بمناسبة مرور 100عام على نشأة السيريالية (البيانات السريالية): أندريه بريتون (1896-1966).

عبدالرؤوف بطيخ

الحوار المتمدن-العدد: 7788 - 2023 / 11 / 7 - 09:59
المحور: الادب والفن
    

ظهر البيان السريالي الأول كمقال — والذي أُعطي بعض أجزاء منه للجريدة الأدبية في 6 سبتمبر 1924 —، وتلاه بيان "بواسون القابل للذوبان"في باريس عن طريق طبعات "دو القوس" في عام 1924. البيان الثاني للسريالية، نُشر في البدايةفي الثورة السريالية في 15 سبتمبر 1929، تم نشره بواسطة "كرا طبعات دو القوس" في عام 1930.
كان القصد من بيان السريالية في الأصل أن يشكل مقدمة لكتاب بواسون قابل للذوبان. يحتوي النص أيضًا على أثر لهذا المشروع الأولي، حيث يتحدث بريتون عن "السطور المتعرجة والمثيرة للجنون في هذه المقدمة".
في ربيع عام 1924، كرس بريتون نفسه بنشاط لممارسة الكتابة التلقائية، التي تم تجربتها بالفعل في المجالات المغناطيسية، ويتوافق بيان السريالية، الذي تم تأليفه بين مايو ويوليو من نفس العام، مع الرغبة في إجراء تفكير نظري حول هذا الموضوع. كما أنه جزء من الاهتمام بهيكلة المجموعة التي تم تشكيلها عام 1919 حول مجلة الأدب. باعتراف بريتون نفسه، حقق البيان السريالي "نجاحًا عظيمًا" (رسالة إلى زوجته سيمون بتاريخ 11 نوفمبر 1924)إن ادعاء كرا الإعلاني ليس مبالغًا فيه:
"كل الأدباء الشباب يتحدثون عن البيان السريالي وبريتون".
يقدم "البيان الثاني للسريالية" نفسه باعتباره تكملة للمقال الذي نُشر عام 1924، لكن اللهجة والموضوع مختلفان تمامًا. إنه يعكس التوترات القوية للغاية التي سادت المجموعة في نهاية عشرينيات القرن العشرين. والنتائج التي تم استخلاصها من خمس سنوات من ممارسة السريالية ليست متفائلة. ينبع هذا العمل الجديد أيضًا من الرغبة في تقييم العلاقات بين السريالية والماركسية، حيث يدعي بريتون بشدة "التزام" المجموعة بـ "مبدأ المادية التاريخية". أولئك الذين هاجمهم بريتون، رد عليهم جورج باتاي في المقدمة نشر في 15 يناير 1930 كتيبًا بعنوان جثة.
بيان السريالية. يشير بريتون في المقام الأول إلى :
"عملية الموقف الواقعي" التي تُترجم، في المجال الأدبي: بـ "وفرة الروايات" وفي المجال الأعم للعقل، بـ :
"عهد العقل" المنطق"تحت رعاية فرويد وباسم حرية الخيال "التي ربما هي على وشك استعادة حقوقها" ثم ينخرط في بعض التأملات في الأحلام وفي روعة الأدب، ثم يروي رحلته الشعرية الخاصة. وولادة الكتابة التلقائية. وهو يسمي هذا "نمط التعبير الجديد" الذي حدده لوصف "السريالية". ويبين أن التلقائية هي مزود غني للصور، ويفحص خصوصية الصورة السريالية. يشكل الكولاج، سواء التصويري أو الشعري، أيضًا ممارسة سريالية متميزة، ويقدم بريتون بعض الأمثلة. وأخيرًا، يشكك في "تطبيقات السريالية على الفعل" ويؤكد بقوة على "عدم المطابقة المطلق" للمجموعة.
البيان الثاني للسريالية. بتعميق البحث في المقال السابق، وشهادة على التأثير الذي يمارسه عليه التفكير الماركسي المنبعث من الديالكتيك الهيغلي، يدعي بريتون سعيه إلى "نقطة معينة من العقل" التي تلغي كل التناقضات. ومع ذلك، سرعان ما يتخذ النص مظهر تصفية الحسابات. وبعد التشكيك في النماذج المرموقة ـ "عندما يتعلق الأمر بالثورة، لا ينبغي لأحد منا أن يحتاج إلى أسلاف" ـ مثل رامبو وبودلير (لم ينج سوى لوتريامونت) هاجم بريتون معاصريه؛ هناك عدد قليل ممن لم يخونوا السريالية في نظره. كما يؤكد تمسكه بـ«الثورة»، ويحاول أن يبين أن السريالية لا تنفصل. إلا أن هذا لم يكن رأي الحزب الشيوعي، ويروي بريتون مشاكله معه. في نهاية المطاف، يسير العدوان والضيق جنبًا إلى جنب:
"أنظر حولنا بحثًا عن شخص ما لأتبادل معه، إن أمكن، علامة ذكاء، لكن لا: لا شيء".
يشكل البيان الأول للسريالية إعلان الإيمان وفعل المعمودية للحركة. "أنا أؤمن بالحل المستقبلي لهاتين الدولتين، المتناقضتين على ما يبدو، وهما الحلم والواقع، في نوع من الواقع المطلق، والسريالية، إذا كان من الممكن أن نضع الأمر على هذا النحو. والامر متروك له"الفتح الذي أريده":
لهجة المقال حماسية وتبشيرية، وحتى رؤيوية. السريالية، في الواقع، بعيدة كل البعد عن أن تقتصر على المبادئ الجمالية المتعلقة بالإبداع الفني وحده: فهي تتطلب التزامًا كاملاً يتعلق بالعقل والوجود بأكمله. تشرح هذه الفرضية الفورة الجدلية للبيان السريالي الثاني - والتي سيسعى بريتون، التائب، إلى تخفيفها في التحذير المرفق بطبعة عام 1946 - حيث يرى المؤلف أن الكثير من أعضاء المجموعة قد فشلوا من خلال هذا أو ذاك من خلال فشلهم. السلوكيات. إنه في الواقع، باستخدام صيغة البيان السريالي "عمل من السريالية المطلقة" السريالية هي أخلاقية أكثر منها جمالية.
إن تعريف بريتون للسريالية في بيان عام 1924 يجسد الرغبة في الشمولية، بل وحتى الشمولية في التعنت الشديد الذي ورد في البيان الثاني. يستحق هذا التعريف أن يُستشهد به في مجمله:
"السريالية، هي آلية نفسية خالصة يقترح من خلالها التعبير، سواء لفظيًا أو كتابيًا أو بأي طريقة أخرى، عن الأداء الحقيقي للفكر. إملاء الفكر، في غياب أي سيطرة يمارسها العقل، خارج أي اهتمام جمالي أو أخلاقي. إنسيكل. فيلوس. تقوم السريالية على الإيمان بالواقع المتفوق لأشكال معينة من الارتباطات التي كانت مهملة سابقًا، وفي القدرة المطلقة للأحلام، وفي لعبة الفكر النزيهة. إنه يميل إلى تدمير جميع الآليات النفسية الأخرى بشكل نهائي واستبدالها في حل مشاكل الحياة الرئيسية. المشروع عالمي والسريالية، في جوانبها الاستفزازية والمدمرة في كثير من الأحيان، هي إنسانية حقيقية. ويؤمن بقدرة الإنسان على الهروب من القيود الفكرية والأخلاقية والاجتماعية التي تقمعه، ويهدف إلى تحرير الإنسان. لذلك هناك مشروع ثوري هنا، وليس من قبيل الصدفة أن المجموعة، كما يتضح من البيان الثاني للسريالية، سعت إلى دمج الفكر الماركسي في تفكيرها وممارستها، كونها في ذلك الوقت التجسيد الرئيسي للثورة السياسية والاجتماعية...إلا أن هذا التقارب لم يكن بالأمر السهل. أدى ذلك إلى اشتباكات عديدة داخل المجموعة وفي النهاية إلى تفككها، وهو ما ثبت في مقال عام 1930. بالإضافة إلى ذلك، حكم بريتون، الذي كان عليه الدفاع عن السريالية من الاتهامات التي وجهها الحزب الشيوعي ضد توجهاتها، بأنها "مناهضة للشيوعية" ومعادية للثورة" لم يتنازل أبدًا عن مبادئه، وهو ما لم يكن كذلك حالة جميع أعضاء المجموعة. بالنسبة لبريتون، ظلت السريالية دائمًا المطلب الأساسي. فهو يضع فرويد أمام ماركس، ويرفض فكرة "الفن البروليتاري":
"لا أؤمن بإمكانية الوجود الحالي لأدب أو فن يعبر عن تطلعات الطبقة العاملة" (البيان الثاني).
تعكس البيانات السريالية الرحلة الفكرية لجيل من الفنانين الذين يتصارعون مع الرغبة في إعادة التفكير في الإنسان ككل ومع التيارات النظرية والسياسية لعصر ما. وحتى لو لم يتم دائمًا تحقيق الارتباط بالثورة الاجتماعية بطريقة فعالة ومقنعة، فإن السريالية في حد ذاتها هي مشروع ثوري. وقد ساهم هذان النصان، سواء أثارا التأييد أو العداء، بشكل كبير في فرض الحضور الدائم للبريتونية والسريالية على المشهد الفكري والفني في القرن العشرين.
______________________________________________________________________
المصدر: الأعمال الكاملة أندريه بريتون.
الرابط الأصلى: https://www.poesie-damour.com/2017/01/andre-breton.html...

#عبدالرؤوف_بطيخ (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات