أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العلاوي - أسطورة الداما














المزيد.....

أسطورة الداما


عبد الرحيم العلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7801 - 2023 / 11 / 20 - 20:25
المحور: الادب والفن
    


براد شاي في الصينية، بعض ورقات نعناع وسط الكاسات، قطعتان من السكر، يتحلق القوم حولها وهم يتفرجون على جعفر أسطورة لعبة " داما " ، وخصمه الشاب المتحمس، الذي مع علمه أن جعفر لم ينهزم قط، أصر على اللعب ضده.
براد الشاي لم يُدفع ثمنه، الخاسر من سيتكلف بذلك، وسيحتسي الحاضرون على شرف جعفر الرابح في نظرهم قبل البدء بتحريك القطع في الرقعة.

ما إن بدأ الشاب بحركة تقليدية هز جعفر رأسه، لقد دفع البيدق إلى الجانب المغلق، بها عرف أنه مبتدئ وليس ندا له.
- واقلة غادي نسبقك يا الفاطمي.
- ألا يا، حتى أنا على بال.
" الفاطمي"صديقه القديم، هو أيضا رجل متقاعد، لا يفهم كثيرا في لعبة " داما"، لكنه جيد في تقليب الشاي من الكأس للبراد، بعد وضع السكر والنعناع، ثم سكبه في الكاسات برَغوته الصاعدة، والقدر مضبوط لديه، الكل يشرب، وما يزيد العجب أن توقيت انتهاء " الفاطمي" من تحضير الشاي هو بالضبط وقت انتهاء المنافسة.

تفوه جعفر، منح بعدها الشاب قطعة لكسبها بسهولة، ثم الثانية ثم الثالثة، فالرابعة.
التقم كل طعم رماه في طريقه، لم يفهم الشاب شيئا، أيعقل بهذه البساطة سيتفوق على الأسطورة!
قام جعفر بحركته البهلوانية المعروفة، يرفع رأسه للسماء ثم يقفز قائلا: " نوض على سلامتك".
يطلق الناس صياحا، ضحكات، تصفيقات على إيقاعات الدقة المراكشية.
طول مدة اللعب لا يركز جعفر مع الرقعة، بل تتسمر عيناه تجاه خصمه، هذا أسلوبه دائما، جِلسته نفسها، ثقته التي تقهر الخصوم، طاقيته على رأسه، جلبابه الذي فقد لونه من كثرة تعرضه لأشعة الشمس، ومن مرات تصبينه، بعد التقاعد قعد على عرش لاعبي " داما".

تبدأ حياة الأجانب بعد تقاعدهم، يطوفون العالم في رحلات استكشاف، يخوضون تحديات جديدة لإحياء الشغف بداخلهم، لكن الفرق شاسع، فالعربي يتقاعد بمشية مترنحة، متهالك الجسد، وبأجرة لا تكفيه للتداوي.
بعد أن يُصرف تقاعده الهزيل يضعه في يد البقال الذي ملأ كُناش " الكريدي"، إلا من بعض مئات الدراهم التي يعطي منها لزوجه، ويحتفظ بمئتي درهم في جيبه.
فأين السفر، وأي شغف سيحتفظ به جعفر!
ما عاد يفكر في شيء غير جلوسه مع الأصحاب للعب " داما "، مستمتعا بالانتصار على من يتحداه، محتسيا للشاي المجاني.

الرقعة اكتسحها بنقلات محسوبة على رؤوس الأصابع.

مع ٱخر بيدق للشاب الذي أصبح كالمتفرجين لا يحرك ساكنا، قال جعفر : " خسرتي الواد الكبير غرقتي أولدي" ثم فتح فمه ضاحكا ليبدو سنه الأوحد.
لم يتوقع سماع الشاب القائل بعفوية:
- الغرق أن يقتلنا الفراغ، تلك خسارة الدنيا والٱخرة.
تقاسيم وجهه الباسمة اتخذت شكل العبوس، وقف مغادرا وحيدا، وقد وضع فوق الصينية درهما، هي مساهمته في ثمن البراد الذي اشتركه تسعة وهو.
مكانه في الصف الأول لم يعد يسبقه إليه أحد، استبدل قطع الداما بسبحة لا يتركها في كل أحواله.

حين يقترب من مكان عرشه القديم، يدير وجهه مبتعدا، متعوذا كأنما يرى الشيطان يتفحصه من بعيد، خانسا وقد تفرق عنه الجمع.



#عبد_الرحيم_العلاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورقة جموح
- العملة واحدة
- فرصة العمر
- نائم ومستيقظ
- مفارقات
- في عيد الحب.. وما الحب؟
- البغل
- نهيق


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العلاوي - أسطورة الداما