أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - المسألة اليهودية والحل الصهيوني وسبل المجابهة......















المزيد.....


المسألة اليهودية والحل الصهيوني وسبل المجابهة......


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 7841 - 2023 / 12 / 30 - 22:04
المحور: القضية الفلسطينية
    



كُتب الكثير عن الحركة الصهيونية منذ تسلمتها يد هرتزل، الصحفي النمساوي الذي كان له الفضل في تجميع خيوط العون الإمبريالي وغير الإمبريالي ووضعها جميعاً في خدمة الصهيونية، التي تحولت على يديه إلى حركة سياسية لها مؤسساتها التنظيمية والمالية والسياسية.
وقد كان من أكثر الأمور إثارة للالتباس حول الحركة الصهيونية، أنها تبلورت كحركة سياسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو الوقت الذي بدأت تتبلور فيه كثير من الحركات القومية في أوروبا الشرقية بوجه خاص مثل دول البلقان الغربية ومثل ألمانيا وإيطاليا اللتين كانتا تقومان بمهمة التحرر القومي وتوحيد البلاد في الوقت نفسه، وكان هذا هو أساس اللبس أو التزوير التاريخي لنشأة الحركة الصهونية، المتمثل في تصديق الادعاء الصهيوني القائل بأن الحركة الصهيونية هي التي قادت ما يسمى بـ "حركة التحرر اليهودية" كانت حسب ذلك الإدعاء جزءاً من تلك الحركات القومية التي كانت تتبلور في تلك الفترة .
ولم يكن هذا التزوير بلا أساس على أي حال، فقد كانت البرجوازية اليهودية هي التي تقوم بالدور الأساسي في تمويل وتسيير الحركة الصهيونية وتوجيه قادتها، فبدت وكأنها تقوم هنا أيضاً بقيادة حركة قومية شبيهة بالحركات الأوربية التي قادتها تلك البرجوازيات.
كما كانت هناك بعض الأسباب الثانوية لذلك الخلط، مثل علاقة زعماء الحركة الصهيونية ببعض قادة حركات التحرر في العالم ، مثل علاقة هرتزل بغاريبالدي وعلاقة وايزمن بغاندي في مرحلة معينة .
لقد ساعدت كل هذه الأسباب وغيرها على حدوث ذلك اللبس حول ماهية الحركة الصهيونية، وهو لبس لا يزال له تأثير في بعض الأوساط اليسارية الأوروبية والأمريكية حتى الآن.
وبالطبع فإن من المهم التصدي لهذا الموضوع لإزالة هذا اللبس، فكل أوجه تشابه الحركة الصهيونية مع حركات التحرر تقوم على مستوى الشكل، لكنها تصل إلى نقاط افتراق كبيرة واختلاف جوهري عند تلك الحركات عند الغوص في العمق لاكتناه الحقيقة، فالبرجوازية اليهودية الكبيرة هي التي دعمت ومولت الحركة الصهيونية، لكن ذلك لم يكن ضمن عملية تهدف إلى "تحرر اليهود" بقدر ما كان استثماراً من جانبها للمحنة التي تعرض لها هؤلاء في مشروع استيطاني، كان بدوره جزءاً من مجموعة مشاريع مماثلة في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. وقد قامت بتمويل هذه المشاريع باعتبارها جزءاً من البرجوازية الأوروبية مسيحية ويهودية كنوع من حل لأزمتها وليس بهدف "التحرر" .
وقد لاحظ الدكتور عبد الوهاب المسيري، عن حق، أن الدعوات الصهيونية لإعادة اليهود إلى فلسطين كانت تتوجه على الدوام إلى كبار رجال المال والسياسة في الدول الأوروبية الاستعمارية. وكان نموذجياً ضمن هذا الإطار أن يتوجه "هرتزل" في دعوته الصهيونية إلى رجل المال الفرنسي اليهودي روتشيلد ، فجاء عنوان كتاب هرتزل الأساسي "دولة لليهود ": نداء إلى عائلة روتشيلد".
أما ما يسمى باليسار الصهيوني الذي كانت تشوب بعض كتاباته رطانة ماركسية يسارية، فقد كان جزءاً أساسياً من الحركة الصهيونية بنفس ارتباطاتها البرجوازية .
وعندما ظهرت الحركة الصهيونية بصورتها في أواخر القرن التاسع عشر، كانت قد تحولت من حيث الجوهر إلى حركة سياسية متدثرة بغطاء ديني رقيق. لكن الإيمان الديني لم يكن جوهرياً بالنسبة لقادة الحركة الصهيونية ومنظريها. وقد لخص "م.ا. جولدنبرج" الوضع المتداخل بين الحركة الصهيونية والدين اليهودي في تلك الفترة كما يلي : "بمقدار ما كانت الصهيونية توسع نفوذها وتصبح تدريجياً الأيديولوجيا السائدة للبرجوازية اليهودية كان الكهنوت اليهودي يعتبر ليس فقط مفيداً وإنما ضرورياً بشكل جذري".
لقد جاءت استفادة الصهيونية من الأساطير الدينية اليهودية بنفس الأسلوب الذي عادت فيه البرجوازيات الأوروبية المسيحية إلى الاستفادة من المقولات التي كانت ترفضها سابقاً ، ومنها المقولات الدينية التي كانت قد شنت عليها هجمات عنيفة ، لكنها لم تعد ترى مانعاً في فترة لاحقة من العودة إليها في سبيل تنفيذ مآربها الاستعمارية كما هو الحال بالنسبة للتيارات اليمينية المتطرفة –حكومة بوش و المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، وحكومة نتنياهو وليبرمان في "إسرائيل" – التي تتخذ من الدين غطاء لسياساتها .
وليس أدل على كل هذا الرياء الديني من أن معظم قادة الحركة الصهيونية لم يكونوا معروفين بتدينهم ، بل على العكس من ذلك، كان معظمهم من المتنورين المندمجين سابقاً، أو من "اليساريين" أو الليبراليين أمثال هرتزل وبنسكر وهس، بل إن بعضهم كان رافضا للدين اليهودي برمته، فتيودور هرتزل "تعمد انتهاك العديد من الشعائر الدينية اليهودية حين قام بزيارة المدينة المقدسة" و "كان ماكس نورداو ملحداً يجهر بإلحاده" وكان حاييم وإيزمن يتلذذ في بعض الأحيان "بمضايقة الحاخامات بشأن الطعام المباح شرعاً".
وعلى أي حال فإن مساجلات لينين مع حزب البوند الروسي الذي كان يدعي تمثيل البروليتاريا اليهودية ، وكتاب ستالين الشهير" الماركسية والقضية القومية" يعتبران من كلاسيكيات الكتب التي تبين تهافت منطق الفكرة القائلة بوجود قومية يهودية تهدف الحركة الصهيونية إلى تحررها.
ومع ذلك فإن من الصعب القول إن الالتباس قد انتهى تماماً خاصة بعد قيام "إسرائيل" ، مما أضاف وهما جديداً حول "تحقق هدف الصهيونية" في إنشاء دولة مستقلة لليهود. لكن قيام "إسرائيل" لم يكن تحقيقا لهدف تحرري ، بل جاء ترجمة عملية بشعة لهدف إمبريالي بحث في "إقامة قلعة محصنة للإمبريالية في المنطقة العربية" كما أخبرتنا وقائع التاريخ.
وعلى الرغم من أن قيام "الدولة اليهودية" قد أدخل عنصراً جديداً أخل بمجمل المعادلات الأساسية في المنطقة إلا أنه لا يغير من جوهر الصهيونية، التي رأيناها تتطور من أفكار دينية غامضة برزت وانتشرت من تبلور الفكر البرجوازي الأوروبي ثم تحولت إلى فكر استغلالي استعماري، ثم إلى حركة سياسية غايتها الاستيطان في فلسطين ، لا من أجل تخليص اليهود من عذاباتهم ، بل من أجل أن تكون قلعة للإمبريالية تحول دون تهديد مصالحها في استغلال ثروات الشعوب العربية والإسهام في استمرار تبعية وتخلف بلدانها،واحتجاز تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي كضمانة وحيدة لحماية المصالح الإمبريالية ، عبر أنظمة عربية فقدت في معظمها وعيها الوطني والقومي بعد أن أقدمت على الاعتراف بمشروعية دولة العدو الإسرائيلي ، وأصبحت جزءاً من التحالف الإمبريالي المعادي لأهداف وتطلعات الشعوب العربية صوب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
وهنا بالضبط تتجلى بوضوح الرؤية الموضوعية الثورية للصراع مع العدو الصهيوني وحليفه الإمبريالي ، كصراع عربي من خلال الانطلاق مجدداً من ضرورة النضال القومي الذي يعني العلاقة الجدلية والعضوية بين القضية الفلسطينية والقضية القومية العربية، بمثل ما يعني وحدة البرنامج القومي، التحرري الديمقراطي، الهادف إلى تحقيق نهضة شعوبنا وتقدمها ، الأمر الذي يفرض على كافة قوى اليسار القومي العربي عموماً والجبهة الشعبية على وجه الخصوص، التفكير جدياً في إعادة احياء الفكرة التوحيدية القومية المترابطة تاريخياً ومصيرياً بالمسألة الفلسطينية، وما يتطلبه ذلك من تفعيل عملية التغيير الوطني الديمقراطي في إطار تجديد المشروع النهضوي القومي المقاوم، شرط الانطلاق بداية من رؤية ثورية واقعية جديدة لحركة التحرر القومي باعتبارها ضرورة تاريخية تقتضيها تناقضات المجتمع العربي الحديث وضرورات تطوره المستقبلي.
الصهيونية والرأسمالية العالمية : نشأت الصهيونية كأيدلوجية وتنظيم في نهاية القرن التاسع عشر، في عصر الصراع الطبقي الحاد الذي خاضته البروليتاريا العالمية، في مرحلة التحول النهائي للرأسمالية إلى الامبريالية.
كانت الصهيونية بحكم نشاطها احد ملحقات الأيديولوجية الامبريالية. ولهذا فلا ينبغي لأحد ان يدهش للتناقض بين شكل الصهيونية وبين مضمونها الحقيقي.
تكونت المنظمة الصهيونية العالمية في المؤتمر الدولي الأول للصهاينة الذي انعقد في بازل بسويسرا في أغسطس 1897، واستلهمت نشاطها المنظم بالتزييف، فهي لم ترض بتاريخ ميلادها، لهذا راحت الدوائر الصهيونية والمشايعة لها، تنشر على أوسع نطاق، خرافة مؤداها ان الصهيونية "التي تدعو لإقامة دولة يهودية" هي ظاهرة قديمة قدم العالم، ذلك ان اليهود على امتداد ألاف السنين كانوا دوماً يحلمون بيوم "العودة إلى فلسطين"، والمثير حقاً أن هذه المزاعم لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه. إذن فلمن ولماذا اختلقت أسطورة عراقة الصهاينة؟
بالطبع كان انهيار النظام الإقطاعي، والنمو العاصف للرأسمالية، وظهور طبقة البروليتاريا في أوروبا، والثورة البرجوازية الفرنسية، تلك التحولات العملاقة ذات التأثير البالغ على مصائر شعوب العالم اجمع، قد كانت أقوى من قدرة الأسوار التي ضربت في العصور الوسطى حول الجيتو اليهودي.
لقد شهد عصر الرأسمالية تداعي أسوار الجيتو اليهودي، وعودة الحيوية من جديد إلى عملية اندماج اليهود في الشعوب التي يعيشون على أرضها، تلك العملية التي كانت قد توقفت نسبياً في العصور الوسطى.
وقد أشار فلاديمير ايليتش لينين إلى أن "سقوط العصور الوسطى، ونمو الحرية السياسية في أوروبا قد اقترن بالتحرير السياسي لليهود، وتحويلهم عن اللكنة الطائفية إلى لغة الشعب الذي يحتويهم، وعلى العموم فقد كان اندماجهم في بقية السكان خطوة لا شك في تقدمها، لكن عملية الاندماج التي توقعها لينين لم تتحقق ، حيث استطاعت أنظمة الرأسمالية الأوروبية ، خاصة البريطانية ، تفعيل الحراك الصهيوني في خدمة التوسع الاستعماري وحماية المصالح الراسمالية الاستعمارية والامبريالية ، ومن ثم بلورة الحركة الصهيونية بعد الانتداب البريطاني على فلسطين ، واسست الوكالة اليهودية وشجعت عمليات تهجير اليهود الى فلسطين تمهيداً لاغتصابها واستيطانها عبر قيام الدولة الصهيونية .
الصهيونية قد ظهرت على أي حال ... فما هي الأسباب الرئيسية لظهورها؟
1- ان التناقضات بين انجلترا وفرنسا، ثم ألمانيا فيما بعد، فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط الذي كان لا يزال واقعاً في نطاق الإمبراطورية العثمانية الآيلة للسقوط، والصراع المرير بين هذه الدول الاستعمارية على التقسيم النهائي لتركة الإمبراطورية التركية، إن هذه العوامل كانت تفرض على الأفراد المتصارعة البحث عن مبررات مقبولة لتوسيع مجال نفوذها.
- كانت فكرة توطين اليهود في فلسطين التي سعت الدوائر الحاكمة البريطانية بدأب وإصرار لتحقيقها، تبدو أفضل شكل مناسب للاستعمار ( كان بسمارك مستعداً هو الآخر لاستغلال نفس الفكرة بتوطين اليهود على امتداد خط سكة حديد برلين – بغداد)
- وعلى ذلك فقد كانت هناك مصلحة محددة ومباشرة لدى بريطانيا وفرنسا وألمانيا في دعم تلك القوى التي آلت على نفسها أن تقوم بدور المنفذ العملي للمشروع ذي الفائدة المشتركة وهو استعمار فلسطين أو استعمار بعض أجزاء الإمبراطورية العثمانية كما كان يخطط بسمارك.
2- ان اشتداد حدة الصراع الطبقي في مطلع القرن العشرين قد وضع الامبريالية امام ضرورة توحيد ودعم كافة القوى المعادية للحركة البروليتارية العمالية، ووحدتها وتضامنها. وعلى ذلك فقد كانت هناك مصلحة موضوعية اكيدة لدى كافة القوى الحاكمة في جميع الدول الاستعمارية بلا استثناء، في تبني واحتضان الصهيونية.
3- ان عملية الاستقطاب الطبقي، وتحلل الجاليات اليهودية، وطموح الكادحين اليهود إلى التحرر من سيطرة زعماء الجاليات في كل بلد توجد به تجمعات يهودية، ان ذلك كله قد أدى إلى ظهور وتجمع العناصر اليهودية الثرية ذات النفوذ المعرض للضياع، وذات الرغبة الموحدة في تنظيم صفوفها لاستعادة نفوذها وتأكيد زعامتها بأي وسيلة، وعلى ذلك فقد كانت هناك مقدمات سياسية كافية موضوعيا لظهور المنظمة الصهيونية العالمية.
وبعبارة اخرى فان الصهيونية قد ظهرت في صورة المنظمة الصهيونية العالمية، والاحتكار الاستعماري اليهودي، كتجسيد مادي لمحاولات البرجوازية اليهودية الممالئة للاستعمار لاستعادة النفوذ والسيطرة على جماهير اليهود، وتعطيل عملية اندماج اليهود في الشعوب الأخرى – ذلك الاندماج الذي لا شك في تقدميته كما قرر لينين- ، وخلق رصيد سياسي وبشري- على نطاق كل بلد كما على نطاق العالم باسره- يكون دوماً على أهبة الاستعداد لخدمة أهداف ومصالح الحليف الرئيسي والشريك الأقوى للصهيونية أي أقوى الدول الامبريالية نفوذا في كل فترة تاريخية.
وهكذا يبدو بوضوح لا يقبل الشك ان شعار " الدولة اليهودية" الذي ارتفع في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان مجرد أداة، فالقادة الصهاينة كانوا ينظرون باستمرار إلى إنشاء الدولة اليهودية ليس كهدف في حد ذاته وإنما كأداة لتحقيق أهداف أخرى أكثر شمولا وخطورة وتتلخص في السيطرة المطلقة على اليهود، وتحقيق مزيد من الثراء الذي يمكن من فرض النفوذ والتحكم ، ودعم الاستعمار العالمي والدفاع عن مصالحه.
إن الذين يروجون أسطورة "عراقة الصهيونية" إنما يسعون في حقيقة الأمر إلى إخفاء المضمون الطبقي الحقيقي للصهيونية وأطماعها ومخططاتها التوسعية، كما يسعون إلى طمس معالم الميلاد الحقيقي للصهيونية وأسباب وملابسات ظهورها.
سبل المجابهة ؛
إن الصراع بيننا وبين الصهيونية ليس صراعاً بين أديان أو أجناس أو عقائد، وإنما هو - بالمعنى الراهن والاستراتيجي- صراع عربي جماهيري ضد التحالف والوجود الامبريالي الصهيوني وحلفاؤه؛أنظمة التبعية والتطبيع والعمالة، تلك هي حقيقة الصراع الموضوعية على الرغم من الوضع العربي المنحط الراهن، إذ أن الكيان الصهيوني لن يصبح جزءاً من نسيج المنطقة العربية وسيظل كياناً مغتصباً عنصرياً وعدوانياً في خدمة المصالح الإمبريالية الأمريكية ، ما يعني ضرورة التمسك بهذه الرؤية على الرغم من أحوال الضعف والتشرذم والتفكك والانتهازية التي أصابت أحزاب وفصائل حركة التحرر العربية من جهة، وعلى الرغم من أن "دولة" الكيان الصهيوني بدعم إمبريالي، استجمعت كل مصدر من مصادر القوة وسخّرت لأغراضها وأطماعها كل مركز نفوذ لها في أنحاء العالم، وفي مثل هذه الأوضاع، وبالتالي فإننا - مناضلين عرباً وفلسطينيين -لن نفوز على أطماع الصهيونية والقوى الإمبريالية؛ إلا بقدر ما نحقق من مكاسب نهضوية ديمقراطية وثورية: سياسية واقتصادية واجتماعيةوتكنولوجية وثقافية في ميادين كفاحنا داخل بلداننا عبر مواصلة توعية الجماهير وتحريضها وتنظيمها؛ تمهيداً لمراكمة عوامل نضوج الثورات الشعبية الهادفة إلى إسقاط أنظمة الخضوع والعمالة والتطبيع والتخلف وتحقيق برامج الثورة الوطنية الديمقراطية بقيادة أحزاب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في كل أقطارنا العربية برؤية قومية ديمقراطية تقدمية واضحة، أي إننا سننتصر بقدر ما يكون نضالنا نضالاً ثورياً تقدميا عربياً مشتركاً، ونضالاً ذاتياً في سبيل الإنشاء القومي والتجدد الحضاري…
إن مجرد الحق في عالم اليوم لا يكفي، إذا لم تدعمه قوة الردع العسكرية والاقتصادية والاجتماعية الشعبية.. وطالما أن عوامل الاستنهاض الثوري الذاتي، في مجمل أحزاب اليسار العربي، باتت اليوم في حالة شديدة من الضعف والتراجع، وغير مؤهلة –حتى اللحظة- لمجابهة أنظمة وقوى الاستبداد والتخلف والتبعية، مما وفر بالتالي فرص تراكم عوامل الأزمة البنيوية الشاملة فيها، لذلك، فإن رسم أو وضع تصور لمغادرة الأزمة وتجاوزها، يجب أن يبدأ أولاً عبر المراجعة النقدية لكل مكونات الخطاب السياسي وآليات العمل التنظيمي والكفاحي والمطلبي، طوال العقود الأربعة الماضية. كما أن عملية التصدي للوضع المأزوم، والارتقاء بالعامل الذاتي كعقل جمعي، تتطلب توفير عنصر الوحدة الجدلية بين الوعي والممارسة، خاصة وأننا نعيش اليوم، أمام نتيجة مفزعة تتجلى في هذه الهوة المتزايدة الاتساع بين الجماهير من ناحية، وأحزاب اليسار العربي من ناحية ثانية، وهنا تتبدى الحاجة إلى إثارة وتفعيل عملية النقد الذاتي البنَّاء، الذي يستند إلى الحاجة الموضوعية الضاغطة، لتجديدها وإعادة بنائها، عبر ممارستها لعملية التقييم والمراجعة المنهجية العلمية القاسية لكافة برامجها وسياساتها ورؤاها الأيديولوجية، وصولاً إلى التطبيق الخلاق لهذه الأسس على ضوء المتطلبات والضرورات الراهنة والمستقبلية للواقع الخاص في كل بلد عربي على حدة، دون أي انفصام عن الهدف الاستراتيجي في تحقيق المشروع النهضوي التوحيدي الديمقراطي العربي .
من وحي الحصار والقصف الهمجي الصهيوني على قطاع غزة :
عندما تهترئ الأطر السياسية التي تتصدر قيادة الجماهير، يصبح رصد آفاق النضال الوطني التحرري والطبقي الاجتماعي الجماهيري، وتلمس مشاكله ضرباً من الجهد الفردي القلق، ومهمة شائكة وصعبة، وخاصة في مرحلة منحطة ومضطربة وصاخبة ومعقدة تتميز بتفاقم تبعية واستبداد وخضوع وعمالة معظم النظام العربي للامبريالية كالتي نعيشها اليوم في ظل تجديد وإعادة إنتاج التبعية والتخلف حفاظاً على مصالح الفئات الحاكمة.
وبالتالي فإن وحشة الجهد الفردي وقلقه- كما يقول المفكر الراحل ياسين الحافظ- لا يمكن أن يبددهما إلا الالتزام بخط الجماهير ومواكبة تحركها... كما يصبح استلهام جوهر الماركسية وروحها العامة وتراثها الثوري – دونما قبلية، ودونما سجود للصيغ الجاهزة – وسيلة لإقلال احتمالات الخطأ، وتصحيحه، وتجنب السقوط في التجريبية أو الخضوع للعفوية.
ففي ظل عزلته وغياب مصداقيته جف اليسار التقليدي واقترب من مرحلة الاحتضار بعد أن نخره التخلف الفكري، وجعل منه الجمود النظري صنماً فارغاً بلا حياة ، واستنفدت ثوريته لحساب الانتهازية وضيق الأفق، وخنقته العزلة الشديدة عن جماهير الفقراء . إن فصائل وأحزاب اليسار العربي بحاجة إلى كوادر قيادية ثورية ديمقراطية واعية بالماركسية ومسارها التطوري المتجدد ومنهجها وواعية أكثر بمكونات واقع مجتمعاتها..قيادات كفؤة وقادرة على الإجابة على أسئلة الجماهير الفقيرة والاندماج في أوساطها والتعلم منها وتعليمها وتنظيمها وتثويرها ..بحاجة إلى قيادات وكوادر متواضعة وفيّه لكل شهداء التحرر والحرية والديمقراطية والعدالة والاشتراكية.. ملتزمة بالمبادئ العظيمة التي ضحوا بأرواحهم من اجلها ..ووفيّه لأسر الشهداء والجرحى والأسرى المناضلين الصامدين ..ووفيّه لجماهير الفقراء والكادحين وقود الثورة وهدفها .
..إن فصائل وأحزاب اليسار الماركسي بحاجة ماسة جداً لقيادات مبدئية صادقة لا تعرف النفاق والانتهازية والفساد والشللية.. إنها بحاجة ماسة إلى مثل هذه القيادات الثورية الوفية الواعية الصادقة ليرفعوها على أكتافهم ، وليست بحاجة إلى قيادات تأتي إليها ليرتفعوا على أكتافها ...ويتنكروا لمبادئها وجوهرها الأخلاقي...ذلك هو أول الطريق لخروج قوى وفصائل اليسار من أزماتها الخانقة شبه المستعصية التي تنذر - في حال استمرار تراكماتها دون علاج جراحي ثوري - إلى تصدع أبنيتها وانهيارها وإسدال الستار عليها.
لذا فإن حركة اليسار الماركسي العربي المتجددة أو الجديدة داخل كل قطر من أقطار مغرب ومشرق الوطن، لن تأتي عبر تجميع الأطر الكمية الشكلية أو عبر الجمود والتخلف، أو الجثث القديمة، بل ستأتي عبر عملية خلق جديدة.
بالتالي فإن ولادة جديدة لليسار الماركسي الثوري المناضل ضد الوجود الإمبريالي الصهيوني وضد أنظمة الكومبرادور في كل بلد من بلدان الوطن العربي تحتاج إلى مخاض طويل وعسير عبر أحزاب بقيادات واعية بالماركسية اللينينية ومنهجها اولا وواعية بعمق لكل جوانب وتفاصيل التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في بلدانها، تلتحم بالعمال والفلاحين الفقراء وكافة المضطهدين في أوساط الجماهير الشعبية وتسير في مقدمتها في المسيرة الطويلة حتى تحقيق الانتصار .
وعلى هذا الأساس، فإننا ندعو إلى البدء في تفعيل عملية الحوار والبحث، -بكثير من الهدوء والتدرج والعمق- بهدف إيجاد آلية حوار فكري من على أرضية الحداثة والماركسية، حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية القومية والإنسانية، بما يخدم ويعزز الدور الطليعي -الراهن والمستقبلي- لقوى اليسار الماركسي العربي، رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي تفرضها الهجمة العدوانية الصهيونية الإمبريالية على شعوبنا من جهة، ورغم ما يعتري هذه المرحلة من ادعاءات القوى الليبرالية الهابطة تجاه ضرورات الماركسية وراهنيتها من الجهة الأخرى...الأمر الذي يفرض على قوى حركة التحرر العربية التقدمية أن تبدأ بعملية الاستنهاض الذاتي للخروج من أزماتها، واثبات وجودها ودورها في أوساط جماهيرها في كل قطر عربي أولاً، عبر برامج سياسية ومجتمعية تستجيب لمنطلقات الثورة الوطنية التحررية الديمقراطية بارتباطها المستقبلي الوثيق بالثورة القومية الديمقراطية الوحدويةضد التحالف الإمبريالي والوجود الصهيوني والقوى الرجعية والطبقية وكافة قوى الاستبداد والتبعية والتخلف في وطننا العربي، بما يوفر أداة ورافعة نهضوية ديمقراطية تقدمية وثورية تسهم بدورها التاريخي الراهن في تجاوز الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة والمتخلفة والمأزومة صوب تحقيق مهمات الثورة القومية الديمقراطية والمشروع النهضوي العربي على طريق المجتمع العربي الاشتراكي الموحد .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باختصار عن سياسات الانفتاح والتبعية ودورها في إنتاج الفساد.. ...
- ما الحداثة وما هي أبرز سماتها وأنواعها؟............
- معايدة الى اهلنا احباءنا المسيحيين من غزةالصامدة بمناسبة عيد ...
- غزة تحت الحصار والعدوان الإسرائيلي ..............
- الضرورة الملحة لمراجعة مفهوم المركزية وتعميم الديمقراطية منه ...
- احزاب وفصائل اليسار الماركسي وأهمية الالتزام بالديمقراطية مف ...
- ما معنى أن نناضل بدون نظرية ثورية (وأقصد بذلك الماركسية تحدي ...
- بعد ثلاثة أيام من الانقطاع الاكراهي عن الكتابة....خاطرة من و ...
- وجهة نظر حول تأثير البنية الفوقية في المجتمعات التابعة والمت ...
- -مرحلة- الانقسام الراهن، تمثّل مرحلةً حافلةً بالسمات الخاصة ...
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ...
- سؤال وجواب......
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ...
- عن رثاثة البورجوازية الكبيرة في مجتمعات الوطن العربي
- أهمية العملية الثورية كانعكاس لوعي النظرية الماركسية لدى أحز ...
- تطور الرأسمالية منذ القرن الثامن عشر إلى العولمة الأحادية ال ...
- عن أزمة حركة التحرر العربية وتوصيف النظام العربي في مرحلة ال ...
- 8/يوليو/2023 في ذكراه الحادية والخمسون...الرفيق الأديب المبد ...
- كلمة عن الجبهة والمثقف الثوري في الذكرى الحادية والخمسون لاس ...
- ماركس ومصطلحي (الطبقة في ذاتها) و (الطبقة من أجل ذاتها)..... ...


المزيد.....




- بعدما حوصر في بحيرة لأسابيع.. حوت قاتل يشق طريقه إلى المحيط ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لأعمال إنشاء الرصيف البحري في قط ...
- محمد صلاح بعد المشادة اللفظية مع كلوب: -إذا تحدثت سوف تشتعل ...
- طلاب جامعة كولومبيا يتحدّون إدارتهم مدفوعين بتاريخ حافل من ا ...
- روسيا تعترض سرب مسيّرات وتنديد أوكراني بقصف أنابيب الغاز
- مظاهرات طلبة أميركا .. بداية تحول النظر إلى إسرائيل
- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - المسألة اليهودية والحل الصهيوني وسبل المجابهة......