أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - همام طه - معالجة التسرّب المدرسي في العراق .. مدخل للتنمية والإصلاح الاجتماعي















المزيد.....

معالجة التسرّب المدرسي في العراق .. مدخل للتنمية والإصلاح الاجتماعي


همام طه

الحوار المتمدن-العدد: 7850 - 2024 / 1 / 8 - 12:23
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


يشير مفهوم التسرّب المدرسي إلى خروج الطالب من مؤسسة تعليمية قبل نهاية المرحلة التي كان يدرسها. وتشمل المراحل التعليمية الأساسية والمتوسطة والثانوية، وفي بعض البلدان قد تشمل ترك المرحلة الأكاديمية أيضاً، سواءً كان هذا التسرّب حاصل بإرادة الطالب أو لظروف أجبرته على ذلك (1). ويشكّل التسرّب المدرسي خسارة فردية وأسرية ومجتمعية وهدراً تنموياً ويتسبب في اختلالات هيكلية في بنية المجتمع نتيجة ما ينتج عنه من فجوات طبقية واجتماعية وتفاوت اقتصادي وثقافي. كما يؤدي التسرّب المدرسي إلى تهديدات للأمن الوطني لأنه يكرّس دائرة الفقر والهشاشة والانقسام المجتمعي وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وما زالت ظاهرة التسرّب من المدارس في العراق تعتبر أحد أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع التربوي في البلاد منذ عدة عقود، نتيجة الظروف والأزمات التي مرّ بها العراق وانعدام الآليات والسبل الحديثة للحد منها (2). وفي الواقع هي ليست مشكلة القطاع التربوي فقط بل هي مشكلة كل القطاعات الاجتماعية والتنموية والإنتاجية والخدمية لأن التسرّب من التعليم هو تسرّب من المجتمع ويؤدي إلى اختلالات اجتماعية واقتصادية كشيوع الأمية والبطالة وضعف الوعي والثقافة والعزلة عن تطور المجتمع، ويضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية للمجتمع والفرد، ويزيد من الاتكالية والاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات (3). وهو إعاقة لعملية التنمية ويعزل الفرد المتسرّب من التعليم عن المشاركة في الحياة العامة ويؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وضعف الإحساس بالمواطَنة والمسؤولية والانتماء للمجتمع، فالتعليم للأفراد والمجتمعات لم يعد ترفاً أو رفاهية زائدة عن الحاجة بل هو ضرورية حياتية ووجودية ومن الحاجات الأساسية للإنسان.
ومن واجب الدولة العراقية أن تحشد طاقاتها وإمكاناتها لمعالجة ظاهرة التسرّب المدرسي في المجتمع العراقي وإعادة الطلبة والتلاميذ إلى مقاعد الدراسة في مختلف المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والإعدادية. وينبغي أن يكون هذا المشروع مشروعاً وطنياً تنهض به الدولة العراقية بوزاراتها ومؤسساتها كافة وليس وزارة التربية فقط. وأن يكون فرصة تثبت من خلالها الدولة العراقية قدرتها على قيادة المشاريع الاجتماعية الكبرى وتعبئة وحشد الطاقات الوطنية لمواجهة الأزمات البنيوية الخطيرة وعدم الاكتفاء بانتظار النصائح والتوجيه من المنظمات الدولية مع أهمية هذه النصائح والاستشارات ولكن الجهد ينبغي أن يكون وطنياً في الإرادة والتخطيط والتنفيذ لأن قضية التعليم هي قضية وجودية بالنسبة للمجتمع العراقي وهي قضية حياة أو موت بمعنى الكلمة.
وترتبط ظاهرة التسرّب المدرسي بظواهر أخرى في المجتمع تحتاج إلى معالجة مثل عمالة الأطفال والزواج المبكر ونقص الأبنية المدرسية والنزوح. ولكن يبقى الاشتباك مع التسرّب المدرسي والاستقصاء عن الطلبة المتسربين وإعادة دمجهم في المدارس هو المدخل للتعامل مع مختلف الظواهر السلبية في المجتمع. المشاكل والأزمات في المجتمع العراقي كثيرة ولكن معالجتها تبدأ من خلال الاهتمام بالتعليم وتحقيق الشمول التعليمي الحقيقي للأعمار والفئات كافة. فالمدرسة ومؤسسة التعليم هي الركيزة الأساسية للتنمية والإصلاح الاجتماعي، ومن خلال تعليم وتدريب الطفل ذهنياً وسلوكياً يتم نقل الإيجابية الحضارية والتنموية إلى الأسرة ككل. فالمدارس هي مراكز إشعاع تنموي وحضاري في المجتمع.
إن وجود ثلاثة ملايين طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس هو كارثة اجتماعية وأخلاقية وهو أيضاً قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه المجتمع (4). ولذلك ينبغي أن تحشد الدولة الجهود لمعالجة هذه الظاهرة ودون انتظار حلحلة الأزمات التي تغذيها بل ينبغي أن تكون معالجة التسرّب المدرسي هي البوابة التي من خلالها تشتبك الدولة مع الأزمات والظواهر السلبية الأخرى كعمالة الأطفال والزواج المبكر وغيرها. كما أن عدم معالجة ظاهرة التسرّب المدرسي بصورة جذرية سيؤدي إلى تفاقمها وتطوّرها إلى أزمات متلاحقة ومركبة تشمل الفقر والهشاشة والتفسّخ الاجتماعي والفجوة الطبقية الهائلة.
وقد نصّ قانون التعليم الإلزامي رقم (118) لسنة 1976 على حشد الطاقات الوطنية لمكافحة التسرّب المدرسي حيث جاء فيه: "تتعاون دوائر ومؤسسات الدولة، والقطاع العام، والمنظمات الشبابية والنقابية، على العمل لتحقيق إلزامية التعليم وتؤلف ما يقتضي لذلك من الأجهزة والتنظيمات، وفقاً لما تصدره وزارة التربية من تعليمات" (5). فالعمل على مكافحة التسرّب المدرسي هو مسؤولية الدولة والمجتمع بصورة مشتركة، ويقع على عاتق كل مؤسسات الدولة أن تتأكد من أن موظفيها وموظفاتها يرسلون أبناءهم وبناتهم إلى المدارس في المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية.
كما أن مكافحة التسرّب المدرسي من المفترض أن تكون على رأس أولويات مجالس المحافظات المنتخبة حيث جاء في القانون المذكور: "تتولى الإدارة المحلية توفير الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لتطبيق خطة إلزامية التعليم الابتدائي..". فالمطلوب في المرحلة المقبلة أن تتولى مجالس المحافظات ممارسة دورها الرقابي المتعلق بمتابعة عمل إدارات المحافظة ومؤسساتها فيما يتعلق بالاستقصاء عن التلاميذ المتسربين من المدارس وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة وكذلك متابعة كل الأزمات الأخرى المرتبطة بالتسرّب مثل عمالة الأطفال والزواج المبكر وتدنّي المستوى الدراسي للأطفال واليافعين وعدم اهتمام الأسر بتعليم أبنائهم وبناتهم.
وعلى الرغم من أهمية قانون التعليم الإلزامي وضرورة تطبيقه فإنه يحتاج إلى مراجعة وتطوير من قبل مجلس النواب العراقي بحيث يكون التعليم إلزامياً إلى سن 18 سنة. وأن يكون إكمال المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والإعدادية إلزامياً أيضاً لكل العراقيين والعراقيات الذين جاوزوا سن 18 سنة. وهذا مشروع وطني كبير إذا أخذت به الدولة يمكن أن ينقل المجتمع العراقي نقلة تنموية وحضارية واجتماعية ستكون لها آثارها الإيجابية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
وترتبط ظاهرة التسرّب المدرسي بمبدأ سيادة القانون فعدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي وقانون العمل أدى إلى تفاقم ظاهرة التسرّب من الدراسة وعمالة الأطفال. كما أن واحداً من أسباب التسرّب المدرسي هو عدم الاهتمام بالدراسة وانخفاض قيمة التعليم (6). وبالتالي فإن التحدي الذي يواجهنا هنا هو كيفية رد الاعتبار للتعليم في المجتمع العراقي وتوعية أولياء الأمور بأن التعليم بالنسبة للأطفال والأحداث هو حاجة أساسية مثل الأكل والشرب بالضبط وأن إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس هو حق ينبغي أن يطالبوا به وواجب ينبغي أن يلتزموا به.
إن البدء من مشروع مكافحة التسرّب المدرسي سيجعل الدولة تشتبك مع أزمات كبيرة بنيوية ومتداخلة اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيروقراطية فمكافحة التسرّب المدرسي هي الخطوة الأولى على طريقة تفكيك كل هذه الأزمات. وهناك العديد من السياسات التي ينبغي أن يتم النهوض بها بموازاة مكافحة التسرّب مثل مشروع التغذية المدرسية والمنح المالية للأسر الفقيرة واستكمال الأبنية المدرسية ولكن حتى المنح المالية قد لا تؤدي الغرض في مكافحة التسرّب المدرسي إذ يذكر المشرف التربوي علي جاسم خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "هناك أسباباً عدة وراء التسرب الدراسي، منها ما يتعلق بالطالب نفسه، كأن يواجه صعوبة في التعلم وتدني مستواه الدراسي، أو أنه لا يهتم بالدراسة من الأساس". ويضيف "مبادرة توزيع رواتب أو إعانات بين الطلبة والتلاميذ، إذا نُفذت، فإنها لن تغير من مستوى الطالب العلمي، لأن حضوره إلى المدرسة عندئذ سيكون فقط من أجل قبض المعونة المالية، وهذا الإجراء قد يقلل من التسرب بشكل بسيط" (7).
من هنا فإن معالجة ظاهرة التسرّب المدرسي كما يشير المختصون تكمن في تطوير العملية التعليمية والتربوية في البلاد كماً ونوعاً وإحداث نقلات بنيوية ومؤسسية ومنهجية في هذه العملية بحيث تكون جاذبة للتلاميذ والطلبة وتكون المدرسة ملاذاً للتلميذ أو التلميذة، فالخلل الأساسي هو في النظام التعليمي ككل وعند معالجة الاختلالات الهيكلية في هذا النظام وإصلاحه سنكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في معالجة ظاهرة التسرّب المدرسي. وعليه، فإن الدولة مطالبة بأن تأخذ بمبدأ الإصلاح الشامل والمتكامل فملف التسرّب المدرسي يرتبط ويتداخل مع ملفات أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية فالضغوط والأزمات المركبة التي يعيشها المجتمع تخلق البيئة والمناخ اللذين يؤديان لإجبار التلاميذ على التسرّب من التعليم أو إجبار الأسر لأبنائها وبناتها على ترك الدراسة في مختلف المراحل الدراسية.

المصادر:
1- موسوعة المعرفة: تعريف التسرّب المدرسي.
2- إرفع صوتك: أكثر من 3 ملايين طفل عراقي تسرّب من المدرسة.. ما الحل؟
3- وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية: ظاهرة التسرب من المدارس الأسباب والإجراءات الوقائية والعلاجية
4- الجزيرة: 3 ملايين طفل خارج المدارس في العراق.. ما المعوقات التي تواجه القطاع التعليمي؟
5- قانون التعليم الالزامي رقم (118) لسنة 1976
6- المصدر رقم (3) نفسه
7- العالم الجديد: ظاهرة التسرب من المدارس.. هل تكافحها المنح المالية؟



#همام_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطوير الفلسفة العقابية في العراق .. من سلب الحرية إلى العقوب ...
- مواجهة أكتوبر وإعادة هيكلة الوعي والمواقف .. القضية الفلسطين ...
- الثورة المعرفية ركيزة النهضة الشاملة .. نحو استراتيجية وطنية ...
- الاستثمار في رأس المال البشري .. تطوير موظفي القطاع العام ال ...
- هل يمكن أن يتحوّل العراق إلى دولة لاعنفية؟
- المشروع الوطني لتعليم اللغة الإنجليزية في العراق .. رافعة اس ...
- التكامل المؤسسي .. مفتاح نجاح الحكومة
- أزمة التنوّع الثقافي في المجتمعات العربية: حروب الهويات تطيح ...
- محو الأمية في العراق .. الخطوة الأولى على طريق التنمية
- هوية السينما العربية في عصر العولمة الثقافية .. وقائع ندوة ح ...
- الدراسات الكردية .. قراءة الذات في عيون الآخر
- توطين الإسلام في الغرب .. من التقابل إلى التداخل
- رئيسة وزراء نيوزيلندا .. قيادة تغييرية تدافع عن التنوع الثقا ...
- كيف نواجه الكراهية .. سؤال جوابه في المواطنة الكونية وعولمة ...
- الدراسات الدينية وسؤال التجديد .. هل من سبيل إلى فقه جديد يو ...
- ما الذي يحتاجه العراق من رئيس مجلس النواب المنتخب؟ العمل الد ...


المزيد.....




- هدده بأنه سيفعل بأخته ما فعل به لإسكاته.. رجل يتهم قسيسًا با ...
- مصر تفتتح أكبر مراكز بيانات -مؤمنة- في تاريخها تحتوي على كل ...
- يوتيوبر أمريكي ينجو من الموت بأعجوبة (فيديو)
- السعودية.. جدار غباري يجتاح وادي الدواسر وزوبعة ضخمة تظهر ش ...
- بوريل: لسنا مستعدين للموت من أجل دونباس
- السيسي للمصريين: علموا أولادكم البرمجة بدلا من كليات الآداب ...
- محمد صلاح.. يلمح إلى -خطورة- الأسباب وراء المشاجرة الحادة بي ...
- الزي الوطني السعودي.. الحكومة توجه موظفي الحكومة بارتدائه اع ...
- الشرطة الليبية.. ردود فعل واسعة بعد تدافع رجال أمن خلف شاحنة ...
- حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا يستقيل قبل تصويت مقر ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - همام طه - معالجة التسرّب المدرسي في العراق .. مدخل للتنمية والإصلاح الاجتماعي