كاظم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1739 - 2006 / 11 / 19 - 10:16
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
هل وصل الوضع العراقي الى نقطة اللاعودة ، وهل نجح الأحتلال والمتعاونون معه في ضرب اسس الوحدة الوطنية ونسيجها الأجتماعي ، ليسهل عليهم التفكيك والتقسيم والتفتيت ، ولضرب وانهاء شروط ومقومات قيام حركة وطنية شاملة وموحدة ضد الاحتلال ونتائجه ، عبر تقزيم الأنتماء والهوية ، وجعل المكون الطائفي والعرقي والمناطقي يتقدم ويلغي لغة الوطن والانتماء الوطني .
أن المشهد العراقي وبكل تجلياته السياسية والاجتماعية والعسكرية ، يعطي الأنطباع ، بالأنحدار السريع نحو الهاوية ، وربما تغشى العين لصورٍ اخرى ، تشير إلى حالة عراقية متنامية ناهضة ، تحاول ان تنفض عنها ركام الدمار والخراب ، وتجاوز المحنة ، وتناهض وتتصدى للأحتلال وافرازاته وسياسات اتباعه ، وتقاوم مشاريعه التي تخدم أجندته وأجندة اتباعه من العراقيين وغيرهم .
لقد أدى غزو العراق وأحتلاله إلى بلورة إصطفافاتٍ سياسية وشعبية ، بمواجهة الاحزاب والتجمعات التي خرجت عن دائرة العمل الوطني ، ورهنت نفسها للمحتل الاجنبي وانخرطت في مشروعه وعملت على تكريسه بشتى السبل ، واستخدمت السلطات الممنوحة لها من قبل المحتل للتصدي والتنكيل بكل صوتٍ وطني وبكل تحرك شعبي مضاد للأحتلال وتوجهاته ، وهم بذلك حاولوا احتواء الجماهير والفئات الشعبية الواسعة ، بأشاعة التضليل الفكري والسياسي ، وبأستخدام المظلة الطائفية ومراجعها ، وبعزف بعضهم على الوتر العرقي الممجوج ، وذلك كله من اجل منع تشكل اطر حركة وطنية ناشئة ونامية ، وإن لم تكن واضحة المعالم في صيغها التنظيمية والشعبية ، ومن اجل تفسيخ وضرب مقوماتها وحصرها تحت رايات احزاب الاحتلال ومظلات الطائفية السياسية والعرقية ، واعاقة قيام حركة وطنية شاملة ، تكون نواة حقيقة لأنبثاق حركة التحرير الوطني العراقية .
لذلك كانت سياسة المحتل وحكومته واحزابه ، تعتمد بشكلٍ جوهري على ضرب اهم مقومات وعناصر قيام اطر وطنية منظمة ومتراصة ، عبر تخريب وتدمير القيم والمفاهيم الاجتماعية والوطنية ، والدفع بأتجاه إضعاف أي اصطفاف سياسي وشعبي ذي صبغة وطنية شاملة ، من خلال عملية ارهابية واسعة ومتواصلة ، من قتل يومي على الهوية ، وتهجيرٍ اجباري على اساس طائفي لخلق (المناطق النظيفة) ، وجعل مناطق بكاملها تعيش حالة الحرب والدمار اليومي .
وسياسيآ عبر احتواء بعض الاصوات والتجمعات والتيارات التي تميزت بدايةً لغة خطابها السياسي بالوطنية ، لتنخرط فيما بعد بلعبة المحتل وبمظلته السياسية القائمة اساسا على التحاصص الطائفي والمناطقي ،
من السذاجة بمكان الأعتقاد بأن الأدارة الامريكية ، مجبرة على تقسيم العراق تجنبآ للحرب الاهلية ، كما يروج بعض الساسة العراقيين ، والذين يبررون انخراطهم في العملية السياسية ، من اجل منع هذا التقسيم وحفظ حقوق طائفة بعينها . ان تفكيك العراق وتفتيته يدخل في صميم الاهداف الصهيوامريكية ، وهو مطلب صهيوني قبل ان يكون امريكيآ ، ومعلومة دواعيه ومبرراته الاستراتيجية .
أن تصوير الحالة العراقية كونها حالة مستعصية ، لاينفع معها إلا عملية بتر جراحية ، هو ما تحاول ماكنة الدعاية والاعلام الامريكية ، وبعض الاحزاب العراقية المتعاونة مع الاحتلال تضليل الرأي العام ، وحتى بعض الجهات الدولية ، بأن التقسيم امر واقع لامحال ، لذلك لا نستغرب التصريحات الاخيرة لمسعود البرزاني بالدعوة للتقسيم والتهديد بالأنفصال ، وكذلك اصرار عبد العزيز الحكيم على اقرار الفدرالية كنظام اداري (لعراق المستقبل) ، كونهم ينطلقون من اجندتهم الطائفية والعرقية المتوافقة والمتناغمة مع الاحتلال واهدافه .
أنهم يشددون على أن الاحتراب الطائفي والانقسام السياسي قد وصل الى مرحلة يصعب تجاوزها ، إلا من خلال المحاصصة الجغرافية وتقسيم الارض وانشاء كياناتهم واماراتهم ، ليقيموا عليها حكم القبيلة والعائلة والطائفة ، المستعدة لأقامة واستقبال قواعد العم سام الثابتة والدائمة .
أن المحتل واعوانه من العراقيين ، ورغم انخراطهم الكامل في خلق الفتنة الطائفية ، عبر عمليات القتل اليومي والتهجير القسري لألاف العراقيين ، ومحاولة صناعة واشعال فتيل الحرب الاهلية ، هم يدركون ويخفون حقيقة اكيدة ، أن في العراق الجريح يتكرس الانتماء ، وينتعش النهج الوطني المقاوم والمناهض ، والذي يستند الى وعي شعبي متصاعد ، بأن سبب البلاء والكوارث ، هو المحتل ومريدوه من حملة رايات الطائفية والعرقية والمناطقية ومن مسوخ الليبرالية الجديدة والمغمورين ومافيات السياسة المأجورين .
لقد أصبح حتى الذين ارتضوا الدخول (بالعملية السياسية ) وأدعو إنها ساحة نضال سلمي وسياسي ضد الأحتلال ، في وضعٍ لايحسدون عليه ، بعد ان تحولوا الى إدوات مساهمة في تمرير نظام المحاصصة الطائفية والاثنية ، وامتثلوا لأجندة المشروع السياسي الامريكي ، واصبحوا ، وعن وعي عناصر اندماج في لعبة الاحتلال المتناقضة مع (ثوابتهم الوطنية) ، في الوقت الذي اصبحت مواقف البعض منهم لا تدخل في اطار الانتهازية السياسية ، بل تعدتها الى الارتداد والخيانة الوطنية . ان هذه القوى والعناصر تقف الى جانب المحتل في تعويق اتساع النضال المقاوم والمناهض للاحتلال ، اضافة الى دور بعضها التخريبي ضد فصائل المقاومة الوطنية .
في العراق النازف ، حيث تتسع المقاومة المسلحة وتتصاعد ، وتمتد مناهضة الاحتلال واجندة احزابه ، لتشمل قطاعات شعبية واسعة ، يزداد الطائفيون والانفصاليون شراسة ، ويتسع نشاط فرق الموت قتلا وتهجيرآ بالتنسيق مع اجهزة الاحتلال وحكومته ، لتشمل كافة مناطق بغداد والمدن والبلدات المحيطة بها ، بهدف اشغال المقاومة عن مهمتها الرئيسية ، وبهدف فك الطوق عن بغداد ، تمهيدآ لمعركة الفصل فيها ، وما احداث الاسبوع الاخيرفي بغداد وطبيعة الهجمات الواسعة على بعض المناطق ، ومعارك الشوارع التي جرت فيها ، وتحت رقابة قوات الاحتلال ، إلا بدايات لأيامٍ دموية قادمة ، يريدها المحتل واعوانه عنوانآ لتغيرات سياسية وقانونية ، ومدخلآ لمخرج مقبول لمأزق المحتل المتأزم في العراق .
أمام حجم التضحيات الجسام والخراب والدمار ، وأمام خطورة وهول ماهو قادم ، تبرز الحاجة التاريخية لأستعادة الوحدة الوطنية ، عبر اصطفاف القيادات الوطنية ، للأحزاب والتيارات والهيئات الدينية والمراجع ومجالس العشائر العراقية والشخصيات الوطنية ، ومن مختلف مكونات الشعب العراقي ، الرافضة للأحتلال وافرازاته ، والمتصدية لأجندة احزابه وجماعاته ، حول ميثاق عمل يبرز ويكرس علائم البديل الوطني ومشروعه ، ويمهد الطريق لنمو المكونات التنظيمية لهذا المشروع ، ويصبح اطارآ سياسيآ لخياروطني بديل ، يعزز حالة الرفض الوطني المتنامية والمستندة الى الوعي الشعبي المتصاعد ضد الاحتلال وحكوماته .
أن عناصر الجهد الوطني المقاوم والمناهض للأحتلال لازالت قاصرة عن اجبار المحتل الامريكي في الدخول بمفاوضات جدية لترتيب انسحابه ، وفرض الحقوق القانونية والاعتبارية للشعب العراقي ، رغم الخسائر الامريكية ورغم المأزق السياسي لأدارته ، والعسكري لقواته في العراق ، ورغم اننا نقرأ ونسمع عن مفاوضات بين بعض الفصائل المسلحة او السياسية مع الاحتلال ، فلا نعتقد حتى لو صحت ، انها ترتقي الى مستوى المفاوضات الجدية حول مستقبل العراق ومصير الاحتلال واعوانه ، على الاقل من جانب المحتل ، الذي يسعى ان لاتخرج اطر النقاشات ونتائجها عن حدود الاتفاقات المحلية والمناطقية ، وعن مظلة مشروعه السياسي التحاصصي ، في نفس الوقت الذي تدرك فيه اغلب القوى المقاومة والممانعة والمناهضة للاحتلال ، بأن افتتاح مفاوضات حقيقية مع المحتل لازالت تفتقد مقوم وعنصرنجاحها الاساسي ، في وحدة قوى المشروع الوطني .
لذلك فأن وحدة الصف المقاوم بمختلف فصائله الوطنية ، ولقاء قياداته على مشترك الاهداف الوطنية مع القوى والاحزاب والهيئات والتيارات والمراجع المناهضة للاحتلال سيعزز ويقوي ويدعم موضوع طاولة التفاوض ، ويجبر المحتل على مناقشة انسحابه والتسليم بمطالب وحقوق الشعب العراقي .
مطلوب ان نلتقي ونتفاوض مع بعضنا ، لنواجه الغازي بمشروع وببديل وطني يمثل مطامح شعبنا بكل اطيافه ، مطلوب البدء بتجاوز القصور والخلل الذاتي الذي سيعزز وينعش التلاحم الوطني ، ويعطي الامل لشعبنا بتجاوز محنته المركبة ، المتمثلة بالأحتلال وافرازاته ، وبخلقه لأشكاليات الانتماء للاعراق والطوائف ، وتعمق الظواهر الناتجة عنها من تمزق واحتراب .
أننا بحاجة الى تقصير المسافات بين فصائلنا وقوانا الوطنية ، واحداث النقلة المطلوبة في خطابنا وتوجهاتنا ونظرتنا لطبيعة المرحلة العصيبة التي يمر بها وطننا ، وان لا يضلل البعض مناهضته للاحتلال بمظلة طائفية ومناطقية ، ويغازله في الموقف من ايران ، ويدعو دولآ عربية لدعم طائفة بعينها ، مقزمآ بذلك طروحاته الوطنية ، ومعرضآ مصداقيته للتشكيك ، ومحفزآ خيار التخندق لدى الطرف لاخر .
وإذ يأسف الكثير من الوطنيين العراقيين ، حين تكون قوى شعبية كالتيار الصدري ، كان قد رفض الاحتلال وقاومه ، ونسج صلات واواصر تعاون واعدة مع الفصائل الوطنية الاخرى ، قد ضعفت مناعته ووقع ببعض الأخطاء المعروفة ، فأن تأريخ هذا التيار وماضي اباءه الروحيين المعروفين بوطنيتهم وعروبتهم قبل مذهبهم وطائفتهم ، يجدد الامل بأن يطهر التيار الصدري صفوفه من المندسين الذين يسيئون لسمعته الوطنية ، كما يجدد لأمل بأن يدرك قيادوا التيار الصدري بأن التوجهات الوطنية المقاومة والمناهضة للاحتلال ، هي المطلوبة اليوم اكثر من اي وقت مضى ، وان الادارة لامريكية تسعى بنفس الوقت لجر الاطراف الشيعية لأحتراب داخلي ، ربما يساعدها في اعادة ترتيب بعض اوراقها الساقطة ، وما تصريحات رامسفيلد الاخيرة " قبل استقالته ، بان الحكومة العراقية ستتولى امر مقتدى الصدر" إلا تأكيدآ للنوايا الامريكية بهذا الاتجاه .
أن ما نأمله من مواقف ايجابية في التيار الصدري ، مطلوب ايضآ من القوى والشخصيات الوطنية الاخرى التي أتخذت من الاخطاء والنواقص في التيار الصدري ، ذريعة لأخراجه من حقل الحركة الوطنية المناهضة للأحتلال .
أن اعادة تقييم التكتيكات السياسية لبعض القوى ذات النفس الوطني ، والمشاركة بالعملية السياسية للأحتلال ، تكتسب اهمية استثنائية في هذا المنعطف الخطير من تاريخ العراق ، خاصة في عدم الفصل بين موضوعة وجود الاحتلال وعدم شرعيته ، عن واقع الأزمة الازمة الطاحنة التي يعيشها العراق ، ومحاولة التعويض المصطنع عنها بتضخيم دور( العملية السياسية) والمصالحة الوطنية ، والذي لم يزد الوضع إلا انحدارآ نحو الهاوية ، ومن هذه الاهمية جاءت دعوات العديد من المراجع ، وخاصة الرسالة الموجهة من هيئة علماء المسلمين بتاريخ 26-9 -2006 الى الحزب الاسلامي العراقي وجبهة التوافق العراقية ، والتي تدعوهم فيها الهيئة الى الانسحاب من العملية السياسية ، والتخلي عن المساهمة في تمزيق العراق والمشاركة في تشريع وترسيم قرارت التفكيك والتقسيم .
ان مهمة تحرير العراق وتكريس وحدته الوطنية ، ووضعه على سكة البناء والديمقراطية ، هي مهمة تاريخية ، لا تستطيع جهة معينة لوحدها الاضطلاع بها او ادعاء انجازها ، إنها مهمة كل الوطنيين العراقيين وكل التيارات الوطنية بجميع اتجاهاتها ، انها مهمة البندقية والخطاب والقلم والنفس الحر ، ومن هنا تبرزاهمية وحدة فصائل العمل الوطني ، المسلحة وغير المسلحة ، في داخل العراق وخارجه .
#كاظم_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟