أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي الطوزي - الجذور الجديدة لمعاداة السامية: سلافوي جيجيك















المزيد.....

الجذور الجديدة لمعاداة السامية: سلافوي جيجيك


محمد علي الطوزي
مترجم وقاص وروائي


الحوار المتمدن-العدد: 7827 - 2023 / 12 / 16 - 11:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الجذور الجديدة لمعاداة السامية*
سلافوي جيجيك**
ترجمة: محمد علي الطوزي

ليوبليانا- كتب راينهارد هايدريش، أحد مهندسي الهولوكوست، في سنة 1935: «يجب أن نقسّم اليهود إلى فئتين: الصّهاينة وأنصار الاندماج». مضيفا «يعتنق الصّهاينة مفهوما عرقيّا صارما، ومن خلال الهجرة إلى فلسطين، يساهمون في بناء دولتهم اليهوديّة… سترافقهم أمنياتنا الطّيّبة ونعلن عن نوايانا الحسنة رسميّا».
وفقا لتعبير هايدريش، فإنّ إنشاء دولة إسرائيل يمثل انتصارا للصّهيونيّة على الاندماجيّة. لكنّه أدّى أيضا إلى تعقيد التّصوّر التّقليدي المعادي للسّاميّة الّذي يَعدّ اليهود شعبا مجتثّا، ودون جذور. وهو ما يوافق وجهة نظر مارتن هايدغر، سنة 1939، عندما نادى بإبادة «نزعة اليهود نحو الجرائم الكوكبيّة» وليكتب معلنا: «بفضل موهبة اليهود المميّزة في الحساب، فإنّهم ما فتؤوا "يعيشون" لأبعد مدى وفقا لمبدإ العرق، واعتبارا لذلك يُبدون مقاومة شديدة في تطبيقه بلا قيد. لا ينبثقّ تنظيم التّزاوج العرقي من "الحياة" نفسها، بل هو نتيجة الإفراط في التّمكين للحياة عن طريق المكنَنَة. وما يحدث من خلال هذا التّخطيط هو إزالة الانتماء العرقي الكامل للشّعوب عن طريق تسخيرهم في ترتيب موحّد مبني ومبسّط لجميع الكيانات. ويرافق اجتثاث الانتماء العرقي الاغتراب الذّاتي للشّعوب - فقدان التّاريخ - أي فقدان مناطق اتّخاذ القرارات في الوجود».
تستند هذه السّطور إلى التّناقض الفلسفي بين العيش كليّا في عالم ملموس وإنكار هذه الجذور الرّوحيّة التّاريخيّة من خلال النّظر إلى جميع "الواقع الخارجي" على أنّه مجرّد شيء يمكن التّلاعب به واستغلاله. ولكن ماذا يحدث عندما يبدأ عرق عالمي يُفترض أنّه بلا جذور في ترسيخ جذوره؟ مع الصّهيونيّة، كتب الفيلسوف الفرنسي آلان فينكيلكروت في سنة 2015، «اليهود، راهنا، اختاروا مسار التّجذّر».
من اليسير التّمييز ضمن هذا الادّعاء صدى معتقد هايدغر في كون جميع الأشياء الأساسيّة والعظمى تتطلّب وطنا "من الدّم والتّراب". المفارقة هي أنّ الكليشيهات المعادية للسّاميّة حول انعدام الجذور يتمّ التّذرّع بها لإضفاء الشّرعيّة على الصّهيونيّة. ففي حين تعمد معاداة السّاميّة إلى لوم اليهود لكونهم بلا جذور، تسعى الصّهيونيّة إلى تصحيح هذا الفشل المفترض. لا عجب إذا، في كون معظم المحافظين المعادين للسّامية يدعمون بشراسة توسّع إسرائيل إلى اليوم. وبطبيعة الحال، في ظلّ حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الإشكال حاليّا يقع في تمثّل التّوسّع عن طريق الاستيطان داخل الضّفّة الغربيّة والسّعي إلى ضمّها- وبالتّالي البحث عن جذور في مكان ظلّ لقرون طويلة مأهولا بشعوب أخرى.
نواجه إشكاليّة مماثلة مع تأويلات متباينة لقول يهودي تقليدي، «العام القادم في القدس»، والّتي يتمّ التّلفّظ بها نهاية "السّيدر" (الوجبة الشّعائريّة الّتي تعلن بداية عيد الفصح اليهودي). وهو ما توضّحه دارا ليند في مقالها ضمن موقع "فوكس": «جلُّ اليهود الّذين ترسّخ لديهم الإيمان بأهميّة الدّولة اليهوديّة يعتقدون في القول بأنّ «العام القادم في القدس» تعبيرا عن الحاجة إلى حماية القدس وإسرائيل كما هي موجودة بالفعل راهنا. في حين يعتقد آخرون أنّ "القدس" المذكورة في "السّيدر" هي مثال لما يمكن أن تكون عليه القدس وإسرائيل - بالنّسبة إليهم، «العام القادم في القدس» هي صلاة حتّى تقترب إسرائيل من هذا المثل الأعلى. أو يمكن أن تكون "القدس" مجرّد رمز المدينة الفاضلة بشكل عام، ويمكن أن يكون «العام القادم في القدس» قرارا لإحلال السّلام على الأرض في العام المقبل».
هذه النّسخة تُجسِّد ثنائيّة المتسامي والوضعي. "القدس" إما أن تكون في موقع روحي مجرّد حيث تمثّل سبيلا للخلاص أو مدينة حقيقيّة بها أشخاص ومبان وآثار دينيّة. وليس من المستغرب أنّ بعض الأصوليّين المسلمين متعاطفون تماما مع اليهود "المتعالين" الّذين يعتبرون تمجيد المدينة الفعليّة إهانة للعقيدة. ففي منتصف العقد الأوّل من القرن الواحد والعشرين، عندما نظّم الرّئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد مؤتمرا يدعو إلى محو دولة إسرائيل، استضاف عددا قليلا من الحاخامات "المتعالين" الودودين. هذا الموقف يُعدّ مناقضا لطرح هايدريش: حيث لا بأس بوجود اليهود بيننا؛ بينما الدّولة اليهوديّة غير مقبولة.
ولكن هناك نسخة ثالثة خطيرة للغاية، فمن عبارة «العام القادم في القدس» تُقدّم توليفة بين النّسختين المذكورتين. أولئك الّذين يعتنقون هذه النّسخة يقولون: «الآن بعد أن أصبح لدينا القدس، يمكننا استخدام العام المقبل لهدم المباني الفلسطينيّة وإعادة بناء الهيكل التّوراتي في الموقع الّذي يقف فيه المسجد الأقصى حاليّا». وهكذا يصبح النّضال من أجل القدس مهمّة مقدّسة. حتّى لو ارتُكبت جريمة، فلن يتحمّل الجناة أيّ ذنب (في نظرهم) لأنّهم يؤسّسون نظاما شرعيّا جديدا. إنّها مثل النّكتة القديمة الّتي يتباهى بها القرويّون في إنكار وجود أكلة لحوم البشر بقولهم: «لقد أكلنا البشري الأخير بالأمس».
ولكن دعنا نكن على بيّنة بشأن ما يحدث بالفعل. فمن خلال استخدام صورة "الضّحيّة اليهوديّة" لتبرير أجندة توسّعيّة، يستغلّ الإسرائيليّون المؤيّدون للاستيلاء على الأراضي ذكرى المحرقة بطريقة ساخرة. فالّذين يقدّمون الدّعم غير المشروط لإسرائيل، يدعمون أيضًا الحكومة الإسرائيليّة الحالية ضدّ المعارضة اللّيبراليّة الّتي تناهض إنشاء المستوطنات وتوسيعها. ومع ذلك، فإنّ هذه النّزعة التّوسّعيّة هي المصدر الرّئيسي لمعاداة السّاميّة في العالم اليوم.
من بين الدّول الّتي تقدّم الدّعم الكامل لإسرائيل هي ألمانيا، حيث يحذّر العديد من الأشخاص في اليمين من "العداء للسّامية المستورد"، وبما يفترضه ذلك من أنّ أيّ موجة جديدة من العداء للسّامية في ألمانيا ليست ظاهرة ألمانيّة، بل هي نتيجة لهجرة المسلمين. ولكن لماذا يرفض عدد هام من الشّباب اليساريّين في الغرب التّضامن مع إسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر؟ ولماذا يتداول الشّباب الأمريكي "رسالة إلى أمريكا" لأسامة بن لادن على منصة تيك توك؟
من اليسير القول إنّهم ببساطة يتعاطفون مع حماس. بدلا من ذلك، فإنّ ما يجمع بين العديد من الأشخاص الّذين ينضمّون إلى التّظاهرات المؤيّدة للفلسطينيّين هي وجهة النّظر الأعمق الّتي تشير إلى أنّ السّياسات الخارجيّة والأجهزة العسكريّة للولايات المتّحدة وحلفائها الغربيّين تدين بالفضل للرّأس المال الكبير واستغلاله لبقيّة العالم. في بعض الأحيان، هناك خطّ رفيع للغاية يفصل الاستياء الحقيقي من الرّأسماليّة عن ذلك النّوع من الشّعبويّة "المناهضة للرّأسماليّة" الموجودة في رسالة ابن لادن.
وقد أعرب العديد من اللّيبراليّين عن دعمهم لإسرائيل بينما أعربوا في الوقت نفسه عن مخاوفهم بشأن عدد المدنيّين - وخاصّة الأطفال - الّذين يُقتلون في غزّة. وهناك تعاطف متزايد مع الفلسطينيّين باعتبارهم ضحايا، فضلا عن الاعتراف بحقّهم في مقاومة التّمدّد الاستيطاني. ولكن كيف يمكنهم المقاومة دون أن يصبحوا معادين للسّامية؟ إنّه سؤال لم يلق إجابة حتّى الآن سوى الصّمت والإحراج.

الهوامش:
* هذا النّص صدر بالإنجليزيّة تحت عنوان:
Title: The New Roots of Anti-Semitism
Author: SLAVOJ ŽIŽEK
Source: https://www.project-syndicate.org/commentary/israel-settler-annexation-movement-reprises-blood-and-soil-ideologies-by-slavoj-zizek-2023-11
* *سلافوي جيجيك (وُلد بسلوفينيا في 21 مارس 1949) فيلسوف وناقد ثقافي وسياسي، يُعدّ من أبرز المنظّرين للتّيّار اليساري في أوروبا والعالم. قدّم مساهمات كثيرة في النّظريّة السّياسيّة والتّحليل النّفسي والسّينما النّظريّة والاقتصاد والدّين. وهو أحد كبار الباحثين في معهد علم الاجتماع بجامعة لوبليانا. يُلقي محاضرات ويُدرّس في عديد كليّات الدّراسات العليا الغربيّة. يُعتبر جيجيك واحدًا من أبرز الأصوات الفلسفيّة المعاصرة، حيث يقدّم مساهمات قيّمة في فهم الحياة والعالم من منظور متجّدد ومستفزّ.



#محمد_علي_الطوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاسوع الحمقى
- التّشدّق والمسالك الحارقة: سيلين، عزرا باوند
- الإرهاب الشعري: حكيم باي
- أرقى خدع النّظام: تيد كازينسكي
- هواتف السحر


المزيد.....




- اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في ...
- هيئة معابر غزة: معبر كرم أبو سالم مغلق لليوم الرابع على التو ...
- مصدر مصري -رفيع-: استئناف مفاوضات هدنة غزة بحضور -كافة الوفو ...
- السلطات السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق ...
- ترامب يتهم بايدن بالانحياز إلى -حماس-
- ستولتنبرغ: المناورات النووية الروسية تحد خطير لـ-الناتو-
- وزير إسرائيلي: رغم المعارضة الأمريكية يجب أن نقاتل حتى النصر ...
- هل يمكن للأعضاء المزروعة أن تغير شخصية المضيف الجديد؟
- مصدر أمني ??لبناني: القتلى الأربعة في الغارة هم عناصر لـ-حزب ...
- هرتصوغ يهاجم بن غفير على اللامسوؤلية التي تضر بأمن البلاد


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي الطوزي - الجذور الجديدة لمعاداة السامية: سلافوي جيجيك