أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي الطوزي - هواتف السحر














المزيد.....

هواتف السحر


محمد علي الطوزي

الحوار المتمدن-العدد: 7712 - 2023 / 8 / 23 - 11:25
المحور: الادب والفن
    


«حتما إن الحياة مختصرة جدا…» قال الصوت على الخط قبل أن يقاطعه صوت سعال. مدت مريم يدها اليسرى نحو دفترها بينما تحمل السماعة باليمنى، يغمرها الخوف وبعض من الحماس، خفقان قلبها يشتد بينما ابتسامة متوترة ترتسم على وجهها الأسمر. لقد كان الصوت هادئا، بالكاد يتجاوز الهمس الخفيف، لكن يغشاه نوعا من الخشونة.
بينما انطلق الصوت بالثرثرة المبهمة، بدأت مريم بتدوين كل كلمة وحرف ينطقه بقلم الرصاص. «على كل الخنازير أن تشنق». لقد اعتادت على تدوين مثل هذه المكالمات، ففي كل صباح، من منذ خمسة أيام، عند الساعة الثالثة وأربعة عشرة دقيقة تحديدا، تصلها مكالمات من قبل أناس مجهولين، يبدؤون في الكلام عشوائيا عن مواضيع مختلفة. طبعا، لم تبلغ مريم عن هذه الظاهرة الغريبة، أو أنها لم ترغب فعلا بذلك، لأنها تدرك تماما أن بديل هذه العادة ربما هو ملل ممض.
تلك المكالمات، بنسبة إليها، هي نوع من الألم والجنون المحبب، في أشد حالات صفائها. صراخ مليء بالغموض، رغبات باطنية ثائرة، كراهية عامة… وقد كانت تقدم لمريم في شكل أصوات مجهولة المصدر، تصدح عبر سماعات هاتفها.
«...ستة وعشرون سافلا تم حرقهم على صليب فولاذي من قبل ملك السماء، صلبان تدور بين السحب بينما يتم قصف الجبهة الغربية بقنابل غير قانونية...»
«السماء صامتة اليوم كقبر مدقع، لكن لسبب ما، لا تزال الشمس مشتعلة...»
تدون مريم تلك الكلمات على دفترها، وعلى عينيها المتعبتين ترتسم نظرات مرحة مبهمة، فتلك الكلمات العدوانية الشاذة تقف كتمرد ضد الرتابة اللعينة، يبدو أن تلك الأصوات تترتب بشكل مريب لتكوين كلمات عنيفة تتحول إلى فقرات جميلة. داخليا، تترجم مريم تلك الكلمات إلى طبقة من التهكم المنتش، خالقة كوميديا همجية.
«...منزل جاري قد تهدمت أجزاء منه اليوم، وحسب ما سمعت، قطعة آجر قد سحقت رأسه...للأسف، لم تدعني الشرطة كي أرى المشهد».
تردد صدى تلك الكلمات بذهن مريم، بينما تتأمل في شرود منظر الطلاء الرمادي على جدران غرفة المعيشة، قبل أن تتحول بناظرها إلى النافذة الشرقية التي تطل على المبنى المقابل، وهي تشعر بسلام غريب وسط الجو الخانق داخل شقتها، غير مبالية لضوء مصباح الغرفة الضعيف. مرت الدقائق بسرعة. الكلمات تداخلت في صخب لتشكل أصواتا مبهمة، تحولت إلى ضجيج. شيئا ما بدا كتطور مبهج في البداية، وسرعان ما تغير إلى زعيق أرعن. ابتسامة مريم أصبحت أكثر وضوحا، وهي تتطلع إلى الساعة المعلقة على جدار الغرفة إنها الساعة الثالثة وأربعة عشرة دقيقة صباحا. تشعر بدفئ غريب يغمرها بعمق، خفقان قلبها اشتدَّ بينما تمد يدها ببطء نحو الهاتف، مرتجفة. أحسَّت بجفاف في حنجرتها وفمها بينما أخذت تدني سماعة الهاتف رويدا من أذنها. ضغطت على أزرار الهاتف بعشوائية لتشكل رقما مجهولا. انتابها ترددا قلقا، وقد داخلها خوفا مربكا. ولكن ما إن تبينت رفع السماعة من الطرف الآخر حتى قالت بصوت ملؤه الثقة: «عين الخالق تستطع نورا مدنسا، إني في حداد».



#محمد_علي_الطوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب الفلسطيني نهاد ابو غوش حول تداعايات العمليات العسكرية الاسرائيلية في غزة وموقف اليسار، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتب الفلسطيني ناجح شاهين حول ارهاب الدولة الاسرائيلية والاوضاع في غزة قبل وبعد 7 اكتوبر، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نائب مندوب روسيا يفاجئ الحاضرين بالحديث باللغة العربية خلال ...
- الفائز بنوبل للآداب يون فوسه: الكتابة يمكن أن تنقذ الأرواح
- صاحب قصيدة -إذا توجب أن أموت-.. أصدقاؤه وزملاؤه: مقتل الكاتب ...
- -اقتصادية قناة السويس-: استقبال 244 سفينة بالسخنة والأدبية
- رفعت العرعير.. فلسطينيون ينعون الكاتب والشاعر الذي قُتل في غ ...
- -الأستاذ- الفلسطيني يحصل على جائزتين في ختام مهرجان البحر ال ...
- استشهاد الشاعر والمترجم الفلسطيني رفعت العرعير بقصف إسرائيلي ...
- فيلم روسي يدرج ضمن برنامج مهرجان أمريكي مستقل
- الجزائر تصدر أول قاموس في البلاد والثاني في العالم العربي لل ...
- RT العربية تفتتح مكتبها الإقليمي في الجزائر (فيديو)


المزيد.....

- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين
- سعيد وزبيدة . رواية / محمود شاهين
- عد إلينا، لترى ما نحن عليه، يا عريس الشهداء... / محمد الحنفي
- ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد / الحسين سليم حسن
- الدكتور ياسر جابر الجمَّال ضمن مؤلف نقدي عن الكتاب الكبير ال ... / ياسر جابر الجمَّال وآخرون
- رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- زمن التعب المزمن / ياسين الغماري
- الساعاتي "صانع الزمن" / ياسين الغماري
- الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأدباء ... / السيد حافظ
- مسرحية - زوجة الاب - / رياض ممدوح جمال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي الطوزي - هواتف السحر