أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ساره حسين كامل - طبيعة الوجود عند ارسطو















المزيد.....


طبيعة الوجود عند ارسطو


ساره حسين كامل

الحوار المتمدن-العدد: 7767 - 2023 / 10 / 17 - 08:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أرسطو.... 384-322 قبل الميلاد( Aristotle / Aristote )
فيلسوف وعالم موسوعي ومؤسس علم المنطق وعدد من الفروع الأخرى للمعرفة الخاصة. اعتبره ماركس « أعظم مفكري العصور القديمة ». وُلد في ستاجيرا في تراقيه، وتربى في أثينا بمدرسة أفلاطون. انتقد نظرية أفلاطون الخاصة بالصور المفارقة (المثل)، إلا أنه لم يتمكن من التغلب على مثالية أفلاطون تماما، وتأرجح بين 1 « المثالية والمادية » وقد أسس مدرسته الخاصة في أثينا عام 335 قبل الميلاد. ولقد ميز أرسطو في الفلسفة بين:
1- الجانب النظري الذي يتناول الوجود ومكوناته وعلله وأصوله.
2- والجانب العملي الذي يتناول النشاط الانساني.
3- والجانب الشعري الذي يتناول الابداع.
وموضوع العلم عنده هو العام، الذي يمكن التوصل إليه عن طريق العقل. ومع ذلك فإن العام لا يوجد إلا في الجزئي الذي يُدرك بطريقة حسية ولا يُعرف إلا عن طريق الجزئي، وشرط المعرفة بالعام هو التعميم الاستقرائي الذي يكون مستحيلا بدون الادراك الحسي. وقد ميز أرسطو بين علل أولية أربع هي:
1- المادة أي الامكانية السلبية للصيرورة.
2- الصورة (الماهية، ماهية الوجود) وهي تحقق ما ليس إلا إمكانية في المادة.
3- بدء الحركة.
4- الغاية.
واعتبر أرسطو الطبيعة كلها تحولات متتابعة من "المادة" إلى "الصورة" وبالعكس. ولكن أرسطو لم ير في المادة إلا مبدأ الانفعال، ونسب كل فعل إلى الصورة التي أرجع إليها بداية الحركة وغايتها. والمصدر الأول لكل حركة هو الله، « المحرك الأول الذي لا يتحرك ». ومع هذا فإن نظرية أرسطو المثالية في "الصورة" هي – في نواح عدة – « أكثر موضوعية من مثالية أفلاطون، وأبعد منها مدى وأكثر منها يقينا، ومن ثم فهي في فلسفة الطبيعة أكثر مادية في الغالب »2 ويرتبط المنطق الصوري عند أرسطو ارتباطا وثيقا بنظرية الوجود ونظرية المعرفة ونظرية الحق، لأن أرسطو رأى في الأشكال المنطقية أشكالا للوجود في الوقت نفسه. وفي نظرية المعرفة ميز أرسطو بين اليقين الواضح والمحتمل، الذي يدخل في باب "الظن" , ومع ذلك فهو يربط بين هذين الشكلين من المعرفة عن طريق اللغة. وليست التجربة عند أرسطو المرحلة الأخيرة في عملية التحقق من "الظن"، بل إن المصادرات العليا للعلم تتأكد حقيقتها مباشرة عن طريق العقل لا عن طريق الحواس. ومع ذلك فإن البديهيات العليا المتاحة للمعرفة عن طريق التأمل ليست كامنة في عقولنا بل تفترض النشاط: جمع الوقائع، توجيه الفكر نحو الوقائع، الخ. وغاية العلم القصوى هي تعريف الموضوع، وشرط هذا هو الجمع بين الاستنباط، والاستقراء.ولما كان لا يوجد أي تصور يمكن أن تضاف إليه جميع التصورات الأخرى وبالتالي لا يمكن تعميم التصورات المختلفة في فئة مشتركة واحدة فإن أرسطو قد بيّن لنا المقولات، أي الفئات العليا التي تنتسب إليها جميع الفئات الأخرى للأشياء الموجودة وجودا حقيقيا. وفي الكوزمولوجيا رفض أرسطو نظرية الفيثاغوريين ونادى بمذهب مركزية الأرض للكون، وهو المذهب الذي استحوذ على جميع العقول حتى أيام كوبرنيك صاحب نظرية مركزية الشمس للكون. وفي مجال فلسفة الأخلاق اعتبر أرسطو التأمل أعلى صورة للنشاط العقلي
مفهوم الحركة عند أرسطو

الوجود الطبيعي هو الذي يتعلق بالمادة، وكل ما هو مادي فهو متحرك. ومن هنا فموضوعا الطبيعة ومفهوم الحركة هما اللذان استأثرت بهما فيزياء أرسطو. فقد اهتمت على الخصوص بالمبادئ وكيفيات الحركة عند الكائنات الطبيعية التي تختلف عن الكائنات المصطنعة في كونها تمتلك مبدأ حركتها الذاتية.
ليتمكن من شرح إمكانية الحركة، كان ضروريا بالنسبة لأرسطو، الرجوع إلى عناصر ومبادئ الكائن، وهو ما شكل موضوع المقالة الأولى من كتاب الطبيعة3 .فخلافا للمدرسة الإيلية (بارمينيدس) التي كانت تعتقد أن الكائن يتميز بالوحدة، وبأن الوحدة تتعارض مع التغير أي أنها تعلي من شأن السكون وعدم الحركة، فقد اعتبر أرسطو، وحتى يتغلب على هذه الإشكالية، أن الكائن يتألف من عناصر أساسية تشكل مبادئه.
« ولذلك وفي اتجاه تعليل الأجسام الطبيعية، يرى أرسطو أنها مركبة من مبدأين: هيولي أي مادة أولى غير معينة أصلا، وبها تشترك الأجسام في كونها أجساما، ومن صورة وهي المبدأ الذي يعين الهيولي ويكسبها ماهية خاصة ويجعلها شيئا واحدا وهي ما نتعقله من الأجسام... والهيولي هي بمثابة الخشب قبل أن يصنع منه شيئا. فتكون الصورة بمثابة الشكل الذي يعطى للخشب فيصير تمثالا أو آلة من الآلات «.4
عندما يكون الكائن عرضة للتغير فإن ما يبقى ثابتا فهي مادته، وما يتغير هي صورته: إن الإنسان يبقى دائما إنسانا (مادة) سواء كان موسيقيا (صورته) أو غير موسيقيا. فإذا كان الكائن يتألف من مادة ثابتة وصورة متغيرة، وبما أن الصورة تتغير من طرف إلى طرف ضده فإن الكائن يصبح قابلا للحركة. إلا أن مفهوم التغير سوف يطرح صعوبات عدة من ضمنها تلك التي تحيلنا تلقائيا إلى ألفاظ مثل ظهور أو اختفاء: ظهور شيء ما كان غير موجود، أو اختفاء شيء ما كان موجودا. هذا التحليل لن يصمد طويلا من الناحية المنطقية، بحيث يصعب على المرء تصور انتقال شيئا ما من اللاوجود إلى الوجود أو العكس. وهذا المشكل كان قد طرح بنفس الحدة داخل الديانات «الخلقية» التي تقول بأن العالم قد خلق من طرف الإله من لا شيء.5
كعادته سوف يقترح أرسطو حلا لهذه المعضلة بإدراجه مفهوما جديدا، بمثابة حل وسط بين الوجود واللاوجود: إنه الكائن ب»القوة». فالتغيير، يقول أرسطو، ليس هو الانتقال من اللاوجود إلى الوجود، ولكنه انتقال من «القوة» إلى «الفعل»، وبالتالي من وجود إلى وجود آخر. هكذا يصل أرسطو إلى تحديد الحركة كما يلي:
«الحركة فعل الممكن»6
المادة لا معينة، والصورة هي التي تحدد كما قلنا الكائن وتجعله كما هو وبالتالي هناك حركة عندما تتصل الصورة بالمادة. ومادام لا توجد حركة خارج الأشياء، يجب دائما عندما يتغير الكائن أن يحصل التغير إما في الجوهر أو الماهية، أو في الكمية، أو في الكيفية، أو في مكان الكائن. وبما أن الكائن ممكن أن يكون واقعيا أو مجرد ممكن، فإن الانتقال من الممكن إلى الواقع هو الذي يحدد الحركة أي الفعل، أو تحقيق الممكن بما هو ممكن. إن الحركة تفترض في كل تغيير الانتقال من الوضع الافتراضي virtuel إلى الواقع وبالتالي من «القوة» إلى «الفعل». وهي تبحث عن كمالها، يجب على الحركة أن تبقى غير تامة إذا أرادت أن تدوم في فاعليتها؛ وهذا هو جوهر الحركة الذي يفرض أن شيئا ما يبقى مضمرا وكامنا. إن فعل بناء منزل هو البناء، قبل أن يكون المنزل مبنيا ليس هناك حركة؛ المنزل فقط ممكن. بعد بنائه لم تعد هناك حركة، هناك حركة أثناء إنجاز الفعل.7 بالمثل أيضا أن شخصا ما لا يمكن له أن يروي ظمأه من جبل ثلج، ولكن عندما يذوب الثلج ويصير ماءا يمكن له ذلك: الماء كان يوجد في جبل الثلج ولكنه يوجد ب «القوة»، كإمكانية فقط، أما عندما ذاب الثلج وصار ماءا واقعيا فإنه انتقل إلى الفعل.
مفهوما القوة والفعل دفعا أرسطو أبعد من ذلك بالتفكير في العلاقة بين الإنسان والحيوان، حيث سمح له هذا التفسير إلى اعتبار جميع الخصائص البشرية مثل التخيل، اللغة، الفن، وحتى العلم، توجد عند الحيوان ولكن فقط ب»القوة» وغير متطورة. وهذا ما جعل داروين يتبنى أفكار أرسطو في هذه القضية.8
اعتبر أرسطو، متسائلا:لماذا الحركة،وحتى يتسنى له فهم طبيعة الكائنات في شموليتها، أن الفرق بين الكائنات الطبيعية وبين الكائنات غير الطبيعية مثل تلك التي ينتجها الفن البشري، يكمن في أن هذه الأخيرة لا تمتلك مبدأها الذاتي في الحركة والسكون، وذلك بخلاف الكائنات الطبيعية مثل الحيوانات، النباتات والأجسام البسيطة (النار، التراب، الهواء، الماء) التي يكمن في ذاتها إما سبب تحركها وتطورها التلقائي وإما سبب سكونها. « إن الموجود الطبيعي حاصل في ذاته على مبدأ حركة وسكون بالإضافة إلى المكان، أو إلى النمو والذبول، أو إلى الاستحالة، أما المصنوعات كالسرير والرداء وما أشبه، فإن اعتبرناها بما هي مصنوعات، لم نجد فيها أي نزوع طبيعي للحركة، فإن تحركت فذلك إما بالمواد المركبة منها ومن هذا الوجه، وإما بفعل الصانع».9
يرفض أرسطو الاعتقاد بأن النظام والانسجام الموجودان في الطبيعة ينتجان فقط عن الصدفة والضرورة كما يقول بذلك الذريون. إنه يرى بالأحرى في الطبيعة قوة أو عقل «ذكي» قادر على إنتاج أشياء عديدة وجميلة من أجل غاية معينة. هل من الصدفة والضرورة وليس من أجل الغاية، أن يقوم النحل والنمل بتلك الأشغال المدهشة، وبأن الأوراق تحمي الفاكهة في النباتات، والجذور تنبث دائما تحت الأرض للبحث عن أكلها.
لماذا كل هذا النشاط وما هي الغاية التي تهدف إليها الطبيعة؟ إنها بذلك، يقول أرسطو، تعمل من أجل الاقتداء ومحاكاة صانع الكون، لأن ما يميز المحرك الأول هو بالضبط حريته واستقلاله.10
إذا أضفنا السبب الغائي إلى السبب المادي، والصوري، والفاعل، يمكننا حسب أرسطو فهم وإدراك طبيعة الكائنات في كونيتها وشموليتها؛ لأن كل شيء يتكون من مادة، له صورة، فيه حركة، وفوق كل ذلك يتجه نحو غاية. إن العلة الصورية والعلة الغائية تلعبان الدور الأساسي في التفكير الأرسطي، لأن المادة بدون صورة تبقى مضمرة و»قوة»، ويتطلب انتقال المادة إلى الفعل صورة، وإذا علمنا أن «الصورة» هي الشكل الذي يجعل الشيء يقوم بوظيفة ما، أدركنا أن الفعل هو الصورة التي تجعل الشيء يقوم بوظيفته الغائية ويحقق بالتالي ماهيته.
الحركة تتم في الأجسام الطبيعية المتصلة أي أنها متصلة والخاصية الأولى للمتصل هي قابليته للقسمة إلى ما لا نهاية، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن الحركة تستحيل بدون مكان أو زمان أو خلاء.
فيما يخص اللامتناهي، يؤكد أرسطو على وجوده ويبرهن على ذلك من خلال خمس دلائل:
1- الزمان لا نهائي.
2- انقسام المقدار إلى ما لا نهاية.
3- التعاقب اللانهائي والغزير للكائنات.
4- الضرورة المطلقة للانهائي لمعرفة النهائي.
5- لا نهائية الأعداد.
بهذا المعنى لا يمكن أن يوجد اللامتناهي بالفعل، ولكن موجود بالقوة.» وعلى ذلك فليس اللامتناهي ما قد قال القدماء من أنه ما لا شيء خارجه، ولكنه على العكس ما خارجه شيء دائما فهو ضد التام والكامل أي المحدود. وهو مدرك بما لا هو متناه، لأنه مادة من غير صورة وقوة لا تنتهي إلى فعل.»11
بعد نظرية اللامتناهي التي شكلت موضوع المقالة الثالثة من كتاب الفيزياء، اهتمت المقالة الرابعة بنظرية المكان والخلاء والزمان، لقد كان على أرسطو كما هو الشأن بالنسبة للانهائي، وحتى يتجاوز مفارقات زينون المتعلقة بالمكان والزمان، أن يشرع أول الأمر في البرهنة على وجود المكان: عموما ما كان متداولا هو أن ما يوجد يستقر في مكان ما، ومن ليس في مكان ما لا وجود له.
النقلة كنوع من أنواع الحركة تفترض فضاءا ضروريا لحركة الأجسام، كما أن حركة الأجسام الأولية تبرهن على وجود مكان يتوفر على خصائص معينة: حيث أن النار تتجه دائما إلى فوق والتراب إلى تحت، بالإضافة إلى ذلك فالأجسام تتجه إلى اليمين وإلى اليسار، إلى الأمام أو الخلف، مما يرفع إلى ستة عدد الجهات التي تميز الفضاء أو المكان. لا شيء إذا يوجد ويتحرك بدون مكان، إنه طويل الأمد وخالد. المكان مثل الأجسام له ثلاثة أبعاد: الطول والعرض والعمق، ولكنه ليس جسم أو عنصر ولا مركب من عناصر جسمية. كما لا يمكن اعتباره كذلك سببا لأنه ليس مادة أو صورة. تبعا لذلك لا يمكن اعتباره كائنا ما دام ليس جسما أو سببا، لأنه لو كان كذلك لتساءلنا مثل زينون أين المكان من الفضاء؟ لأن كل كائن يوجد ضرورة في مكان معين وبالتالي يصير ممكنا القول مكان المكان وهلم جرا إلى ما لا نهاية.12هنا بالضبط يساهم أرسطو إسهاما مهما، حيث سيميز بين المكان اللانهائي الذي يحوي جميع الأجسام والمكان الخاص الحاوي الأول للجسم. «فمثلا أنت في السماء لأنك في الهواء، والهواء في السماء، ثم أنت في الهواء لأنك في الأرض. لكن وأنت في السماء، في الهواء، وعلى الأرض، فإنك في نفس الوقت في المكان الذي لا يحوي شيئا غيرك».13
ارتباطا بالمكان دائما هناك مشكل الخلاء الذي طرح كذلك قبل أرسطو على هيئة رأيين متعارضين: الرأي الأول يقر بوجود الخلاء وضرورته للحركة، والثاني يؤكد عدم وجود الخلاء. أيد أنكساغوراس الرأي الثاني14، حيث برهن على أن ما نأخذه كخلاء هو في الحقيقة مملوء بالهواء، وبأننا إذا لم ندرك حسيا أي جسم في المكان، نفترضه خال:فإن ذلك راجع إلى وجود الهواء والأثير. أرسطو دعم هذه النظرية واستبعد إمكانية الخلاء في العالم أو داخل الأجسام. ذلك أن نمو الأجسام لا يبرهن على وجود الخلاء داخلها، كما في الحركة، الخلاء غير ضروري إذ أن الأجسام تستطيع أن يحل بعضها محل البعض الآخر دون فرض الخلاء.
في القسم التالي من كتابه ينتقل أرسطو إلى قضية الزمان. وكعادته يبدأ أولا بالبرهنة على وجوده، فيرى أن له وجود ناقص أو غامض، لأننا عندما نقسم الزمان إلى ماضي ومستقبل، سنكتشف أن الماضي كان ولم يعد، أي انقضى، والمستقبل سيكون وليس بعد، أي غيب لايدرك. كما أن الحاضر، اللحظة أو الآن، ليس جزءا من الزمان لأن الزمان لا يتركب من اللحظات. فاللحظة هي حد الزمان لأنها تفصل بين الماضي والمستقبل، ووجودها بالتالي ليس أكثر واقعية من هذين الأخيرين. فاللحظات تتعاقب ولكن لا تتعايش لأن اللحظة تموت بمجرد ولادتها. وإذا ادعينا أن اللحظة ذاتها هي التي تستمر وتدوم فمعنى هذا أن الأحداث التي وقعت في السنوات الماضية والتي نعيشها اليوم ستكون متزامنة. إن أرسطو وهو يناقش قضية الزمان بهذه الدقة لا يسعى إلى نفي وجوده بقدر ما يسعى إلى تبيان كم هو قلق أخذ فكرة عنه.
الزمان ينساب بطريقة منتظمة متساوية وأبدية، وهذا يدل على أنه حركة ولكنه ليس بحركة، لأن هذه الأخيرة خاصية المتحرك غير منفكة عنه، ثم هي سريعة أو بطيئة. على أن الزمان إن لم يكن حركة فإنه في نفس الوقت لا يمكن تصوره بدونها، حيث أن تفكيرنا عندما لا يدرك أي حركة من أي جنس كانت أو تغير، فإننا نعتقد أن الوقت لم يمر. إن الزمان لا يوجد بالنسبة إلينا إلا من خلال الحركة والتغير.
ما هي حقيقة الزمان إذن؟ وما هي علاقته بالحركة؟ يتساءل أرسطو. إن فكرتا المتقدم والمتأخر لا تفهمان إلا لأننا نجدهما في الحركة، بحيث ينطبق المتقدم والمتأخر على الحيز(lieu ) كلما تحرك الجسم. إن الزمان هو إذا تقدير عددي للحركة أي عدد الحركة بحسب المتقدم والمتأخر. إن الحركة في اتصالها، دائما مختلفة؛ إما لأن الجسم يغير الحيز وإما يتغير مع بقائه في نفس الحيز، كذلك الشأن بالنسبة للزمان إذا كان دائما مماثلا، فإن اللحظات المتعاقبة تختلف دائما. بدون زمان ليس هناك لحظة والعكس صحيح، بدون لحظة ليس هناك زمان. فاللحظة بمعنى من المعاني هي الوحدة العددية في الزمان، تفصل بين المتقدم والمتأخر، بين الماضي والمستقبل. إن اللحظة حد الزمان وليست جزءا من الزمان كما أن النقطة ليست جزءا من الخط. لكن إذا كان الزمان قياس الحركة، فالحركة قياس الزمان، ذلك أن الزمان كمتصل يمكن أن يكون قصيرا أو طويلا، وكعدد يمكن أن يكون كثيرا أو قليلا. من هنا فإن الحركة تتضمن المقدار، والزمان يتضمن الحركة. الزمان، الحركة والمقدار يشكلون كميات يمكن دائما أن نقيسها. لكن الزمان لا يقيس كل شيء، هناك موجودات لا يمكنه بلوغها، إنها الموجودات الدائمة التي ليست في الزمان. هل الزمان يمكن أن يغيب؟ يجيب أرسطو بسرعة أن الزمان أبدي مثل الحركة. إن عدم التمييز بين الزمان والخلود سيؤدي به إلى عدم التمييز بين الحركة والمحرك الأول. أخيرا إذا كان الزمان هو عدد وقياس الحركة، بمثل أن هذه الأخيرة هي قياس الزمان، فهل يتعلق الأمر بأي حركة أم بحركة محددة؟ أرسطو يفك هذه المسألة بقوله إن النقلة الدائرية السماوية هي قياس جميع الحركات الأخرى. ومن ثم هي قياس الزمان، لأنها الحركة الوحيدة المتسقة والمنتظمة على الوجه الأكمل.
بعد نظريات الزمان، واللانهائي، والمكان، والخلاء تتجه أفكار أرسطو نحو الحركة وحدها التي شكلت موضوع الكتب الأربعة الأخيرة من فيزيائه. ما يتغير في العالم، لا يمكن أن يتغير وبالتالي يتحرك إلا بطرق ثلاث: عرضي غير جوهري، جزئي، ومطلق. وهذه الطرق الثلاث تهم المحرك والمتحرك على السواء. ومن جهة أخرى فكل تغير هو من طرف إلى طرف ضده.
« وعلى ذلك فلا تغير من اللاوجود إلى اللاوجود، إذ ليس بينهما تضاد، وإنما التغير من اللاوجود إلى الوجود، ويعني كونا، ومن الوجود إلى اللاوجود، ويعني فسادا، ومن الوجود إلى الوجود أي انتقال الشيء من حال إلى حال، ويعرف بالحركة». 15
يوجد ثلاثة أنواع من الحركة: الحركة في الكمية والكيفية والحيز: عندما يكبر جسم أو يصغر، ينمو أو ينقص، فهي حركة في الكمية، وعندما ينتقل الجسم من الحرارة إلى البرودة أو العكس، بدون تغيير في الكمية، فهي حركة في الكيفية، وأخيرا عندما يتحرك جسم بدون تغيير لا في الكمية ولا في الكيفية فهي حركة في الحيز. الحركة الأولى تسمى نمو ونقصان، والثانية تسمى استحالة، والثالثة نقلة. 16
الحركة عند أرسطو أبدية، لأن الزمان، بما هو عدد الحركة، أبدي أيضا. فالحركة في التفكير الأرسطي، وخلافا لما قال به أنكساغوراس وأمبيدوقليس، ليس لها بداية، ولكن لا يمكن أيضا أن تكون لها نهاية؛ لأنه لا يمكن تصور تغير أولي بدون وجود تغير سابق عليه. وبالمثل ليس سهلا فهم تغير أخير غير متبوع بتغير آخر.
اعتبر أرسطو في السياق ذاته، واعتمادا على الملاحظة الحسية، أن هناك في العالم أشياء تتحرك، وأشياء أخرى لا تتحرك، كيف ذلك؟ إننا عندما نرمي حجرة بالعصا فإن اليد هي التي تحرك العصا، والرجل هو الذي يحرك اليد؛ومن هنا يستخلص أرسطو أن في كل حركة يجب الرجوع إلى المحرك الأول، الذي هو بالضرورة غير متحرك مع نقل الحركة التي يخلقها ويتوفر عليها إلى الخارج. نقرأ للأستاذ البعزاتي يقول: « فعند أرسطو أن وراء كل حركة محرك يسببها، وتتسلسل الحركات والمحركات في علاقة سببية، إلى المحرك الأول الذي لا محرك له، أي لا سبب لوجوده». 17
المحرك الأول بالنسبة لأرسطو، هو مبدأ كل الحركات في الكون ولا يمكن البحث عن أي شيء خارجه، وإلا سيجرنا الأمر إلى غير نهاية، ويتوفر على جزأين: جزء يحرك ولا يتحرك وجزء محرك ويتحرك بدوره. إن الحركة إذا كانت أبدية، فإن المحرك الأول، يستنتج أرسطو، هو أيضا أبدي ووحيد. لكن إذا كان المحرك الأول كذلك، فما هي طبيعة ونوع الحركة التي ينتجها؟ إن الحركة إذا كانت أبدية، فالمحرك الأول الذي هو أيضا أبدي، لا يمكن حسب أرسطو أن ينتج بالضرورة إلا حركة وحيدة متجانسة متصلة وأولية مثله. وإذا نظرنا من قرب إلى الأنواع الثلاثة للحركة، فإننا سنجد، والحالة هذه، أن الحركة في الحيز أو النقلة Translation هي التي تستجيب لهذه الشروط؛ وذلك لأنها من الناحية المنطقية هي أولى الحركات، ثم لأنها امتياز الكائنات الأكثر تطورا، وأخيرا لأن المادة تبقى تابثة أكثر في النقلة مما هي عليه في الحركة في الكمية أو الكيفية. بالإضافة إلى هذا، فإن الحركة في المكان هي الوحيدة التي يمكن لها أن تكون متصلة. لكن داخل النقلة يجب التمييز بين النقلة الدائرية، والنقلة على شكل خط مستقيم، والنقلة المختلطة. من بين أنواع النقلة من هو الذي يعطينا حركة وحيدة، دائمة، لا نهائية، ومتصلة، كما هو الشأن في حركة المحرك الأول؟ يتساءل أرسطو. إنها الحركة الدائرية.
كتب نفس الباحث البعزاتي يقول:
«الحركة عند أرسطو صنفان أساسيان: حركة تحصل في السماء، وهي دائرية ومنتظمة وسرمدية لأنها حركة أجرام من طبيعة أثيرية لطيفة، لا تتغير طبائعها، وحركة تحصل فيما تحت القمر، وهي مستقيمة ومتغيرة تناسب تغير العناصر وتكونها وفسادها، كما تخضع لمقاومة الوسط». 18
تلك إذن هي آخر أفكار أرسطو الفيزيائية حيث أنهى هذه الدراسة الشاملة بنظرية عن فعل الإله في الكون.
خاتمة
يعتبر أرسطو ( 384-322 ق.م ) من بين الفلاسفة الكبار في تاريخ الفلسفة. لقد تتلمذ على يد أستاذه أفلاطون، وكان عنصرا بارزا بأكاديميته، قبل أن يؤسس بعد وفاة هذا الأخير مدرسته الخاصة التي سماها الليسي أو المدرسة المشائية PERIPATOS.
ألف الكثير من المؤلفات والمقالات، ولكن لم يصلنا منها إلا القليل، كما خلف فكرا فلسفيا وعلميا كبيرا شمل جميع فروع المعرفة، ويعتبر أوج ما وصلت إليه الحضارة والفكر اليونانيين حيث كان تأثيره واضح ليس فقط على الحضارات التي جاءت من بعد، بل إن تأثيره ما زال ملموسا حتى وقتنا الحاضر. ففيزيائه تكون نظرية شاملة ومتماسكة وترتكز على أسس النظام والترتيب. إنه علم الوضوح والبداهة الذي يوافق الحدس البشري وإدراكه.
يبقى أرسطو في اعتقادنا عالم كبير ومفكر موسوعي، صحيح أن بعض عناصر نظريته الفيزيائية شابها الخطأ مثل حركة الأجرام السماوية، سكون الأرض، سقوط الأجسام، خوف الطبيعة من الفراغ والقوة المسببة للحركة، وهي العناصر التي تم تصحيحها ابتداءا من القرن السادس عشر على يد العديد من العلماء، أمثال كوبيرنيك، كيبلر، كاليلي، ديكارت، نيوتن، لايبنتز و لابلاص. لكن هل بدون أفلاطون كان بالإمكان ظهور أرسطو كما نعرفه اليوم، هل بدون كيبلر، كاليلي وديكارت كان بإمكان نيوتن أن يبرع في مثل ما برع فيه، ثم ألم يترك هذا الأخير صاحب «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية» السؤال حول طبيعة الجاذبية معلقا، ولم تتم الإجابة عنه وتفسير هذه الطبيعة إلا بعد مرور حوالي ثلاثة قرون، من طرف نظرية النسبية العامة لصاحبها ألبير أنشطاين. إنها في نظرنا طبيعة المعرفة التي ليست كلا جاهزا، بل سيرورة تطورية ينقح ويصحح فيها اللاحق، ما اعتراه الخطأ أو جانب فيه الصواب السابق.
مؤاخذة أخرى توجه لأرسطو وتفيد أن فكره اعتمد بالأساس على الاستنتاج المنطقي، وهمش دور التجربة، ثم أنه مزج بين العلم الطبيعي وما بعد الطبيعة أو الميتافيزيقا. لكن أليس المحرك الأول عند أرسطو هو إله ديكارت، أو أن فهم نيوتن لطبيعة القوة يمكن إعادة قراءته على ضوء ما احتوته حقيبته الخاصة من مخطوطات ألخيميائية، حسب ما ذهب إليه بعض مؤرخي العلوم في العقود الأخيرة.19
كان أرسطو وعاش ابن عصره ومن حيث هو كذلك، فإن فكره بقي محصورا ومتمحورا حول السؤال المتعلق بلماذا الأشياء، ولم يتجاوزه إلى السؤال عن كيف هي الأشياء، يكفي أنه إلى جانب أفلاطون وسقراط وآخرون من بني جلدته في الحضارة اليونانية أيقظوا الشهية بالنسبة للعلم. لهذا الاعتبارات كلها فإن المرء لا يبالغ عندما يعتبر فكر وإنتاج أرسطو بمثابة الحصيلة المجسدة لكل الثقافة الفلسفية والعلمية اليونانية.20



المراجع العلمية
1-(لينين المجلد 38 ص 286) https://www.marxists.org/arabic/glossary/people/01.htm
2-(لينين، المجلد 38 ص 282). « إن أرسطو يقترب كثيرا من المادية » (المصدر السابق، ص 287).
3- Durant A., Physique d?Aristote ou leçons sur les principes généraux de la nature, Tome1, Traduction en français pour la première fois et accompagnée d?une paraphrase et de notes perpétuelles par Barthélemy de Saint hilaire T..., éd. de Paris : LADRANGE, 1862, récupéré de :
www. remarcle.org/blood wolf/philosophe/aristote/table
4 - غالب م.، في سبيل موسوعة فلسفية، م7، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1988، ص:48.
5-Montminy J. Les philosophes de l?antiquité : leur contribution à diverses problématiques. Récupéré de : https://www.jbphi.com
6 - Durant A. مرجع سابق
7 - تفس المرجع
8 - Montminy J.مرجع سابق
9- غالب م.، مرجع سابق، ص: 51.
10 - Ibid
11- غالب م.، مرجع سابق، ص: 68.
12 - Durant A., مرجع سابق
13- غالب م.، مرجع سابق، ص: 69.
14 - Ibid
15- غالب م.، مرجع سابق، ص: 65.
16 - Durant A.مرجع سابق
18- البعزاتي ب.، الأفق الكوني لفكر ابن رشد، منشورات الجمعية الفلسفية المغربية، ط1، 2001، ص: 107.
19- نفس المرجع، ص: 107.
20- Abattouy M., le concept de force chez Newton : Explication Mécanique ou Interprétation Alchimique ? Publication de la faculté des Lettres et des Sciences Humaines, Rabat, 1997, p : 3-29.



#ساره_حسين_كامل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا الجاهل بين عالمي
- أنا الجاهل بين عالمي
- -مفهوم السعادة عند التيار السقراطي بين المادية والمثالية-


المزيد.....




- -سرايا القدس- تعلن مقتل 3 من عناصرها في قصف إسرائيلي على جنو ...
- أردوغان: فرص نجاح مبادرات السلام الأحادية دون مشاركة روسيا ض ...
- مصر: أفرجوا فورًا وبدون شروط عن الناشط السياسي البارز محمد ع ...
- إسرائيل تعلن مقتل -قائد القوة البحرية- لحماس
- مراسل RT: قصف مدفعي إسرائيلي في محيط المستشفى الكويتي وسط مد ...
- عشرات القتلى والجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مناطق في مدينتي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: قد يكون هذا الصيف -ساخنا- في الشمال ...
- -جداول الحياة-.. أداة جديدة تتنبأ بمدة حياة قطتك
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية قائد القوة البحرية التابعة لحماس ...
- ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ساره حسين كامل - طبيعة الوجود عند ارسطو