أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - إن الله أشترى من المؤمن نفسا ولم يشتري روحا.















المزيد.....

إن الله أشترى من المؤمن نفسا ولم يشتري روحا.


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7839 - 2023 / 12 / 28 - 00:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لماذا قال الله (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)، ولم يقل أشترى أرواحهم طالما أن النفس مرتبطة بالروح وجودا وعدما؟، في غالب التفاسير القديمة والحديثة لم أجد ضالتي في التفريق بين النفس والروح في معرض الجواب على السؤال، خاصة وأن الكثير من المفسرين وحسب الدارج من الفهم عندهم أن النفي هي ذات دلالة الروح وكأن الحديث عنهما واحد، وقد وردت مفردة الروح في مواضع عدة في القرآن للتدليل على مفهوم مختلف تماما بالماهية والجوهر والشكل عن النفس، التي وإن ذكرت كذلك لكن في أوصاف متعددة ومتباينة ومختلفة عكس الروح التي أخذت نسقا معنويا ثابتا.
فقد ذكر مثلا الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو كبار هيئة العلماء فى إجابته عن سؤال ورد اليه خلال لقائه بأحد الدروس الدينية، يقول فيه (ماذا يحدث للروح بعد الوفاة وكيف يشعر الجسد؟)، أن الروح داخلها نفس وهى النفس الناطقة والمؤاخذة، مُشيرًا الى أن الزمن عند الله ليس كالزمن عندنا، حيث أن الساعة في الملأ الأعلى تساوى 2000 سنة على الأرض، هذا الفهم يأت وفقا لنفس السياق الذي يتحدث به الأعتباطيون من مفسري النص الديني، دون أن يضعوا حدودا بين مفهومين أحدهم مطلق "الروح" التي هي من أمر الرب مطلق الإطلاق، وبين النسبي الزائل المتحول الضعيف المحتاج للمطلق.
اللغة ومفاهيمها والتي تحمل المعاني لا يمكن أن تكون بهذه الفوضى والتداخل وهو نوع من العبث اللا مجدي، خاصة ونحن نتحدث عن لسان عربي مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو فول فصل وحكيم، وبالتالي لا يمكن لمنظم النص الذي هو الله والذي بين كل شيء تفصيلا أن يخلط بين مفهومين لا يتشابهان ولا يتحدان بالمعنى والدلالة والغاية من صياغتهما، فالروح كما سنرى في البحث غير النفس ولا تدل عليها والعكس صحيح.
ومن خلال أستعراض المفهوم بالنص القرآني كسياق ثابت وموحد وطبيعي نجد أن الروح لها عالم حاص منفرد ومؤطر بفهم متفرد من الله، لقد ورد مفهوم الروح مرتبطا بالذات العلية الربانية الخلقية أرتباط الجزء بالكل والفرع بالأصل:.
• ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ٢٩﴾ [الحجر:29].
• ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ٨٥﴾ [الإسراء:85].
• ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ٨٧﴾ [يوسف:87].
• ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ١٧١﴾ [النساء:171].
• ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ٢﴾ [النحل:2].
• ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ١٥﴾ [غافر:15].
• ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٢﴾ [الشورى:52].
• ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٢٢﴾ [المجادلة:22].
• ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ٨٧﴾.
هذا القليل من الكثير مما ورد في النص القرآني عن الروح مفهوما ودلالة ومعنى، ومن خلال التفكيك المعنوي للفظ وإعادة جمع وترصيف الدلالة الخاصة والعامة، نجد أن الروح كما وردت في النصوص مجملا ومختصرا هي (من أمر ربي)، بمعنى أن الروح وإن جاءت للتدليل على الحياة مثلا أو أنها أستخدمت كوسيط بين الله والخلق لترتيب خلق أو جعل ما، فأنها لا تلحق المجعول ولا المخلوق بالخضوع أو الطاعة أو السيطرة، وتبقى مرهونة التحرك والتغير والتبدل والسيطرة بأذن ربها طوعا وأمرا وأستجابة، ولا سلطان لأحد عليها غير من يملكها أو يتصرف بها في كل المواضع النصية التي وردت في القرآن، حتى المخلوقات ذوات الأرواح لا يمكن للمخلوقات هذه أن تتصرف بالروح أو يكون لها عليها سلطان، على العكس من النفس التي لا توجد إلا بعلة الروح، فمن لا روح له لا نفس له، بينما هناك روح بلا نفس.
بهذا الترتيب والأعتبار يمكننا أن نميز الروح عن النفس بالخصائص التالية:.
1. الروح سبب وعلة النفس.
2. الروح باقية بذاتها وجوهرها وماهيتها وترجع لله بنفس الحال دون أن تتغير بفعل وكسب المخلوق، بينما النفس مرهونة بحسب ما كسبت وإن كان في جميع الأحوال راجعة بمصيرها وليس بذاتها كالروح إلى الله، (يا أيها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية)، وهناك نفس لوامة وهناك نفس خاسر متحسرة على ما فرطت في وجودها.
3. الروح خير مطلق لأنها من الله وطبعها من طبيعة الله التي هي الحق والخير والرحمة، بينما النفس أمارة حمالة لوامة ضعيفة مجادلة... الخ، هذا يعني طبيعتها طبيعة المخلوق لا طبيعة الخالق.
4. النفس أبدية سرمدية لا تفنى ولا تهلك ولا يجري عليها ما يجري على المخلوقات من فناء وهلاك وموت، وبالتالي النفس تبعا للوعاء الذي تخرج منه فأنها هالكة مستهلكة فانية زائلة.
5. بناء على ما سبق فالكائن الحي عندما يهلك تهلك نفسه وتبقى روحه تتعامل مع الوجود، وكأنها ذات الكائن الهالك لكن بصورة أخرى، تتواصل وتتصل وتشهد على ما مر وما سيمر وما سيكون حتى يوم الجمع.
6. النفس في يوم الجمع هي من تتحاسب وليس الروح، يقول النص القرآني (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)، وقال أيضا (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) ق (21).
إذن ومن خلال هذا الأستعراض نستطيع أن نجيب بسهولة عن السؤال الذي أثرناه في بداية المقال، وهو أنه لماذا الله أشترى من المؤمنين أنفسهم ولم يقول أشترى أرواحهم؟، الجواب (أن الله يشتري ممن يملك وقادر على البيع)، فالروح من الله وملكه وإليه تعود بأمرها ولا سلطان لأد عليها لا بيعا ولا شراء، ولكن النفس والمال هي ملك المؤمن ويعود له السلطان عليهما تصرفا وأمرا وتعبيرا، فالله أشترى من صاحب السلطان وهو المؤمن ما ملكه الله وجعل له عليه سلطان، وأن الروح وديعة حقيقة لله أستودعها في الجسد ليتمكن الكائن من أن يحيى ويثبت وجوده ويتصرف بما هو صاحب القدرة عليه.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا الذي رأى.... فصار رؤية
- كلمات لم يكتبها الشعراء
- هل عرف السومريون القدماء مكه ووظيفتها؟.
- إلى من يسألني بعد هذا العمر من أنت؟ 2
- إلى من يسألني بعد هذا العمر من أنت؟
- وجدانيات وطن ذبيح
- مفهوم اللذة بين الرؤية الدينية والمتعارف التقليدي.
- في ثلاثية العلم والعقل والحاجة
- وما ينطق عن الهوى
- قصة الوجود
- الحقيقة المطلقة ومطلق الحقيقة
- ملحمة الدم والبارود...
- الحلقة الأخيرة من رواية عتيق
- دعوى أجر المثل بين الشركاء في العقار بين القانون المدني والش ...
- دعوى أجر المثل بين الشركاء في العقار بين القانون المدني والش ...
- أخطاء القضاء... في تطبيق القانون وأنتهاك الدستور ح1
- أخطاء القضاء... في تطبيق القانون وأنتهاك الدستور ح2
- دعوى أجر المثل بين الشركاء في العقار بين القانون المدني والش ...
- دعوى أجر المثل بين الشركاء في العقار بين القانون المدني والش ...
- دعوى أجر المثل بين الشركاء في العقار بين القانون المدني والش ...


المزيد.....




- حميميم.. قوات روسيا تحيي عيد النصر
- الروس يحتفلون بعيد النصر في باريس
- بايدن: -لن نزود إسرائيل بالأسلحة إذا قررت مواصلة خطتها لاقتح ...
- بوادر توتر جديد بين إيطاليا ومنظمات إغاثية ألمانية
- انفجار إطار طائرة -بوينغ- أثناء هبوطها بتركيا (فيديو + صور) ...
- تقارير غربية تؤكد توجيه الجيش الروسي ضربات مدمرة لعتاد قوات ...
- الحوثي: ضوء أمريكي أخضر للإسرائيليين في رفح واستعراض ضد الشع ...
- غالانت يرد على تصريحات بايدن حول تعليق شحنات الأسلحة الأمري ...
- -مواجهة متوترة- بين ستورمي دانييلز وترمب في نيويورك
- البرجوازية والبساطة في مجموعة ديور لخريف وشتاء 2024-2025


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - إن الله أشترى من المؤمن نفسا ولم يشتري روحا.