديمقراطية بمفهومها الضيق (عندما تفهم الديمقراطية فقط بالانتخابات الحرة و النزيهة و حشو الدساتير بمفاهيم المؤسسات الديمقراطية). وبالمناسبة تصبح الديمقراطية معضلة في حالة عندما يكون الوعي السياسي و القانوني متدنياً لدى الغالبية العظمى من الشعب و عندما تعاني هذه الغالبية من الفقر . حيث إن حالة الفقر تمكن كثير من السياسيين و الأحزاب السياسية من شراء الأصوات كأبسط مثال على ذلك. و تصبح الديمقراطية الموجهة أيضاًمشكلة عندما يتمكن أشخاص ليسوا جديرين بتحمل المسؤولية الوصول إلى المستويات العلياء في أجهزة الدول في ظل غياب آلية المحاسبة، و الأسوأ عندما تشكل الغالبية المطلقة في البرلمانات من احزابهم السياسية. (ولا يمكن بأي حالٍ من الاحوال على الاطلاق ، ربط الفساد المؤسسي بالحاجة للمال أو الفقر و في نفس الوقت أيضاً يجب التفريق بين الفساد المؤسسي و الفساد الفردي). وعندما يحصل الفاسدون على الوظائف وخاصة العلياء و يعملون جاهدين و بكل السبل إلى جلب اقاربهم إلى مؤسسات الدولة و يبدأون في البحث عن المواليين المؤهلين للولاء و التبعية من غير الأقرباء و أستبعاد ذوي الكفاءة و النزاهة بقدر الإمكان تحت مختلف الحجج و المبررات و يعملون على خصخصة مؤسسات الدولية و تحويلها إلى عائلية من حيث الطاقم الوظيفي من أجل إنشاء منظومة التوريث العائلي بهدف البقاء الدائم و المستدام في السلطة. و هذا ما هو ملاحظ سواء على مستوى مؤسسات الحكومة المحسوبة على الشرعية اليمنية بشكل عام أو في في وزارة الخارجية اليمنية على وجه الخصوص التي تستهلك سفاراتها 40% من ميزانية الدولة حسب معلومات نسبت إلى رئيس البنك المركزي اليمني تصرف لسفراء و دبلوماسيين أقرباء من أسر محددة أغلبيتهم المطلقة ليس لهم أي علاقة بالعمل الدبلوماسي لا يعملون و لا يجيدون عمل أي شيئ و الأفضل من بينهم من يكتب منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي و يعتبرون دخلاء على العمل الدبلوماسي. و على الرغم من أنتهاء المدة القانونية للتعيين ( التي لا تتجاوز أربع سنوات) لكثير من هؤلاء السفراء و الموظفين الآخرين المحسوبين على الدبلوماسية اليمنية مازالوا محتفضين بمناصبهم في السفارات في اليمنية و المؤسسات الدولية في الخارج. و هذا ما يفسر سوء الإدارة و الفشل المؤسسي في اليمن وعدم احترام القانون و أستمرار الحرب العبثية عديمة الأفق و إهدار السيادة الوطنية.
و لن ندخل بالمزيد من التفاصيل في قضايا الفساد لأن هذا موضوع أيضاً مستقل بحد ذاته و أن كان يرتبط ارتباطاً مباشراً بقضايا فشل التنمية و الديمقراطية في العديد من البلدان و خاصة اليمن السعيد.
و ما ورد لا يعني هذا عدم وجود خيارات آخرى بناءة بين الدكتاتورية الإستبدادية (دكتاتورية التطور في تشيلي) و الديمقراطية الهشة الفوضوية (في العراق و اليمن و السودان )التي تهيئ دائماً مناخاً ملائماً للأستمرار في الفساد المؤسسي و عدم الاستقرار و بالتالي أنعدام التنمية و الفشل السياسي و الحروب الأهلية و أهدار السيادة الوطنية. الخيار الأمثل بين الحالتين ممكن يكون في نموذج دكتاتورية التنمية بوجه إنساني و الديمقراطية المستدامة.
دكتاتورية التنمية بوجه إنساني هي رؤية تتضمن فكرة الانتقال البناء إلى الديمقراطية المستدامة و تحقيق الرفاهية الاجتماعية من دون إتاحة أي فرص ممكنة للفساد المؤسسي و سوء الإدارة و المحسوبيات و نظام الحكم العائلي في الدول غير الملكية ، و في ذات الوقت تجنب الشعوب الدكتاتورية التعسفية (التجربة التشيلية ) و الديمقراطية الهشة و الشعبوية ( التجربة اليمنية الفاشلة) و هي ستكون البداية المؤكدة للانتقال الفعلي للديمقراطية المتطورة حيث تشكل أساس الحكم الرشيد و النهوض الاقتصادي في الدول ضعيفة التطور و خاصة العربية و الأفريقية التي تعاني من أنعدام الديمقراطية و غياب حقوق الإنسان أو التي تعيش مراحل انتقالية بعد حروب داخلية أو المنتقلة حديثاً من انظمة الحكم الاستبدادية إلى مرحلة ما بعد الأستبداد. مفهوم الدكتاتورية في هذا السياق لا يعني الاستبداد السياسي بمفهومه القمعي للمعارضة و أنتهاك حقوق الإنسان ، و إنما ترشيد العملية السياسية و فرض سيادة القانون في البلدان التي تعاني من الفساد المؤسسي و ضعف التنمية أو التي لم تصل إلى المستويات عالية من التنمية و الذي قد يتحمورهذا النوع من الدكتاتورية مؤقتاً في الاحتفاظ بمركزية صنع السياسات العامة، وتحييد دور المشاركة السياسية في أطر ضيقة مع احترام حرية الصحافة، و التحديد الضيق لدور التكوينات السياسية في عملية صنع التشريعات ورسم السياسات العامة خاصة عندما تمثل احزاب المعارضة المصالح الشخصية للقيادات الحزبية أو جماعات محددة أو دول اجنبية و ليس المصالح الوطنية. و الأسلوب الدكتاتوري يخص بدرجة أساسية قمع الفساد المؤسسي سواءً داخل المؤسسات الرسمية أو مؤسسات المجتمع المدني و ليس فقط متعلق بالحد من بعض الحقوق السياسية التي الإعلان عنها في الوثائق الرسمية يصبح مجرد أستغباء الرأي العام بعبارات فضفاضة ليس لها أي قيمة في الواقع العملي و الذي قد يؤدي الالتزام بها في احيان كثيرة في الدول التي تعاني من انتشار الفساد المؤسسي و سوء الإدارة إلى خلق حالة من من الفوضى تهدد أي بدايات ديمقراطية في الدول المعنية كما حصل في اليمن، التي شهدت بعض الملامح الديمقراطية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، و لكن بدل الانتقال إلى النظام الخالي من الفساد و الديمقراطية انتقل بشكل دراماتيكي إلى مرحلة الحرب و مرحلة اللادولة مع زيادة الفساد المؤسسي الرسمي و غير الحكومي و سوء الإدارة و المحسوبيات و انتهاك حقوق الإنسان بوتيرة عالية وصلت إلى مستويات قياسية كان حتى يصعب تخيلها فيما قبل عام 2011 و وصل الشعب إلى حالة من الفقر يصعب وصفها.
هذا النوع من الإدارة والحكم الرشيد المتمثل بدكتاتورية التنمية المستدامة من المفروض أن يقوم على أساس سيادة القانون و مبدأ العدالة الاجتماعية و الشفافية التي تمثل هي الأخرى أهم المكونات لنظام الحكم الديمقراطي . و هذا ما تحتاجة على سبيل المثال تونس و مصر و السعودية و ما هو ملاحظ في عمان التي تطلع إلى تحقيق التنمية و استقلالية القرارات الوطنية و حماية السيادة الوطنية ، و على الرغم من أن هذا المبدأ قد تمت الإشارة إليه في القرآن الكريم بصيغة الأمر "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ" (النحل: 90) إلا أنه لم يلاقى الأستجابة اللازمة في جميع البلدان العربية تقريباً، و لا يعد قيمة ذات معنى حتى في الثقافة العامة العربية المعاصرة، فقد تم استبدال هذا المبدأ بمبدأ المزاجية و المحسوبيات و المصالح الشخصية المتبادلة، و هذا يظهر جلياً في تعدد المعايير في التعامل للأسف في الحياة العملية والاجتماعية على المستوى الرسمي و المجتمعي. و مفهوم العدالة الاجتماعية يقصد به في هذه الحالة تحقيق الإنصاف لجميع أفراد المجتمع من حيث توزيع الثروة، وتكافؤ الفرص، والامتيازات وتحقيق علاقات عادلة بين الأفراد و الفئات والمجموعات المختلفة داخل المجتمع، أو حسب تعريف الأمم المتحدة" التوزيع العادل والرحيم لثمار النمو الاقتصادي". و تجدر الإشارة هنا إلى أن مسؤولية تحقيق العدالة الاجتماعية لا تقع فقط على الحكومات و إنما على المنظمات غير الحكومية و المؤسسات الدينية والأفراد في كل مجتمع. كما يقوم أيضاً هذا النوع من الإدارة والحكم الرشيد المتمثل بدكتاتورية التنمية المستدامة على احترام الأديان و استقلالية الدين عن السياسة و استقلالية رجال الدين عن المصالح الحزبية و الشخصية و تفرغ هؤلاء للعمل الروحي و الترويج لأهمية العدالة و الإنصاف و النهي عن الظلم الاجتماعي. و هذا يتطلب أن يخضع رجال الدين أيضاً لنظام الشفافية و تطبيق مبدأ عدم تضارب المصالح و الجمع بين وظيفتين دينية و تجارية أو سياسية أو حزبية و بالطبع إلى جانب وجود عدد من التشريعات القانونية في مجال مكافحة الفساد في مؤسسات الدولة و المؤسسات الدينية و منظمات المجتمع المدني و استقلالية القرارات الوطنية عن إرادة الدول الآخرى، و في نفس الوقت قد يتطلب من أجل ظبط العملية و تحقيق الاستقرار الدائم و المستدام و استقلالية القرار الوطني و ممارسة السياسة السيادية الحد مؤقتاً من بعض الحقوق السياسية غير الفاعلة أو المشوهة و إن كان بمستويات مختلفة من بلد إلى آخر. و هذا ما شهدته روندا على سبيل المثال التي حققت نهوضاً اقتصادياً مهماً أصبح يصنف بأنه الأسرع في افريقيا. و هذا النهوض الاقتصادي هو الذي سيعمل على تحول روندا في المستقبل المنظور إلى دولة ديمقراطية فعليا ً.
إن تبني النظام الديمقراطي الذي يقتصر على الخطاب السياسي و الإعلامي الدعائي في ظل تدني عمل مؤسسات الدول و انتشار الفساد في مؤسسات الدولة و مؤسسات المجتمع المدني تصبح الديمقراطية عبارة عن جمل مكتوبة تتضمنها الدساتير فقط ، ليس لها أي مضمون فعلي اجتماعي و سياسي سواء أنها تكون غطاء يضفي الشرعية على الفوضى و الفساد المؤسسي وعدم الاستقرار و سوء الإدارة، خاصة عندما يتولى إدارة شؤون الدولة اشخاص شعبويين غير مؤهلين مهنياً في الأختصاص لتحمل المسؤولية و يفتقدون إلى معايير القيادة، سواء تم انتخابهم من خلال الانتخابات الديمقراطية الشفافة و النزيهة أو تم فرضهم من الخارج أو لعوامل داخلية. و هذا ما تثبته التجربة العربية التي لم تستطيع أي دولة عربية حتى الآن من الوصول إلى الدولة الديمقراطية أو تحقيق التنمية المطلوبة على الرغم من تبنيها المؤسسات الديمقراطية شكلياً في دساتيرها.
و لكن بكل تأكيد في مستويات معينة من التطور التنموي الحفاظ على النهوض الاقتصادي و الاستمرار في تحقيق التنمية و تطويرها غير ممكن بدون و جود انظمة ديمقراطية أو المؤسسات الديمقراطية و هذا ما أكدته التجربة الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية. فقد استطاع هتلر فقط في غضون ثلاث سنوات من حكمه أن ينهض بألمانيا وتحقيق تنمية اقتصادية هائلة. لكن للأسف النجاحات الاقتصادية والسلطة المطلقة دفعت هتلر إلى إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية ذات النموذج تكرر في إيطاليا أيضاً و غيرها من بعض الدول
و من أجل تحسين آلية الديمقراطية في الدول الأقل نموا، التي تقتصر فيها الديمقراطية فقط على الانتخابات الحرة والنزيهة ، والتي تكتفي شكلياً بتضمين دساتيرها بالنموذج الغربي للمؤسسات الديمقراطية، من الضروري:
- إضافةً إلى ضمان سيادة القانون واللامركزية والشفافية والحكم الرشيد، لا بد من اعتبار الوعود الشفهية التي يقدمها المرشحون للناخبين، سواء أثناء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، بمثابة عقود اجتماعية وقانونية ملزمة دستورياً و ينبغي تدوينها مباشرة بعد الفوز في الانتخابات و أعتبار عدم الوفاء بها جريمة يمكن أن تصنف بجرائم النصب و الاحتيال السياسي ، الأمر الذي يتطلب إجراء تعديلات على القانون الجنائي وإدراج جريمة الاحتيال و النصب السياسي في القانون الجنائي.
- من حق كل مواطن أن يشرح نفسة للمجالس التشريعية، و لكن من أجل فعالية و مهنية المجالس التشريعية يفضل اشتراط لكل مرشح أن يكون عنده مستوى كافي من التعليم و ملم بالدستور للبلد المعني على الأقل.
- اعتبار موافقة أي شخص على تولي منصب قيادي دون كفاءة جريمة يعاقب عليها القانون. وفي حالة ارتكاب أول خطأ بسبب عدم المهنية، إذا لم يترك منصبه طواعية، يجب أن يخضع للمسائلة القضائية بتهمة انتحال الشخصية القيادية بدون مؤهلات تخصصية.
- رفع أي حصانة من الملاحقة القضائية للمتهمين بالفساد مهما كانت صفتهم الوظيفية . و القضاء على الفساد المؤسسي أو الفردي لا يتحقق فقط من خلال إقالة المسؤولين الفاسدين من المناصب والوظائف الحكومية، ولكن أيضًا من خلال مصادرة جميع الأصول والأموال التي تم الحصول عليها وتراكمها بوسائل غير قانونية.



#رياض_طه_شمسان (هاشتاغ)       Reyad_Taha_Shamsan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمم المتحدة بين الرؤية الإستراتيجية للاصلاح ومصالح القوى ا ...
- فبراير الحدث الذي بدأ بثورة و أنتهى بمؤامرة و نكبة لليمن : ا ...
- الرؤية الواقعية لتحقيق السلام الدائم و المستدام في اليمن
- الليبرالية و الواقع العربي و إشكالية التحول الديمقراطي في ال ...
- الأهمية العالمية لمكافحة الفساد
- منظومة الحل النهائي والدائم للقضية اليمنية
- الواقع الدولي و المشهد اليمني: مقاربات سياسية و أمنية
- القضية اليمنية و مسؤولية مجلس الأمن الدولي
- شرعية ومشروعية السلطة و اشكاليتها القانونية و السياسية في ال ...
- محاور التسوية البناءة للأزمة اليمنية
- التدخل الإنساني في اليمن ضرورة أخلاقية و مسؤولية قانونية
- التحولات العالمية و الواقع اليمني
- التشكيلة السياسية للمشهد اليمني و آفاق المستقبل
- تفاصيل الأزمة اليمنية و مساراتها
- اليمن وقضية بناء الدولة و مسألة الانضمام لمجلس التعاون
- اخطاء المرحلة الأنتقالية في اليمن و آفاق الحل السياسي
- الدوافع الرئيسية لعاصفة الحزم و الصفة القانونية
- دستور الدولة المدنية الحقوقية و كيفية الوصول إلى حل الأزمة ا ...
- الأسباب الحقيقية لأجتياح صنعاء و المخارج العملية لمنع الأنهي ...
- التبعات القانونية و السياسية لعدم انتهاء مؤتمر حواراليمن الو ...


المزيد.....




- وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع ...
- -البعض يهتف لحماس.. ماذا بحق العالم يعني هذا؟-.. بلينكن يعلق ...
- مقتل فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية (صور+ ...
- سماء غزة بين طرود المساعدات الإنسانية وتصاعد الدخان الناتج ع ...
- الناشطون المؤيدون للفلسطينيين يواصلون الاحتجاجات في جامعة كو ...
- حرب غزة في يومها الـ 204: لا بوادر تهدئة تلوح في الأفق وقصف ...
- تدريبات عسكرية على طول الحدود المشتركة بين بولندا وليتوانيا ...
- بعد أن اجتاحها السياح.. مدينة يابانية تحجب رؤية جبل فوجي الش ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن عدد الضحايا الفرنسيين المرتزقة ف ...
- الدفاعات الروسية تسقط 68 مسيرة أوكرانية جنوبي البلاد


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض طه شمسان - دكتاتورية التنمية بوجه إنساني و قضايا الديمقراطية المستدامة